مجزرتان في غزة بحق الباحثين عن الطحين والاحتلال يتكبد خسائر جديدة
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
توالت "مجازر الطحين" في غزة اليوم الأحد، حيث قالت وزارة الصحة إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة مروعة عند دوار الكويت في مدينة غزة شمالي القطاع، راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، وذلك عقب استهداف شاحنة مساعدات وسط القطاع.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور أشرف القدرة إن قوات الاحتلال تنفذ "جرائم إبادة جماعية ممنهجة تستهدف مئات الآلاف من البطون الجائعة شمال غزة".
وأفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الاحتلال استهدفت فلسطينيين كانوا ينتظرون شاحنات الطحين قرب دوار الكويت، مشيرا إلى أن الهجوم هو الرابع خلال 4 أيام على قوافل المساعدات.
وفي وقت سابق من اليوم، أفاد المراسل باستشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي استهدف شاحنة مساعدات في دير البلح وسط قطاع غزة.
وأوضح أن الشاحنة المستهدفة تابعة لجمعية كويتية في منطقة البروك في شارع البحر.
حماس تندد
من جانبها، أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشدة قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي قوافل الإغاثة في قطاع غزة.
وأضافت في بيان أن هذا الاستهداف هو "تأكيد وإصرار من الكيان المجرم على المضي قدما في حرب الإبادة والتطهير العرقي"، وقالت إن استمرار الاحتلال في هذا النهج "يعبر عن مستوى غير مسبوق من الإجرام والوحشية في التاريخ المعاصر".
وقد استشهد حوالي 118 فلسطينيا وأصيب مئات آخرون في مجزرة دوار النابلسي بمدينة غزة ليل الأربعاء الماضي، حيث استهدفت قوات الاحتلال حشودا تجمعت للحصول على المساعدات.
ومنذ عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، أغلبهم أطفال ونساء، وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
مقتل ضابط إسرائيلي
وعلى الصعيد المعارك، أقر جيش الاحتلال مساء اليوم بمقتل أحد ضباطه خلال القتال في جنوب قطاع غزة أمس السبت.
وكان الجيش قد أعلن في وقت سابق مقتل 3 عسكريين وإصابة 14 آخرين بينهم 6 في حالة خطيرة، أول أمس الجمعة.
وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن القتلى سقطوا بسبب تفجير عبوات ناسفة خلال تمشيط مبنى في خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الجيش يوسع عملياته في خان يونس، ويحاول الوصول إلى مناطق لم يدخلها من قبل.
وكان الجيش قد ذكر في بيان أن جنود لواء الكوماندوز يواصلون خوض معارك عنيفة غرب خان يونس، وأن القوات نفذت عمليات دعم لمواقع وفق معلومات استخبارية محددة.
من جهتها، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس اليوم أن مقاتليها استولوا على طائرتين مسيرتين لجيش الاحتلال من طراز سكاي لارك في حي الزيتون بمدينة غزة.
وكانت القسام أعلنت مساء أمس أن مقاتليها تمكنوا من تفجير منزل تم تفخيخه مسبقا بعبوتين مضادين للأفراد في قوة إسرائيلية راجلة من 7 جنود، وإيقاعهم بين قتيل وجريح في منطقة السطر شمال مدينة خان يونس.
من جهة أخرى، أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، اليوم، أن مقاتليها قصفوا بوابل من قذائف الهاون تجمعا لقوات الاحتلال شمال غرب بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: خان یونس قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
حكايات من مآسي الجوع والنزوح في خان يونس جنوب قطاع غزة
غزة- تُمسك النازحة آمنة الصرفندي بهاتف محمول في يديها، وتشير إلى صورة يعود تاريخها لبضعة أيام سبقت اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتختصر من خلال ملامحها التي تبدلت كليا وجسدها الهزيل، أثر النزوح والجوع عليها.
وعلى كرسي بلاستيكي صغير داخل صف مدرسي تقيم فيه وعائلتها (9 أفراد)، جلست الصرفندي (62 عاما)، وروت للجزيرة نت بقهر شديد كيف بدّلت الحرب أحوالها. وتقول "مات زوجي، ومنذ إجبارنا على مغادرة مدينة رفح، نزحنا 5 مرات. نهرب من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان والطعام، ولا نجدهما".
على إثر العملية العسكرية الواسعة في رفح التي بدأت في 6 مايو/أيار من العام الماضي، نزحت الصرفندي مع أهالي المدينة والنازحين فيها، وقد سوّت قوات الاحتلال منزلها في "مخيم يبنا" المحاذي للحدود مع مصر، بالأرض، كما هو حال أغلبية المنازل في هذه المدينة الصغيرة.
عايشت الصرفندي الكثير من الأحداث خلال 6 عقود مضت من حياتها، غير أنها تحسم بأنه "لم يمر بنا أسوأ من هذه الحرب"، ومن بين شهورها الطويلة تقول إن "الأيام الحالية هي الأكثر قسوة ومرارة، ولا نعرف من أين سيأتينا الموت، بالجوع أو بصاروخ وقذيفة".
حال هذه المرأة ينسحب على زهاء مليونين و200 ألف فلسطيني، يعصف بهم الجوع نتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ 2 مارس/آذار الماضي، وتبع ذلك استئنافه للحرب في 18 من الشهر ذاته، على نحو أشد فتكا وعنفا.
إعلانوأدخل الاحتلال، مساء أمس الأربعاء، نحو 90 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية، هي الأولى منذ أكثر من شهرين، وتقول هيئات محلية ودولية إنها لا تفي باحتياجات السكان الهائلة.
"والله لو كان بيد إسرائيل لقطعت عنا الهواء"، تضيف الصرفندي التي انخفض وزنها من 76 إلى 50 كيلوغراما وباتت لا تقوى على الحركة والمشي إلا بالاتكاء على عكاز.
