الجزيرة:
2024-06-20@13:14:24 GMT

كيف يبدو واقع المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

كيف يبدو واقع المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

 دمشق- لم تكن المهن التراثية والحرف التقليدية في سوريا محصّنة ضد تداعيات الحرب، ففي ظل الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تشهدها البلاد منذ ما يربو على عقد، تعاني هذه المهن من تراجع غير مسبوق مرتبط بظروف الإنتاج والسوق، مما يجعلها اليوم مهددة بالاندثار.

وكشف رئيس اتحاد الحرفيين في محافظة اللاذقية جهاد برو، في تصريح حديث لصحيفة الوطن المحلية، عن تراجع إنتاج الحرف والمشغولات اليدوية بمختلف أنواعها بنسبة 50% ضمن المحافظة، معتبرا ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وزيادة ضرائب الدخل أسبابا مباشرة لهذا التراجع.

من جهته، قال رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات في دمشق بسام قلعجي، في تصريح لصحيفة غلوبال المحلية الشهر الماضي، إن أكثر من نصف الحرفيين الحلوانيين توقفوا عن الإنتاج وتحولوا إلى العمل بمهن أخرى بسبب انخفاض الطلب وعدم كفاية الأرباح.

تصريحات متعاقبة تكشف واقع الحرف التراثية والتقليدية السورية التي باتت تئنّ تحت وطأة التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

الحرف التراثية والتقليدية السورية باتت تئنّ تحت وطأة التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه سوريا (الجزيرة)

هذا الوضع دفع آلاف الحرفيين إلى إغلاق ورشهم ومحالهم والتحول لأعمال أخرى، أو الهجرة ونقل أعمالهم إلى خارج البلاد، وسط تهديد فعلي باندثار العديد من المهن التراثية والحرف اليدوية التقليدية التي تشكّل قطاعات حيوية من القطاعات الاقتصادية في البلاد وجزءا لا يتجزأ من هويته الحضارية.

فما أبرز أسباب هذا التراجع؟ وكيف ينعكس على الحياة الاقتصادية في البلاد؟

غياب الدعم والمنافسة غير المتكافئة

يقول أنطون (42 عاما)، وهو حرفي دمشقي ومالك سابق لورشة صناعة موزاييك في ريف دمشق، إن كفاحه لسنوات للإبقاء على ورشته مشرعة الأبواب تنتج وتبيع ما يكفي لدفع أجور العاملين فيها لم يكن مجديا.

ويضيف في حديث للجزيرة نت: "حاولت جاهدا الحفاظ على الورشة والعاملين فيها لأطول فترة ممكنة، لكن الغلاء المستمر في أسعار الخشب (المحلي والمستورد) بصورة غير موائمة، والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي (16_18 ساعة يوميا)، وانخفاض الطلب على الموزاييك في السوق المحلية والخارجية، كلها عوامل أجبرتني على تسريح العاملين، ولاحقا إلى إغلاق الورشة بعد انقضاء أشهر لم أستلم خلالها سوى طلبيتين".

وبالإضافة إلى تلك العوامل، يرجع أنطون سبب انخفاض الطلب على الموزاييك "الأصلي" وغيرها من المشغولات اليدوية والمصنوعات التراثية (نحاسيات، دمشقيات، أنتيكا، منسوجات) إلى:

واقع السوق في الوقت الراهن في ظل غياب السياح. تراجع الطلب الخارجي على السلعة نتيجة انقطاع العلاقات التجارية مع الأسواق الخارجية. هجرة الوسطاء والتجار وبالتالي انخفاض التصدير. منافسة غير متكافئة. تراجع الطلب الخارجي على السلعة أثر في الحرف التراثية والتقليدية السورية (الجزيرة)

ومع تحوّل المنتجات التراثية إلى سلع "أكثر من كمالية" بالنسبة إلى السوريين الذين يعانون من ضعف القدرة الشرائية (متوسط الرواتب الشهرية نحو 20 دولارا)، وغياب الدعم للحرفيين والتوعية بأهمية وأصالة هذه المنتجات من قبل الاتحادات الحرفية والجهات الحكومية، يواجه حرفيو سوريا تحديات كبرى للاستمرار في حرفهم.

