الطبقة السياسية السودانية والقابلية للاستعمار: دعوة إلى الانعتاق (1-2)
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
يمر السودان في وقتنا الراهن بظروف سياسية بالغة التعقيد وحرب ضروس ضد كل الشعب السوداني ومقدراته ودولته، ألقت هذه الظروف بظلالها على التوصل لتوافق سياسي منذ سقوط حكم الإنقاذ، فوهن عزم بعض ساستنا وقيادات الجيش لشيء في نفوس بعضهم، فارتمى في أحضان الخارج، ووصلت حالة اليأس ببعض القوى المدنية لدرجة أن تعلقت أفئدتهم بالخارج دون تحفظ أيضا بحثا عن أمل ضائع وأحلام مبعثرة.
وليس هنالك أكثر إيلاما من أن يصبح البحث عن الحلول خارج حدود الوطن، رغم عدالة قضية الحرب ضد النهب والسلب واحتلال الأعيان المدنية والممتلكات الشخصية وتدميرها والاغتصاب وتحطيم البنى التحية للسودان ومحاولة الإحلال الديمغرافي للتركيبة السكانية للبلاد.
في ظل هذه التطورات طاف بمخيلتي ما كتبه المفكر الجزائري الكبير الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله- في كتابه “شروط النهضة” التي وضع لأحد أبوابه عنوان أسماه “القابلية للاستعمار” والتي تعني: أن دخول المستعمر إلى دول العالم الثالث (رغم اختلافي قبول تسمية العالم الثالث) أو الدول العربية والإسلامية ليس من منطق أنه قوي، ويمتلك عتادا حربيا متطورا أو جنودا مدربين بشكل جيد، ليس هذا ما جعلهم يحتلون أرضنا، بل إن ما جعلهم يحتلون أرضنا هو نحن، فقبل أن يشرع المستعمرون في تحركاتهم الاستعمارية، كانت نفسية الخنوع والانهزام قد تشكلت لدى الأفارقة والعرب والمسلمين وقادتهم خاصة، مما سهل على المستعمر مأموريته، فتمكنت آلته المدمرة من السيطرة على الدول النامية والأقل نموا المختلفة في كل أرجاء العالم في وقت قياسي.
وتأسيسا على حديث بن بني، فإن كان الحديث عن الاستعمار، بل الاستخراب (كما يسميه بروفسير أحمد علي الإمام رحمه الله) قد مضى زمنه بحسبان أنه لم يعد هنالك ثمة استعمار (استخراب) في بلداننا حاليا، إلا أن ذلك المفهوم أراه ماثلا في كثير من الإشكالات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية التي تفتك بالدول العربية والإفريقية، ومن ضمنها السودان، فلضعف عزيمة بعض هذه الدول ظلت العديد من القضايا الداخلية لهذه الدول ترتبط طواعية أو قسرا بالعوامل الخارجية، وأقصد هنا تحديدا مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، دول الجوار ذات الِيَسارَ المالي والدول الغربية الكبرى خاصة تلك صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، التجمعات الإقليمية والمنظمات الدولية مع العلم أنه على الرغم من طغيان وهيمنة النظام العالمي الذي نشأ على نتائج الحرب العالمية الثانية التي مكنت الحلفاء من الهيمنة من خلال هذه المنظمات والمؤسسات، إلا أنه دون شك لا مناص من التعامل مع هذه الكيانات الخارجية في إطار الحفاظ على المصالح القومية للدول النامية والأقل نموا باعتبار أن ذلك شرا لا بد منه، وقد نجح بعض هذه الدول إلى حد ما من انتهاج سياسية خارجية تراعي مصالحها حتى وإن في حدها الأدنى.
السودان مثله ومثل هذه الدول ظل منذ تكوين الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر له ارتباط بالعالم ومحيطه الإقليمي سواء أكان عبر العلاقات الدبلوماسية الثنائية أو المتعددة أو المواثيق الدولية، ولكن التعويل على العامل الخارجي ظل حاضرا بقوة من أجل إحداث تغيير في شؤون السودان الداخلية وربط تلك القضايا بدول أو تجمعات إقليمية أو منظمات دولية باعتبارها طوق النجاة لحلحلة التعقيدات التي نعانيها. جعل ذلك الارتباط أذهان بعضنا خاصة الطبقة السياسية مصابة بجرثومة القابلية للاستعمار التي تحدث عنها مالك بن نبي، فطفق ومازال يطفق البعض بحثا عمن يُعينه، لتحقيق أهدافه السياسية الضيقة، ولو أدى ذلك لارتهان قراره بالعامل الخارجي، وهذا للأسف ما نشاهده حاليا ومنذ أكثر من مائة عام وقادة الأحزاب السياسية في السودان يبحثون عن الدعم الخارجي لتحقيق الطموح السياسي لهذه الأحزاب وقادتها حتى، ولو كان ذلك على حساب الوطن أو حتى الوقوع في شباك الخيانة والعمالة كما نراه في سلوك بعض القوى المدنية والسياسية.
