ما هو مصير الوساطات في الأزمة السودانية؟

د. أماني الطويل

يشكل تجميد الحكومة السودانية لعضويتها في منظمة الإيجاد خطوة، تطرح أسئلة بشأن موقف جهود الوساطة الإقليمية من الأزمة المحتدمة في السودان، تحت مظلة الاستقطاب الداخلي السوداني الذي يأخذ أشكالا عرقية، وقبلية وأيضا جهوية، كما يطرح أسئلة موازية بشأن قدرة هذه الوساطات على اختراق حالة التعقيد المركب في المشهد السوداني المسلح.

بداية، لا بد من الإشارة أن خطوة تجميد السودان لعضويتها جاءت على خلفية قرار قمة طارئة لـ «إيجاد»، بتجديد الدعوة للقاء مباشر بين طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) في غضون أسبوعين، وذلك على الرغم من فشل المنظمة في تأمين حضور محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لقاء تم ترتيبه بجيبوتي في ديسمبر الماضي لنفس الهدف أي جمع الجنرالين المتصارعين، وبدلا من حضور اللقاء، قام حميدتي بجولة للقاء رؤساء دول، هم أعضاء في منظمة إيجاد ذاتها في خطوة أقل ما يقال عنها، إنها مكايدة ضد البرهان ومن ورائه من قوى سياسية واجتماعية وقبلية وجهوية، ومن الأسف أن وافق عليها رؤساء دول في أداء دبلوماسي غير مطروق ولا مقبول.

وبطبيعة الحال السياسي الذي نعرفه في السودان رد البرهان على المكايدة بموقف سياسي، يجمد عضوية بلاده في منظمة إىجاد، بعد أن اتخذت قرارا بعقد قمة جديدة في كمبالا، دعت إلى نفس الإجراء أي لقاء البرهان وحميدتي متجاهلة طبقا لمنطوق بيان وزارة الخارجية السودانية القرار الرسمي من السودان بوقف انخراطه، وتجميد تعامله في أي مواضيع، تخص الوقع الراهن في السودان تحت مظلة منظمة إيجاد.

هذا النموذج من التفاعل الإقليمي مع الأزمة السودانية يشير إلى ضرورة توافر شروط بعينها للنجاح في مسألة الوساطة أولها، المسافة الواحدة بين طرفي الصراع، ويبدو أن إيجاد بسبب الدعم الذي تجده من الأطراف الغربية، ومقولات الحلول الإفريقية للأزمات الإفريقية التي يتبناها الاتحاد الإفريقي، دون فاعلية واقعية في حل الأزمات، تتجاهل هذه المسألة أو تتعالي عليها في وقت، يبدو فيه المشكل السوداني في بعض تجلياته تعبيرا عن صراع عرقي وجهوي إلى جانب الصراع السياسي، حيث لا بد هنا أن يؤخذ بعين الاعتبار مكوناته على الأرض، وطبيعة انحيازاته للرموز السياسية أو العسكرية التي تعبر عنه.

على أية حال، حضور ممثل عن الجامعة العربية في قمة كمبالا، قد يكون بداية انتباه من جانب إيجاد بضرورة تضمين، واحترام كافة المكونات السودانية وكافة تجلياتها.

ولكن على المستوى الإجرائي، وفي خطوة متعجلة ومستغربة ومتجاهلة الوقائع على الأرض، وجهت الأمانة العامة لـمنظمة الإيجاد والاتحاد الإفريقي، بالبدء في إجراء مشاورات مشتركة مع أطراف النزاع، لإطلاق عملية سياسية في غضون شهر، تنتهي بتشكيل حكومة ديمقراطية في البلاد، وهو ما يعني انحيازا جديدا لطرح، يتبناه حميدتي ومن معه للحصول على شرعية سياسية بحكومة تنفيذية.

