لعلّ من أهمّ الأهداف التي تبنّاها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ نشأته، وسعى إلى التأصيل لها والدعوة إليها: نشر الدعوة وتعزيز الوحدة، وحماية الحقوق والدّفاع عن المكتسبات، وتوجيه الشعوب إلى ما فيه عزّها وكرامتها بعيداً عن تأثير الحكّام أو الخضوع لسياسات الحكومات، وهي أهداف كبار تستحقّ أن تبذل من أجلها الجهود وتنفق في سبيلها التضحيات.

وقد جمع الاتحاد من أجل هذه الأهداف الجليلة كبار علماء الأمّة ووجوه فقهائها. التقوا في دبلن بإيرلندا عام 2004، حيث صادق ثلاثمائة عالم حضروا من أنحاء المعمورة على النظام الأساسي الذي أكّد على هذه المعاني..

ويدرك الناظر إلى مسيرة الاتحاد بعد عشرين عاماً على تأسيسه إيمان علماء الأمّة باتحادهم، وتمسكهم بوجوده ودوره ورسالته، ولكنْ.. هل حافظ الاتحاد على ما قام من أجله في مجالات الدّعوة تنظيماً والوحدة انفتاحاً، والدفاع عن الثوابت وحماية الحقوق، خاصة حقوق الأقليات المسلمة ومصالح الأمّة الإسلامية؟ وهل استطاع أن يحمي قراره من سلطة الساسة وتأثير الحكومات الطامحة والطامعة؟!

الإدارة الأبوية وطموحات الشباب

شهدت سنوات التأسيس الأولى حيوية كبيرة في حركة الاتحاد وطموحاته، واستطاع مؤسّسه الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى أن يجمع حوله كبار علماء الأمّة تحت مظلّة الاتحاد، وكان الجميع يدينون للشيخ المؤسّس بالولاء والمرجعية، غير أنّ هذا الولاء لم يمنع عدداً من العلماء الشباب من الاعتراض على طريقة إدارة الاتحاد، والصّلاحيات المعطاة لرئيسه، وضعف مستوى الشورى في المؤسّسات القيادية، الأمر الذي انعكس على طريقة الانتخابات وما يشوبها من حالات استقطاب، مع  التصريح بالاعتراض على نسبة التعيين المرتفعة المعطاة للرئيس في مجلس الأمناء! وارتفعت هذه الأصوات في الجمعية العمومية الثالثة عام 2010 في إسطنبول، تعترض على الخطاب المهادن الذي يعتمده الاتحاد في العديد من القضايا، مطالبين بخطاب أكثر وضوحاً في التعبير عن التحدّيات التي تواجه الأمّة،  وكانت هذه الاعتراضات الإدارية والموضوعية السبب الرئيس في اتجاه عدد من علماء الاتحاد إلى تأسيس إطار علمائي دولي جامع هو رابطة علماء أهل السنة، الذي رأوا فيه بديلاً أكثر وضوحاً في التعبير عن قضايا الأمّة، وتبنّي طموحاتها، والدفاع عنها في مواجهة التحدّيات، من الاتحاد العالمي الذي ينحو منحىً تصالحياً إلى درجة ما سمّاه بعضهم: "تمييع المواقف وغضّ الطرف عمّا قد يشكّل مسّاً بالثوابت"!

إذا كانت البيوت إنّما تقوم على دعامتي التغافل والتغافر، فإنّ ممارسات علماء الاتحاد تدلّ على أنّ ما يبني البيوت لا ينطبق على المؤسسات، فلم يجد العلماء أنّ أمانة البلاغ والإصلاح تقبل منهم بالتغافل، فرفعوا أصواتهم بالاعتراض على ما رأوه خطأ، على اعتبار أن اعتراضاتهم هي من باب القيام بواجب النصح في موضعهتشقّقات وتصدّعات

عصفت بالاتحاد بعد الحركة الاعتراضية التي أوصلت إلى تشكيل إطار علمائي دولي موازٍ، مشكلات أخرى متعدّدة الوجوه تجلّت في استقالة الأمين العام للاتحاد الدكتور محمد سليم العوّا "اعتراضاً على طريقة إدارة الأمور" كما قال، ونائبا رئيس الاتحاد الشيخ محمد علي التسخيري عام 2010 والشيخ عبد الله بن بيّه، عام 2013، الأول اعتراضاً تصريحات أدلى بها الشيخ القرضاوي محذّراً ممّا رآه غزواً شيعياً للمجتمعات السنية، والثاني، لأنّ خطاب الاتحاد "لا يحقّق الإصلاح والمصالحة" بين مكوّنات الأمّة حسب رأيه.

