انعكاسات الحرب على غزة على الانتخابات المحلية التركية
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
مع اقتراب الانتخابات المحلية التركية المزمع تنظيمها في الـ 31 من مارس/ آذار الجاري، يبدو أنَّ للحرب على غزة، وبشكل أكثر دقة للموقف الرسمي التركي منها، تداعياتٍ مباشرةً، وغير مباشرة على الحملة الانتخابية، وربما كذلك على نتائج الانتخابات.
الانتخابات المحليةتختلف الانتخابات المحلية في تركيا عن الرئاسية والتشريعية بأن حمولتها السياسية أقل بكثير، بحيث يكون تأثير الملفات السياسية عليها أقل منهما، ولا سيما السياسة الخارجية أو الملفات الإقليمية والدولية التي يندر أن يكون لها تأثير ملحوظ عليها.
ذلك أن الطبيعة الخدمية للانتخابات المحلية، وضعف تأثيرها على التوازنات السياسية والحزبية في البلاد يجعلان السمات الشخصية وأحيانًا الجهوية والمناطقية وحتى العشائرية، عواملَ مؤثرة في اتجاهات التصويت لدى الناخبين، وإن كان ذلك لا يلغي أهمية السياسة الداخلية والانتماءات الحزبية والأيديولوجيا وغير ذلك.
ولذلك، فليس من النادر أن يصوّت بعض أنصار أحد الأحزاب لمرشح الحزب المنافس في الانتخابات المحلية إذا ما رأوا أنه سيقدم خدمة أفضل لمدينتهم أو حيّهم، أو كانوا غير راضين عن المرشح الذي اختاره حزبهم، أو أرادوا إيصال رسالة احتجاج لحزبهم، أو لأي سبب آخر.
كان من أهم المظاهر التي انتقدتها أحزاب المعارضة بشدة رفض البرلمان التدقيق في التجارة مع دولة الاحتلال ومدى تأثيرها على غزة بأصوات العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية، ورفض قطع العلاقات الدبلوماسية
كما أن الناخب التركي معروف بتصويته الذكي والذي يمكن أن يتمايز بين انتخابات وأخرى، بل يمكن أن يتمايز في نفس الاستحقاق الانتخابي، كأن ينتخب مرشح حزبه للمدينة الكبرى، بينما يصوت للحزب المنافس في مجلسها البلدي، أو في بلدية الحي الذي يقطن به.
وقد حصل مثل ذلك في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، حين فاز مرشحا حزب الشعب الجمهوري المعارض ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بينما تقدم حزبُ العدالة والتنمية الحاكم على الأخير في المجلس البلدي للمدينتين.
لكن يبدو أن الانتخابات القادمة تحمل استثناءً على هذا الصعيد، حيث حضرت الحرب على غزة في مشهد الانتخابات المحلية مبكرًا، ويتوقع أن تحضر بشكل أكبر مع اقتراب موعدها.
وتبدو هذه ملاحظة مضاعفة الأهمية، بالنظر إلى أن الانتخابات القادمة كانت ستأتي في ظل تحسن العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال في السنتين الأخيرتين، ما كان سيقلل أثر تطورات القضية الفلسطينية، إن وجد، على مسار الانتخابات، لولا الحرب على غزة.
وقد يكون التأثير الأكثر حضورًا في انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى، البلدية الأهم والكبرى في البلاد، كما سيأتي تفصيله في ثنايا المقال، وهي البلدية التي يوليها حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان على وجه التحديد أهمية استثنائية.
ومن ملامح هذه الأهمية الاستثنائية تقديم مرشح قوي هو الوزير السابق مراد كوروم لينافس رئيس البلدية الحالي ومرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، إضافة لمرشحي أحد عشر حزبًا سياسيًا وعدد من المستقلين.