على الصعيد المقابل، فإن الفريق البرهان يتجاهل الخيار التفاوضي ،وربما ما رشح عن منبر جدة في مراحله الأخيرة، يشير الي ذلك، حيث حقق المنبر خطوات متقدمة، فيما يتعلق بموافقة الدعم السريع على الانسحاب من مواقع محددة لها قيمة رمزية للقوات المسلحة السودانية، وتم تجاهل هذه الخطوة المتقدمة، وحدث انسحاب لوفد الجيش بضغط، فيما يبدو من جانب أجنحته المتأثرة برموز الجبهة القومية الإسلامية في السودان، وربما هذا ما يفسر ضعف الحماس السعودي للفاعلية في الأزمة السودانية، والتمثيل الدبلوماسي منخفض المستوى في قمتي إيجاد الأخيرتين.

وقد ترتب على إهمال الخيار التفاوضي من جانب البرهان على الرغم من اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، منذ نوفمبر الماضي، أن تم اللجوء لأطراف إقليمية مثل، إيران لتسليح الجيش من جهة، وكذلك طرح مقاومة سميت (بالشعبية) ممن تم تسميتهم بالمستنفرين، وهم منتشرون جهويا في شمال ووسط وشرق السودان، ويمثلون القاعدة القبلية والاجتماعية لكل من الجيش، وتيار الإسلام السياسي في السودان.

في هذا السياق، نستطيع أن نرصد تداعيات إهمال الخيار التفاوضي في عدد من النقاط منها، أن استدعاء إيران لنقطة تمركز جديدة على شاطئ البحر الأحمر تحت مظلة الصراع في غزة، قد يشكل حساسية، بل رفض أمريكي للأداء السوداني، وبالتأكيد مثل هذه الخطوة، لن توافق عليها كل من المملكة العربية السعودية ومصر، بحسبان أن هذه الإتاحة السودانية لإيران، هي قوة مضافة لإيران غير مطلوبة، ولا مقبولة إٍقليميا.

أما على الصعيد الداخلي، فإن تسليح المدنيين قد ترتب عليه فوضى لحظية، حيث باع البعض منهم قطع السلاح لمجهولين واستخدموا الأموال في الخروج من السودان، كما برزت مصالح ضيقة لبعض رجال الأعمال السودانيين متوسطي القدرة الاقتصادية، جعلهم يمولون ويدعمون مدنيين بالسلاح في خطوة لموالاة الجيش، نظير حرية تعدين الذهب في بعض المناطق، كما أسفر الخطاب الاستقطابي المصاحب لعملية الاستنفار التي أطلقها البرهان، أن تم طرد مواطنين سودانيين منتمين للغرب من ولايات الوسط والشمال، وفي المقابل تم طرد مواطنين، ورجال أعمال من الوسط من مناطق غرب السودان.

وعلى صعيد مواز، فإنه يبدو، أن أكثر الأطراف تشددا ضد التفاوض، وهو علي كرتي، الأمين العام للجبهة القومية الإسلامية، بات طبقا لتسريبات متطابقة من عدد من الأطراف غير مسيطر على شباب الحركة الذين انخرطوا في حملات الاستنفار، ومن المتوقع، أن يكونوا قد تحالفوا مع خلايا نائمة لتنظيمات متطرفة مثل، داعش وغيرها في تطور غاية في الخطورة للسودان، وللإقليم الممتد من شرق إفريقيا نحو شمال القارة.

هذا المشهد بالتأكيد، يذكر بنمط الصراع الصومالي الذي أنتج أمراء للحرب على مستوى المناطق، وأسفر عن حرب أهلية ضعضعت الصومال وما تزال.

وقد يكون السؤال المطروح في هذه التفاعلات الساخنة، والمعقدة بالسودان، ماهي الشروط اللازمة؛ لتطوير موقف البرهان ومن معه للانخراط في عملية تفاوضية، دعوت إليها قائد الجيش السوداني من أكتوبر الماضي، أي قبل سقوط نيالا، وأكدت عليها، فيما عرف ونقل عني تحت عنوان حديث إلى البرهان.

