كيف فهم مفكرو النهضة العربية الحرية والعدالة؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
الكتاب: العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة
المؤلف: عزت عبدالرحيم قرني
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب/عالم المعرفة
في سياق الاحتفال باليوبيل الذهبي لسلسلة عالم المعرفة، أصدر القائمون عليها طبعة جديدة ومنقحة من كتاب" العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة" للباحث والأكاديمي عزت عبدالرحيم قرني(1940-2019).
وضمن ما يسعى قرني إلى توضيحه في كتابه هذا فكرة أن "قصد التجديد والإبداع كانا في أساس فكر أغلبيةهؤلاء الرواد الأوائل" وهم وإن كانوا أخذوا عن الغرب الكثير من الأفكار، كما أخذوا أيضا من التراث الإسلامي، فقد فعلوا ذلك من حيث هو "وسيلة" للتجديد وليس غاية في ذاته. وهم فوق ذلك، بحسب قرني، امتلكوا جسارة كبيرة وجوهرية، وقالوا أشياء لا يقولها الآن من يعيشون في بعض أقطارنا التي تسمح بحرية القول. وقد جابهوا جميعا المشكلة نفسها: أن التغيير ضرورة ولا يمكن استمرار أوضاع الشرق الإسلامي على ما هي عليه، لسبب مهم هو أن الإبقاء على صورة الماضي والجمود يعني انعدام القدرة على مجابهة الغرب، الخصم القوي، لذلك فقد اهتموا جميعا بالتغيير السياسي شرطا أساسيا للتغيير الحضاري.
حدث فريد
يقول قرني أن الحرية هي الفكرة السياسية المركزية في كتاب الطهطاوي"تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ولأن النظرية السياسية الإسلامية، خاصة فيما استقرت عليه عند مفكري الدولة العثمانية، لم تترك مكانا لمفهوم "الحرية"، والكلمة ذاتها لم تكن تعني أكثر من الضد القانوني لوضع العبودية، فقد عرف الطهطاوي "الحرية" الفرنسية بمفهومي "العدل والإنصاف" الإسلاميين، لتقريب مضمون الكلمة إلى عقول قرائه، وبما يجعلها المظهر الخارجي لمبدأ سيادة القانون.
غير أن تصورا ثانيا للحرية لا يلبث أن يظهر في الكتاب حين يتحدث الطهطاوي عن خلاصة حقوق الفرنسسين فيقول:" وقد ضمنت الشريعة(القانون) لكل إنسان التمتع بحريته بحريته الشخصية" وبحسب قرني فإنه ربما تكون هذه هي المرة الأولى في العربية الحديثة التي يظهر فيها تعبير "الحرية الشخصية". وفي كتاب لاحق "المرشد الأمين للبنات والبنين" يخصص طهطاوي فصلا كاملا للحرية يقدم فيه تفصيلا لفكرة الحرية وجوانبها، وأكثرها تنظيما، إذ يعلن ابتداء أن الحرية مسألة فطرية عند الإنسان، ويذكر أهم أشكال هذه الحرية؛ الحرية الجسمية، وحرية العمل، وحرية التنقل، والحرية السياسية، والحرية القانونية، وحرية الملكية، وحرية الرأي. لكن قرني يلفت إلى أن الطهطاوي عندما يتحدث مثلا عن الحرية الدينية فإنه لا يقصد حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد الديني من أصله، بل هي تساوي عنده ما يسمى في الدين بـ "حق الاجتهاد" بشرط ألا تخرج عن أصل الدين.