الناظر لتاريخ الطبقة السياسية السودانية في تاريخ السودان الحديث تتجلى له إصابة عقول بعض هذه الطبقة بداء القابلية للاستعمار، فانظر إلى زيارة وفد زعماء السودان في عام 1919م حيث رأت حكومة السودان حينها، نزولاً عند رغبة بريطانيا أن ترسل وفدا سودانيا، أسوة بالبلاد الأخرى الخاضعة للاستعمار (الاستخراب) ليرفع إلى الملك جورج الخامس تهنئة شعبه بما أحرزته بلاده وحلفاؤها من نصر على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وكان الوفد السوداني يتألف من الزعماء الدينيين، وبعض العلماء وزعماء القبائل، يتقدمهم السيد “علي الميرغني” زعيم طائفة الختمية والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم طائفة الأنصار وبعض مرافقيهم. يحدث هذا رغم بلاء الثورة المهدية واستبسال جيوشها واستشهاد حوالي 18 ألف شهيد و30 ألف جريح في واقعة كرري ضد الإنجليز ورغم استغلال بريطانيا للسودان، بل إن التاريخ يحكي أن السيد عبد الرحمن أهدي سيف جده المهدي الذي قاتل به الاستخراب إلى الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا التي أرجعت السيف للسيد عبد الرحمن المهدي حاثة إياه للاحتفاظ به للدفاع عن الإمبراطورية البريطانية.
د. أحمد عبد الباقي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: هذه الدول
إقرأ أيضاً:
المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين تتحرك في ملف اعتقال «توباك»
المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين حذرت سفارة السودان من أي انتهاك إضافي لحقوق المعتقل محمد آدم أرباب «توباك» أو لسيادة الدولة الليبية.
طرابلس: التغيير
أدانت المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين، بأشد العبارات، قيام سفارة جمهورية السودان في طرابلس- دولة ليبيا، باحتجاز اللاجئ السوداني محمد آدم أرباب المعروف باسم (توباك)، وكشفت عن إبلاغها عدد من الجهات المعنية لمتابعة الأمر بشكل عاجل.
وجرى اعتقال (توباك) أكثر من مرة عقب خروجه من السجن بعد اندلاع حرب 15 ابريل 2023م بين الجيش وقوات الدعم السريع، قبل أن يغادر إلى ليبيا، حيث كان يخضع رفقة أربعة ثوار آخرين للمحاكمة بتهمة قتل العميد بالشرطة السودانية علي بريمة بطعنات أثناء تأمينه احتجاجات في محيط القصر الرئاسي بالخرطوم.
وقالت المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين في بيان اليوم الأربعاء، إنه تم اعتقال (توباك) عندما قصد مقر السفارة السودانية بطرابلس يوم الاثنين 19 مايو 2025م بغرض استخراج جواز سفر بدل فاقد.
وأضافت أنه “في انتهاكٍ صارخٍ لحقوق اللاجئين، أقدم أفراد من طاقم الأمن بالسفارة على احتجاز (توباك)، كما تم إغلاق هاتفه الشخصي، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى لحظة إصدار هذا البيان”.
وأشار البيان إلى أن محمد (توباك) يحمل جواز سفر سوداني رقم: 11505716701 ووثيقة لاجئ صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رقم: 14112024.
وأوضح أن المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين باشرت إبلاغ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمقرها في جنيف، وكذلك مكتبها الإقليمي في ليبيا، كما تم التواصل مع شخصيات قيادية في الحكومة الليبية لمتابعة الأمر بشكل عاجل.
وحملت المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين السفارة السودانية في طرابلس المسؤولية الكاملة عن سلامة (توباك).
وحذّرت من أي انتهاك إضافي لحقوقه أو لسيادة الدولة الليبية، وأكدت ضرورة احترام القوانين الدولية التي تكفل حماية اللاجئين وتضمن سلامتهم على أراضي الدول المستضيفة
وسبق أن اتهمت مجموعة محامو الطوارئ الحقوقية المستقلة في أغسطس 2023م، الشرطة السودانية بترصد المتهمين في بلاغ مقتل ضابط الاحتياطي المركزي علي بريمة، ونبهت إلى أن توباك ورفاقه المنتظرين التزموا منذ اللحظات الاولى بتسليم أنفسهم متى ما استقرت الأحوال.
الوسومالسفارة السودانية بطرابلس الشرطة السودانية العميد علي بريمة المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين جنيف طرابلس ليبيا محمد آدم توباك