أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الاثنين، استقالة حكومته مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب "ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ بالاعتبار الواقع المستجد" في قطاع غزة.

ويأتي هذا القرار في ظل مطالبة واشنطن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بإجراء تغييرات في السلطة لبدء العمل على هيكل سياسي جديد لحكم قطاع غزة بعد الحرب

وقد دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى "إصلاح" السلطة الفلسطينية مرارا بعد هجوم السابع من أكتوبر، وما أعقبه من الحرب في غزة؟

وتجري دول غربية على رأسها الولايات المتحدة اتصالات دبلوماسية تناقش مسألة "إصلاح السلطة الفلسطينية" التي يرأسها عباس منذ عام 2004.

واقترحت واشنطن أن تؤدي السلطة الفلسطينية بعد الحرب دورا في حكم القطاع، لافتة إلى أنها "تحتاج إلى تجديد وتنشيط وتحديث فيما يتعلق بأسلوب حكمها، وتمثيلها للشعب الفلسطيني".

وقال اشتيه في الإعلان الذي أصدره، الاثنين، في مستهل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء: "وضعت استقالة الحكومة تحت تصرف السيد الرئيس في 20 فبراير الجاري واليوم أتقدم بها خطيا"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تأتي "على ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على قطاع غزة والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية والقدس".

وطرحت هذه الخطوة تساؤلات عن الهدف منها وعما إذا كانت ستلبي المطالب الأميركية، بينما ترفض إسرائيل في الوقت ذاته أن يكون للسطة الفلسطينية أي دور في القطاع بعد أن تتوقف الحرب.

ويرأس عباس حركة فتح، التي طُردت من قطاع غزة إثر مواجهات مع حركة حماس التي تحكم القطاع منذ عام 2007. 

وتراجعت شعبية عباس كثيرا في أوساط الفلسطينيين، ويتعرض لانتقادات بسبب "عجزه" إزاء الحرب الدائرة في قطاع غزة والتصعيد المستمر في الضفة الغربية.

نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، عبد الله عبد الله، أوضح في تصريحات لموقع الحرة أن قرار اشتية جاء بعد أن "أكملت الحكومة فترتها المعتادة وهناك محاولات لتوسيع إطار الحكومة مع وجود مستجدات على الساحة الدولية".

وأضاف أنه "ربما نحتاج إلى حكومة موسعة تستطيع أن تواجه المرحلة المقبلة مع تقديرنا لما قامت به في خلال فترة كوفيد، وفترة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وحرب غزة، إذ قامت بمسؤولياتها رغم أن الظروف لم تكن اعتيادية".

محلل الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، المقيم في إسرائيل، جلال بنا، اعتبر في تصريحات لموقع الحرة أن استقالة الحكومة الفلسطينية "لها علاقة بشكل مباشر بمطالب الإدارة الأميركية، وهي تريد من جهة أن تثبت لإسرائيل ولشركائها الآخرين أن هناك تغييرا في صفوف القيادة الفلسطينية، وأنها يمكن أن تكون شريكة محتملة في عملية التسوية ، ومن جهة أخرى تريد أن تضخ دماء جديدة في قيادة السلطة التي هي في غالبيتها قيادات متقدمة سنا لا تملك التأُثير على الشارع الفلسطيني وهي ضعيفة سياسيا واقتصاديا، مقابل شعبية حركة حماس التي يرى البعض أنها ازدادت في الشارع الفلسطيني بعد أحداث السابع من أكتوبر".

المحلل السياسي الفلسطيني، مازن النجار، اعتبر أيضا في تصريحات لموقع الحرة أن الاستقالة "جاءت استجابة لدعوات التجديد وهي دعوة غير محددة بشكل دقيق".

توافق فلسطيني؟

وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطة في القطاع، قال عبد الله إن "هناك جهودا عربية ودولية لرأب الصدع الفلسطيني وتحقيق وحدة الصف لمواجهة معركة الوجود التي يخوضها الشعب الفلسطيني، لذلك نأمل من الحكومة أن تتمكن أولا من توفير المتطلبات الضرورية للمواطنين وأن تتولى الملف السياسي وتتم وحدة الصف الذي نفتقدها بشدة منذ عقدين من الزمان".