ومن الجدير بالذكر أنّ الأسباب التي دفعت ببعض العلماء الشباب المعترضين على سياسة الاتحاد إلى تشكيل كيان علمائي دولي موازٍ، لم توصلهم إلى ترك الاتحاد، بل جمع أكثرهم بين عضوية الاتحاد وعضوية الرابطة الدولية الجديدة التي أنشؤوها، فيما آثر الذين تركوا الاتحاد لأسباب إدارية كالدكتور العوّا، أو لأسباب سياسية مذهبية كالشيخ التسخيري، الانسحاب الصامت الهادئ، دون إثارةٍ إعلامية أو ثورةٍ داخلية، ورافق ذلك غياب عدد غير قليل من علماء السلف أو تغييبهم، وإيثار كثير من العلماء المحسوبين على التيار الصوفي عدم الانضمام للاتحاد لأسباب عديدة، مع ابتعاد العلماء المرتبطين بالمؤسسات الرسمية من وزراء الأوقاف والمفتين والقضاة عن الدخول تحت مظلّة الاتحاد، إضافة إلى خروج عدد من  علماء الشيعة أو امتناعهم عن الحضور والمشاركة، فأصبح الكمّ الكبير من العلماء المنضوين تحت لواء الاتحاد ممّن يصنّفون بالعلماء الحركيين، فوُصِم الاتحاد بالحزبية، وضعف تأثيره العامّ في تثبيت قيم الوسطية والوحدة والانفتاح والحوار، وزاد التحدّي لديه في المحافظة على قيم الاستقلال والحياد والبعد عن تأثير الحكّام والحكومات الطامحة إلى تسخيره والاستثمار فيه، مع السعي الدؤوب من قياداته للمحافظة على هذه القيم التي نشأ الاتحاد  عليها ورفع شعارها على مرّ السنين.

تغافر لا تغافل

إذا كانت البيوت إنّما تقوم على دعامتي التغافل والتغافر، فإنّ ممارسات علماء الاتحاد تدلّ على أنّ ما يبني البيوت لا ينطبق على المؤسسات، فلم يجد العلماء أنّ أمانة البلاغ والإصلاح تقبل منهم بالتغافل، فرفعوا أصواتهم بالاعتراض على ما رأوه خطأ، على اعتبار أن اعتراضاتهم هي من باب القيام بواجب النصح في موضعه، وحافظوا في الوقت نفسه على مبدأ التغافر فلم يجرّحوا ولم يتجاوزوا حدّ الاعتراض إلى سلوك التهشيم والإساءة، واكتفوا حين لم يجدوا من يستجيب لنداءاتهم بالانسحاب من الاتحاد والاستقالة من عضويته، أو بذل الجهد في إطارٍ يرون أنّه أكثر استجابة لتطلعاتهم وأكثر تعبيراً عن طروحاتهم، ويبقى التعويل على قيادة الاتحاد في الدورة التنظيمية الجديدة أن تضع هذه الهواجس والأفكار في جدول اهتمامها، فتجري عملية تقييم ومراجعة، تساهم في تعزيز المأسسة ومعرفة تطلعات العلماء لتلبيتها، وطاقاتهم للاستثمار فيها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مسيرة رأيه مسيرة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رأي اجتهادات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة الاتحاد الأم ة

إقرأ أيضاً:

القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا

2025-07-30hadeilسابق القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي انظر ايضاًالقائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي

آخر الأخبار 2025-07-30القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي 2025-07-30القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق ألنور شاه حسينوف لـ سانا: تدفق الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا، المزمع في الثاني من آب 2025، يمثل حدثاً تاريخياً ينتظره الشعبان الصديقان ويجسد عمق علاقات التعاون المشترك بين البلدين 2025-07-30معاون وزير الداخلية يبحث مع محافظ حمص تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين 2025-07-30وزير الصحة السوري يبحث مع القائم بأعمال البعثة الألمانية سبل التعاون المشترك 2025-07-30الشيخ ليث البلعوس: ضرورة العمل وفق أجندة سورية محضة تُعنى بخدمة السوريين وبناء دولة القانون 2025-07-30اللاذقية… تنظيم الأكشاك لتحسين الواقع الخدمي والجمالي 2025-07-30وزير التربية يتفقد مراكز لتصحيح الامتحانات في حمص ويطّلع على واقع ترميم المدارس المدمرة 2025-07-30وزارة الاتصالات تعلن عودة سوريا إلى منظومة الاتصالات العالمية 2025-07-30دخول قافلة محروقات تحمل 120 ألف ليتر إلى محافظة السويداء-فيديو 2025-07-30ورشة عمل لإدراج قطاع النقل البري في دراسات التخطيط الإقليمي

صور من سورية منوعات دب يتسبب بإغلاق مطار باليابان وإلغاء رحلات جوية 2025-07-30 اكتشاف بصمة يد عمرها 4 آلاف عام على أثر طيني مصري 2025-07-28
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • يسري جبر: هكذا نفرق بين علماء الدنيا والآخرة
  • كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟
  • محمد بن راشد: فخور بفريق عمل قطارات الاتحاد الذي يقوده ذياب بن محمد بن زايد
  • علماء يكتشفون “نهرا كونيا” يغذي قلب مجرتنا
  • السجن لا يكفي.. جماعة “القربان” والانتحار المؤسَّس في أطراف ذي قار
  • صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
  • ندوة تثقيفية بقطور حول البرامج الانتخابية ومعايير اختيار المرشحين
  • مفتي الديار اليمنية يوجه نداءً تاريخياً لعلماء الأمة: أفتوا بوجوب الجهاد نصرةً لغزة
  • علماء وخطباء حجة يؤكدون وجوب اتحاد المسلمين لنصرة غزة
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا