وفد مقدمة الحركة الشعبية للخرطوم (2005): قمنا زيارة لمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
في كتابة سبقت قلت إن الهامش لم “يميز ضربه” في شكواه من تجاهل المركز لثقافته. وشمل بشكواه من المركز الحكومة وأهله جغرافياً بغض النظر. وجئت فيها بجهود طائفة من “الجلابة” في السهر على نشر ثقافات وطينة ليسوا منها. ومتى غض ناشطو الهامش الطرف عن هذا الشغل القاعدي للمئات المؤرقين بالتنوع في الوطن، والمعدودين عندهم في المركز، توحشوا بقضيتهم وعز الحليف.
وأذكر أنني نبهت، في مناسبة قدوم وفد المقدمة للحركة الشعبية بعد اتفاقية نيفاشا في 2005، إلى إسراف الهامش على نفسه في شكواه من ظلم المركز لا يفرق بين حكومة ومؤسسات حكومية يعمل فيها أولئك المؤرقون بثقافة الوطن. وطلبت منهم أن يدرجوا في برنامج ضيافتهم زورة لمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم ليروا شغل مؤسسة حكومية (في سياق استقلال الجامعة) جرى تكليفها بواسطة مجلس أساتذة الجامعة في نحو 1962 لتوثيق ثقافة عموم السودان. وما ونى المعهد ولا كلّ في هذه الخدمة إلى يومنا. وقلت للوفد أن يزور المعهد ويقف على ضروب ثقافة الهامش التي عنى المعهد بها تسجيلاً وتدويناً وتصويراً ليحكموا عن ظلم ثقافاتهم المعلوم بغير إسراف. فإلى المقال:
ليسمح لي وفد الحركة الشعبية متي جاء الخرطوم بهذا التطفل. فإنني اقترح عليه أن يغشى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم. فلربما كان المعهد هو المحل الوحيد الذي سيطعن في سداد عقيدتهم أن السودان القديم محض عربسلامية. فأخطأ ما يقع فيه هؤلاء هو اعتقال الشمالي أبدياً في عروبته واسلامه اللذين اكتملا على مشارف القرن الخامس عشر. إن توقيف التاريخ في ذلك الزمن البعيد يجب ما بعده: وكأن التركية بحداثتها لم تقع، أو كأن المهدية تكرار بسيط للإسلام، وكأن الانجليز بمدنهم وغردونهم لم يأتوا، وكأن الفكرة الوطنية والماركسية مجرد لغو. فالسوداني الشمالي هو نتاج هذه المؤثرات وغيرها وقد تجمرت هويته في لهبها أو احترقت.
واضرب لذلك مثلاً. فقد كنت اتسامر مع الدكتورين يوسف فضل (الفادني الجعلي) وأحمد عبد الرحيم نصر (البديري) من أسرة المعهد حين اكتشفنا أن والد كل منا كان ناظر محطة بالسكة الحديد. وكانت السكة الحديد هي البيئة المدينية المثلي لنزع المرء من محيطه الضيق في القري الي عوالم لا تبلغها الا السكة الحديد. ففي مجالس عطبرة لا تسمع مثلاً روايات ممن كان في بابنوسة والسوكي وتهمايم والروجل وأم كويكه ودقش فحسب، بل تسمع لغات سودانية أخري. وينشرح صدرك للسودان وتتملك الرغبة أن تعرف عن مواطنيك.
وددت لو التقي وفد الحركة بالدكتور الأمين ابو منقه، مدير المعهد (يوم كتابة هذه الكلمة)، ليطلعهم على مشروعات ثلاثة هي المسح اللغوي، ومشروع مسح الموسيقي التقليدية، ومشروع جمع الفلكلور السوداني، وسلسلة دراسات في التراث الشعبي الملحقة به.