وبالرغم من عدم توفر أرقام دقيقة حول أعداد الحرفيين الذين دفعتهم  ظروف العمل إلى الهجرة خارج البلاد، إلا إن رئيس اتحاد حرفيي دمشق علي قرمشتي كشف، في حوار مع موقع كليك نيوز الإخباري المحلي، العام الماضي، أن نسبة الحرفيين الدمشقيين المهاجرين أصبحت مرتفعة جدا لا سيما من شريحة الشباب.

سياسات اقتصادية واجتماعية طاردة

وإلى جانب العوامل الاقتصادية المباشرة التي أدّت إلى تراجع الحرف التراثية خلال الأعوام القليلة الماضية متمثلة بارتفاع أسعار المواد الأولية، وسوء الواقع الخدمي، وتراجع حركة البيع والشراء، كانت هناك عوامل غير مباشرة أضرت بهذه الحرف.

ويرى الخبير الاقتصادي السوري يونس كريّم أن أزمة الحرفيين بدأت منذ عام 2008 بعد تعرضها لضغوطات كبيرة بحكم تغيّر التوجه الاقتصادي العام في البلاد.

واقع عمل الحرف التراثية بعد عام 2011 أصبح أعقد وأصعب (الجزيرة)

ويقول كريّم في حديث للجزيرة نت: "منذ عام 2008 وضعت السلطات يدها على أماكن انتشار هذه الصناعات نظرا لأهمية موقعها الجغرافي، والعمل على تغيير معالمها لصالح مستثمرين أثرياء، أو تقديمها كهبات للدول التي تسعى دمشق إلى إقامة علاقات ثنائية معها"

ووفق الخبير فإن واقع عمل الحرف التراثية بعد عام 2011 أصبح أعقد وأصعب مع "استمرار اعتماد النظام سياسات اقتصادية واجتماعية تضيّق على أصحاب هذه الحرف، وتستبعد عنهم الدعم، وتستملك أماكن انتشارهم، إلى جانب توقّف المعارض وصعوبة المشاركة بفعاليات خارجية بسبب المواقف السياسية للنظام.

ويوضح كريّم أن التفكك الأسري والاجتماعي الذي يعاني منه السوريون نتيجة الهجرة الواسعة النطاق خلال العقد الأخير، كانت سببا مضافا من أسباب تراجع هذه الحرف التي "اعتمدت على التوريث بين أجيال العائلة الواحدة كتقليد اتبعه الحرفيون السوريون منذ زمن بعيد".

من الكيلو إلى القطعة والقطعتين

يبدو أن بعض المهن والحرف التقليدية في خندق واحد مع الحرف التراثية في حربها ضد الاندثار، حيث يعاني أصحاب حرف تقليدية عديدة لا تقلّ أصالة عن تلك التراثية، ولا سيما الحلوانيين من ارتفاع تكاليف المواد الأولية الداخلة في الإنتاج، وارتفاع تكاليف حوامل الطاقة، والخسارات المتتابعة على خلفية عزوف المواطنين عن شراء الحلويات العربية الفاخرة المرتفعة الثمن.

أكثر من نصف الحرفيين الحلوانيين توقفوا عن الإنتاج وتحولوا إلى العمل بمهن أخرى (الجزيرة)

يقول صهيب (55 عاما)- صاحب محل حلويات في منطقة الجزماتية في دمشق، للجزيرة نت: "تنقضي أيام دون أن نبيع ما مجموعه كيلو من مختلف الأصناف، ومنذ سنتين أصبح كساد البضائع في المحل ظاهرة مألوفة لنا، ولولا مواسم الأعياد، وبعض المناسبات والأفراح التي تقام هنا وهناك، لكنا أغلقنا منذ أمد بعيد".

ويضيف الحلواني الدمشقي في حديث للجزيرة نت: "انخفضت أرباحنا، وأرباح معظم محال الحلوانيين في دمشق بنسبة كبيرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد".

ويشير الحلواني إلى أن سعر الكيلو من بعض أصناف الحلويات العربية قد تجاوز الـ400 ألف ليرة مؤخرا، مضيفا: "وهو ما لا قدرة للسوريين على شرائه، ولذلك أصبحنا نتبع أساليب بيع نعتمد فيها على الكميات القليلة، فنبيع البقلاوة والبلورية والمشكَّل والآسية والمبرومة وغيرها من الأصناف بالأوقية والحبة (القطعة) والحبتين للحفاظ على حركة البيع، وعدم انقطاع الزبائن عن محلنا".