أما عن موقف الطهطاوي من العدالة الاجتماعية فيشير قرني إلى أن القراءة الموضوعية لكتاباته لا تظهر أنه اتجه صراحة نحو هذا المفهوم وإن كان موجودا ضمنا في ثنايا بعض من نصوصه. ومن جهة أخرى فإن اهتمامه برفع الظلم الاجتماعي أكبر بكثير من اهتمامه بإرساء نظام تتحقق فيه العدالة الاجتماعية. ويضيف أنه يجب النظر إلى الطهطاوي، شخصا وكتابات، باعتباره ظاهرة مركبة غير بسيطة، فهو رجل علماني المقصد محترم للدين وموقر لشعائره، وهو مندد بالظلم لكنه موظف كبيرأنعم عليه بالرتب والتشريفات والإقطاعيات. وهو معجب في"تخليص الإبريز.." بثورة 1830 في فرنسا، لكنه يسلم في "مناهج الألباب المصرية" بأن يكون للحاكم السلطان المطلق، إذ يضع بين يديه جميع السلطات، رغم إشارته إلى ضرورة أن يتقيد مع ذلك بالقوانين. ومع ذلك فإن كتابات الطهطاوي في وقتها كانت حدثا فريدا، وفاتحة عالم جديد من الفكر السياسي والاجتماعي.
الحرية السياسية
أما صاحب كتاب "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" خير الدين التونسي، المملوك الشركسي الذي تقلد مناصب دبلوماسية وسياسية حتى عيّن صدرا أعظم في الأستانة في العام 1878، فيميل قرني إلى وصفه برجل الفكر السياسي، ذلك أن موضوعه وشاغله هو السياسة والدولة وكيف ينبغي أن تحكم. يشير قرني إلى أن مفهومي العدالة والحرية يحتلان موقعا بارزا في البناء النظري الذي تتضمنه مقدمة "أقوم المسالك"، ويذكران معا في أول ذكر للتنظيمات الأوروبية "المؤسسة على العدل والحرية" حيث يؤكد أن مشكلة حسن الإمارة تنحصر في النهاية في تحقيقهما، بل وفي هذا تنحصر أيضا مشكلة تمدن الأمة الإسلامية وتقدمها، فيقول: "هل يمكننا اليوم الحصول على الاستعداد الحربي اللازم لدفع خطر أوروبا من دون تقدم في المعارف وأسباب العمران المشاهدة عند غيرنا. وهل يتيسر ذلك التقدم من دون إجراء تنظيمات سياسية تناسب التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتي العدل والحرية الذين هما أصلان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك". يلفت قرني إلى أن الاتجاه العام لطرائق التعبير عند التونسي ينبىء بأن العدل هو أساس التنظيمات وأن الحرية من نتائجها.
إن من يضع حدودا على ممارسة الحرية يُجز إمكان الاستبداد، وهذا ما حدث مع خير الدين التونسي، فهو يرى أن الإمام في الإسلام له ميدان محجوز من التصرفات التي لا تقتضي المشاركة، كذلك فإن الضرورة قد تدعو إلى تفويض إدارة المملكة لشخص واحد مستبد" لكن لغاية محدودة وبشروط معهودةوالعدل عنده يعني ما يعنيه في دلالته المباشرة في اللغة ألا وهو عدم الافتئات على الحقوق، ومن الأمور الملازمة للعدل عنده "الأمن المتولد عن حسن الإمارة". أما في ما يتعلق بالحرية، ولا سيما الحرية السياسية، فإن خير الدين التونسي رجل الدولة والوزير يبدو متحفظا جدا حول ما تعنيه، فهو يرى أنها لا يمكن أن تكون "فرصة لتشتيت الآراء وحصول الهرج" ومن هنا كان انتخاب النواب الذين يقومون مقام الأهالي بدل إعطاء الحرية السياسية "لسائر الأهالي.. ومن الواجب على مؤسس أصول الحرية السياسية اعتبار حال السكان ومقدار تقدمهم في المعارف.. ثم توسيع دائرتها(الحرية السياسية) بحسب نمو أسباب التمدن شيئا فشيئا".