الحرب على غزةبدا الموقف الرسمي التركي إزاء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مرتبكًا إلى حد ما، ومختلفًا عن الموقف التقليدي من المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
وكان من مظاهر هذا الارتباك رفض "استهداف المدنيين"، والتركيز على فكرة "الرهائن" لدى المقاومة، وعرض الوساطة بين الجانبين، والحديث الأقرب للحيادية بينهما. إلا أنه تطور بعد أسابيع قليلة ليشكل الموقف الرسمي الحالي الذي يدين الاعتداءات "الإسرائيلية"، ويصف دولة الاحتلال بالإرهاب بعد نفيه هذه الصفة عن حركة حماس، ويعلن إغلاق صفحة التواصل مع نتنياهو ويتوعده بالمحاكمة.
ومن الواضح أن قرب الانتخابات المحلية كان من ضمن الأسباب التي دفعت نحو تطور الموقف بهذا الشكل، وإن لم يكن أهمها. ذلك أن الموقف الرسمي من الحرب دفع أحزاب المعارضة للضغط على الحكومة والحزب الحاكم، وخصوصًا الأحزاب المحافظة الصغيرة وتحديدًا من قِبل حزبي السعادة والمستقبل الممثلين في البرلمان، اللذين تصدرا مشهد الاحتجاج والتظاهر ضد العدوان على غزة من جهة، وانتقاد الموقف الحكومي في البرلمان ووسائل الإعلام من جهة أخرى.
وكان من أهم المظاهر التي انتقدتها أحزاب المعارضة بشدة رفض البرلمان التدقيق في التجارة مع دولة الاحتلال ومدى تأثيرها على غزة بأصوات العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية، ورفض قطع العلاقات الدبلوماسية، واستمرار تصدير البضائع من تركيا، ومرور سفن الوقود عبرها لدولة الاحتلال.
بعد أسابيع من بدء العدوان على القطاع، وخصوصًا بعد شن الحرب البرية، تطورت التصريحات الرسمية التركية كما أسلفنا، ونظم حزب العدالة والتنمية الحاكم مظاهرة حاشدة في إسطنبول في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ تضامنًا مع غزة كان متحدّثها الرئيس أردوغان نفسه.
كما نظمت منظمات مجتمع مدني مقربة من الحزب الحاكم مظاهرة ثانية مع بداية العام الجديد كان متحدثها الرئيسي نجله بلال أردوغان الذي دعا صراحة لمقاطعة الشركات المتعاونة تجاريًا مع الاحتلال. فضلًا عن التغطية المركزة لوسائل الإعلام المقربة من الحزب الحاكم على العدوان لمدة طويلة، قبل أن يخفت حضور الحرب فيها لاحقًا، ويترك مكانه لملفات السياسة الداخلية، وفي مقدمتها الانتخابات المحلية.
خلال الحملة الانتخابية، أوردت وسائل إعلام معارضة خبر تعاون مرشح العدالة والتنمية كوروم مع شركة إعلام "مقرها إسرائيل" للترويج لحملته في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم ينفِه الحزب ووسائل الإعلام المقربة منه أو تفنده بشكل مباشر، وإنما أوردت بدورها خبر استعانة منافسه إمام أوغلو بشركة إعلامية "لها فرع في إسرائيل".
وفي اليوم التالي، نشرت وسائل إعلام المعارضة خبر تخلّي كوروم عن الشركة "الإسرائيلية"، وحذف الإعلانات التي كانت نفذتها لمصلحته وتعاقده مع شركة تركية هذه المرّة.
الانعكاساتتبدو فرص العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة، بما في ذلك بلدية إسطنبول الكبرى، أفضل من الانتخابات السابقة لأسباب في مقدمتها تشتت التحالف المعارض له، وتقديم الأحزاب المعارضة عدة مرشحين لها فيها، ولا سيما حزب الجيد (القومي)، وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب (القومي الكردي).
ولعل ذلك من بين أسباب خفوت حدة الحملة الانتخابية هذه المرة مقارنة بسابقتها، من حيث المهرجانات الانتخابية، وكذلك الاجتماعات المصغرة مع مختلف الشرائح الانتخابية.
ورغم ذلك، ثمة تخوف لدى الحزب من أن تأتيه المفاجأة من الأحزاب الصغيرة، ولا سيما المحافظة و/أو حديثة التأسيس، والمقصود هنا أحزاب: السعادة والمستقبل والرفاه مجددًا، وبدرجة أقل الديمقراطية والتقدم.