وعن أسباب توقف حلوانيين في دمشق عن العمل وهجرة كثيرين منهم إلى خارج البلاد، يقول الحلواني الخمسيني: "إن الأسباب كثيرة تبدأ من الضرائب السنوية الكبيرة غير المنسجمة مع تكاليف التشغيل المرتفعة والأرباح المنخفضة، ويضاف إليها الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء التجارية والمحروقات اللازمة لتشغيل المحال والمعامل، والزيادة الهائلة بأسعار المواد الأولية، وارتفاع أجور العمال، وعزوف الزبائن عن شراء هذه الحلويات إلا بالمناسبات".

الاندثار التدريجي للحرف التقليدية شكل ضربة موجعة للاقتصاد السوري (الجزيرة) ارتفاع الأسعار

وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمكسرات وغيرها من مكوّنات الحلويات العربية بنسب متفاوتة في الآونة الأخيرة، حيث بلغ سعر كيلو السمن الحيواني 150 ألف ليرة ( دولار يعادل نحو 2511 ليرة)، بينما ارتفع سعر كيلو الفستق الحلبي الحب إلى 300 ألف، وسعر كيلو الجوز إلى 120 ألفا.

وسجلت أسعار الحلويات الشعبية كالبرازق والمعمول في أسواق دمشق، بحلول رمضان الفضيل، أسعارا تتراوح بين 100 و130 ألف ليرة للكيلو الواحد، في حين تراوحت أسعار الحلويات المتوسطة والفاخرة من قبيل "البلورية" و"المشكّل و"كول وشكور" و"عش البلبل" و"البقلاوة"  بين 250 و500 ألف للكيلو الواحد وهو ما يعادل راتب موظف سوري في القطاع العام.

وأرجع رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات بسام قلعجي، هذا الارتفاع بأسعار الحلويات إلى رفع الحكومة الدعم عن المشتقات النفطية، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف مباشرة بنسبة 150%، مشيرا إلى أن رفع سعر الكهرباء بنسبة 5 أضعاف سيؤدي إلى زيادة سعر نحو 650 منتجا.

وأكد قلعجي، عبر تصريح لصحيفة الوطن المحلية الشهر الماضي، أن العدد الأكبر من الحرفيين الحلوانيين هاجروا، وكانت وجهتهم الأولى هي الجزائر وتتبعها ألمانيا.

وكان قد كشف رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات، في مارس/آذار من العام الماضي، عن إغلاق 70% من ورش صناعة الحلويات متأثرة بالأزمة الاقتصادية وضعف الإقبال على شراء الحلويات والمرطبات.

ضربة موجعة للاقتصاد

ويشكّل هذا الاندثار التدريجي للحرف التقليدية ضربة موجعة للاقتصاد السوري، ويقول الخبير الاقتصادي يونس كريم " لقد شكلت هذه الحرف على مر عقود أكبر حاضنة للعمالة السورية، وكانت نسبة مساهمتها في الاقتصاد قبل عام 2011 تتراوح بين 40 إلى 50%".

وهو ما يذهب إليه الباحث ووزير النفط السوري الأسبق مطانيوس حبيب، في ورقة بحثية بعنوان "القطاع الخاص في سوريا" (2005)، عندما يشير إلى أن القطاع الصناعي الخاص في سوريا اتجه للاستثمار بالمهن الحرفية خوفا من سياسات التأميم سواء في عهد الوحدة السورية-المصرية (1958- 1961)، أو بعد ثورة الثامن من مارس/آذار (1967) مما جعل الاستثمار بالحرف سمة أساسية من سمات القطاع الخاص في سوريا.

شكلت الحرف اليدوية السورية مساهمة بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50% في الاقتصاد السوري قبل عام 2011 (الجزيرة)

بينما يؤكد كريم على أن أزمة العاملين في الحرف التقليدية من حلوانيين وغيرهم تعود إلى ما قبل عام 2011، وتحديدا إلى الفترة الممتدة بين عامي 2007 و2009 حيث كانت هناك "محاولة من قبل النظام للضغط على أصحاب المهن التراثية والحرف التقليدية عبر إجبارهم على دفع الضرائب، وإبعادهم عن مراكز المدن لصالح المستثمرين الكبار".