يقول قرني "إن من يضع حدودا على ممارسة الحرية يُجز إمكان الاستبداد، وهذا ما حدث مع خير الدين التونسي، فهو يرى أن الإمام في الإسلام له ميدان محجوز من التصرفات التي لا تقتضي المشاركة، كذلك فإن الضرورة قد تدعو إلى تفويض إدارة المملكة لشخص واحد مستبد" لكن لغاية محدودة وبشروط معهودة".
ويضيف قرني أن الشكل الذي يعرض عليه خير الدين اقتراحاته بخصوص النظم السياسية المقترحة للدولة العثمانية يجعلها تبدو محدودةبالفعل إذا قورنت بالنظم الأوروبية التي يهدف إلى عرضها كنموذج. فأهل الحل والعقد المقابلون لمجلس نواب العامة في النظم الأوروبية، لن يكونوا منتخبين، ويبرر خير الدين هذا، بحسب قرني، بالمبدأ نفسه الذي يقف وراء كل ادعاء استبدادي بأحقية فرد أو بعض الأفراد أن يحكموا دون آخرين:" وذلك أن تغيير المنكر في شريعتنا من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط الطلب به عن الباقين". وهذا بعينه أساس كل حكم ذي طابع أبوي.
رائد مغيّب
ينظر قرني إلى أديب إسحق ككاتب عظيم ينبغي أن يكون في الصدارة الأولى بين كبار عارضي الأفكار والكاتبين بالعربية في تاريخها الحديث. فهذا الشاب السوري الذي ولد لعائلة من الطائفة الكاثوليكية عام 1856، وتوفي في ريعان شبابه وقبل أن يتم الثلاثين من عمره، تألبت على دفن ذكره وإبعاد أفكاره وتأثيره عن دائرة الضوء قوى كثيرة، لأسباب فكرية وسياسية، وعلى الأخص بحسب قرني، لأسباب دينية، من جهات متعددة.
ويقول قرني أن أديب إسحق هو الأول في تاريخ الفكر الحديث في بلادنا الذي لا يشعر بالتراث يقيده أي تقييد، فالذي فعله، وربما دون قصد، هو أنو وضع كل مشكلات التراث وقيوده جانبا، واستراح من جهد التوفيق أو جهد الدفاع عن الماضي بحق وبغير حق، وهو ما وجدناه عند الطهطاوي، والتونسي، والأفغاني، وعبدالله النديم، والشيخ محمد عبده.
ويتابع قرني أنه لهذا "ظهرت عنده أفكار ومواقف ما كان لهؤلاء الذين نشأوا في إطار تقليدي أن يعبروا عنها كتابة حتى لو كانوا يدركونها أو يعتقدون فيها... فكان من أكبر من ساروا على تقديم صورة للإنسان الفرد من حيث هو "شخص" وأول من اقترح صراحة أن تقوم العلاقات الاجتماعية على أساس علماني، أي على أساس أن كل أعضاء المجتمع مواطنون أولا، كما أنه أسهم مساهمة كبيرة في تنمية النظرة الموضوعية سواء إلى الوقائع أو إلى التاريخ بلا أوهام. وهو أول من أراد تأسيس الحرية والعدالة على أسس بشرية خالصة، وأول هذه الأسس تقديما عنده هو الكرامة الإنسانية واحترام العقل واتباعه".
ينتقد قرني مجمل الكتابات بالعربية حول جمال الدين الأفغاني، ويرى أنها مجدت الرجل بطريقة غير موضوعية، ومنحته أوصافا لا يستحقها مثل" أبو القومية" أو "بطل الحرية الأكبر" في ميدان السياسة والاجتماع والفكر، ومرد كل ذلك هو الفهم السيء لما تعنيه كلمات "الحرية" و"الحداثة" و"العقلانية" و"الثورة"..إلخ. ويقول إنه من من الصعب القول أن الأفغاني كان يقف في صف "التجديد"، فهو إن كان يريد تغيير الواقع الإسلامي في أشكاله المختلفة فإنه لم يكن يبحث عن شيء جديد إنما يريد شيئا مما كان بالفعل، مما عرفه المسلمون وخبروه وظهر لهم أنه صالح. لقد كان متفتحا عقليا فيما يخص الماضي لا فيما يخص المستقبل.
