رغم أن محكمة العدل الدولية لم تبت في جوهر الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، فإن "أوامر" قصر السلام في لاهاي اعتبرتها الدولة الأفريقية "انتصارا".

وكانت جنوب أفريقيا طلبت في الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل أمام أكبر هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات عاجلة تتضمن وقفا للعمليات العسكرية في قطاع غزة.

واتهمت الدولة الأفريقية، إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المبرمة عام 1948، كرد عالمي على محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.

لكن المحكمة لم تستخدم عبارات مثل وقف إطلاق النار أو العمليات في غزة، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي منذ أكتوبر الماضي حربه الرامية لـ "القضاء" على حماس، وهي الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 وتصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

ودعت محكمة العدل الدولية، الجمعة، إسرائيل إلى منع ارتكاب أي عمل يُحتمل أن يرقى إلى "إبادة جماعية" في غزة، وإلى السماح بوصول مساعدات إنسانية إلى القطاع الذي يشهد "كارثة إنسانية"، وفقا للأمم المتحدة.

صياغة منطوق الحكم

أستاذ القانون الدولي في مصر، أيمن سلامة، قال إن المحكمة "لا تستطيع وقف إطلاق النار ضد طرف واحد (إسرائيل) في صراع مسلح دون الطرف الثاني (حماس)".

في حديثه لموقع قناة "الحرة"، يشرح سلامة ابتعاد المحكمة في منطوق حكمها عن إقرار أمر "وقف إطلاق النار" بالقول إن "الطرف الآخر ليس خصما في الدعوى (..) حماس جماعة مسلحة من غير فاعلي الدول، وهي لا تستطيع المثول أمام المحكمة".

وأضاف أن "فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة لها صفة مراقب حتى تتمكن من رفع القضية بنفسها" لتكون خصما لإسرائيل في المحكمة، وهذا كان تساؤلا بارزا في هذه القضية، بحسب الخبير سلامة.

وأضاف: "محكمة العدل الدولية جهاز قضائي وليس سياسيا مثل مجلس الأمن"، وذلك كانت العبارة موجهة لإسرائيل باتخاذ التدابير لمنع الإبادة الجماعية، بحسب كلامه. 

ولم تقرر المحكمة في جوهر القضية حول ما إذا كانت إسرائيل فعلا ترتكب أعمال إبادة جماعية في غزة من عدمه، إذ يتوقع أن يتم اتخاذ قرار نهائي بعد سنوات.

وردا على سؤال بشأن قرارات المحكمة تعتبر موجب عناية أم موجب نتيجة، قال سلامة إن "كل ما يصدر عن محكمة العدل الدولية إلزامي لطرفي النزاع سواء إسرائيل أو جنوب أفريقيا".

وقانونا، يعتبر موجب النتيجة أو الالتزام بتحقيق النتيجة، الالتزام الذي بموجبه يقوم الشخص أو الطرف بتحقيق نتيجة معينة بحيث إذا لم تتحقق هذه النتيجة اعتبر أنه لم ينفذ التزامه، بينما موجب الوسيلة أو الالتزام ببذل العناية هو الالتزام الذي يقوم بموجبه الشخص بإتباع قدر معين من الحيطة والحذر في سلوكه وتدابيه دون أي التزام بتحقيق نتيجة معينة.

وتابع سلامة: "المحكمة ألزمت إسرائيل أن توافيها بتقرير (عن التدابير) خلال شهر (..) التدابير لا تصدر في صيغة قرارات، ولكن في صيغة أمر لطرفي النزاع".

ورغم أن التدابير المؤقتة لم تشمل وقفا كاملا لإطلاق النار، لكن المحامية السابقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، حذرت مما وصفته بـ "إساءة فهم خطيرة من شأنها تقويض قوة القرار".

في حديثها لموقع "الحرة"، رأت شحادة أن القرار التي اتخذته محكمة العدل الدولية هي "تدابير ملزمة بتحقيق النتيجة المرجوة منها وليست بموجب عناية، بل بموجب قانوني مباشر يحمل إسرائيل المسؤولية الجنائية".