ويعتقد يونس كريم أن اندثار هذه الحرف تدريجيا سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد السوري لدورها في "توفير فرص عمل تفوق تلك التي توفرها المعامل الكبيرة ولتميزها بسهولة التشغيل والإنجاز، والقدرة على الانتشار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان حريات

إقرأ أيضاً:

الحلويات تهدد بالإصابة بالسرطان وأمراض الكبد في هذه الحالة.. أطباء يحذرون

يحذر الأطباء من إن تناول الحلويات باستمرار،  محفوفًا بتطور عدد من الاضطرابات الخطيرة في الجسم، وهذا المنتجات التي تحتوي على الكثير من الدهون والدقيق والمواد المضافة للكعك وجميع أنواع الحلويات تقريبا مع حشوات في شكل كريم.

أسباب هبوط السكر في الدم.. أبرز الأعراض وطرق العلاج أضرار الحلويات على الكبد

وقالت القائمة بأعمال رئيسة وزارة الصحة الأوكرانية أوليانا سوبرون إن تناول الحلويات كل يوم ضار للغاية وفقا لها، يمكنك تناول الحلويات مرة واحدة فقط في الأسبوع. في شكله الطبيعي، يحتوي السكر أيضا على الفواكه والخضروات والحبوب ومنتجات الألبان، واستهلاك الحلويات الجاهزة يمكن أن يزيد بشكل كبير من العبء على الجسم المرتبط بالحاجة إلى معالجة السكر، شارك رأي وزير الصحة بالإنابة.

أكدت سوبرون أن النكهة السخية مع طعام السكر هي مصدر للسعرات الحرارية "الفارغة"، والتي لا تحقق أي فوائد صحية على الإطلاق، ولكن في الوقت نفسه تزيد بشكل كبير من خطر الوزن الزائد - لذلك من الضروري تقليل عدد المنتجات التي تحتوي على السكر في نظامك الغذائي.

ومن الأفضل استبدال الحلويات من المتجر بالشوكولاتة السوداء والمكسرات والعسل والفواكه المجففة ويمكن أن تلبي الحاجة إلى الحلويات، وكذلك الحصول على الفيتامينات والعناصر النزرة المفيدة الأخرى الموجودة في هذه المنتجات.

وصفت أوليانا سوبرون مزيج السكر والدقيق الأبيض والزبدة والدهون غير المشبعة بأنه الأكثر خطورة على صحة الإنسان - وهي مجموعة نموذجية في الكعك المشتراة ومنتجات دقيق الحلوى.

وتزيد هذه الحلويات من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة والتسوس وأمراض الكبد وبعض أنواع السرطان.

وأشارت المتخصصة إلى أن الصودا والزبادي المنكه والكعك والكعك وملفات تعريف الارتباط ضارة بشكل خاص.

تذكر أنه وفقا لمنظمة الصحة العالمية، يجب ألا يتجاوز الاستهلاك اليومي للسكر 50 جراما.

أمراض الكبد


الكبد عضو يوجد تحت القفص الصدري في الجانب الأيمن من البطن ويمكن أن يصل وزنه إلى 4 أرطال (1.8 كيلوغرام) والكبد ضروري للمساعدة على هضم الطعام، وتخليص الجسم من الفضلات، وإنتاج مواد تُسمى عوامل التخثر تحافظ على تدفق الدم بشكل سليم، فضلاً عن مهام أخرى.

يمكن أن ينتقل مرض الكبد عبر أفراد العائلة، وحينها يُسمى وراثيًا كما يمكن أن يسبب أي شيء يضر الكبد مشكلاتٍ في الكبد، بما في ذلك الفيروسات، وتعاطي الكحول، والسُمنة.

مقالات مشابهة

  • الأرجنتينيون يواجهون الغلاء ببيع مجوهراتهم ومقتنياتهم التراثية
  • نصري الجوزي رائد الكتابة المسرحية في فلسطين
  • الخيال العلمي يتحول إلى واقع.. كمبيوتر بأنسجة المخ البشري
  • تعاون بين “دبي للثقافة” و”شرطة دبي” لحماية الأصول التراثية
  • مقتل ضابط سوري جراء ضربات إسرائيلية على موقعين عسكريين في جنوب سوريا
  • أردوغان يمكن أن يشدد موقفه من الأسد
  • غارة إسرائيلية تقتل ضابطا سوريا في ريف درعا جنوب البلاد
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يسلّم أدوات المهن للأسر المعيلة للأيتام في وادي حضرموت
  • الخيال العلمي يتحول إلى واقع.. كمبيوتر مصنوع من أدمغة بشرية
  • الحلويات تهدد بالإصابة بالسرطان وأمراض الكبد في هذه الحالة.. أطباء يحذرون