وهو أمر متسق مع فكرة أساسية عبر عنها، ووجدت عند غيره أيضا من عظماء المفكرين، ومنهم أفلاطون، ألا وهي أن المستقبل إنما قد حددت بالفعل صورته النموذجية في نظام وقع في الماضي. على سبيل المثال عندما يتحدث الأفغاني عن الحرية الشخصية فهو يقصد غالبا حرية الحركة أو محض الحركة الجسمية، وهي لا تذكر إلا في سياق انتقاده لسياسة الإنجليز في مصر بعد الاحتلال، وهو أحيانا يستخدم كلمة الحرية باعتبارها مقابل "السلوك على الطريقة الأوروبية" بالمعنى السيء لهذا التعبير. وأكثر ما كان يقصده بالحرية هي الحرية القومية أي الاستقلال الوطني، سواء كان ذلك إزاء المستبدين الشرقيين في داخل الوطن، أو الاستعمار الأوروبي.
يضيف قرني أنه يمكن أن نميز عند الأفغاني، كما أعلن عن نفسه، بين موقفين؛ الأول هو موقف المدافع عن تراث الإسلام والعقائد التقليدية كما بدت خلال العقود الأولى تحت حكم الرسول والخلفاء الراشدين. والثاني موقف الرجل العصري الذي يستخدم لغة علمانية.
وبينما يحتل مفهوم الحرية مكانا ضئيلا بين اهتماماته النظرية فإنه يهتم أكثر بفكرة العدالة، ومع ذلك فإن مضمون هذا المفهوم عنده فقير التفاصيل ويكاد يختزل إلى مجرد المعنى اللغوي للعدل وهو السير على الطريق المستقيم بغير العدول عن أوامر الشريعة، ولكنه يضفي على هذا المضمون طابعا اجتماعيا أحيانا، حين يهتم مثلا بمصير الفلاح المصري ويندد بأنانية الأغنياء.
أما توصيفه لأمراض المجتمع الشرقي فإنه توصيف أخلاقي وليس سياسيا أو اقتصاديا، وكذلك ستكون وصفته من أجل علاجه. فالحل تارة يكون بوجود "المستبد العادل" الذي يحكم بالشورى، وتارة بالرجوع إلى مثل عليا وفضائل تحلى بها السلف الصالح، ولن يكون حلا سياسيا، ولن يكون على الأخص إصلاحا دستوريا يعدل من النظم القائمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب العدالة النهضة العربية الحرية كتاب حرية عرب عدالة نهضة كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحریة السیاسیة قرنی إلى فی کتاب ذلک فإن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ناشط برازيلي في أسطول الحرية لـعربي21: لن نتراجع عن كسر حصار غزة
من على ظهر السفينة "مادلين"، التابعة لتحالف "أسطول الحرية" (FFC)، وجّه الناشط البرازيلي تياغو أفيلا، رسالة مباشرة قال فيها: "نحن لا زالنا في طريقنا إلى غزة، ولن نتوقف أو نتراجع عن مسيرتنا قبل كسر هذا الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة وإنشاء ممر إنساني شعبي"، وذلك في مهمة وصفها بـ"الخطرة والمُلهمة في آنٍ معا".
جاء ذلك في مقابلة خاصة أجرتها "عربي21" مع الناشط البرازيلي الذي يُعدّ أحد منظّمي رحلات "أسطول الحرية".
