جائزة الدوحة تحتفي بالكُتَّاب ونخبة من المثقفين العرب
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
في احتفال ثقافي شهده جمع كبير من الشخصيات والمثقفين من مختلف البلدان العربية، عقدت جائزة الدوحة للكتاب العربي مساء أمس الأحد دورتها التأسيسية.
وقد أعلنت الجائزة، في بيان رسمي عبر موقعها الإلكتروني قبل أيام، عن إطلاق الجائزة والاحتفاء "بتكريم نخبة من المتخصصين في العلوم الإنسانية والشرعية، الذين أثروا المكتبة العربية بالمصنفات العلمية الرصينة والأطروحات الفلسفية والتاريخية البحثية القيمة".
تكوّن برنامج إطلاق الجائزة من ندوة صباحية تحت عنوان "حياة للعلم: مسارات وشهادات"، والتي جاءت في جلستين، ضمت كل واحدة منهما 5 متحدثين، ألقى فيها الأساتذة المكرمون خطابًا حول تجربتهم العريضة مع الكتاب والكتابة.
وقد استُهِلت الندوة الصباحية بكلمة ترحيبية ألقاها المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري، إذ قدم فيها رؤية الجائزة ومنطلقاتها، كما أفصح عن أهداف الجائزة ومجالاتها ومواعيد انطلاقها.
وذكر المري أن الجائزة تطمح إلى استعادة التقدير الضروري المطلوب تجاه الثقافة العربية وقيمتها، الذي من شأنه أن يعزز لدى أمة الضاد "الإحساس بالأمانة، فيأخذها بصدق ووفاء ومسؤولية نحو التفكير في العربية، والنهوض بها".
وقال إن الجائزة تأتي في ظل مسارات "كثرت فيها تحديات العلم بين شعوب العالم وحضاراته، ودخلت فيها اللغات -بحسبانها أوعية ثقافية- في تسابق نحو التصدر في إنتاج الأفكار الأصيلة، ونيل قصب السبق في مجالات المعارف المختلفة".
وفي هذا السياق، أشاد المري بتأسيس قطر جائزة "تكون رافعة لمستوى التأليف النوعي، ومساهمة بنحو فاعل ومؤثر في تعزيز الجدة والأصالة، ودافعة إلى مدارات تفكير مكتوب بلسان عربي مبين، يكون أرحب سعة وأكثر إنتاجًا، كما يكون أجود بناء وأعمق أثرًا".
البلاغة والفلسفةاستفتح العالم اللغوي المصري محمد أبو موسى الجلسة الأولى، التي أدارها الدكتور سيدينا ساداتي، باستعراض جانب من مسيرته مع البلاغة العربية، والتي ابتدأها في مطلع تحصيله العلمي في خمسينيات القرن الماضي.
واستفاض من بعده الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن -في كلمته- بحديث حول البواعث العميقة التي دفعته إلى عالم التصنيف الفلسفي، محددًا ثنائية "الثغر والمرابطة" التي وجهت موقفه تجاه التفكير والتأليف.
وسرد المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني قصة رحلته العلمية التي خاضها بين رحاب الجغرافيا واللغة العربية، وقادته من بعدُ إلى التخصص في علم التاريخ، الذي وسم أغلب إنتاجه.
ومن ثم تحدث الباحث اللبناني جيرار جهامي عن سيرته العلمية المتمحورة حول الفلسفة العربية والمنطق، في حين ألقى المحقق العراقي غانم قدوري الحمد ضوءًا سِيَريًّا على تطور اهتمامه بالدراسات القرآنية والعلوم الشرعية حتى بلوغه درجة الاختصاص.
ومن جانبه، أدار الأكاديمي السوداني الصديق عمر الصديق الجلسة الثانية، وابتدأ الحديث فيها مع المؤرخ القطري مصطفى عقيل الخطيب، متناولًا تحول اهتماماته نحو التاريخ، لا سيما التاريخ في الخليج العربي.
وجاءت كلمة المحقق والمؤرخ المصري أيمن فؤاد سيد التي تحدث فيها عن مدارج ارتقائه في علمي التاريخ والتحقيق، والعلاقة بينهما، مستشهدًا بأولى تجاربه مع الوثائق، التي وصل بها إلى ذروة تحقيقه لكتب تاريخية وأدبية مركزية في تراث الثقافة الإسلامية.
وقدمت المؤرخة الباحثة في التاريخ الشفوي الفلسطيني فيحاء عبد الهادي خطبة بليغة حول دور المرأة الفلسطينية الجوهري في النضال التحرري المستمر منذ الاحتلال.
وألقى الأكاديمي السعودي سعد البازعي أمام الجمع العلمي كلمة استعاد فيها أولى ذكرياته مع الكتاب، والتي تطورت بشكل كبير بعد الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرف على مدارس النقد المختلفة، وتوّج هذه المعرفة برؤية منهجية ناقدة تجاه المنتج الثقافي غير العربي، تمتاز بالانفتاح الواعي الذي يوازن بين مرجعية الانتماء إلى الثقافة العربية، وضرورات القراءة التي تفرضها منجزات الثقافات الأخرى.