فهذه الأحزاب تحديدًا قريبة من الخط الفكري والأيديولوجي للحزب الحاكم وقادرة – على الأقل نظريًا – على السحب من رصيده في الانتخابات، وخصوصًا أن لها مواقف قوية في معارضته في عدة ملفات، في مقدمتها الموقف من الحرب على غزة.
ليس منتظرًا أن يفوز مرشح أحد الأحزاب المذكورة برئاسة إحدى البلديات الكبيرة في البلاد، لكن سحبها من رصيد مرشحي العدالة والتنمية، قد يقلل من فرص فوزهم، خصوصًا في البلديات التي ستشهد منافسة شرسة، ويكون فيها لكل صوت أهميته.
كما أن حصة هذه الأحزاب في المجالس البلدية قد تكون أكبر من حجم فوزها في رئاسة البلديات، وربما أكبر من حجمها الحالي في البرلمان، كون أن تصويت الناخبين قد يختلف بين رئاسة البلدية ومجلسها البلدي كما ذكرنا.
كما أنّ أحد مخاوف الحزب الحاكم هو اتجاهات التصويت لدى المواطنين الأتراك من أصول عربية الذين يبدي الكثيرون منهم استياءهم من موقفه من الحرب، لا سيما أنه لم يجرِ نفس كثافة التواصل معهم في الحملة الانتخابية الحالية، كما فعل قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة.
يخشى الحزب الحاكم أن يكون لهؤلاء موقف احتجاجي في الصندوق مقاطعةً أو اختيارًا لمرشح آخر أو اختيار أحزاب أخرى (الأكثر دعمًا لغزة على سبيل المثال) في المجالس البلدية حتى وإن صوتوا لمرشحه – مثلًا – لرئاسة البلدية.
يبدو كل ذلك حضورًا غير معتاد لأحد ملفات السياسة الخارجية في الانتخابات المحلية، تبعًا لاستثنائية الحرب على غزة والوضع الإنساني الكارثي فيها بفعل الاحتلال، وخصوصًا حالة الحصار والتجويع لسكان القطاع، وهو حضور مرشح للتنامي مع اقتراب موعد الاقتراع نهاية الشهر الحالي.
فهل تكون غزة صاحبة صوت وتأثير في نتائج الانتخابات المحلية المقبلة؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العدالة والتنمیة الحاکم فی الانتخابات المحلیة الانتخابات المحلیة ا الحملة الانتخابیة أحزاب المعارضة الحرب على غزة الحزب الحاکم وخصوص ا کان من
إقرأ أيضاً:
ما انعكاسات التوتر الهندي الباكستاني على التجارة الأفغانية؟
أغلقت باكستان حدودها التجارية المهمة مع الهند عبر معبر عطاري-واغا للمرة الثانية خلال 6 سنوات، مما أدى إلى تعليق الصادرات الأفغانية إلى الهند ووجود عقبات أمام استيراد السلع منها. وبينما تتصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين، (الهند وباكستان) تجد أفغانستان نفسها مجددًا تدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا لصراع لا تشارك فيه بشكل مباشر.
وقال خان الكوزي عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية -للجزيرة نت- إن إغلاق معبر عطاري-واغا بين باكستان والهند "أدى إلى توقف التجارة" مع نيودلهي بشكل كبير.
وأضاف "تُعد هذه الحدود الأقل تكلفة للصادرات الأفغانية إلى الهند، حيث يتم نقل نحو 80% من الصادرات الأفغانية، وخاصة الفواكه المجففة، إلى الأسواق الهندية. وهذه ليست المرة الأولى التي يُغلق فيها المعبر أمام التجارة الأفغانية بسبب التوترات بين إسلام آباد ونيودلهي".
العلاقات التاريخية مهددةيُعد معبر عطاري-واغا، الذي تم افتتاحه عام 2005، طريقًا رئيسيًا للتجارة ليس فقط بين باكستان والهند، بل وأيضًا بين أفغانستان والهند عبر الأراضي الباكستانية. وشهد هذا المعبر تقلبات عديدة في السنوات الأخيرة بسبب التوترات الثنائية، ومع ذلك استمرت الهند في استيراد السلع من أفغانستان حتى خلال حكم طالبان الأول (1996-2001).