وهي تعاني من مرض الضغط، وقبل بضعة أيام سقطت على الأرض وخارت قواها وأصيبت بشرخ في قدمها، من قلة الطعام. ولم تكن قد تناولت في ذلك اليوم سوى بضع معالق صغيرة من الأرز، حصلت على صحن صغير منه من تكية خيرية، تناولته مع عائلتها الكبيرة ولم يشبع منه أحد.
وحتى هذه التكية أغلقت أبوابها منذ يومين لعدم توفر المواد الغذائية، وللسبب ذاته اضطرت الكثير من التكايا إلى الإغلاق على مستوى القطاع في الآونة الأخيرة.
أمنيات البسطاء
هذه التكية كانت بالنسبة للصرفندي وعائلتها، وأُسر كثيرة نازحة، الملاذ الوحيد للحصول على وجبة طعام، في ظل توقف الهيئات المحلية والدولية عن توزيع المساعدات الإنسانية، والارتفاع الهائل في أسعار الخضراوات والمواد الغذائية الشحيحة في الأسواق.
لا يتوفر الطحين لدى عائلة الصرفندي منذ أسابيع، واضطرت إلى صناعة الخبز باستخدام العدس والمعكرونة حتى نفدت ولم تعد تعلم كيف تتدبر شؤونها. وتتساءل المرأة الأرملة بحرقة والدموع تحتبس في مقلتيها "من وين نجيب 100 شيكل (نحو 28 دولارا) ثمن كيلو الطحين؟".
ويصنع كيلو الطحين نحو 10 أرغفة من الخبز، بالكاد تكفي وجبة واحدة لأسرتها، وكان سعره قبل تشديد الحصار لا يزيد عن 3 شواكل (أقل من دولار).
ونظرت الصرفندي نحو زاوية الغرفة وأشارت إلى قاعدة حديدية صغيرة وآثار رماد ونار، وإلى جانبها أواني قديمة وبضع أكواب زجاحية، وقالت "حتى كاسة الشاي بطلنا قادرين نعملها ونشربها، ومين بيقدر يشتري كيلو السكر بـ120 شيكل (نحو 33 دولارا)".
إعلانوتراكمت الديون على هذه النازحة التي اضطرت لشراء دواء والقليل من الطعام، وتخشى أن تموت قبل أن تتمكن من سدادها، ووضعت رأسها بين كفيها وهي تتمتم بصوت منخفض "هذه ليست حياة.. والله الموت أرحم لنا من هذه العيشة".
وفي الشارع الملاصق لجدار المدرسة ذاتها، افترشت عائلات نازحة من بلدات شرق خان يونس الأرض والتحفت السماء بعدما أجبرها الاحتلال على النزوح القسري من مناطق بني سهيلا، والقرارة، وعبسان الكبيرة، وعبسان الجديدة، ولم تجد لها مأوى في المدارس المكتظة ومنطقة المواصي التي تعج بآلاف الخيام.
منذ الاثنين الماضي، يعيش باسل البريم وأسرته (5 أفراد) في هذا الشارع، وقد نزحوا من بلدة بني سهيلا بالقليل من الأمتعة حملوها على أكتافهم، وقطعوا مسافة تزيد عن 5 كيلومترات سيرا، لندرة وسائل المواصلات وارتفاع أجرة النقل.
لدى البريم (52 عاما) ابن يعاني من إعاقة ذهنية، ويقول للجزيرة نت "ابني حمزة عمره 10 أعوام ولا يمكنه المشي بشكل طبيعي، واضطررت للتبديل بينه وبين الأمتعة، أضعها جانبا وأسير به لـ200 متر، وأضعه وأعود لجلب الأمتعة، وهكذا طوال الطريق". ويؤكد أن هذه هي تجربة النزوح الأصعب من بين مرات كثيرة لم يعد يحصيها، لأنها تتقاطع مع مجاعة شديدة وعدم توفر الطعام.
وفقد البريم عمله مع اندلاع الحرب وليس له دخل يعتاش وأسرته منه، ويشعر بعجز يعتصر قلبه وهو مكبل اليدين أمام أطفاله الذين يتضورون جوعا، ولا يمتلك ثمن رغيف خبز يشتريه لهم، وقد ارتفع سعره من شيكل إلى 5 شواكل (دولار ونصف الدولار).
ولحمزة حكاية معاناة مختلفة، فهو يحتاج إلى أطعمة خاصة غير متوفرة في الأسواق جراء الحصار، ويضطر والده إلى إطعامه ما يتوفر حتى تدهورت حالته الصحية، وفقد نحو 10 كيلوغرامات من وزنه.
وعلى مقربة منا، كانت النازحة شوقية البريم تستمع إلى حوارنا، وطلبت أن تشارك الجزيرة نت حكايتها، وأصرت وكأنها وجدت من تلقي بثقلها عليه، وتقول "عمري (66 عاما) وأعاني من أمراض مزمنة، فشل كلوي وسكري وضغط، ومنذ ليلتين أنام وعائلتي (10 أفراد) هنا في الشارع، بلا فرشة أو غطاء أو طعام".
إعلانقطعت البريم وعائلتها أكثر من 5 كيلومترات سيرا على الأقدام من بلدة بني سهيلا حتى مجمع ناصر الطبي في غرب خان يونس، وانهارت عدة مرات خلال الطريق وسقطت أرضا.
هذه هي تجربتها العاشرة في النزوح، وتتفق مع غيرها أنها "الأصعب والأشد قسوة"، وتبكي على حال أحفادها الصغار وهم يصرخون من الجوع، ووالدهم العاطل عن العمل يقف عاجزا لا يملك من أمره شيئا.