آخر تحديث: 10 فبراير 2024 - 9:43 صبقلم:عوني القلمجي منذ عملية طوفان الأقصى، واتهام إيران بانها تقف وراءها، لم يتوقف الحديث عن حرب تجهز لها امريكا ضد إيران. ليس بين المعنيين بالشأن السياسي، وانما شمل الأوساط العربية عامة. في حين ذهب البعض بخيالاته ابعد من ذلك، واعتبر الحرب اتية لا ريب فيها، وحدد هدفها وهو، تدمير الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تمهيدا لضربها.
كل هذا الخيال الواسع مصدره تحريك أمريكا لأساطيلها في المنطقة، والضربات الصاروخية الامريكية، التي استهدفت خلال الأيام الماضية، مواقع عسكرية للمليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن. ومنها تدمير مخازن للأسلحة والعتاد ومخابئ لعدد من الطائرات المسيرة. وكان اخرها يوم الأربعاء الماضي. حيث تم اغتيال اثنين من قادة حزب الله العراقي، بأربعة صواريخ أطلقت من طائرة مسيرة، على سيارة في شارع المشتل شرق العاصمة العراقية بغداد واحرقت من فيها. وقد تبين ان أحد ركابها هو وسام محمد صابر، الملقب أبو باقر الساعدي، الذي وصفته كتائب حزب الله العراقية بـ “القائد الكبير”، فيما عدته القيادة المركزية الأميركية،مسؤولاً عن التخطيط المباشر للهجمات على القوات الأميركية في المنطقة. والأخر اركان العلياوي، الذي وصف بانه المسؤول عن الطائرات المسيرة. يتناسى أصحاب الخيال الواسع، ان ما يحدث بين أمريكا والمليشيات الموالية لإيران ليس جديدا، بل وجرت العادة ان يكون ختامها، عودة الأمور الى مجاريها. فما نشهده اليوم ليس اختراقا، وانما تكرار ممل لعشرات المناورات، والعمليات العسكرية المحدودة بين الطرفين. فأمريكا بحاجة للذنب والراس للمليشيات وإيران في المنطقة، وموضعتهما باستمرار في مسار مصالحها، ولن تضحي بهما في الأقل في المدى المنظور. وفي ذاكرة العراقيين الكثير من الوقائع، التي تؤكد حقيقية محدودية ما يحدث. فعلى سبيل المثال، استهداف السفارة الامريكية في بغداد، او القواعد العسكرية الامريكية في عين الأسد بالرمادي، او قاعدة حرير في شمال العراق، اما بطائرات مسيرة من داخل العراق، او صواريخ من إيران. لترد عليها أمريكا بضربات محدودة ضد المليشيات المواليةلإيران، ثم تعود التهديدات المتبادلة، لكنها جعجعة بدون طحين. تبدأ بعدها مرحلة من الغزل على استحياء تجنبا للفضيحة. وحدث مثل ذلك حين قصفت ميليشيات الحوثيين، شركة ارامكوا وهدمت نصف منشاتها وعطلت نصف انتاج النفط السعودي، وأيضا، حين هددت إيرانبأغلاق مضيق هرمز وحجز ناقلات نفط امريكية وبريطانية، واستهداف ناقلات اخرى بطوربيدات متفجرة، سميت حينها بحرب الناقلات، ثم اسقاط طائرة امريكية مسيرة ذات تقنيات عالية قرب الاجواء الايرانية، لترد أمريكا بضربات عسكرية موجعة، للمليشيات المسلحة الموالية لإيران. حيث شنت الطائرات الامريكية هجوما جويا، على قواعد للميليشيات على الحدود السورية العراقية، قتل فيه حوالي سبعين مسلحا وجرح أكثر من مئة. ومع ذلك لم تؤدي هذه الضربات العسكرية المتبادلة الى حرب ضروس. وفي إطار اجترار المناوشات العسكرية المحدودة، وجهت ايران بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ضربات صاروخية على قاعدتين للجيش الامريكي. الأولى عين الاسد في مدينة الرمادي، والثانية قاعدة حرير شمال العراق. وكانت النتيجةبردا وسلاما. اذ لم ينتج عنها اية خسائر عسكرية أمريكية تستحق الذكر. وقد تبين لاحقا بان الهدف منها امتصاص نقمة الإيرانيين الموالين للجنرال وحرسه الثوري من جهة، والحفاظ على هيبة النظام وعدم اهتزاز صورته امام الشعب الإيراني، وامام