عملات عربية من القمة إلى القاع.. كيف انهارت؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
في مطلع الثمانينيات، كانت العملات العربية، بما فيها عملات الدول غير النفطية، تمثل صورة قوية في سوق الصرف، أمام العملات الأجنبية.
ولك أن تتخيل أن الدولار الأميركي كان وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي:
أقل من جنيه مصري ( 70 قرشا فقط). 3.9 ليرات سورية. الدينار الأردني 3 دولارات. الجنيه السوداني يعادل 2.6 دولار. الشلن الصومالي يعادل 3.4 دولارات. الدينار العراقي يعادل دولارين.
ولكن عقد الثمانينيات كان له معطياته، حيث كان عدد من الدول العربية يتبع نظام الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة، ومعظم تعاملاتها الخارجية تتم وفق آلية الصفقات المتكافئة، وكانت التعاملات الخارجية بطبيعتها محدودة، نظرا للعمل وفق سياسة إحلال الصادرات محل الواردات، عبر شركات القطاع العام.
و لم يكن السفر للخارج والحاجة للعملات الأجنبية؛ يمثلان عبئا وطلبا كبيرا للنقد الأجنبي، فضلا عن السياسية النقدية التي تعتمد نظام التسعير الإداري للعملة المحلية، وبالتالي كانت أسعار صرف العملات العربية لا تعمل وفق آلية العرض والطلب.
وقبل تحرير سعر الصرف في الدول العربية خلال الثمانينيات، كان الحصول على النقد الأجنبي يتطلب شروطا قد لا تتوفر للبعض، كما أن البنوك لم تكن تلبي احتياجات طالبي النقد الأجنبي (على قلتها)، وهو ما أوجد سوقا موازية للنقد الأجنبي، ولكنها لم تكن نشطة، أو مؤثرة بشكل كبير على سعر الصرف.
بينما الوضع في عام 2024، يختلف بشكل كبير، ففقد أصبحت أسعار الصرف للعملات العربية للدول غير المنتجة للنفط تواجه موجات عاتية من التراجع أمام العملات الأجنبية.
فأسعار الصرف الرسمية للدولار الأميركي حاليا كالتالي:
30 جنيها مصريا. نحو 546 جنيها سودانيا. نحو 1450 دينارا عراقيا. 1114 ريالا يمنيا. 492 ليرة سورية. 571 شلتا صوماليا. 3.1 دنانير تونسية.ورصد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 حالة التراجع في قيمة بعض العملات العربية في عام 2021:
الجنيه السوداني تراجعت قيمته بنسبة 588%. والريال اليمني بنسبة 314%. والدينار الليبي 224%. والليرة السورية بنسبة 140%.فكيف حصل ذلك؟
عوامل التراجع والانهيار 1- الفسادمن العوامل التي ساعدت على انهيار العملات العربية كذلك، ارتفاع معدلات الفساد، وخاصة في الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.
فتقرير الشفافية الدولية لعام 2023، وجد أن كل الدول التي انهارت أو تراجعت عملتها بالمنطقة العربية، ترتفع فيها معدلات الفساد. فالصومال تحتل ذيل قائمة الدول على مؤشر الشفافية في المرتبة 180، وسوريا في المرتبة 177، واليمن في المرتبة 176، وليبيا في المرتبة 170، والعراق في المرتبة 154، ومصر في المرتبة 108، علما أن المؤشر يضم 180 دولة.
ولا بد أن نفرق بين انهيار عملات بعض الدول وتراجع العملات في البعض الآخر، خاصة خلال العقدين الماضيين.
فما تم في سوريا ولبنان والسودان واليمن والصومال والعراق، هو انهيار بلا شك، أما الوضع في مصر وتونس، فلا يزال في إطار التراجع الكبير، ولم يصل بعد إلى الانهيار، ولكن لا توجد قواعد إنتاجية قوية في كل من مصر وتونس تساعد على الخروج من تراجع قيمة العملة، بحيث يتم العمل على زيادة الصادرات.
2- زيادة الطلب على النقد الأجنبيمطلع التسعينيات من القرن الـ20، شهد العالم انطلاق العولمة الاقتصادية، ولبست الاقتصاديات العربية ثوب اقتصاديات السوق، وعدلت من سياساتها النقدية والمالية والإنتاجية.
ودخلت غالبية الدول العربية غير النفطية في برامج إصلاح مع صندوق النقد الدولي، ألزمتها بتحرير سعر صرف عملاتها المحلية، وهو ما وضع العملات العربية أمام معادلة جديدة.