واختتم الشيخ الغاني قطب مصطفى سانو كلمات الجلسة الثانية بخطاب فصيح، أودع فيه خلاصة تاريخه في تحصيل العلم الشرعي، الذي بدأه في قريته الصغيرة في جمهورية غينيا، مرورًا بدراسته في المملكة العربية السعودية، حيث تعلم اللغة العربية إلى حد الإتقان، وصولًا إلى جهوده المبذولة في التأليف والإنتاج بالعربية، معبّرًا عن اعتزازه الكبير بانتمائه إلى ثقافة "الضاد" الواسعة.
جائزة الكتابوقال الدكتور عبد الواحد العلمي المدير التنفيذي لجائزة الدوحة للكتاب العربي إن الجائزة تهدف لتقدير جهود الباحثين حق قدرها، والتنويه بثمراتهم العلمية والفكرية والمعرفية.
وأضاف العلمي أنه ضمن أهداف الجائزة "تشجيع الأفراد والمؤسسات على تقديم أفضل إنتاج معرفي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتكريم الدراسات الرصينة، والتعريف بها والإشادة بجهود أصحابها، فضلًا عن دعم دور النشر الرائدة، للارتقاء بجودة الكتاب العربي شكلًا ومضمونًا".
وأوضح أنه يمكن الترشح للجائزة في فئتين: فئة الكتاب المفرد، ويُشترط فيه أن يكون مؤلفًا باللغة العربية، وأن ينتمي موضوعه إلى أحد المجالات المعرفية للجائزة، وأن يكون نُشِر ورقيًّا (وله رقم إيداع دولي) خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وألا يقل عدد كلماته عن 30 ألفًا، وأن يلتزم المؤلف بالضوابط العلمية منهجًا وتوثيقًا، وأن يشكّل الكتاب إضافة نوعية إلى الثقافة العربية.
أما الفئة الثانية فهي فئة الإنجاز، ويُشتَرط في الترشح لها (سواء أكان فردًا أم مؤسسة) بروز إنتاج معرفي، فيه رفد للفكر والإبداع في الثقافة العربية، وتميز بالجدة والأصالة، وأن يشكّل إضافة إلى المعرفة والثقافة الإنسانية.
كما يجب على دار النشر المترشحة أن تكون ملتزمة بقوانين الملكية الفكرية ونُظمها، وعليها أن تقدم الملفات والوثائق المؤيدة مرفقة مع استمارة الترشح، حيث يمكن الترشح في أي من الفئتين، على أن يندرج العمل في أحد المجالات المعرفية التي تعلن عنها الجائزة كل عام، وتشمل هذا العام العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، والدراسات اللغوية والأدبية، والعلوم التاريخية، والدراسات الاجتماعية والفلسفية، والمعاجم والموسوعات، وتحقيق النصوص.
وفي كلمة للمكرمين بالجائزة في دورتها التأسيسية، قالت مدير مركز الرواة للدراسات والأبحاث فيحاء عبد الهادي: "نعبّر عن اعتزازنا وفخرنا باختيارنا للتتويج بالجائزة في دورتها التأسيسية، التي تمثل انتصارًا للثقافة والفكر والإبداع في زمن نحن في أشد الحاجة فيه إلى التمسك بثقافتنا وهويتنا العربية؛ لأن الثقافة هي السلاح الرئيس الذي يمكّننا من الوقوف أمام استلاب مجتمعنا العربي".
وأضافت أن الاهتمام الحقيقي بالثقافة يرتبط بشكل وثيق بوضع إستراتيجيات ثقافية عربية تحترم الكُتّاب والمفكرين والعلماء في مجالات البحث العلمي، والتشجيع على مزيد من الإبداع، مبينة أن الإعلان عن الجائزة تكريم للباحثين، وكذلك لدور النشر العربية.
وأشارت الدكتورة فيحاء عبد الهادي إلى أن الجائزة تأتي لدعم الكتاب العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه الثقافة العربية في فلسطين إلى التدمير على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي مارس أبشع الجرائم حتى طالت الثقافة، فدمر الأرشيف الوطني في غزة، وأتلف آلاف الوثائق التاريخية، وأحرق المكتبات والمتاحف في عدوان سافر على الثقافة العربية.