وأضافت: "المحكمة قالت حرفيا على إسرائيل ضمان الوقف الفوري من قبل قواتها المسلحة لكل ما ذكر في البند الأول، بما في ذلك اتخاذ إسرائيل ضمن نطاق سلطتها، تدابير لمنع جرائم الإبادة الجماعية أو الإيذاء أو التأثير السلبي على حياة الناس".

وتابعت: "الفقرة الثانية تقول وقف إطلاق النار ضد المدنيين وأكثر من ذلك بصراحة (..) الناس لم تنتبه للفقرة الواضحة والحاسمة في هذا القرار".

واندلعت الحرب بعد هجمات شنتها حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 1140 شخصا في إسرائيل غالبيتهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفقا للسلطات الإسرائيلية.

واختطفت حماس نحو 250 رهينة إلى داخل القطاع لا يزال 132 منهم محتجزين هناك، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أن 28 على الأقل لقوا حتفهم.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء" على حماس وباشرت عملية عسكرية واسعة خلفت أكثر من 26 ألف قتيل، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال والفتية، حسب وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس.

"سياق مختلف"

وأشارت شحادة إلى أن "الجدل" في قرار المحكمة جاء بعد قضية سابقة قضت فيها المحكمة ذاتها عام 2022، بضرورة أن تعلق روسيا العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور.

وقالت إن "سياق تلك القضية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا يختلف كليا عن دعوى جنوب أفريقيا الحالية ضد إسرائيل".

واستطردت بقولها: "المحكمة ليس لها سلطة تلزم حماس بأي شيء، فهي ليست دولة وليست عضوا في اتفاقية الإبادة الجماعية وليست متهمة بارتكاب ذلك".

وقالت إن المحكمة "يجب ألا تخرج عن اتفاقية الإبادة الجماعية التي تستند إليها في الشكوى الحالية" لجنوب أفريقيا.

وفي هذا الإطار، يقع "على إسرائيل واجب دولي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع وارتكاب الإبادة الجماعية عام 1948 وبموجب نظام محكمة العدل الدولية وميثاق الأمم المتحدة ذاته" بالالتزام بقرارات المحكمة كونها طرفا في الدعوى، حسبما قال سلامة.

واستشهد الخبير المصري باجتماع مجلس الأمن الذي يعقد، الأربعاء، بطلب من الجزائر "بغية إعطاء قوة إلزامية لحكم محكمة العدل الدولية فيما يخص الإجراءات المؤقتة المفروضة" على إسرائيل، وفقا لما قالته الخارجية الجزائرية.

وقال سلامة إن ذلك يأتي على اعتبار أن "المحكمة ينقصها أداة أو آلية تنفيذية لإنفاذ ما تصدره من قرارات أو أوامر".

وأضاف موضحا: "وهي (العدل الدولية) مثل المحكمة الجنائية الدولية كلاهما ليس لديهم جيش أو عناصر أمن تابعة لهم لإجبار الدول على تنفيذ ما تصدره المحكمة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة وقف إطلاق النار الأمم المتحدة جنوب أفریقیا على إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الطعام فخ للقتل.. شهادات مروعة عن مجازر إسرائيل بغزة

لم يكن نزهة أو خيارا توجّه فلسطينيين إلى مراكز المساعدات المشبوهة التي أقامتها إسرائيل وسط قطاع غزة وجنوبه، بل كان مدفوعا بالجوع القاتل وانعدام أي مصدر آخر لسد الرمق.

رجال ونساء وأطفال خرجوا من خيامهم وسط الحطام، بحثًا عن كيس دقيق أو علبة غذاء تبقيهم على قيد الحياة، استجابة لإعلان عن توزيع مساعدات في مناطق قيل إنها آمنة تحت إشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لكن سرعان ما شوهد عشرات منهم يركضون مذعورين، وسقط منهم قتلى وجرحى، نقلوا بعربات بدائية تجرها حيوانات بسبب عدم تمكن سيارات الإسعاف من الوصول إلى المكان.

في شهادات مؤلمة جمعتها وكالة الأناضول من مصابين وذويهم، تتجلى مأساة الفلسطينيين المُجوّعين الذين وجدوا أنفسهم بين فكّي الجوع والنار.