وأكد أفيلا أن السفينة الشراعية، التي يستقلّها مع 11 ناشطا آخر، والبالغ طولها 18 مترا، "تواصل الإبحار نحو غزة. لقد قطعنا حتى الآن مسافة طويلة خلال الأيام الأربعة الأولى من الرحلة، التي قد تمتد إلى سبعة أيام حتى نصل إلى قطاع غزة. لم نواجه أي أعطال ميكانيكية، وكل شيء -حتى الآن- يسير على ما يرام من هذه الناحية، والمعنويات مرتفعة جدا".
وأوضح الناشط البرازيلي، أنهم تابعوا ليل الثلاثاء تحليق طائرات مسيرة فوق سفينتهم، وعلى إثر ذلك تم "رفع حالة التأهب إلى أقصى درجاتها؛ فما وقع يُشكّل تهديدا مباشرا لأمننا وسلامتنا"، منوها إلى أنهم مستعدون لكل السيناريوهات المحتملة.
وأشار إلى أن "السيناريوهات المحتملة لا تخرج عن خيارين: إما الوصول إلى غزة، أو ارتكاب جريمة حرب جديدة"، موضحا أن "الجريمة قد تأخذ شكل هجوم مسلح أو اعتراض بحري، وفي كلتا الحالتين نحن نعمل تحت نظر العالم، وهذا هو الضامن الأكبر لأمننا".
وأضاف: "نحن نفهم تماما لماذا لا يريدوننا أن نواصل رحلتنا؟، ولماذا يحاولون ترهيبنا وثنينا عن مهمتنا؟، لكننا لن نتراجع. تحالف (أسطول الحرية) يعمل على كسر الحصار منذ 17 سنة؛ فالحصار مفروض في قطاع غزة منذ 18 عاما، وسط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ زمن طويل".
وتابع أفيلا: "ندرك أننا قلة، ونحمل مساعدات مدنية وأطرافا صناعية، بينما الطرف الآخر يواجهنا بالرشاشات والأسلحة الفتاكة، لكننا نعلم أن خلفنا ملايين الأشخاص الذين ضاقوا ذرعا بما يجري، وسيرون في أي اعتداء علينا قرارا كارثيا."
وأردف: "من المهم أن يفهم الجميع أن هذه ليست مهمة يمكن لأي جهة أن تمنعها، ولا تملك أي دولة الحق في اعتراض دخول المساعدات الإنسانية. هذه المهمة إنسانية بحتة وتستند إلى شرعية القانون الدولي، وقرارات محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمن".
وواصل حديثه بالقول: "حين يحاول الكيان الصهيوني منعنا من الوصول إلى غزة أو مهاجمتنا في المياه الدولية فهو يتخذ قرارا واضحا بخرق فاضح للقانون الدولي وقانون البحار، وهو ما يُعدّ جزءا لا يتجزأ من الإطار القانوني للأمم المتحدة."
واعتبر الناشط البرازيلي، أن "أي محاولة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه المهمة تُعدّ جريمة حرب"، مضيفا: "نعلم جيدا عدد المرات التي ارتكب فيها الاحتلال جرائم حرب، وهم لا يبدون أي اكتراث بتجويع الأطفال، ويواصلون قصف المستشفيات وقتل الصحفيين."
وأكد أن هذه المهمة لن تكون الأخيرة، قائلا: "إذا ما قرّروا مهاجمتنا، فستكون هناك المزيد من هذه المهام. نحن لا نطلب إذنهم؛ فالقانون الدولي يضمن لنا حق تنفيذ هذه المهام الإنسانية. نحن لا نخشاهم على الإطلاق."
وزاد: "بإمكانهم استخدام العنف، لكنهم لن يستطيعوا وقف موجة الدعم المتنامية للشعب الفلسطيني. وسنواصل الإبحار، وسيأتي المزيد من هذه السفن. نثق بأن الضغط الدولي، إذا تصاعد بما يكفي، سيفرض فتح المعابر وإقامة ممرات إنسانية إلى غزة. إنهم لن ينجحوا في ردعنا، بل سيجدون أنفسهم أمام موجة متصاعدة من العمل الإنساني المصمم على كسر الحصار."