وكان اشتية قد قال في بيانه: "أرى أن المرحلة القادمة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ بالاعتبار الواقع المستجد في قطاع غزة ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحّة إلى توافق فلسطيني فلسطيني مستند إلى أساس وطني، ومشاركة واسعة، ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين". 

ويرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، حسن منيمنة، إنه يمكن ترتيب البيت الداخلي من خلال التوصل لصيغة توافقية ربما تشمل إقرارا ضمنيا من حماس بأنها توافق على حل الدولتين، لكن المشكلة أن هناك "تصلبا إسرائيليا إزاء السلطة".

رفض إسرائيل.. مشكلة قائمة

وتصطدم المقترحات بتولي السلطة دورا في حكم القطاع برفض إسرائيلي واضح منذ اندلاع الحرب.

واقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأسبوع الماضي، خطة "لمرحلة ما بعد الحرب" تنصّ على الحفاظ على "السيطرة الأمنية" الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية وحركة حماس. 

وتعرضت الخطة التي لم تأت على ذكر إقامة دولة فلسطينية لانتقادات من الولايات المتحدة.

وعارض وزير الخارجية الأميركي، من جانبه، "إعادة احتلال" قطاع غزة الذي انسحب منه الجيش الإسرائيلي عام 2005. 

خطة "اليوم التالي" لنتانياهو.. هل تتجسد على أرض الواقع؟ شكّل طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، خطته لما بعد الحرب على غزة، خطوة غير متوقعة في توقيتها وبنودها، تعيد خلط الأوراق والمواقف بالنسبة للحرب الجارية في القطاع ومصيرها

ويقول منيمنة، وهو باحث في معهد الشرق الأوسط، إن إسرائيل لا تثق بالسلطة الفلسطينية كما هي قائمة ولا بعد تحديثها والتحديث بالنسبة لإسرائيل لا يجب أن يعني ضم حماس ولكن إخراج أي رغبة في المقاومة أو إقامة دولة فلسطينية تتعدى الحكم الذاتي للأشخاص ولكن لا يجب أن تكون دولة حقيقية.

وردا على سؤال بشأن مدى واقعية دخول السلطة القطاع، قال عبد الله إن هذه الواقعية "تعتمد على المستجدات ومدى انسجام مواقف الأطراف الدولية مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لكن ما هو قائم الآن انحياز كامل للجرائم التي ترتكب في غزة".

ويقول المحلل السياسي، مازن النجار، في حديثه إلى موقع الحرة إن الإشكالية أن غزة ليست مفتوحة للسلطة ولا حتى لأعمال الإغاثة ودخول الأغذية،"لذلك لن تفعل الحكومة شيئا مهما تجددت".

ويضيف النجار: "رصيد السلطة عند أهل القطاع أقرب إلى الصفر أو على الأقل منخفض جدا جدا" ويتساءل: "كيف ستتولى مسؤولية القطاع؟ هل ستحضر الآلاف من القوات الأمنية في الضفة؟ الحقيقة أن المقاومة ستكون باقية وليست هناك مؤشرات على أنها ستختفي، والناس شاهدت الدمار ولديها مشاعر سلبية من إسرائيل وأميركا وكل من يتحالف معهما".

ويقول بنا في حديثه لموقع الحرة إن "من يتولى السلطة على أرض الواقع في المناطق الفلسطينية هو وزير الدفاع الإسرائيلي... لا يمكن لأحد التحرك لا في غزة ولا في الضفة بدون إذن أو تأشيرة من المنسق أو من وزير الدفاع، لذلك ما تبقى من صلاحيات لرئيس الحكومة الفلسطينية صلاحيات محلية في نطاق تسيير الأعمال وإدارة قوات الشرطة الفلسطينية وإقامة بعض المشاريع المحلية والتربية والتعليم".