لاحقتهم قذائف الطائرات والدبابات حتى في المناطق التي خصصت لهم كمنافذ للمساعدات، لتخلف وراءها أجسادا ممزقة وذكريات دامغة محفورة بالدموع والخوف.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت إسرائيل في 27 مايو/أيار الماضي تنفيذ مخطط مشبوه لتوزيع مساعدات إنسانية، عبر ما تُسمى مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة إسرائيليا وأميركيا والمرفوضة من قبل الأمم المتحدة.

إعلان

وحدد جيش الاحتلال الإسرائيلي 4 نقاط لتوزيع المساعدات عبر هذه المؤسسة، منها 3 جنوب القطاع وواحدة في محور نتساريم الذي يفصل بين جنوب القطاع وشماله.

وتسمح إسرائيل فقط لهذه المؤسسة المتواطئة معها بتوزيع مساعدات شحيحة في مناطق عازلة جنوب القطاع، بهدف تفريغ الشمال من الفلسطينيين، بينما يباشر الجيش بإطلاق النار على حشود الجائعين، مخلفا قتلى وجرحى.

ومنذ انطلاق العمل بهذه الآلية، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجازر دامية قرب نقاط توزيع المساعدات، خصوصا في مدينة رفح جنوب القطاع.

ومنذ 27 مايو/أيار المنصرم حتى صباح الثلاثاء، ارتفع عدد ضحايا المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي قرب مراكز التوزيع إلى 99 قتيلًا ومئات الجرحى، بحسب متابعة الأناضول لبيانات مصادر فلسطينية.

ويقول فلسطينيون توجهوا إلى تلك النقاط إن الجيش الإسرائيلي يطلق الرصاص صوبهم عشوائيا أثناء انتظارهم الحصول على طرود غذائية.

"ذهبنا للحصول على الطعام فأصيب أخي"

يزن مصلح، شقيق طفل جريح يدعى يزيد (13 عامًا)، قال "كنا جالسين في خيمتنا، وحين سمعنا بوصول المساعدات ركضنا نحو مركز التوزيع، وأبي أجلسنا في منطقة بعيدة قليلًا قالوا إنها آمنة، لكنها لم تكن كذلك".

وأضاف "بدأ إطلاق النار عشوائيا، وأخي لوح بيديه للطائرة كي لا تطلق عليه النار، لكن الرصاصة اخترقت بطنه فخرجت أحشاؤه".

وتابع "صرخت طالبا المساعدة، وتمكنا من إسعافه بعربة يجرها حيوان. لم نعد بشيء سوى إصابته. كنا نبحث عن شيء يسد جوعنا فقط".

ومنذ 2 مارس/آذار من العام الجاري، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر أمام المساعدات المتكدسة على الحدود، الأمر الذي أدخل القطاع في مجاعة وأدى إلى استشهاد كثيرين.

"رصاص من كل الاتجاهات"

والد الطفل الجريح، إيهاب مصلح، روى تفاصيل ما يعانيه وأسرته من جوع وخوف وقال "من شدة الجوع، ذهبت إلى منطقة التوزيع في خان يونس، أجلست أولادي في مكان اعتقدت أنه آمن، ودخلت لأتسلّم الطعام. لكن الرصاص كان ينهال علينا من كل الاتجاهات".

إعلان

وأكمل الوالد "لم نأخذ شيئًا، فقط عدنا بإصابة خطرة لابني، نحن لا نريد شيئًا سوى وقف هذه الحرب الظالمة".

وأمس الاثنين، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى محاسبة الجناة المسؤولين عن قتل وإصابة فلسطينيين أثناء سعيهم للحصول على مساعدات إغاثية في قطاع غزة.

تعليمات زائفة

بدوره، قال خالد اللحام، أحد المصابين، إنه أصيب بينما كان يتوجه لتسلّم المساعدات من منطقة صنفها الجيش الإسرائيلي أنها إنسانية.

وأضاف "ذهبنا بناء على تعليمات الجيش الإسرائيلي، قالوا إنها منطقة آمنة لكننا فوجئنا بوابل من الرصاص، أصبت أنا والعشرات، وسقط عدد من الشهداء. كنا نبحث عن الطعام فقط، لا نملك شيئًا، ولم نأكل منذ أسبوع".

