جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@19:52:49 GMT

"كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس"

تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT

'كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس'

 

د. لينا الموسوي

"كُل ما يعجبك والبس ما يعجب النَّاس" مثل من الأمثال العربية الشائعة والتي اعتدنا على سماعها في كل مجتمعاتنا العربية تقريبًا، وحسب ما قرأت أنه مثل قديم عمره 1400 سنة ويعود إلى أبي عمرو بن العلاء التميمي، وكان يقصد فيه كل ما تشتهيه ولكن اجعل مظهرك لائقًا مألوفًا يعجب النَّاس.

وعندما أسمع هذا المثل يخطر على بالي سؤال مهم: لماذا يجب أن يكون اللباس محل إعجاب النَّاس، فقد تكون الأبعاد الفكرية وراء هذا المثل أعمق بكثير مما نسمع.

في رأيي الشخصي، أن المأكل والملبس أمور خاصة بكل فرد، تعكس نفسه وفكره وروحه وشخصيته؛ حيث إنَّ الناس أنواع وشخصيات وأفكار مختلفة ناتجة عن محصلة وانعكاسات البيئة التي يعيشون فيها، فهي المؤثر الأساسي على سلوكهم الشخصي.

اللباس قد يكون مرآة تعكس الحرية الفكرية للتعبير عن نفسه وروحه ومهنته أحيانا، فإذا نظر في المرآة نجده يحاول إظهار كيف يحب أن يعبر عن نفسه وذاته من خلال مظهره الخارجي فنجده ينعكس على سلوكه وحركته ومحيطه.

أعتقد أن إرضاء المجتمعات والناس شيء صعب للغاية، وهذا بسبب تنوع المفاهيم الفكرية والتربوية والنفسية والاجتماعية لكل شخص، فكيف يستطيع المرء أن يرتدي ما يعجبه ويأكل ما يعجبه ويفرح في ذاته ودواخله واختياراته بعيدًا عن رفض المجتمع وانتقاداته؟!

هذا في اعتقادي يكون في اتباعه الأساليب الصحيحة المدروسة والمبنية على أسس؛ سواء في المأكل أو الملبس بما يتناسب مع حاجاته الصحية والنفسية والعملية والتركيز عليها.

وذلك مثلا في معرفة الغذاء المناسب إلى صحته وحياته واتباع الأنظمة الغذائية الصحية فتكون أسلوب حياة يعتاد عليه ونظاما عاما يتبعه المجتمع وكذلك انتقاء اللباس المناسب لكل مكان ووقت وإدراك الفرق بين لباس العمل والرياضة ولباس المناسبات وزيارة الأماكن الدينية فيكون قد نجح في التعبير عن نفسه وذاته؛ بما يتناسب أيضًا مع محيطه.

هذا المثل قد ينطبق أيضًا على موضوع التصميم المعماري والتصميم الداخلي وذلك باختيار الأشخاص التصاميم التي تتناسب مع حاجاتهم الأسرية وإمكانياتهم المادية، وإدراك أن لكل قطعة أرض موقعًا خاصًا بها وخصائص وشروط وقوانين تختلف عن الأرض التي تجاورها، فنجدها تتميز في الشكل والمضمون فتبتعد عن التقليد في المفهوم؛ فيكون لباس الواجهات المعمارية جميلا وتصميم وترتيب الفضاءات الداخلية يتناسب مع أصحاب المكان ليصبح انعكاسًا حقيقيًا لمُلّاكه، وليس استنساخًا، فتتطور المدن بطريقة صحيحة ويرتقي الفكر وتتحقق الحرية والديمقراطية المبنية على أسس متينة تحترم ذوق وحرية الآخرين.

وأخيرًا.. أتمنى للجميع الاستمتاع بكل مأكل يجده لذيذًا، وبكل الملابس التي يستمتع بارتدائها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الطمأنينة.. المعنى الحقيقي للحياة

في خصم السنوات المتعاقبة التي يقضيها الإنسان في الركض خلف تفاصيل الحياة، يظن نفسه أنه يبحث عن أشياء محددة: النجاح، مكانة، أو انتصارات تمنحه شعورًا مؤقتًا بالإنجاز.

لكن مع مرور الوقت، يكتشف المرء أن كل تلك المساعي لم تكن يومًا كفيلة بملء الفجوات الداخلية العميقة، وأن ما يبحث عنه حقا ليس أمرا ماديا، بل حالة من السلام الداخلي، "هدوء يتكئ عليه" حين تضيق به الحياة، وروح قادرة على التمسك بأشيائها مهما أثقلتها الظروف.

هذا الإدراك لا يأتي فجأة، بل ينضج من خلال تجارب يمر بها الإنسان، فيعتاد الركض وراء كل ما يظن أنه سيحدث فرقا في حياته، ثم يفهم لاحقا أن كل هذا الركض لم يكن سوى محاولة لتسكين قلق داخلي عميق. ومع هذه التقلبات، يصبح الهدوء والبساطة والطمأنينة غاية لمشروع حياة كاملة.

