تصريحات حزب المحافظين البريطاني تؤجج ظاهرة الإسلاموفوبيا
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
لندن- في الوقت الذي أظهر فيه حزب المحافظين -الذي يقود الحكومة البريطانية- صرامة في التعامل مع شكاوى "معاداة السامية" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة عقب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتزايد الشكوك بشأن جدية الحزب في التصدي بالصرامة ذاتها لخطاب كراهية ومعاداة المسلمين الذي تصاعد في الآونة الأخيرة ضد الأقلية المسلمة في البلاد.
وعلى وقع الاستقطاب الحاد الذي تعيشه الساحة السياسية البريطانية منذ أيام، بعد إطلاق أحد القيادات البارزة في الحزب تصريحات ضد عمدة لندن المسلم صادق خان، وُصفت بأنها تحرض على "الإسلاموفوبيا" (الرهاب من المسلمين) عاد الجدل بشأن تنامي الآراء العنصرية في صفوف الحزب الذي تُتهم قيادته السياسية بغض الطرف عن الآراء المعادية للمسلمين التي تغذي الكراهية ضدهم.
موقف المحافظينبادر حزب المحافظين -من جهته- بتعليق عضوية النائب لي أندرسون، بعد إصراره على عدم الاعتذار، مبررا لهجة خطابه العنصرية ضد المسلمين بما قال إنه "تنامي الإحباط من سجل عمدة لندن المسلم، الذي سلم العاصمة لندن لرفاقه الإسلاميين" في إشارة لتدبيره للمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية التي تشهدها شوارع لندن منذ بدء العدوان على هذا القطاع المحاصر.
لكن قيادة حزب المحافظين رغم محاولتها النأي بنفسها عن تصريحات أندرسون، تبدو أيضا حذرة في صياغة موقفها من الجدل الدائر، حيث اكتفى رئيس الوزراء زعيم الحزب ريشي سوناك بوصف تصريحات النائب -الذي يعد أحد أبرز الوجوه اليمينية داخل الحزب- بـ"الخاطئة" دون أن يضعها في خانة الخطابات المعادية للمسلمين أو تلك التي تنشر "الإسلاموفوبيا".
ويحرص سوناك على تجنب إغضاب الجناح اليميني في الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، أو المغامرة بخسارة خزان انتخابي مهم يعول عليه لتقليل خسائر حزبه الانتخابية المتوقعة.
كما يستمر حزب المحافظين بالتحفظ على تبني تعريف لـ "الإسلاموفوبيا" والذي سبق أن تبنته مجموعة برلمانية واسعة سنة 2019، بدعوى أنه "تعريف فضفاض ويتعارض مع مبادئ حرية الرأي والتعبير".
ويأتي ذلك في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "تيل ماما" -إحدى أبرز المؤسسات البريطانية التي تعنى بقضايا كراهية المسلمين- أن الاعتداءات على الجاليات المسلمة في البلاد ارتفعت بمعدل 3 أضعاف خلال الأشهر الأربعة الماضية، تزامناً مع عدوان الجيش الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
شماعة "الإسلاميين"وفي حديث للجزيرة نت، قال محمد كوزبر أحد أمناء مجلس مسلمي بريطانيا إن "هذه التصريحات المعادية تعكس نظرة عنصرية متأصلة في صفوف حزب المحافظين للجالية المسلمة في بريطانيا، ولا يعمل الحزب بجدية للقطع معها" مشيرا إلى أن المنظمات الإسلامية وممثلي الأقلية المسلمة قدموا مرارا اعتراضات قانونية ضد هذه التجاوزات.
وأضاف كوزبر -الذي يشغل أيضا منصب رئيس مسجد فينسبري بارك، أحد أكبر مساجد بريطانيا- أن "رئيس الوزراء لم يتحل بالجرأة السياسية الكافية للإقرار بأن التصريحات التي أطلقتها قيادات محسوبة على حزبه محرضة على معاداة المسلمين".