وفي ظل تطور العلاقات الاقتصادية الخارجية انتعشت حركة الواردات السلعية والخدمية، وسُمح بالسفر لكافة الفئات من رجال الأعمال والطلاب والراغبين في السياحة الخارجية، وهو ما ولد طلبا جديدا على النقد الأجنبي لم يكن موجودا من قبل.
ولم تتم عملية إدارة اقتصادية محكمة من قبل الحكومات العربية للدخول في صراع العولمة الاقتصادية، بل تم التعامل مع خروج الدولة من النشاط الاقتصادي، على أنه إخلاء مسؤوليتها عن الأداء الاقتصادي، وهذا غير صحيح، فالدولة وإن أسندت الجانب الإنتاجي والخدمي للقطاع الخاص، تظل مسؤولة عن التخطيط الكلي، بحيث تنضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتتوازن التأثيرات المتبادلة، حتى لا يتحمل قطاع أعباء أكثر من القطاع الآخر، أو يؤثر مؤشر ما سلبيا على أداء باقي المؤشرات الأخرى.
وتشير الأرقام إلى تطور كبير فيما يتعلق بالتجارة الخارجية للعالم العربي، ففي عام 1990 بلغت الواردات العربية من السلع والخدمات 175.6 مليار دولار، بينما في عام 2020 بلغت 922.2 مليار دولار، أي أن نسبة الزيادة في هذه الواردات بلغت 426%، وكذلك الحال بالنسبة للصادرات العربية من السلع والخدمات، فقد بلغت عام 2001 نحو 307 مليار دولار، بينما وصلت إلى 936 مليار دولار عام 2020، أي أن هذه الصادرات زادت بنسبة 204%.
وإن كانت الأرقام تعبر عن واقع العالم العربي ككل، إلا أن الدول العربية غير النفطية، تعاني كلها من عجز في علاقاتها التجارية الخارجية، وهو ما أثر سلبيا على واقع النقد الأجنبي بها، وزيادة الطلب على الدولار.
فعلى سبيل المثال مصر، كانت صادراتها من السلع والخدمات في عام 1980 نحو 6.6 مليارات دولار، ثم ارتفعت في 2022 إلى 71 مليار دولار، أما وارداتها من السلع والخدمات فارتفعت خلال نفس الفترة من 9 مليارات دولار إلى 104 مليارات دولار، لنجد أن العجز ارتفع من 2.4 مليار دولار إلى 33 مليار دولار خلال هذه الفترة، وهو ما يمثل صورة حية على زيادة الطلب على النقد الأجنبي.
3- غياب الاستقرار السياسيوبالإضافة إلى ذلك، فقد شهدت بعض البلدان العربية أحداثا سياسية وأمنية، أضرت بوضعها الاقتصادي بشكل كبير، مثل الصومال؛ حيث انهارت مؤسسات الدولة في مطلع الثمانينيات، كما تعرضت السودان لأحداث سياسية متتابعة، كان أكثرها ضررا على الواقع الاقتصادي انفصال جنوب السودان في عام 2011، ثم أحداث أبريل/نيسان 2019 التي أطاحت بنظام البشير.
والحال نفسه في العراق الذي تعرض للاحتلال الأميركي في عام 2003، في حين تعرضت عدة دول عربية بعد الربيع العربي لنزاعات مسلحة في كل من ليبيا وسوريا واليمن، كما تعرض لبنان لأزمة اقتصادية في نهاية 2019، وتعمقت في عام 2020 وما بعدها.
وعاشت مصر وتونس أحداثا اقتصادية سلبية أيضا بعد نهاية حقبة الربيع العربي.
4- تراجع الاحتياطات الأجنبيةوفي ظل التقلبات السابقة بالدول العربية التي انهارت أو تراجعت قيمة عملاتها، تأثرت مؤشراتها الاقتصادية الأخرى مثل احتياطي النقد الأجنبي.
وترصد أرقام البنك الدولي ما يلي:
في اليمن تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 8.1 مليارات دولار في 2008 إلى 1.2 مليار دولار في 2022. في تونس تراجع الاحتياطي من 11.2 مليار دولار في 2009 إلى 8 مليارات دولار في 2022. في ليبيا تراجع الاحتياطي من 124 مليار دولار في 2012 إلى 86 مليار دولار في 2022.وفيما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي في بعض الدول العربية، نجد أنها عانت من انهيار حقيقي، لكن ما ساعد على احتفاظها ببعض الأرصدة التي يمكن اعتبارها مقبولة، قيام الدول النفطية العربية بإيداع مبالغ في البنوك المركزية لهذه الدول، لمساندة احتياطياتها.