ويضيف: "لذلك لا أرى أي تغير محتمل من إقامة حكومة فلسطينية جديدة، لكن على ما يبدو فإن الإدارة الأميركية تريد أن تعود إلى نفس السيناريو الذي كان في فترة بوش الابن عندما أرادوا تقليص صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، ومنح الصلاحيات لرئيس الحكومة، محمود عباس أبو مازن، الذي تولى لاحقا أيضا رئاسة السلطة الفلسطينية".

ويرى بنا أن الهدف النهائي محاولة فتح آفاق جديدة وتجهيز المنطقة لليوم التالي بعد الحرب، ومحاولة منح السلطة الفلسطينية صلاحيات للسيطرة على قطاع غزة "لأن إسرائيل لا تريد السيطرة المدنية وتريد أن تكتفي بالسيطرة الأمنية والسيطرة على الحدود ولا يمكن إدخال قوات دولية لأن الأمر قد تكون له تبعات في القانون الدولي".

ويرى المحلل السياسي حسن منيمنة أن المعطيات الحالية لا تعطي مسارا يجري باتجاه خطة واقعية تدفع إلى تحديث السلطة ومن ثم تسليم السلطة أي مسؤولية.

ويتحدث منيمنة عن "تعنت إسرائيلي" وتصورات أميركية "شكلية" تدفع باتجاه تحقيق تحالف سعودي إسرائيلي أميركي يكون أساسا للشرق الأوسط الجديد بصرف النظر عما يجري في غزة.

وأضاف منيمنة: "لا يمكن أن نلتمس من الاستقالة تنفيذ أي مشروع جدي. نحن لانزال أمام المعادلة نفسها التي طرحتها الادارة الأميركية منذ بداية المعركة وهي ترك إسرائيل تكمل الحرب، وإلى جانب ذلك تكمل الشق الأهم وهو الاستقرار الذي يأتي مع انتهاء إسرائيل من المعركة، والاندماج من خلال التطبيع".

وكان وزير الخارجية الأميركي قد أكد مجددا أن السعودية لا تزال "مصممة" على مواصلة الجهود نحو التطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن ذلك سيتطلب تهدئة الأوضاع في غزة والدفع نحو حل الدولتين. 

وقال بلينكن إن "ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كرر رغبته وتصميمه على مواصلة مساعي تطبيع العلاقات مع إسرائيل". 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة المحلل السیاسی لموقع الحرة بعد الحرب قطاع غزة عبد الله فی غزة

إقرأ أيضاً:

سوريا التي أربكت إسرائيل

لعب الواقع الجيوسياسي السوري وما يزال دورا مهما في علاقات سوريا الإقليمية والدولية بقطع النظر عن نظام الحكم، وقد أفاد النظام السابق من تلك الميزة في نسج علاقات مختلفة بين الأضداد، وإن كان يُحسب حتى سقوط الشيوعية على المنظومة الاشتراكية.

فقد كان على علاقة جيدة- حسب الحاجة- مع الولايات المتحدة الأميركية، وتجلّى ذلك في حدثين:

الأول: السماح له بوضع لبنان- في الحرب الأهلية- تحت سيطرته العسكرية والتفاهم مع المنظمات هناك، مع إبقاء بعضها أو إبعاد من يخالفه. والثاني: في وقوفه مع التحالف بعد غزو الكويت.

ومع بدء الألفية الجديدة انضم إلى ما يُطلق عليه محور المقاومة والممانعة، أو إحدى ركائز ذلك المحور!

زيارة تاريخية أم مقايضة سياسية؟

شكّلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس ترامب علامة فارقة عند المهتمين بالشأن السوري، وفتحت عهدا جديدا بين البلدين، فهي أول زيارة لرئيس سوري للولايات المتحدة.