وسأقصر حديثي على المشروع الأخير لارتباطي السابق واللاحق به. وسيجد الوفد أن المعهد لم يفرق بين تراث السودان فبلغه ما استطاع وعارف بين السودانيين شعوباً وقبائلاً. وكان ذلك كله بمنشورات رونيو فعل الشيوعيين والجمهوريين السمح. فقد أحصيت، وأنا منقطع هنا، ما لا يقل عن عشرين إصدارة عن تراث جماعات سودانية مختلفة ناهيك عن تلك التي جمعنا أدبها الشعبي ولم ننجح في نشره لتداعي ميزانية أبحاث المعهد مؤخراً. فقد صدرت كتب في تراث الرباطاب والحمر والمحس والقريات والمسبعات والفور والبجا والمناصير والمسيرية الزرق والحمران والرشايدة والشكرية والنوبة. وكان المعهد يستأجر طلاباً من هذه الجماعات في العطلات الصيفية، أو يسعي لتفريغ باحثين عصاميين من مصالحهم الحكومية ويسند لهم جمع آثار أهلهم. وقد جري تفريغ السيد سيد محمد عبدالله لجمع تراث المحس، والسيد محمد هارون كافي لجمع تراث النوبة، والمرحوم عبد الله الشيخ البشير لجمع تراث المادح ود نفيسة الكباشي القادري.
ومتي زار الوفد المعهد وددت لو تحدثوا الي الدكتور فرح عيسى محمد، سادن هذا النشاط المبروك منذ الستينات، ووقفوا على متاعبه الحالية في نشر ما تجمع لديه من مادة من تراث الجنوب وغيره. فقد حضرت اجتماعاً مع زملائي في العام الماضي وقفنا فيه على كيف حال صيق ذات اليد من إصدار كتب جاهزة لتراث الشلك والنوبة غلفان والحلفاويين والمراريت والباري والمساليت والجوامعة. وودت لو صحب الوفد الاستاذ كامل عبدالماجد، مدير دار الأشقاء، التي هي من أعمال صلاح إدريس، للنظر في طبع ما لم يطبع وإعادة طبع ما نفد. وكله نفد تقريباً.
سيدعو الناس وفد الحركة ليلقوا بأحاديث كثيرة في الخرطوم. ودعوتي لهم بزيارة المعهد هي للتصنت الجميل. فقد أجاد مثقفو الجهوية الشكوى عن إهمال تراث جماعاتهم. وسيرون في المعهد أنه لم يهمل طالما كانت جهاتهم آمنة للبحث وبيد الباحثين الموارد والعدة. ومع إحسان مثقفي الجهات الشكوى لضيعة تراثهم لم أر منهم همة في إحيائه ما استطاعوا. فقد تلاشي معهد الدراسات النوبية في القاهرة ولم تقم لمركز دارفور للأبحاث قائمة. ولم أسمع عن الحركة الشعبية عناية مذكورة بتراث شعوبها في السودان الجديد.
عبد الله علي إبراهيم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
المقاومة الشعبية اليمنية تدعو لاصطفاف وطني جامع “لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب”
يمن مونيتور/ تعز/ خاص:
اختتم اللقاء التشاوري لمجالس المقاومة الشعبية في المحافظات اليمنية أعماله في مدينة تعز يومي 22 و23 مايو/آيار الجاري، مؤكداً على حتمية استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، وداعياً إلى اصطفاف وطني جامع لتحقيق هذا الهدف.
ويعتبر اللقاء الأول من نوعه منذ 2014 عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، والمحافظات الأخرى.
اللِّقاء، الذي أقيم برعاية وتنظيم المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية وبحضور ممثل عن السلطة المحلية وقادة من المقاومة الشعبية من مختلف المحافظات، ناقش التحديات المصيرية التي يمر بها الشعب اليمني، واستعرض مخرجات ورش العمل واللقاءات التحضيرية، ليُصدر في ختامه رؤية موحدة تستجيب لنداء الواجب الوطني ومتطلبات المرحلة.
دعا بيان صادر عن اللقاء التشاوري، جميع القوى السياسية والمكونات الوطنية والتشكيلات المسلحة إلى مراجعة مواقفها وحساباتها، والانخراط في اصطفاف وطني جامع، يجعل من معركة إنهاء الانقلاب الحوثي وتجاوز تداعياته الحد الأدنى لشراكة وطنية تليق بعظمة الشعب اليمني وتضحياته، وإيجاد مبادرات خلاقة لتحقيق هذا الهدف الوطني النبيل.
عبّر اللقاء التشاوري عن تقديره الكبير لنضالات وتضحيات وصمود الشعب اليمني العظيم في كل المحافظات، المحررة وغير المحررة، محيياً “موقفه الثابت والرافض للانقلاب الحوثي الإرهابي، وتطلعه المستمر للخلاص واستعادة دولته ونظامه الجمهوري”. كما حيا التضحيات الكبيرة لأبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والصمود الأسطوري في ميادين الشرف، مشيداً “بالشهداء الأبطال والجرحى الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن حق الشعب اليمني في الحرية والكرامة”.