ولفت أفيلا إلى أن "الهدف من الإبحار إلى غزة ليس فقط إيصال مساعدات إنسانية، بل كسر الصمت العالمي وتحريك الرأي العام للضغط على الحكومات من أجل إنهاء الحصار، ونحن نصرّ لأبعد مدى على مواصلة رحلتنا حتى النهاية".
تضامن واسع
وأشار إلى أن الدعم الذي يتلقونه من أنحاء العالم "واسع ولافت"، في وقت تتوالى فيه التهديدات من قِبل "إسرائيل" التي أكد أنها "لا تتحمل فكرة أن يكون هناك مَن يحاول إنهاء المجاعة أو وقف القصف ضد المدنيين".
واستطرد أفيلا، قائلا: "ما نواجهه هو نهج استعماري يُدمّر فلسطين، ويُكرّس نظام فصل عنصري، ويرتكب جرائم فظيعة بحق هذا الجيل".
وأضاف أن "كل المهام التي ينظمها تحالف أسطول الحرية تهدف لتحقيق هدف واحد: كسر الحصار غير القانوني، ونشر الوعي بما يجري، وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومن الضروري مشاركة أهداف هذه المهمة مع العالم".
ونوّه إلى أن "التحضيرات لهذه الرحلة شملت تفعيل كل مستويات الوعي، وتعبئة الحركات الاجتماعية، ووسائل الإعلام، والجمهور في مختلف أنحاء العالم".
وقال: "انتهيت، الثلاثاء، من آخر تدريب على اللاعنف مع فريقي، وهم مستعدون لمواجهة أي تهديد بطريقة لا عنفية. نحن نحافظ على جوهر رسالتنا: عندما ترى أناسا يموتون من الجوع تجلب لهم الطعام، وعندما ترى آخرين يعانون من الظلم تحاول مساعدتهم. هذا ما نقوم به".
تحرر الشعوب
وشدّد على أن "مسيرة الشعوب نحو التحرر تكررت كثيرا، وهذا النوع من العمل المباشر اللاعنفي أثبت فعاليته الكبيرة في تعزيز التغيير وإسقاط الأنظمة الاحتلالية والقمعية".
وتابع: "لقد شهدنا استقلال الهند بقيادة المهاتما غاندي، زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف، وكان ذلك مصدرا عظيما للأمل، وشهدنا النضال ضد الفصل العنصري، ورأينا نيلسون مانديلا أحد أبرز مَن تحدثوا عن هذه التكتيكات".
وأردف: "كما رأينا ذلك في حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة التي أسقطت قوانين الفصل العنصري (جيم كرو)، ورأينا كيف استخدم مارتن لوثر كينغ، وروزا باركس، والعديد من المناضلين الرائعين اللاعنف والعصيان المدني كوسيلة لتحقيق تغييرات جذرية في المجتمعات التي تكون بحاجة إلى هذا التغيير".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى بناء مجتمع عالمي جديد، وكل ذلك يمر عبر التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإسقاط الصهيونية النازية، وإسقاط النظام الاتحادي في جوهره، وفي الأماكن التي يظهر فيها أكثر أشكال العدوان شراسة".
انتفاضة عالمية كبيرة
وشدّد أفيلا على أن "هذه المهمة المتواضعة جزء من انتفاضة عالمية كبيرة فيها أناس كُثر يفعلون كل ما بوسعهم لوقف المشهد المأساوي في غزة"، مشيرا إلى أن "هناك اليوم أغلبية اجتماعية عالمية تدعم فلسطين، وتناهض قصف المستشفيات والمدارس والملاجئ، وتعارض الصهيونية بوصفها أيديولوجيا عنصرية، وترفض الجشع الإمبريالي الذي تُمثله الولايات المتحدة".