دول المنطقة من جهة اخرى. فسليماني هو قائد الحرس الثوري وفيلق القدس، ويتمتع بمكانة كبيره وموقع هام في القيادة الايرانية، وله الفضل في مد نفوذ إيرانالى أربعة عواصم عربية مهمة هي، العراق وسوريا ولبنان واليمن. بل تبين لاحقا بان ما حدث مسرحية مدبرة، بين الطرفين لحفظ ماء وجه القيادة الايرانية. لقد أكدت هذه الحقيقة، التصريحات المتبادلة بين اقطاب السياسة في البلدين في تلك الفترة. فوزير خارجية إيران جواد ظريف قال “ان هذا الامر انتهى عند هذا الحد”. ليرد وزير الخارجية الأميركي وقتها،مايك بومبيو، التحية بمثلها فقال “إن بلاده لا تسعى إلى الحرب مع إيران، وأنها ستظل ملتزمة بوقف التصعيد“. اما الرئيس دونالد ترامب رئيس أمريكا آنذاك، فلم يكلف نفسه سوى جملة واحدة، “كل شي يسير على ما يرام“، ليعقبها في اليوم التالي بخطاب خلاصته، “ان امريكا لا تريد الحرب، وانما تريد حياة أفضل، ليس للشعب الايراني وحده، وانما للنظام ايضا“. اما الضربة القاضية، فجاءت من رئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبد المهدي، حيث قال لقد أبلغنا الجانب الايراني بتوجيه ضربة ضد قاعدة الأسد قبل أكثر من ساعتين، وبدورنا أبلغنا ضيوفنا في القاعدة المستهدفة. هكذا تنتهي حروب العشاق بعد ان يحبس الجهلة انفاسهم، خشية من نشوب حرب طاحنة بين البلدين. ان إيران وامريكا يحتاج كل منهما الاخر. فالأولى تلعب دور العدو القوي، الذي تخشاه الدول الضعيفة،وخاصة دول الخليج العربي، التي تضطر لضعفها طلب الحماية من امريكا لقاء اموال طائلة. في حين قدمت امريكا لملالي طهران حصة كبيرة في العراق المحتل. فعلى المستوى السياسي، نالت إيران حصة الشريك، سواء في الحكومة او البرلمان او بقية المؤسسات. واقتصاديا استحوذت على كميات كبيرة من النفط المهرب. يضاف الى ذلك جني الاموال الطائلة التي دعمت الاقتصاد الايراني في ظل الحصار، من خلال تصدير مختلف المنتجات الصناعية والغذائية والدوائية للعراق بأسعار عالية، او في صفقات فساد، لدعم اقتصاد إيران الذي يشهد تراجعا حادا في مجالات عديدة. اما عسكريا، فقد سمحت امريكا لإيران حماية مكاسبها غير المشروعة، بقوة عسكرية، تمثلت بعشرات المليشيات المسلحة، التي لم تمتلك اية جهة خارج الدولة في تاريخ المنطقة من العدة والعتاد. كما ان الطرفين يعملان سوية لإذلال الشعب العراقي وتجويعه وتمزيق وحدته الوطنية، وزجه بحروب طائفية لتامين هيمنة البلدين على العراق. وهذا ما يفسر وقوفهما بقوة ضد ثورة تشرين، باستخدام القوة العسكرية، أدت الى استشهاد المئات من أبنائها،وجرح الالاف واغتيال عشرات الناشطين والاعلاميين. سينتفض الموالون لإيران ويسألون، إذا كان الامر كذلك، ترى لماذا كل هذه الحشود العسكرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، والتي تكفي لدخول أمريكا حرب عالمية؟ ولماذا هذا الاستنفار العسكري من قبل إيران؟ هل الامر يتعلق بغزة المدينة الصغيرة، ام ان الهدف منها ضرب إيران، على افتراض انها تقف وراء حرب غزة؟ لا نجادل هؤلاء في حاجة كل طرف لمثل هذه القوات العسكرية، حيث لا توجد ضمانة اكيدة بعدم اخلال كل طرف بالتزاماته تجاه الطرف الاخر. وسنفترض جدلا بان مثل هذا التعاون بين إيران وامريكا في العراق ليس له وجود. لكن هذه الفرضية تسقط امام معادلة اختلال موازين القوى العسكرية بين الطرفين، التي تمنع الدخول في مواجهة عسكرية لا تحمد عقباها. فإيران مثلا ليست مؤهلة لمواجهة قوة عسكرية عملاقة كافية لتدمير نصف الكرة الأرضية. في حين تتردد أمريكا في شن حرب ضد إيران، قد تكلفها خسائر مادية وبشرية، او تعرضها لحروب عصابات مسلحة،هي في غنى عنها. خاصة وان الشعب الامريكي قد عانى من الحروب كثيرا، وأصبح كارها لاي ادارة تقوده اليها. بل ان الشعب الامريكي درج على الخروج الى الشوارع في مظاهرات كبيره وصاخبة ضد الحروب.