وتعد مصر وتونس مثالا واضحا لهذا الأمر.
ما تأثير انهيار العملات العربية على المواطن؟في ظل انهيار العملات العربية في الدول غير النفطية، تحمّل المواطن أعباء عدة، من أبرزها انهيار قيمة المدخرات لمن يحتفظون بمدخراتهم بالعملات المحلية، فلك أن تتخيل الوضع في السودان بعد أن كان الدولار يعادل ما بين 40 و50 جنيها، قفز إلى ما يزيد على 500 جنيه.
وفي مصر مثلا كان الدولار مطلع الألفية الثالثة بحدود 3.30 جنيهات، فأصبح في 2024 عند 30 جنيها للسعر الرسمي، وكذلك تكرر الوضع في باقي الدول التي شهدت تراجعا أو انهيار عملاتها المحلية.
وكان التضخم نتيجة حتمية لتراجع وانهيار العملات العربية، فحسب أرقام النشرة الفصلية للربع الرابع من عام 2023، والتي تصدرها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، بلغ التضخم في السودان عام 2023 نحو 256%، وفي لبنان 238%، وفي سوريا 135%، وفي مصر 23%، وفي اليمن 14.9%، مع الأخذ في الاعتبار أن معدلات التضخم في تلك الدول شهدت قفزات أعلى مما هو مدون بخصوص عام 2023، ولكن التراجع في أرقام 2023 يُعزى إلى طبيعة المؤشر التي تقارن بالعام الماضي.
ومن الظواهر السلبية التي ارتبطت بتراجع وانهيار العملات العربية، ظاهرة الدولرة، حيث اتجه أصحاب المدخرات والتجار إلى ربط مدخراتهم، أو الأنشطة التجارية بالدولار بيعا وشراء، وهو ما جعل الجميع يزهد في العملات المحلية.
وانتقل المرض الخاص بالدولرة إلى إيجاد مضاربين جدد في العملات الأجنبية، وهو ما حمل النشاط الاقتصادي أعباء التخلي عن الإنتاج، أو خلق الوظائف الجديدة، واستقرار القائم منها، واتساع رقعة الأعمال الريعية.
ونتيجة ارتفاع معدلات التضخم لسنوات متتالية، وبدون وجود تحسن في الأداء الإنتاجي والاقتصادي بشكل عام ارتفعت معدلات الفقر، فمنظمة الأسكوا في مسحها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعام 2021-2022 بينت أن نسبة 35.3% من إجمالي سكان المنطقة العربية (باستثناء دول الخليج وليبيا) يعيشون تحت خط الفقر، وبما يصل إلى 130 مليون شخص.
وأشار المسح إلى بلوغ الفقر في بعض الأقطار التي تعاني من انهيار عملاتها، مثل الصومال عند نسبة 72%، واليمن 88%، ولبنان عند نسبة 68.6%، وفي السودان 54%، وفي العراق 20%، وفي مصر 32%.
وفي بعض التحديثات سواء من قبل بيانات قُطرية أو أممية؛ هناك نسب أخرى للفقر. ففي مصر كان آخر بيان عن مستويات الفقر بحدود 29.7%، وفي سوريا ذكر المرصد الأورومتوسطي أن نسبة الفقر هناك شملت 90% من الشعب.
ما آفاق مستقبل العملات المنهارة؟قيمة العملة في أي اقتصاد تأتي لتعكس الحالة الاقتصادية بشكل صحيح، ما لم تكن هناك حالة استثنائية، فعلى الرغم من تراجع عملات ليبيا والعراق كدولتين نفطيتين، إلا أنهما يصنفان على أنهما دول نامية، حتى قبل أن تقع الأزمات السياسية أو أمنية.
فالنفط وإن مكّن للدول المنتجة له وضعا أفضل لسعر صرف العملات، إلا أنه لم يغير من الواقع التنموي شيئا.
ولا ينتظر أن يتحسن واقع سعر صرف العملات العربية المنهارة في الأجلين القصير والمتوسط، بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.
فأداء المؤشرات الاقتصادية الكلية ضعيف، من حيث:
هشاشة الناتج المحلي. استمرار العجز بميزان المدفوعات. عجز الموازنة. انهيار الاحتياطيات من النقد الأجنبي.وهو ما يضعف الأمل في تحسن سعر صرف العملات العربية المنهارة أو المتراجعة.