وتابع "حين وصلنا، أطبق علينا من كل الجهات، إطلاق النار كان من الدبابات والمسيّرات والمروحيات. ذهبت لإحضار الطعام لأولادي فعدت برصاصة في ظهري".

وتوزع المساعدات في ما تُسميه إسرائيل مناطق عازلة في جنوب قطاع غزة، وسط مؤشرات على فشل المخطط، إذ توقف التوزيع مرارًا بسبب تدفق أعداد كبيرة من الجائعين، وإطلاق القوات الإسرائيلية النار على الحشود، مما خلف قتلى وجرحى.

خيارات معدومة

ضحية آخر، هو الشاب الجريح محمد البسيوني، قال إنه استيقظ منذ الفجر وخرج بين أنقاض الحي الواقع بين رفح وخان يونس، لهدف واحد هو إحضار الطعام لوالده المريض.

قال البسيوني "أمي رفضت أن أذهب لكني أصررت، كنا بحاجة للطعام (لأن) والدي مريض. خرجت عند الساعة السادسة صباحًا، وعندما وصلت بدأ إطلاق النار".

وأضاف "أصبت في ظهري، ونقلوني بواسطة توكتوك (عربة بعجلات)، وخضعت لعملية جراحية، الآن أنا بخير، لكن غيري عاد جثة".

وختم بتنهيدة ثقيلة "كنا نعلم أننا قد نقتل لكن لا خيار آخر، الجوع قاتل. نريد أن تنتهي الحرب والحصار.. أن تنتهي هذه الغمة".

ومرارا، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن الآلية الراهنة لتوزيع ما تسمى مساعدات هي أداة من أدوات الإبادة الجماعية، وتستهدف تهجير الفلسطينيين قسرا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.

إعلان استنكار دولي

وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أكدت الاثنين أن آلية توزيع المساعدات الأميركية المدعومة من إسرائيل لا تلبي الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ودعت إلى تمكينها من إيصال المساعدات بأمان.

كذلك نددت منسقة شؤون الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود كلير مانيرا بقتل عشرات الفلسطينيين أثناء انتظارهم للمساعدات، مؤكدة أن النظام الجديد لتوزيع المساعدات يفتقر إلى الإنسانية والفاعلية.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الجيش الإسرائيلي يرتكب جريمة مزدوجة تجسّد استخدام المعونة سلاحا للإذلال والإخضاع والتدمير والقتل.

وأكد المرصد أن الجيش الإسرائيلي حوّل نقاط توزيع المساعدات إلى ساحة جديدة لقتل المدنيين المُجوَّعين وسحقهم.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا للمباني وتهجيرا للسكان، متجاهلة نداءات دولية وأوامر أصدرتها محكمة العدل الدولية بوقف الحرب.

ويقدر عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين جراء حرب الإبادة الإسرائيلية بأكثر من 178 ألفا، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين.

مقالات مشابهة

  • مصدر يكشف توقع إسرائيل لموعد رد حماس على مقترح أمريكا لوقف إطلاق النار
  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة ستواصل وقوفها إلى جانب إسرائيل
  • أول تعليق من حماس على فيتو أمريكا بشأن وقف إطلاق النار في غزة
  • جلسة بمجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة
  • وسائل إعلام فلسطينية: قتيل وعدة إصابات خطيرة جراء قصف إسرائيلي على منطقة "النادي الأهلي" في "مخيم النصيرات" بغزة
  • إعلام عبري: اتصالات إسرائيلية قطرية مباشرة لدفع مسار التهدئة بغزة
  • العفو الدولية تدعو لرفض خطة المساعدات التي تستخدمها “إسرائيل” سلاحا ضد المدنيين في غزة
  • 7 أسئلة تشرح لماذا تمعن إسرائيل بنسف المباني السكنية بغزة؟
  • الطعام فخ للقتل.. شهادات مروعة عن مجازر إسرائيل بغزة
  • مصادر : إسرائيل لن ترسل وفدًا إلى قطر للمفاوضات حول غزة