كما خرج ويخرج اليوم احتجاجا على مشاركة دولتهفي الحرب على غزة. ناهيك عن المظاهرات غير المسبوقة التي عمت دول العالم، والتي لم تدن الكيان الصهيوني وحده،وانما ادانت أمريكا وحلفاءها. لقد احتلت امريكا العراق لهدف واحد هو تدميره دولة ومجتمعا، و”امريكا لا تذهب للصيد الا وكلابها معها”. هذا ما قاله الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ. وإيران قبلت المشاركة في رحلة الصيد الى العراق، مقابل حصولها على مكاسب هامة، سياسية وتجارية ومذهبية، عجزت عن تحقيقها طيلة العقود الماضية، وبالتالي فهي غير مستعدة للتفريط بها،والدخول في حرب خاسرة ضد اقوى دولة عسكرية في العالم. وهناك الكثير من الادلة التي تؤكد على هذا التعاون المتين بين امريكا وإيران. منها على سبيل المثال لا الحصر، اعترافات لشخصيات امريكية مثل ادوارد دجيرجيان، مساعد وزير الخارجية الامريكية الاسبق لشؤون الشرق الأدنى وافريقيا، ومن الباحثين السياسيين، جون سبوزتو وستيفن زوترو ومن الكتاب ذوي الصلة الوثيقة بالأمريكان الكاتب السياسي اللبناني الامريكي الفارسي الاصل فؤاد عجمي، ومن العراقيين احمد الجلبي وكنعان مكية وليث كبة ورند الرحيم، وغيرهم الكثير. وكلهم أكدوا على قيام تفاهم بين امريكا وإيران بشأن العراق منذ سنة 1991. وتعزز ذلك التفاهم طيلة فترة الحصار، وبعد احداث ايلول عام 2001 أصبح شبه مكتوب، وإذا اختلفت امريكا وإيران في سوريا او لبنان او اليمن، فانهما يتفقان تماما حول مخطط تدمير العراق بالكامل. في ضوء ما تقدم، من غير الوارد ان يكون التصعيد السياسي والعسكري الحالي للدخول في حرب، وانما محاولة في الوصول لحل. فإيران لم يعد بإمكانهاالاستمرار في اللعب مع الكبار. خاصة في ظل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها منذ سنين طويلة، مع وجود حركات سياسية وقوميةمعادية للنظام وتسعى الى أسقاطه. اضافة الى نشاط التيار المعتدل داخل القيادة الايرانية، الذي يرفض سياسة التوسع وتصدير الثورة، ويسعى الى بناء علاقات تفاهم مع الغرب وامريكا بالذات، تحفظ مصالح إيران الوطنية، وتديم وظيفتها المرسومة لها في المنطقة. ومنها ما تحتاجه امريكا لاستكمال مخطط تدمير العراق، الذي لم ينته بعد. وبالتالي لا يحصد الا الخيبة من يراهن على حرب امريكية ايرانية، لا في المستقبل القريب ولا البعيد.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
خطاب الكراهية يُذكي نيران حروب مُقبلة في السودان؟
الخرطوم في 9 مايو 2025 (شبكة اعلاميات) - طالبت قيادات نسوية بمقاومة دعاة الحرب والكراهية والعنصرية بكل الوسائل السلمية الفاعلة، مع توضيح الأثر الخطير لاستمرار الحرب على مصائر الناس. وشددت على ضرورة مقاومة أي دعوة تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، وعدم إفلات دعاة الكراهية والعنصرية من العقاب على جرائمهم.
منتدى الاعلام السوداني
تقرير من اعداد: هيام تاج السر
الخرطوم في 9 مايو 2025 (شبكة اعلاميات) - طالبت قيادات نسوية بمقاومة دعاة الحرب والكراهية والعنصرية بكل الوسائل السلمية الفاعلة، مع توضيح الأثر الخطير لاستمرار الحرب على مصائر الناس. وشددت على ضرورة مقاومة أي دعوة تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، وعدم إفلات دعاة الكراهية والعنصرية من العقاب على جرائمهم.