وحتى في العراق وليبيا اللتين لهما نصيب جيد من تدفق النقد الأجنبي بسبب الصادرات النفطية؛ تقف ارتفاع معدلات الفساد عائقا أمام التنمية الاقتصادية وأمام تحسن أسعار الصرف.
وفي مصر وتونس لا ينتظر أن يتحسن سعر صرف عملتهما خلال المرحلة القادمة، في ظل وجود اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي.
فالإجراءات المطلوب تطبيقها لا يمكن أن تساعد على تحسين سعر الصرف، بل المطلوب منهما تخفيض قيمة العملة الوطنية بهما.
وأما دول النزاع (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، الصومال، السودان) فبعضها تغيب فيها سلطة الدولة، وبالتالي غياب سيطرة السلطات النقدية على إدارة سعر الصرف، أو إعمال آلية السوق المفتوحة لغياب أرصدة الاحتياطي اللازمة، أو التحكم في التدفقات الواردة، وخاصة من العاملين بالخارج، حيث تتم بشكل شبه كامل من خارج أُطر الجهاز المصرفي، وبالتالي لا يتوقع تحسين سعر الصرف بهذه الدول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من السلع والخدمات على النقد الأجنبی ملیار دولار فی الدول العربیة ملیارات دولار غیر النفطیة صرف العملات فی المرتبة مصر وتونس سعر الصرف الوضع فی وفی مصر سعر صرف عام 2023 فی مصر فی عام وهو ما
إقرأ أيضاً:
المرأة العربية تعقد ورشة عمل إقليمية لمناقشة تطوير قوانين الأسرة
انطلقت صباح اليوم الجمعة الموافق 12 ديسمبر 2025 من العاصمة المغربية الرباط ورشة العمل الإقليمية حول: "تطوير قوانين الأسرة من منظور المساواة بين الجنسين في العالم العربي".
والتي تعقدها منظمة المرأة العربية بالتعاون مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمملكة المغربية وفي إطار الشراكة مع GIZ من خلال برنامج WOMENA .
تتواصل أعمال الورشة على مدار ثلاثة أيام في الفترة 12-14ديسمبر/كانون أول 2025 بمشاركة برلمانيات/ برلمانيين وخبراء/خبيرات قانونيين وقضاة، وممثلين/ممثلات عن مؤسسات حكومية ومدنية من مختلف الدول العربية.
وتوفر الورشة مساحة تفاعلية للنقاش وتبادل الخبرات بين المشاركين/المشاركات حول التجارب الوطنية في إصلاح قوانين الأسرة، وتعزيز القدرات على التحليل التشريعي وإعادة صياغة القوانين والدفاع عنها من منظور المساواة بين الجنسين، وصياغة مقترحات عملية للإصلاح وأجندات وطنية تعكس أولويات وتحديات محلية. كما تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل الممارسات الجيدة في الإصلاح التشريعي.
وفي كلمتها الافتتاحية وجهت الدكتورة فاديا كيوان المديرة العامة للمنظمة خالص التحية والتقدير للمملكة المغربية، ولجميع الحضور، وأوضحت أن الورشة تستهدف النقاش وتبادل التجارب والخبرات العربية في مجال التشريعات المراعية للمساواة والعدالة، مؤكدة أن التعاون العربي العربي أمر هام وأساسي، لأن الدول العربية تنطلق من خلفية عربية واسلامية واحدة وتشترك في الثقافة والتاريخ وفي الواقع الاجتماعي الذي يؤثر فيه العديد من العوامل ومنها الحروب والنزاعات المسلحة والأزمات الطبيعية والاقتصادية وغيرها، لافتة إلى أن الإرادة السياسية في الدول العربية لها تاثير كبير على مجريات الأحداث وهنا أكدت أن جلالة الملك محمد السادس له الفضل الأكبر في الخطوات النوعية المتقدمة لصالح قضايا المرأة .
وقالت "نحن اليوم في رحاب المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس وفقه الله والذي يملك رؤية وإرادة لها تأثير كبير علي مجريات الأحداث بالمغرب" . وثمنت سيادتها التجربة المغربية الرائدة المتمثلة في مدونة الأسرة. معربة عن تطلعها لمخرجات الورشة من أفكار وتوصيات وما سيتم الإضاءة عليه من خبرات وتجارب تثري العمل الرامي لتحقيق العدالة والمساواة التشريعية لاسيما في قوانين الأسرة.