وتأتي بعد رفع اسم الرئيس الشرع من قوائم الإرهاب، وفي ظل وضع اقتصادي خانق تعيشه سوريا؛ بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على البلد زمن النظام السابق "قانون قيصر"، وتموضع قوات قسد المدعومة أميركيا في مناطق الثروة السورية، واختراقات إسرائيلية متكررة للأراضي السورية بعد استيلائها على مرتفعات جبل الشيخ الإستراتيجية عقب سقوط النظام السابق.

رغم التفاؤل الذي ساد الشارع السوري بأن العقوبات في طريقها للزوال، فإن ثمّة حقيقة واضحة في استخدام هذا القانون ورقة ضغط على دمشق، فرغم أن قانون قيصر فُرض على النظام السابق نصرة للشعب السوري- وهذا يقتضي زواله عن الشعب السوري وبقاء مفاعيله على الذين ارتكبوا تلك المجازر- فإن القانون ظل سيفا مُصْلَتا على الشعب السوري، وعائقا أمام إعادة الإعمار، واستُخدم ورقة ابتزاز سياسي للنظام الحالي.

إعلان

أكثر الأسئلة التي طُرحت بعد دخول قوات الثورة دمشق، وقيام إسرائيل بتدمير السلاح السوري الثقيل والنوعي: كيف ستكون العلاقة بين دمشق وتل أبيب؟ نزاع أم سلام؟ وقبل هذا السؤال: ما موقف إسرائيل من سقوط نظام بشار الأسد؟

الثورة السورية وموقف تل أبيب منها

منذ أن بدأت الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وقفت إسرائيل منها موقفا مختلفا عن بقية الثورات العربية؛ موقفا أقرب إلى العداء، فسوريا الجزء الأكبر من بلاد الشام، وقد ظلّت الحدود معها هادئة طيلة حكم النظام السابق، رغم رفعه شعارات الصمود والتصدي والتوازن الإستراتيجي والمقاومة والممانعة، فقد كانت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 آخر الحروب.

ومع سقوط النظام وغياب الدولة العميقة التي يمكن أن تقود ثورة مضادة، دفع ذلك إسرائيل لتقديم نفسها حامية للأقليات، فالنظام السابق كان يقوم على حكم طائفي، مستندا إلى قوة عسكرية وأمنية تقود المراكزَ الحسّاسة والمؤثرة فيها قيادات علوية، مع تحالفات داخلية تقوم على مبدأ المنفعة، وأخرى خارجية كتحالفه مع إيران، وهذا يعني حكما التحالف مع أذرعها في لبنان، والعراق، واليمن.

أصبحت إسرائيل بذلك بين خيارين: إما الموافقة على سحق الثورة وإبقاء النظام، أو سحق الدولة في حال الفشل في إنهاء الثورة، وتحويلها إلى دولة ضعيفة، وبدل أن تكون دولة تحكمها أقلية، تنتهي إلى دولة تسيطر عليها الأقليات في كيانات مجتمعية تكون الأطراف فيها أقوى من المركز، ولا تسيطر على حدودها ولا ثرواتها. وحتى يتحقق ذلك، كانت عمليات التهجير للكتلة الصلبة، مع تغيير ديمغرافي وعقدي.

وقد كان واضحا منذ البداية أن إسرائيل ستكون صاحبة الكلمة العليا في بقاء النظام والتغطية على جرائمه، فقد توقّف المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، عند ما أسماه بموجة التظاهرات التي حدثت في سوريا، معتبرا أن هذه التظاهرات تقرّب الثورة العربية من الحدود الإسرائيلية، بحكم الموقع الجغرافي لمدينة درعا، وتطرق إلى إمكانية فشل الحكم في سوريا في وضع حدّ للتظاهرات، وأن سقوط نظام بشار الأسد سيدخل إسرائيل في حال من الغموض وعدم اليقين.

وردّ رامي مخلوف مختصرا الوضع مخاطبا إسرائيل: أمنكم من أمننا. وقد رُفعت لافتات في إسرائيل تصف بشار الأسد بأنه ملك ملوك بني إسرائيل، ونقلت صحيفة التايم البريطانية في 30 مايو/أيار 2013، عن إسرائيل قولها: الأسد يجب أن يبقى.

وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية

وقد اتضح فيما بعد أن كل التدخلات التي جرت في سوريا لمقاتلة الثورة السورية، تمت برضا إسرائيل، وذلك من خلال الصمت، أو الموافقة الأميركية.

فقد ذكر بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي زمن أوباما، في كتابه؛ "العالم كما هو"، أن أوباما كان معجبا بإيران، محتقرا للعرب، وكان يهمّه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولم تكن الثورة السورية في اهتماماته.

وكذلك كان التدخل الروسي، حيث تمّ بطلب من نتنياهو، بعد أن تقهقر النظام السوري ومن معه في مواجهة الثورة السورية. ففي مقال له في "يديعوت أحرونوت" في 17 سبتمبر/أيلول 2015، قبيل الغزو الروسي بأسبوعين، كتب ألون بن ديفيد: "لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا، بل يسافر كي ينسق فقط".

إعلان

ولا يختلف الموقف الأميركي في الموافقة على ذلك، فقد ذكر أندرو أكسوم، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، في شهادته أمام الكونغرس الأميركي عام 2017، أن أميركا سمحت لروسيا بالدخول إلى سوريا ودعم نظام بشار الأسد، بعد أن وصل المتمردون- حسب وصفه- إلى مسافة قريبة من قصر المهاجرين، وأن بشار الأسد كافح طويلا من أجل بقاء الدولة الوطنية العلمانية التي بنيناها في المنطقة!

السقوط المفاجئ والتوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا

كانت كل المعطيات تشير إلى أن النظام السوري باقٍ، فقد تم له، بمساعدة حلفائه، استعادة كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الثوار، وبقيت منطقة إدلب وأقصى الشمال الشرقي بيد الثوار، في حين يسيطر تنظيم "بي كا كا" الإرهابي، المتخفي باسم "قسد"، بدعم أميركي وغربي، على 40% من مساحة سوريا التي تحوي مناطق الثروة السورية من نفط وغاز وزراعات إستراتيجية.

وهو لا يشكل تهديدا للنظام، فقد نشأ على عينه وتعاون معه منذ بداية الثورة السورية، وأصبح خوف السوريين على المناطق المحررة، فقد تمت إعادة تأهيل بشار الأسد عربيا، وكانت ثمّة دول تسعى لإعادة تأهيله دوليا، وبدا أنه المنتصر على المؤامرة الكونية كما كان يصف الثورة، بل يُجهز نفسه لأبعد من ذلك باستعادة مناطق المحرر السوري.

لكن ثمّة تغييرات في المنطقة والعالم كانت تفتّ في عضد النظام وحلفائه، فقد غرقت روسيا في حرب أوكرانيا، وتلقّت هزائم متكررة، ما دعاها لسحب جلّ طائراتها من قاعدة حميميم، ولم يبقَ لديها ما يمكن أن يشكّل خطرا حقيقيا على الثوار السوريين.

كذلك حزب الله الذي فقد خيرة مقاتليه في عملية "البيجر"، ومن ثم الضربات الساحقة التي تلقّاها من إسرائيل، وهي الغارقة في حرب غزة وتبحث عن نصر معنوي. ظروف كثيرة لعبت دورا مهما في استغلال الثوار السوريين تلك الظروف، مع حنق تركي من أسلوب بشار الأسد في الردّ على دعوة الرئيس التركي للاجتماع معه.

لقد أدّى الانتصار الساحق للثورة السورية في إطلاقها عملية "ردع العدوان"، وإسقاط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى صدمة ليست في المحيط العربي فحسب، بل إلى زلزال حقيقي عند قادة إسرائيل.

وقد صرّح نتنياهو بأن إسقاط النظام السوري كان خطأ جسيما، لذلك سارعت إسرائيل إلى تدمير السلاح النوعي السوري؛ حتى لا يقع بيد الثوار ويشكّل خطرا عليها. ولم تكتفِ بهذا، بل استمرت غاراتها بشكل شبه يومي بتدمير المقرات العسكرية، ووصل الأمر بها إلى تدمير مراكز مدنية، والتقدم في جنوب سوريا، مع محاولة خلق واقع جديد بعد أن أعلنت تخلّيها عن اتفاقية فك الاشتباك الموقّعة مع الجانب السوري عام 1974.