ودعت القيادات النسوية إلى إنشاء وحدات للرصد والتقييم لمراقبة اتجاهات خطاب الكراهية وجمع التقارير ولفت انتباه المؤسسات الرئيسية والمجتمع المدني المحلي والإقليمي والدولي. كما طالبت بتأسيس مراكز بحثية لدراسة ورصد الانتهاكات التي وقعت في مناطق النزاعات والصراعات، ورصد وتحليل صور خطاب الكراهية ونماذجه الظاهرة والخفية في المجتمع، وسَنِّ قوانين رادعة تُجرِّم خطاب الكراهية والعنصرية بجميع أشكالها وأنواعها.
وأكدن على ضرورة التحلي بحساسية أخلاقية مُفرطة في رصد وتتبع خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات الفكاهية الساخرة في المجال العام، وحظر المنظمات والنشاطات الدعائية المُروِّجة لخطاب الكراهية والتمييز العنصري والتحريض عليه، واعتبار الاشتراك في أي منها جريمة يُعاقب عليها القانون العام.
الإقصاء الاجتماعي:
ترى نهلة الخزرجي، مديرة منظمة المستقبل للاستشارة والتنمية بدارفور، أن خطاب الكراهية مظهر من مظاهر الإقصاء الاجتماعي، والذي تجلى في السياسات العامة للدولة، وتسبب في غبن كبير. وقدمت نهلة سرداً تاريخياً لخطاب الكراهية منذ الاستعمار وحتى حرب 15 أبريل 2023م، وأشارت إلى أن الغبن الاجتماعي وغياب التنمية المتوازنة والعادلة تسبب في نزاعات مثل جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق، حيث فرض المركز الإسلام والعروبة كبديل للأديان الأفريقية والمسيحية، كما تم تهميش الأقاليم مما دفع الشرق ودارفور للاحتجاج، ورسخت سياسة المناطق المقفولة، بجانب تجارة الرقيق فضلاً عن الاستعمار الذي كرس السلطة والوظائف في الخدمة المدنية والتجارة بيد بيوتات ومكونات بعينها. وعقب الاستقلال، حمت تلك البيوتات والمكونات السلطة عبر العسكر.
هذا الاتجاه دفع بعض المجموعات للجهر بأن الوظائف في الخدمة المدنية والالتحاق بالكلية الحربية وكلية الشرطة حكراً على مكونات محددة. ولمعالجة هذه الوضعية، تم الإقرار في اتفاقيات السلام التي وقعت مع الحركات المسلحة بدارفور على وضع تمييز إيجابي لأبناء دارفور في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي والكلية الحربية وغيرها من أوجه التمييز المناطقي الذي اشتكت منه بعض المجموعات.
وأضافت نهلة أن المسيحيين في السودان اشتكوا من التمييز والاضطهاد الديني، وخلال الفترة التي أعقبت اتفاقية نيفاشا، ظلت صحيفة ورقية تدعو لخطاب الكراهية بحق مواطني جنوب السودان قبل انفصاله، كما ظل رئيس تحريرها ورئيس منبر السلام العادل يكتب المقالات ويدعو في المنابر بخطاب عنصري ضد الجنوبيين.
المجموعات التحريرية:
ولمقاومة التهميش الذي طال بعض الأقاليم، تكونت الحركات المسلحة في دارفور على أساس قبلي، وهذا تسبب في صراع اجتماعي وتنافس على التسليح واندلاع نزاع دامي بين المجموعات العرقية بالإقليم. وساهم حزب المؤتمر الوطني عبر تدخله الماكر في تسليح مجموعات قبلية محددة وتكوين الدعم السريع الذي حارب المجموعات الأفريقية بالإقليم، فضلاً عن توزيع الأراضي والحواكير لمجموعات محددة، وهذا أدى إلى صراع اجتماعي بين الرعاة والمزارعين وبين المكونات القبلية الأخرى.
وعقب حرب منتصف أبريل 2023م، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خطاب كراهية عال بين أطراف الحرب وحلفائهم، حيث تم وسم الدعم السريع بأنهم "عرب شتات" و"أم كعوك"، بينما وصف مناصرو الدعم السريع الجيش وحلفاءه من الحركات المسلحة بأنهم "دولة (56)" و"فلنقيات"، بينما وصف مناصرو ثورة ديسمبر بأنهم "عملاء للسفارات". سرديات الحرب الداعية للكراهية والعنصرية لم تكتف بذلك، بل كان هنالك قانون "الوجوه الغربية" الذي تم تنفيذه في المناطق الآمنة البعيدة عن نيران الحرب التي نزح إليها بعض المواطنين، حيث تم اعتقال الكثير منهم بذلك القانون. وكذلك شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خطاب كراهية من قبل قيادات في شرق السودان بحق قيادات دارفور، وأيضاً لم يسلم النازحون الهاربون من لعلعة الرصاص إلى الولايات الآمنة من خطاب الكراهية.