وأردف: "نحن لسنا أكثر أهمية من المظاهرات المتضامنة مع غزة أو حملات مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، ولا من أولئك الذين يُعطّلون مصانع الأسلحة التي يجري تصديرها للاحتلال، أو يكسرون حصار الإعلام من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وبالطبع لسنا أهم من الشعب الفلسطيني نفسه. نعم، مهمتنا خطرة، لكنها لا توازي مطلقا حجم الخطر اليومي الذي يواجهه الفلسطيني في غزة".
وبيّن أفيلا أن "تنفيذ هذه المهمة يتطلب شجاعة، لكن الشجاعة التي يبديها الفلسطينيون أكبر وأعظم بكثير"، متابعا: "نحن فخورون بأن نكون في خدمة هذه القضية العادلة، ونتوقع أن نصل إلى غزة. نحن نبحر في المياه الدولية، ونتجه إلى فلسطين عبر المياه الإقليمية التي لا يجب أن تخضع للاحتلال الإسرائيلي، وأي اعتراض أو استهداف للسفينة يُعدّ انتهاكا صارخا للقانون الدولي".
وشدّد على أن "القانون الدولي يقف إلى جانبنا، إضافة إلى قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي أصدرت حكما مؤقتا يمنع أي جهة من اعتراض المساعدات الإنسانية، فضلا عن مذكرات توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو. وهذا يشمل أيضا منع التواطؤ مع أي جهة تعرقل وصول المساعدات إلى القطاع".
واعتبر أن ما يقومون به اليوم يصطف إلى جانب العدالة، ومعهم التاريخ، وقال: "نحن نواجه أبشع الجرائم في جيلنا، ولسنا وحدنا، لكن كلما ازداد الدعم، ازدادت قوتنا ووحدتنا. ندرك أنهم قد يهاجموننا في أي لحظة؛ فقد قتلوا عشرة من نشطائنا قبل 15 عاما، وقبل أربعة أسابيع فقط قصفوا زورقنا بينما كنا في المياه الإقليمية الأوروبية، بين مالطا وإيطاليا".
ورغم كل ذلك، أشار الناشط البرازيلي، إلى أنهم لا يشعرون بالقلق، وقال: "نحن نعلم أنه بمجرد تعبئة قوة اجتماعية كافية، فلن يكون بمقدورهم إيقافنا".
واستدرك: "قد يتمكنون من اعتراض زورق صغير كهذا، لكن في حال حدوث ذلك فسيظهر بعده عشرة زوارق أخرى، وإذا اعترضوها فسنرسل مئة، ثم ألفا. هذا النمط من المقاومة أثبت فعاليته، وهو ما شهدناه في تجارب استقلال الهند، والنضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحركة الحقوق المدنية في أمريكا".
نقل صوت الفلسطينيين للعالم
وواصل حديثه قائلا: "العالم بحاجة ماسة إلى هذا التغيير المأمول، إلى نظام لا يستغل أو يضطهد أحد ولا يُدمّر البيئة. والتغيير يمر عبر التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإنهاء الصهيونية والأنظمة القمعية، خاصة حيث يظهر العدوان بأبشع صوره".
ونوّه أفيلا أن بعثة السفينة "مادلين" تضم برلمانيين دوليين مثل ريما حسن (عن فرنسا في البرلمان الأوروبي)، والناشطة المناخية السويدية غريتا ثونبرغ، إضافة إلى أطباء، ومهندسين، وخبراء بيئة، ومؤثرين، ومتخصصين في الإعلام، جميعهم "يبذلون قصارى جهدهم ليكونوا جزءا من الاستجابة لنداء هذا الجيل، وهم يجتمعون على موقف مبدئي مناصر للعدالة ورافض للاستعمار والعنصرية والاستبداد".
وقال إن "أقوى وسائل الحماية التي نعتمد عليها اليوم ليست الأسلحة ولا الزوارق المصفحة، بل الدعم الشعبي والإعلامي الواسع الذي يُشكّل درعنا الحقيقي، ويمنعهم من الاعتداء علينا".