من جهتها رحبت / نعيمة ابن يحيى، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمغرب، والتي ألقت كلمتها بالنيابة عنها السيدة/ إنصاف الشراط مديرة المرأة بالوزارة، بكل الحضور من البرلمانيات والبرلمانيين، والخبيرات والخبراء والفاعلات والفاعلين المؤسساتيين والمدنيين من مختلف الدول العربية.
وأكدت أن الورشة تأتي في سياق عربي ودولي يتسم بتحولات عميقة، وبتزايد الحاجة إلى مراجعة التشريعات المرتبطة بالأسرة بما يضمن صون كرامة الإنسان، وترسيخ العدالة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وأشارت سيادتها إلى أن موضوع الورشة يكتسي أهمية بالغة لأنه يمثل رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي. فالأسرة، باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع، تحتاج إلى تشريعات عصرية ومنصفة، قادرة على مواكبة المستجدات المتسارعة، وضامنة لحقوق جميع أفرادها في إطار من المسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل.
وذكرت أنه تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وتأييده لقضايا المرأة والأسرة، تم تنفيذ مشاريع إصلاحية كبرى، شكلت تحولا نوعيا في مسار تكريس حقوق المرأة وحماية الطفل وترسيخ مبدأ المساواة والإنصاف، واستهدفت الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول التي تجعل من تمكين المرأة وكرامتها محورا لسياساتها العمومية.
وأوضحت أن هذه الرؤية تجسدت في السياسات الحكومية التي انخرطت في تنزيل برامج متعددة الأبعاد، تنشد التمكين الاقتصادي للمرأة عبر دعم المقاولة النسائية، وتيسير ولوج النساء للتمويل، وتعزيز مشاركتهن في سوق الشغل، وتطوير الكفاءات والمهن الجديدة. كما عملت الحكومة على تقوية منظومة الحماية الاجتماعية، من خلال برامج وطنية واسعة تستهدف تحسين الظروف المعيشية للأسر، وتوسيع التغطية الاجتماعية لتشمل فئات واسعة من النساء والفتيات، بما يضمن لهن الحد الأدنى من الحماية والدعم.
وفي المجال الاجتماعي والحقوقي، تم إطلاق مبادرات نوعية للحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وتعزيز ولوج النساء إلى العدالة، وتقوية الخدمات الاجتماعية الموجهة للنساء. كما تم تعزيز حضور المرأة في مراكز اتخاذ القرار، وتطوير الآليات المؤسساتية المكلفة بمتابعة قضايا المساواة والنهوض بحقوق المرأة،
ومن جهتها أعربت الدكتورة آنيت فونك مديرة المشاريع بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، عن اعتزازها بالشراكة مع منظمة المرأة العربية .
وأوضحت أن مشروع (WoMENA)، هو مشروع تنفذه (GIZ) بالشراكة مع منظمة المرأة العربية (AWO) وبتمويل من الوزارة الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية بهدف تعزيز السياسات العادلة والمراعية للمساواة في مجالي السياسة والاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA).
وأشارت إلى أن النساء في المنطقة ما زلن يواجهن تحديات فريدة مثل العنف والقوانين التمييزية، خصوصًا في مجالات قانون الأسرة الذي ينظّم الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال. ويؤثر التمييز ضد النساء في هذه المجالات بشكل كبير على جوانب متعددة من حياتهن، بما في ذلك الوضع القانوني، والفرص الاقتصادية، والأدوار الاجتماعية.
واكدت سيادتها أن الورشة تمثل خطوة مهمة في الجهود الجماعية لتمكين النساء وتعزيز السياسات العادلة والشاملة بين الجنسين في المنطقة.
معربة عن تطلعها للاستماع إلى سائر الرؤى والأفكار التي سيطرحها الحضور من الخبراء والقانونيين من الجنسين.
هذا وتمثل الورشة منصة تفاعلية لتبادل الخبرات بين المشاركين/المشاركات حول قضايا النقاش التي تضم: نظرة عامة على واقع قوانين الأسرة في الدول العربية، وكذا تحليل القوانين وقياس أثرها من منظور المساواة بين الجنسين، وكيفية إعادة صياغة القوانين وفقا لهذا المنظور، واستراتيجيات مناصرة قوانين الأسرة، وكيف تحدث المناصرة فرقا في حياة النساء، والحملات الإعلامية المخصصة لمناصرة القوانين الجديدة، وأدوات البرلمانيين/البرلمانيات من أجل إنجاح عملية التغيير، والخطط الوطنية والتشبيك والتعاون في موضوع الإصلاحات التشريعية. وأخيرا رؤية حول الخطوات القادمة وآليات المتابعة.