في تقديري، مطلوب تقدير صحيح، يستبصره البرهان، ومن معه في هذه المرحلة الدقيقة، وهو تقدير قائم على محورين: الأول، أنه رغم اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، إلا أنهم لن يستطيعوا حكم السودان؛ لأسباب مرتبطة بالوعي العام، بأن المشروع السياسي الذي يطرحه حميدتي حاليا، لا يملك مصداقية من ناحية الجدية في الخيار التفاوضي، وذلك بعد أن مارس مكايدة، ضد البرهان في جيبوتي، ولا يملك مصداقية في الموقف من التحول الديمقراطي؛ بسبب مشاركته في انقلاب أكتوبر ضد المدنيين، وربما بسبب ذلك، نرى أن تحالفه مع المدنيين في تحالف “تقدم” هو نوع من التحالفات الانتهازية المؤقتة التي تعرفها السياسية السودانية تاريخيا.

أما المحور الثاني، فهو وجود حاضنة شعبية للجيش من جانب الطبقة الوسطى السودانية الغير منخرطة في التفاعلات السياسية، وهي الطبقة القائدة والمرجحة للتحولات السياسية في أي بلد.

في هذا السياق، فإنه ربما يكون من المطلوب في هذه المرحلة، هو تقدم قوى إقليمية بمبادرة جديدة، تقوم على أسس الحياد السياسي بين الأطراف السودانية، والكفاءة الإجرائية؛ لإقناع البرهان الذي هو في موقف قوة بالفعل، بالدخول في تفاوض، يحقق وقفا لإطلاق النار، طال انتظاره في السودان، وذلك قبل الانخراط في حرب أهلية شاملة.

الوسومأماني ال الأزمة السودانية البرهان الخيار التفاوضي القوات المسلحة الوساطات حميدتي د. أماني الطويل منبر جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأزمة السودانية البرهان القوات المسلحة الوساطات حميدتي د أماني الطويل منبر جدة الأزمة السودانیة الدعم السریع فی السودان من جانب

إقرأ أيضاً:

بعد معارك عنيفة.. خروج المستشفى الرئيسي في الفاشر السودانية عن الخدمة

اقتحمت قوات من الدعم السريع مستشفى الفاشر الجنوبي في السودان، السبت، قبل أن تدور معارك عنيفة في محيطه.

وأفاد أطباء في المستشفى الجنوبي بأن قوة من الدعم السريع "اقتحمت المستشفى وصادرت هواتف ومقتنيات الكوادر الطبية، كما أُصيب مدير المستشفى والمدير الطبي خلال الاقتحام"، وفق موقع "سودان تربيون".

وتحدث شهود عيان عن تسلل قوة من الدعم السريع إلى الفاشر واقتحامها المستشفى، قبل أن تدور معارك بينها وبين الجيش وقوات الحركات والمقاومة الشعبية.

من جهتها قالت منظمة "أطباء بلا حدود"، الأحد، إن المستشفى الرئيسي في مدينة الفاشر الذي تدعمه المنظمة تعرض للهجوم وخرج عن الخدمة بحسب وكالة "رويترز".


وتؤوي المدينة الواقعة في إقليم دارفور بشمال غرب السودان أكثر من 1.8 مليون ساكن ونازح، وهي أحدث جبهة في القتال الدائر منذ نيسان/ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وتسعى قوات الدعم السريع، التي تسيطر على العاصمة الخرطوم ومعظم المناطق في غرب السودان، إلى التقدم أكثر في وسط البلاد، فيما تقول وكالات تابعة للأمم المتحدة إن الشعب السوداني يواجه "خطر مجاعة وشيكا".

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 130 ألفا فروا من منازلهم في الفاشر بسبب الأعمال القتالية في أبريل نيسان وأيار/ مايو.

ولم تذكر المنظمة اسم الجهة التي هاجمت المستشفى، وهو الوحيد في مدينة الفاشر القادر على التعامل مع ما تصفه المنظمة بأنها أحداث يومية تشهد سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين.