كما يرى أن "الخطاب السياسي الذي تبنته هذه الأصوات اليمينية يحاول التخفي وراء شن هجوم على من يسمونهم الإسلاميين، للتستر على تنامي الإسلاموفوبيا في أوساطه، باعتبارها ممارسة عنصرية تمييزية ضد المسلمين بالأساس بسبب هويتهم الدينية والثقافية، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الحاصل بسبب مواقف النخب السياسية من العدوان الإسرائيلي على غزة".
وشدد كوزبر على أن "السلوك الانتخابي للجالية المسلمة بالانتخابات المقبلة سيحدده بشكل أساسي موقف المرشحين السياسيين من وقف إطلاق النار في غزة، بصرف النظر عن انتمائهم لليسار أو اليمين" في محاولة لتشكيل كتلة انتخابية وازنة يمكن أن تؤثر على القرار السياسي في البلاد.
ورقة انتخابيةوبينما تتصدر "الإسلاموفوبيا" والموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة سلم أولويات الناخبين المسلمين، فإن الهاجس الانتخابي يمكن أن يفسر إلى حد بعيد سلوك الطبقة السياسية في التعاطي مع ظاهرة الرهاب من المسلمين.
فرغم لهجة الاستنكار الحادة التي صدرت عن زعيم حزب العمال كير ستارمر، تعليقا على تصريحات أندرسون، واتهامه قيادة المحافظين بـ"الفشل في محاربة الإسلاموفوبيا في صفوفه" فإنه يبدو أيضا حريصا على استمالة أصوات اليمين، محذرا من إثارة غضب هذه الشريحة الانتخابية التي يغازلها الحزب الطامح لتصدر الانتخابات المقبلة.
وكان حزب العمال قد واجه بدوره تهما بالتقاعس في محاربة "معاداة السامية" بين كوادره خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما أدى لسحب دعمه عن مرشحين انتخابيين بعد توجيههما انتقادات للسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.
وفي حديث للجزيرة نت، قال الأكاديمي الفلسطيني والعضو السابق بحزب العمال كامل حواش إن "ستارمر يحاول أن ينزع عن حزبه تهمة معاداة السامية، بعد أن ألصقت به إبان فترة زعامة جيرمي كوربن الذي كان يعبر عن مواقف متقدمة في دعم القضية الفلسطينية، لذلك يعمل على بناء مواقفه السياسية بحذر شديد بحيث لا تثير غضب اليمين".
وأشار حواش إلى أن "هذا اللبس الآن ينتقل أيضا إلى الاحتجاجات وحركات دعم الفلسطينيين، التي يحاول اليمين تصويرها على أنها داعمة حصرا لحماس وتؤيد كره اليهود ويقودها إسلاميون، ليعكس هذا الخطاب خلطا متعمدا بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل أو الصهيونية".
في المقابل، يرى حواش أن قيادات في حزب المحافظين تحاول باستخدامها تعبير "إسلاميين" الالتفاف على أي اتهام بمعاداة المسلمين، في الوقت الذي دأبت أصوات أخرى بصفوف الحزب على إطلاق تحذيرات متكررة من انتشار الخطاب المعادي للمسلمين، بينما كانت مواقف رئيس الوزراء السابق وزعيم الحزب آنذاك بوريس جونسون المعادية صراحة للمسلمين مثالا بارزا على انتشار هذا الخطاب في أوساطه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: معاداة السامیة حزب المحافظین
إقرأ أيضاً:
"التراث المشترك بين المدارس الإسلامية".. ضمن فعاليات جناح مجلس حكماء المسلمين
شَهِدَت فعاليات اليوم الرَّابع من معرض العراق الدولي للكتاب، تنظيم مجلس حكماء المسلمين ندوة فكريَّة في تحت عنوان "التُّراث المشترك بين المدارس الإسلاميَّة: قراءة في النصوص الجامعة"، شارك فيها كلٌّ من الأستاذ الدكتور سعدي الجميلي، أستاذ أصول الفقه والعميد السابق لكلية الشريعة بالجامعة العراقية – بغداد، والأستاذ الدكتور عمار عبودي نصار، أستاذ التاريخ والفكر الإسلامي في كلية الآداب بجامعة الكوفة، فيما أدار الجلسة الدكتور محمد جمال الباحث بمكتب إحياء التُّراث بالأزهر الشريف.