ومن بين أكثر ما يكتشفه الإنسان حاجته إلى علاقة تمنحه الأمان، وعلاقة إنسانية مستقرة لا تركز على المثالية ولا على الوعود الكبيرة، بل على دعم حقيقي ووجود شخص يرى ما وراء الضعف، فيتحمل العثرات، وشخص تكون لديه الأسباب الكافية للمحبة حتى في الأوقات التي يفشل فيها المرء في إيجاد سبب ليحب نفسه. فالأمان ليس مجرد كلمة، بل وجود قادر على تهدئة الفوضى الداخلية، بنظرة صادقة وكلمة مطمئنة.

وحين يبدأ الإنسان بالاقتراب من هذا النوع من الراحة الداخلية، يتحول المنزل الذي يعود إليه إلى أكثر من مجرد جدران، فيصبح مكانًا يحتضن قلقه اليومي وتعبه، ومساحة تتسع لانفعالاته دون أن يضطر لإخفائها أو تبريرها.

ولم يعد بحاجة إلى الهروب إلى الخارج أو التشتت ليخفف عن نفسه، بل يكفيه أن يعود إلى زاوية دافئة تحتضنه، قادرة على المداواة مما أثقل قلبه.

ومع هذا الصفاء الإنساني، تتلاشى فكرة التشتت الداخلي بين "أنا" بالأمس و"أنا" اليوم، فيبدأ الإنسان بفهم ذاته والأحاديث التي يجريها مع نفسه والخطط التي يرسمها، وحتى لحظات الصمت التي يقف فيها متأملا تصبح مسارا واحدا يحاول حمايته والحفاظ عليه.

ومع مرور الوقت، يكتشف أن السكينة التي يبحث عنها ليست في العالم الخارجي، بل في انسجامه مع ذاته.

وفي نهاية كل يوم، حين يعود التعب، تتحول لحظات الصمت إلى مساحة آمنة يخفف فيها الإنسان عن نفسه، ولا يبحث عن حلول خارقة، ولا ينتظر أن يتغير العالم من حوله، بل يكفيه أن يجد داخل نفسه ما يستند إليه ليواصل الطريق. تلك القدرة على مواساة الذات تصبح الخط الفاصل بينه وبين قسوة الحياة.

وفي الصباح، عندما تستيقظ على أيام هادئة، قد تبدو للبعض أنها أيام عادية جدًا، لكنها مكسب كبير؛ فالقيمة الحقيقية ليست في الأيام الصاخبة ولا الأحداث الكبيرة، بل في تلك اللحظات التي يشعر فيها أن قلقه أخف وأن روحه أكثر طمأنينة.

ومع مرور الوقت، يتعلم الإنسان أن أعظم ما يحظى به خلال مسيرته هو العلاقة الصادقة مع ذاته، وهذه علاقة لا تبنى على المثالية، بل على فهم عميق لاحتياجاته وحدوده. فالعالم مليء بالضجيج، لكن امتلاك مساحة آمنة في الداخل هو المكسب الأكبر للمرء، وهو الإنجاز الذي يستحق الاحتفاء كل يوم.

ومع النضج، يدرك أن السلام ليس مكانًا يسافر إليه، ولا حياة فاخرة، ولا إنجازًا يُعلق على الجدار. السلام الحقيقي هو أن يجد في داخله ما يطمئنه حين تضطرب روحه، وأن يبقى قريبًا من ذاته حتى في اللحظات التي يظن فيها أنه لا يستحق الهدوء، فهو يختار نفسه من جديد كل يوم، رغم الصعوبات وتحديات الحياة.

وفي نهاية المطاف، يظل اليقين بأن الطمأنينة لا تُشترى ولا تأتي صدفة؛ إنها تُبنى بهدوء، بخطوات ثابتة، وبقلب يعرف أن الحياة، مهما أثقلت كاهله، تصبح أخف، عندما يقدر الإنسان القدرة على احتواء نفسه وفهمها، ومنحها ما تحتاجه لتواصل المسير بثبات.

مقالات مشابهة

  • هل يكون فصل الدين عن الدولة سببا في نجاحها؟
  • شيكابالا: أنا مش ضد إدارة الزمالك لكن لازم يكون في حلول جذرية للأزمات المالية
  • إسلام عيسى: محمد بسام أفضل من «الشناوي» .. ويستحق أن يكون حارس مصر في أمم إفريقيا
  • الإدارة الحكومية للإبداع
  • دراسة جديدة: الزلزال القادم في إسطنبول قد يكون الأعنف منذ 1766
  • ائتلاف المالكي:الحاج أبو إسراء قد يكون هو رئيس الحكومة المقبلة او مرشحا عنه
  • بالقانون الجديد .. متى يكون الحكم باتًا ونهائيًا؟
  • الطمأنينة.. المعنى الحقيقي للحياة
  • عمرو أديب : الله يكون بعونك يا مو
  • عادل نعمان يدعو لضرورة إعادة تعريف المفاهيم الدينية الكبرى بما يتناسب مع تطورات العصر