المجموعات المهمشة:
من جهتها، قالت الأستاذة إلهام مالك، المختصة في علم الاجتماع، إن خطاب الكراهية والعنصرية ليس مشكلة اجتماعية حديثة، بل هو نتائج لتاريخ طويل في المجتمع السوداني، مثل التعالي العرقي والثقافي والديني والطبقي والتمييز المدروس والمنهجي ضد الفئات الضعيفة والمهمشة.
وأوضحت أن لذلك جذوراً تاريخية عميقة في تاريخ الرق في السودان، بالإضافة إلى السياسات التي مارستها الحكومات في المركز والهامش في فترات تاريخية مختلفة. كما أن تاريخ الرق جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي السوداني، حيث تم استبعاد شعوب بعينها. وبعد دخول الحكم الاستعماري الإنجليزي المصري، بدأت حملة لتحريم الرق، وأصدرت الإدارة الاستعمارية البريطانية قوانين تمنع الرق، ولكن لم يتم تفعيلها وتطبيقها، وظل واقع السودان كما هو حتى منتصف القرن العشرين (1924).
وبعد استقلال السودان (1956)، استمرت النخب في السيطرة والهيمنة والتسلط ومصادرة حقوق الآخرين. وفي عهد الإنقاذ، تعمقت المشكلة القائمة في السودان على أساس ديني، مما أوجد ضغائن مستمرة لمدة (30 عاماً) من خلال سياسات التمكين للعناصر الإسلامية والإقصاء لكل الذين لا ينتمون إليه.
حرب الكل ضد الكل:
وأوضحت إلهام أن الهدف الأخير لخطاب الكراهية في أجندة دعاة استمرار الحرب (حال خسارتهم الحرب) هو توريط المجتمع في حرب تنحدر فيها كل المكونات السودانية إلى الحضيض، مما يضطرهم فقط للدفاع عن وحداتهم الاجتماعية الأولى، كالقبيلة والمنطقة على حساب الولاء للوطن، أي الوصول إلى هدف الحرب الأهلية الشاملة (حرب الكل ضد الكل).
وأكدت أن ذلك هو الهدف الخبيث من خطاب الكراهية والعنصرية في أجندة دعاة الحرب، باعتبار أن هذا الهدف سيعفيهم من مسؤوليتهم عن إشعال الحرب، ويحقق لهم أحد خيارَيْهم: حكم السودان، أو حرقه، أو انفصاله وتقسيمه جغرافيا وعرقيا. وطالبت القوى المدنية والديمقراطية بقطع الطريق على هذا الخطاب العنصري من خلال تبني سياسات واضحة وإنشاء مراكز لرصد هذا الخطاب العنصري وسن قوانين رادعة.
نيران الفتنة:
في المقابل، قالت المحامية والناشطة الحقوقية سلوى أبسام إن خطاب الكراهية والعنصرية يهدد البشرية وأشعل الكثير من الصراعات التي أودت بحياة الملايين من البشر. وأضافت أن العنصرية والجهوية ظلتا واحدة من جذور المشاكل التي تؤجج الصراعات في السودان مع الأسباب الضرورية الهامة، وأن الحكومات العسكرية وكل راغبي السلطة وظفوهما سياسياً ودينياً لتعزيز الانقسامات وإقصاء الآخر. وأشارت إلى أنه تم استخدامهما في هذه الحرب مما أذكى نيران الفتنة وجعلها حرباً أهلية ما زال أوارها يتمدد.
وأوضحت أبسام أن القوانين الدولية جرمت خطاب الكراهية والعنصرية وحمت في ذات الوقت حرية التعبير والمعتقد والتنقل وغيرها من الحقوق. وكذلك نصت الوثيقة الدستورية التي تم الانقضاض عليها بانقلاب أكتوبر 2021م ومن ثم تعديلها، حيث حددت الوثيقة الدستورية طبيعة الدولة بأنها دولة المواطنة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو اللون أو النوع أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الرأي السياسي أو الإعاقة أو الانتماء الجهوي أو غيرها من الأسباب، ونصت على أن تلتزم الدولة باحترام الكرامة الإنسانية والتنوع وتؤسس على العدالة والمساواة وكفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما نصت على المساواة أمام القانون وحرية التعبير والحق في المشاركة السياسية وغيرها من الحقوق.
--
يُنشر هذا التقرير عبر منتدى الإعلام السوداني بمناسبة يوم الصحافة العالمي، وضمن جهود الإعلاميين في مكافحة خطاب الكراهية الداعم للحرب واستمرارها.