وزاد: "لقد دربت فريقي على مواجهة الاعتداءات المحتملة، لكن الحماية الحقيقية -كما أؤكد دائما- تكمن في خلق ضغط اجتماعي واسع يمنعهم من مهاجمتنا، لأنهم يعلمون أن أي هجوم سيكون كارثيا عليهم؛ فليس لديهم القدرة على مجابهة آلاف الزوارق ولا قمع ملايين الأصوات".
ودعا أفيلا الجميع إلى دعمهم بنشر الوعي، ومتابعة ما يجري معهم، وتحدث عن أهمية نقل صوت الفلسطينيين إلى العالم، وتأكيد أن "الحصار غير القانوني يجب أن يُرفع"، وقال: "نحن نتحدث عن 80 سنة من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويجب ألا نسمح بتكرار ذلك في أي مكان بالعالم".
كما دعا الناشط البرازيلي، "جميع أحرار العالم إلى التحرك العاجل لرفع الحصار عن غزة، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل الحرية والكرامة"، مُشدّدا على أن "التضامن ليس جريمة، بل هو واجب إنساني وأخلاقي".
وختم حديثه قائلا: "ما نحتاجه ليس عددا كبيرا، بل شجاعة وتنظيم واستراتيجية جيدة، وبعدها سينضم إلينا الآخرون. هذه ليست بداية جديدة، بل استمرار لمعركة مستمرة منذ 17 عاما. وفي عام الحصار الأول وصلت خمس بعثات إلى غزة. أما اليوم، فنأمل أن يكون زورقنا هذا هو البعثة التي تكسر الحصار من جديد، وتفتح ممرا إنسانيا شعبيا يسمح للعالم بالوصول إلى غزة التي تحتاجنا الآن".
رحلة "مادلين" إلى غزة
وتأتي رحلة "مادلين" بعد نحو شهر من تعرض سفينة "الضمير"، التابعة لتحالف "أسطول الحرية"، لهجوم بطائرتين مسيرتين قرب سواحل مالطا. وقد حمل المنظمون الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الهجوم، دون صدور رد رسمي إسرائيلي حتى الآن.
وتُعدّ "مادلين" السفينة رقم 36 التي يطلقها التحالف منذ تأسيسه في 2008 باسم "حركة غزة الحرة"، ولم تنجح سوى خمس سفن فقط من أصل 35 في الوصول فعلياً إلى شواطئ غزة.
والاثنين، دعا خبراء أمميون إلى ضمان ممر آمن لسفينة "مادلين"، والتي أبحرت من إيطاليا في 1 حزيران/ يونيو، حاملة مساعدات طبية وغذائية وحليب أطفال إلى غزة.
وأكد الخبراء الأمميون أن "المساعدات ضرورية بشكل عاجل لسكان غزة لمنع كارثة إنسانية"، مُحذّرين من أن "أي اعتداء على السفينة سيكون عملا عدائيا غير قانوني ضد مدنيين"، ومشيرين إلى أن "أنظار العالم تراقب".
كما شدّدوا على أن "لسكان غزة الحق في تلقي المساعدات حتى في ظل الاحتلال"، وأن للسفينة "الحق في المرور الحر عبر المياه الدولية".
وكان تحالف "أسطول الحرية" ناشد الجمهور العالمي للمشاركة في الضغط عبر إرسال خطابات تحذيرية ترسل لدولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال الرابط: bit.ly/IsraelOnNotice، وذلك لضمان عدم استهداف السفينة أو المتطوعين.
وفي رسالة مفتوحة، حمّل التحالف إسرائيل مسؤولية أي ضرر يلحق بالطاقم أو السفينة، مؤكدا أن "أسطول الحرية مهمة مدنية سلمية وقانونية"، مطالبا بوقف أي تدخل غير قانوني والامتثال للقانون الدولي.