معوقات صناعة منطقة عازلة في الجنوب

وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية قدّمت أكثر من مليون شهيد، وملايين المهجّرين، وبلد مدمّر، مع رغبة عارمة ببناء بلد مستقر مزدهر.

يتنافى هذا الأمر مع الإستراتيجية الصهيونية في أن تكون دول الجوار حامية لحدودها، فإمّا أن تملك جيوشا تقوم بحماية الحدود، أو مناطق عازلة تحت قيادة عملاء تابعين لها. لذلك فقد أغرت الأقليات بعدم التعاون مع النظام الجديد، وأنها ستكون حامية للدروز والأكراد، ودعت لتعاون وثيق بين العلويين والدروز والأكراد إبّان أحداث الساحل، وهددت بالتدخل العسكري في حال فكّرت الدولة السورية ببسط نفوذها على السويداء، وقصفت مراكز سيادية في دمشق في أحداث السويداء.

واتضح دور الهجري ومجلسه العسكري في العمل على استفزاز الدولة السورية وعدم التعاون معها بدعم إسرائيلي، وهذا يعني أن غياب الدولة العميقة التي قضت عليها الثورة يستوجب التنسيق مع الأقليات، ولا سيما الجيب الكردي والجيب الدرزي.

لكن المشكلة التي تواجه إسرائيل في ذلك، رغم إعلان الهجري رغبته بانفصال السويداء وصناعة "باشان"، تكمن في أمرين:

إعلان الأول: لا توجد حدود للسويداء مع إسرائيل، وهذا يعني احتلال مناطق الجنوب السوري للوصول إلى السويداء. الثاني: أن موقف الهجري لا يُمثّل موقف الدروز بشكل عام، فهناك قوى مختلفة لديها موقف وطني رافض موقف الهجري.

وما الأحداث الأخيرة إلا دليل على أن إسرائيل تضغط على دمشق من خلال ورقة السويداء، والتهديد بصناعة قوس درزي يكون فاصلا بينها وبين نظام دمشق، في الوقت الذي صرّحت فيه القيادة السورية بأنّها لا ترغب في الحرب ولا تريدها، بل تريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عقب سقوط النظام، وأن تعود إلى اتفاقية 1974 المعروفة بفضّ الاشتباك، والتفرّغ لبناء سوريا المدمّرة.

أما ما يُشاع عن التطبيع مع إسرائيل، فقد كان ردّ الرئيس الشرع واضحا: ليس مطروحا في الوقت الحالي، وإسرائيل تحتل جزءا مهما من سوريا "الجولان" منذ عام 1967.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أهم التدخلات التي نفذتها الحكومة الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي
  • ألمانيا وكندا تشددان على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية لغزة
  • برنامج أممي: الشتاء يفاقم من المخاطر التي تواجهها العائلات في قطاع غزة
  • منظمة «أطباء بلا حدود» تدعو المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للسماح بدخول المواد الضرورية لغزة
  • سوريا التي أربكت إسرائيل
  • الشوا: المواد الغذائية التي تدخل إلى القطاع لم ترتق إلى مستوى مكافحة سوء التغذية
  • “أوتشا” : لا تزال “إسرائيل” تمنع دخول المساعدات لغزة بعد إتفاق وقف إطلاق النار
  • باحث إسرائيلي يوضح: كيف تعيد واشنطن رسم طريق الدولة الفلسطينية بعد حرب غزة؟
  • الاتحاد الأوروبي يحذّر من تداعيات انهيار السلطة: ندعمها لمنع الفوضى
  • الرئاسة الفلسطينية: إسرائيل تتذرع بحجج.. ونحن ملتزمون بقرار مجلس الأمن بشان غزة