وفي بداية الجلسة أكَّد د. محمد جمال، أن التراث الإسلامي ليس مجرد نصوص ومرويات، بل فضاء فكري تتداخل فيه المفاهيم وتتكامل فيه المقاصد، مشيرًا إلى أنَّ أدب الخلاف هو الجسر الذي يمكن بوساطته تحويل الحوار إلى نقطة التقاء لا إلى سببٍ للفرقة، وأنَّ استحضار هذا الأدب ضرورةٌ لإعادة بناء الوَعْي الإسلامي على قاعدة الاعتدال.
من جانبه، استهلَّ الدكتور سعدي الجميلي حديثَه بتأكيد أنَّ قضية التراث قديمَة تناولها الباحثون على مرِّ العصور، غير أنَّ الظروف الراهنة تجعل الحاجة إلى إعادة قراءتها أكثر إلحاحًا، في ظل محاولات التَّفريق بين المسلمين وإثارة الاختلافات وتضخيمها، موضحًا أنَّ المعنى الواسع للتُّراث يشمل كلَّ ما تركه السلف منذ عهد الصَّحابة والتَّابعين، لكنَّه في الوقت نفسه يتنوع بين ثوابت دينية ثابتة وموروث فقهي متغيِّر باختلاف الزمان والمجتهدين، لافتًا إلى أنَّ تعدد الرؤى داخل المذهب الواحد دليل حيوية وقوة، لا ضعف؛ لأنَّ الأمة التي تفكِّر وتناقش وتبحث هي أمة حيَّة قادرة على التجدد.
فيما أكَّد الدكتور عمار نصَّار أنَّ تعزيز الهوية الإسلامية يبدأ من ترسيخ مفهوم التفاهم، لا من تضخيم الاختلاف، موضحًا الحاجة إلى مثل هذه الندوات خاصة في ظلِّ سعي البعض لاستخدام نصوص التراث بطريقة انتقائيَّة تسعى إلى التفريق لا وحدة صف الأمة، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها اليوم، مشيرًا إلى أغلب الأصول العقدية والفقهيَّة لدى المسلمين مشتركة، وأنَّ تصوير الاختلاف على أنه صراع جذري إنما هو نتيجة لتوظيف ضيق للمصادر وتحريف في المتون.
وأشاد المشاركونَ بدعوة فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطَّيب، شيخ الأزهر الشريف، لوحدة صف الأمة وتعزيز التفاهم بين كافَّة مكوِّناتها، مؤكدين أن مواقف فضيلته تؤسِّس لمرحلة جديدة من الحوار الإسلامي الإسلامي القائم على الأخوة الإسلامية والاحترام المتبادل، موضِّحين أن التراث الإسلامي لم يكن يومًا سببًا للفرقة بل كان في جوهره جسرًا لوحدة المسلمين، وأنَّ إعادة قراءته في ضوء المشتركات لا في ظلال الاختلاف قادرة على إعادة بناء الوعي الجمعي للأمة.
ويشارك مجلس حكماء المسلمين في معرض العراق الدولي للكتاب، وذلك انطلاقًا من رسالته الهادفة إلى تعزيز السِّلم وترسيخ قيم الحوار والتسامح ومد جسور التعاون بين بني البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم؛ حيث يقع جناح المجلس في أرض معرض بغداد الدولي جناح رقم 16 - H6.