ومع تصاعد التوترات في منطقة كشمير المتنازع عليها، يظل مستقبل التجارة بين كابل ونيودلهي غامضًا، إذ أثار إغلاق المعبر البري الوحيد المخصص لتبادل السلع بين الطرفين مخاوف جدية بشأن الاستقرار الإقليمي. وقد تسبب ذلك في زيادة الضغوط على الشركات الصغيرة والصناعات التي تعتمد على السلع المستوردة من الهند.
ويقول الخبير الاقتصادي شاكر قيومي للجزيرة نت "إذا استمر الوضع الراهن، سيضطر التجار إلى البحث عن طرق بديلة، رغم أنها ليست اقتصادية أو قصيرة مثل طريق واغا. والبدائل مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا وتجار الفواكه والخضراوات الطازجة يتكبدون حاليًا خسائر فادحة، ويفكرون في استخدام طرق أخرى لمواصلة أعمالهم التجارية".
بدائل تواجه تحدياتعام 2019، أصدرت الحكومة الهندية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي مرسومًا رئاسيًا ألغى المادة 370، منهية بذلك الوضع الخاص لإقليم كشمير. وهذا تسبب في قطع العلاقات التجارية مع باكستان، مما دفع أفغانستان للبحث عن طرق بديلة للحفاظ على علاقاتها التجارية مع الهند، فاتجهت الحكومة الأفغانية السابقة إلى استخدام ميناء تشابهار الإيراني وافتتاح ممر جوي مباشر.
ويقول وزير المالية الأفغاني السابق أنوار الحق أحدي، للجزيرة نت "استثمرت الهند في ميناء تشابهار الإيراني لتقليل اعتمادها على الطريق الباكستاني". وهو خيار جيد للتجارة بين كابل ونيودلهي، لكنه يواجه قيودًا بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران، بالإضافة إلى امتناع العديد من البنوك الدولية عن التعامل مع البنوك الإيرانية.
ويضيف "التبادل التجاري يمر بأزمة حقيقية، وإغلاق الحدود قد يؤدي إلى شلل أكبر في حركة التجارة".
وتُعد الهند أحد أهم أسواق الصادرات الأفغانية، حيث تستورد ما يلي:
إعلان ما يقرب من 90% من احتياجاتها من التين المجفف. %50 من الزعفران والمشمش المجفف. إضافة إلى السجاد والأعشاب الطبية، وكل هذه السلع تمر غالبًا عبر معبر عطاري-واغا.وتشير التقديرات إلى أن هذا الإغلاق سيؤدي إلى تراجع كبير في حجم التجارة بين البلدين خلال الأشهر المقبلة، لا سيما أن أفغانستان تعتمد بشكل كبير على هذا الطريق لاستيراد سلع أساسية من الهند.
وقد صرّح المتحدث باسم وزارة التجارة الأفغانية عبد السلام جواد -للجزيرة نت- أن إغلاق معبر عطاري-واغا "لم يؤثر فقط على التجارة الأفغانية، بل وجه أيضًا ضربة قوية للهند، إذ ارتفعت أسعار الفواكه المجففة بالأسواق الهندية بنسبة 20%.
وأضاف "بلغ حجم التجارة بين البلدين 703 ملايين دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، منها 541 مليونا صادرات أفغانية و222 مليونا واردات. ويتم تصدير معظم الفواكه المجففة عبر هذا المعبر، وإغلاقه يعطل سلاسل التوريد الحيوية".
رؤية دبلوماسية وسط الصراعتُعد العلاقات التجارية بين أفغانستان والهند من أقدم العلاقات في المنطقة، وتعود جذورها إلى العصور القديمة، حيث لعبت كابل دورًا إستراتيجيًا في ربط شبه القارة الهندية بآسيا الوسطى عبر طرق التجارة. وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية المتكررة، استمرت هذه العلاقات بوتيرة مستقرة نسبيًا.
واليوم، تعتمد أفغانستان في تبادلها التجاري مع الهند على 3 مسارات:
معبر عطاري-واغا. ميناء تشابهار. الممر الجوي الذي افتُتح عام 2019.