أكد اللقاء على الدور الحيوي والفاعل للمقاومة الشعبية والمجلس الأعلى للمقاومة في معركة التحرير واستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، معتبراً أن “للمجلس الأعلى حقاً مشروعاً أصيلاً في الإسهام بتقرير مصير الوطن، سلمًا أو حربًا، دفاعًا عن تطلعات الشعب وآماله في الحرية والكرامة والعدالة”.
وأشاد البيان بدور الأمانة العامة والهيئة السياسية خلال المرحلة الماضية وجهودهم في تعزيز دور المقاومة وتحقيق أهدافها الوطنية.
طالب اللقاء السلطات الشرعية، رئاسة وحكومة، بتحمل مسؤولياتها الوطنية والتاريخية والقيام بواجبها تجاه المعركة الوطنية “واستحقاقات استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب”. ودعا إلى العمل على تدارك الشأن الاقتصادي والوضع المعيشي للمواطن وتوفير وتحسين الخدمات الأساسية لحياته، وحث السلطة على مكاشفة الشعب بالتحديات والصعوبات التي تواجهها، والاستناد إليه باعتباره صاحب الحق الأصيل في تقرير مصيره والدفاع عن دولته.
على الصعيد الإقليمي والدولي، بارك اللقاء انتصارات الشعبين السوري والسوداني الشقيقين، ودعا جميع الدول العربية إلى دعمهما لتجاوز المحن والصعوبات التي يمران بها. كما استنكر بشدّة حرب الإبادة الجماعية والعدوان البربري الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وما نتج عن ذلك من دمار شامل وإبادة جماعية، بتواطؤ ودعم غربي مشهود، وخذلان عربي وإسلامي، داعياً جميع القوى الحرة والضمائر الحية في العالم للعمل الجاد من أجل إيقاف هذا العدوان الوحشي.
أكد اللقاء على حتمية زوال “الانقلاب الحوثي وانتصار المشروع الوطني واستعادة الدولة مهما تعاظمت التحديات وتوسعت دائرة الخذلان، فالإرادة الشعبية اليمنية لا تُقهر”.
ودعا إلى اتخاذ مخرجات ورش العمل واللقاءات التحضيرية التي سبقت هذا اللقاء منطلقاً عمليًا لمرحلة جديدة من الإنتاج والعمل الدؤوب وفق مبادئ وثيقة العمل الداخلي، بروح المسؤولية والعزيمة الوطنية العالية.
في الختام، دعا البيان الدول الشقيقة والصديقة إلى الانحياز لخيارات الشعب اليمني ودعمه في إنجاز حقه المشروع في استعادة دولته وإنهاء الانقلاب الحوثي، مؤكداً أن كل الخيارات التي لا تنبثق من هذه الإرادة الشعبية لليمنيين لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب وتعميق المأساة.
وشدد على أن الحل الجذري لمشاكل اليمن وما نتج عنها من عسكرة للبحر الأحمر وتهديد للملاحة الدولية ومن مخاطر أمنية تحيط بالإقليم والمنطقة العربية، يكمن في إنهاء الانقلاب الحوثي ونزع سلاح المليشيات الحوثية الإرهابية، وأن أي حلول ترقيعية أو عمليات محدودة لن تزيد المشهد إلا تعقيداً وتأزيماً.
كما ثمن اللقاء عاليا الدور الجوهري للشباب، وما تقدمه المرأة اليمنية جنباً إلى جنب مع مختلف الشرائح المجتمعية لخدمة بناء الوطن وما تتطلبه مسيرته التحررية، وحيا الأقلام الحرة والأصوات الوطنية في مختلف منابر ووسائل الإعلام التي تمثل جبهة موازية للجبهة العسكرية والسياسية، مذكراً جميع منتسبي هذا الوسط بدورهم القيادي في هذه المرحلة لتوحيد الوجهة بإعادة خيار تحرير الوطن إلى صدارة الأهداف، والنأي بالمجتمع ومكوناته عن المعارك الجانبية والتجاذبات التي لا تبتعد به عن هذا الهدف.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةالمتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....
سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...