واحتوت قائمة المكرمين أسماء علمية بارزة ومتنوعة، مثّلت طيفًا واسعًا من المشتغلين في الفكر العربي والشرعي من مختلف البلدان التي شملها فضاء اللغة العربية، وهم حسب الترتيب الأبجدي: أيمن فؤاد سيد (من مصر)، وجيرار جهامي (من لبنان)، وسعد البازعي (من السعودية)، وطه عبد الرحمن (من المغرب)، وغانم قدوري الحمد (من العراق)، وفيحاء عبد الهادي (من فلسطين)، وقطب مصطفى سانو (من غينيا)، ومحمد محمد أبو موسى (من مصر)، ومصطفى عقيل الخطيب (من قطر)، وناصر الدين سعيدوني (من الجزائر).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الثقافة العربیة جائزة الدوحة عبد الهادی
إقرأ أيضاً:
مأزق الوحدة العربية الكبرى
في هذا العالم الواسع الذي يعيش فيه قوميات، وأعراق، وطوائف، وديانات، وإثنيات عديدة ومختلفة، تسعى في معظمها إلى التعايش، والتوحد في وجه الأخطار المتعاقبة، وأن تكون جماعات قوية، وفاعلة، يطل العرب في هذا الزمن الغريب، وبكل أسف، وكأنهم خارج الزمن، وخارج المنظومة الاجتماعية المتعارف عليها، يظهرون في صور مختلفة، ومتخلفة، بدءا من التناحر، والاقتتال، والاحتشاد الطائفي والمذهبي، وانتهاء بالمؤامرات الصغيرة، والمشكلات الخفيّة، وكأنهم في غابة لا نظام لها، ولا قانون، فبينما تتجه الدول إلى الاتحادات، وتنسيق المواقف، وتنظيم الصفوف، في مواجهات كبيرة، وخطِرة تكاد تلتهم وجودها، يظل العرب في دوامة الصراعات الضيقة، دون رؤية واضحة، ودون بوصلة محددة، يتجهون إلى مصايرهم دون وعي في أحيان كثيرة.
ورغم أن قواسم الاتفاق، والتوحد أكثر من الاختلافات بين الدول والشعوب العربية، إلا أن العمل الفردي يغلب على معظم السياسات، ولذلك باءت محاولات الوحدة كلها بالفشل، فلم تنتهِ المشاكل الحدودية، وظلت التناحرات الطائفية والمذهبية في بعض الدول قائمةً، وهذا ما يجعل هذه الدول مفتتة، وممزقة، وغير فاعلة، بل أن لدى شعوبها أزمة هويّة واضحة، ولعل حرب «غزة» الحالية أظهرت ذلك المأزق، وكشفته بشكل واضح، فبينما يتغنّى العرب في إعلامهم، وكتبهم الدراسية، وفي وجدانهم القومي بالعروبة، والتاريخ والمصير المشترك، يبدو الواقع السياسي وكأنه بعيد جدا عن هذه الشعارات، بل وقريب من مواقف عدوٍ «كلاسيكي» ومعروف إلى وقت قريب، إلا أن الضبابية بدت واضحة على الموقف العربي الواحد، مما يجعل تلك الشعارات مجرد لافتات بائسة.
إن الوحدة أصبحت ضرورة حتمية لكي يستعيد العرب مكانتهم، ويستثمروا مواطن قوتهم، ويعملوا من أجل المستقبل، فالدول التي تعيش على أكتاف غيرها، يظل مصيرها معلقا بيدي عدوها، ويظل القرار السيادي منقوصا مهما بدا غير ذلك، فالحسابات العربية غالبا ما تُبنى قبل كل شيء على مصالحها مع الدول الكبرى، حتى ولو كان ذلك على حساب جارة شقيقة، يربطهما مصير مشترك، وجغرافيا، ودين، ومصالح أبدية، ولكن الواقع يقول: إن الضعيف لا يمكن أن يعتمد على ضعيف مثله، فهو يحتاج إلى دولة قوية تحميه، ونسي العرب مقولتهم الشهيرة، وشعارهم الكبير «الاتحاد قوة، والتفرق ضعف»، ولم يلتفتوا إليه في واقعهم، ولم يطبقوه في حياتهم السياسية.
إن الدول الكبرى لديها قناعة راسخة بأن الدول العربية يجب أن تظل ضعيفة، وتعتمد عليها في كل شاردة وواردة، وأن أي تقارب عربي يعني خطرا على وجودها الاستراتيجي في المنطقة، لذلك تعمل ليل نهار على إشعال المشكلات بين الدول العربية، وتوليد الخلافات، وخلق العداوات مع الجيران، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى يسهل عليها كسر هذه الدول، وتفتيتها، ليكون لها اليد الطولى في مصيرها، وتضمن وجودها العسكري لأطول مدة ممكنة، ولكن على العرب أن يعرفوا أن كل سرديات التاريخ تثبت أنه ليس للضعيف مكان في عالم القوة، وأن حزمة الحطب لو اجتمعت فلن يسهل كسرها، ولذلك على هذه الدول المتحدة في كل شيء إلا في الواقع، أن ترى المستقبل بعيون أوسع، وبحكمة أكبر، وتعلم أن الوقت حان للملمة الأوراق، والبدء في رحلة العمل الطويل والشاق في سبيل حلم «الوحدة العربية الكبرى».