وقالت المنظمة إن نحو 1315 جريحا دخلوا المستشفى فيما توفي 208 بداخله خلال الفترة من 10 أيار/ مايو إلى السادس من يونيو حزيران، لكن عددا كبيرا من الأشخاص لا يقدر على الوصول إلى المستشفى بسبب القتال.

وصرح ميشيل-أوليفييه لاشاريتي، رئيس عمليات الطوارئ بالمنظمة، لـ"رويترز" بأن المستشفى بدأ في وقت سابق إجلاء المرضى بعد أن تأثر بالقتال ثلاث مرات منذ 25 أيار/ مايو.

وذكرت غرفة طوارئ الفاشر والمعسكرات، وهي مجموعة من المتطوعين، الأحد، أن مقاتلي قوات الدعم السريع داهموا المستشفى، السبت، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدة أشخاص ونهب أدوية وسيارة إسعاف وإجبار المستشفى على غلق أبوابه.

وقال شاهد لـ"رويترز" إنه رأى أشخاصا يخرجون من المستشفى، وقال شهود آخرون إن قوات الدعم السريع أطلقت صواريخ على المستشفى والمناطق المجاورة له.

وقالت تنسيقية مخيم أبو شوك ومتطوع إن هجوما آخر وقع أمس على المخيم الواقع إلى الشمال من المدينة، مما أثر على مركز طبي آخر وأدى إلى مقتل اثنين على الأقل وإصابة أكثر من 30 شخصا.


ونشر مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية تقريرا الأسبوع الماضي قال فيه إن نحو 40 تجمعا سكنيا خارج المدينة تعرض لحرائق متعمدة منذ آذار/ مارس.

وقال سكان محليون إن قوات الدعم السريع مسؤولة عن الهجمات.

ويواجه الأشخاص الذي يتركون المدينة خطرا كبيرا، إذ يقول السكان إن الفارين يتعرضون للهجوم وحتى القتل على الطريق الرئيسي المؤدي إلى خارج المدينة والذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع.

وذكر عامل إغاثة وسكان إن معظم الفارين إما يتجهون جنوبا إلى معسكر زمزم أو غربا إلى منطقتي طويلة وجبل مرة، اللتين تسيطر عليهما جماعات مسلحة منها فصيل جيش تحرير السودان الذي يرأسه عبد الواحد محمد نور.


الفاشر تحترق
قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة بورتسودان شرقي السودان، إن الدعم السريع هاجمت الفاشر السبت “في أكثر من اتجاه وتسللت إلى المستشفى الذي يحتضن عددًا من المصابين جراء القصف المتعمد“.

وأشار إلى أن الجيش وقوات الحركات استطاعوا التصدي للهجوم، مشددًا أن المدينة تحترق.

وتحدث مناوي عن أن التقييم الذي يجريه نهاية كل يوم من المعارك يخلص إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين مقارنة بالعسكريين من الجيش والقوة المشتركة، مفسرًا ذلك بأنه "محاولة لإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق سكان الفاشر".


مقالات مشابهة

  • الهندي عزالدين: القاعدة الروسية .. “البرهان” ليس ” تشرشل” والسودان ليس بريطانيا العظمى
  • الحياد الروسي في حرب السودان
  • عيساوي: بيعة البرهان
  • أوتشا: الحرب السودانية تغذي كارثة إنسانية بأبعاد أسطورية
  • هل الحرب ضد البرهان أم الكيزان؟
  • الحيثيات الحالية بتلزمنا انو نكون مع البرهان في خندق واحد
  • معارك متفرقة في السودان والأمم المتحدة تحذر من “كارثة لا نهاية لها”
  • بعد معارك عنيفة.. خروج المستشفى الرئيسي في الفاشر السودانية عن الخدمة
  • "الدعم السريع" تطلق سراح 537 من أسرى الشرطة السودانية
  • قوات الدعم السريع تطلق سراح المئات من أسرى الشرطة السودانية