اختفت الشمس من الصحراء وعاد الليل.
كنتُ متماهية مع صوت جدتي وهي تقص قصصًا من التراث العُماني القديم.
كانت تستحضر القصص من ذاكرتها الحية، التي يبدو نصفها معطوبًا.
أكل الخرف ذاكرتها كما تأكل الرِمَّة الخشب.
روحها لا تُمل، وإحساسها بالأشياء مُذهل، ودقة وصفها جعلتني لا أشعر بالوقت.
غادرت منزلها فور أن استشعرت العُتمة.
شغّلت المُحرّك وسلكت الطريق العام.
هذه القرية تكاد تكون معدومة السُكان، بيوت قليلة تقع في صحراء شاسعة.
بدأ الخوف يدّبُ في أوصالي، وتذكرت أمي وهي تقول: (تعالي قبل ما تغيب الشمس).
شغّلت الراديو رغبةً في تشتيت الخوف، فصدحت منه الأغاني الوطنية.
غيّرت الموجة: حرائق في كاليفورنيا، سقوط طائرة، مفاوضات بشأن السلام في غزة، تسونامي في اليابان.
لا شأن لي بالاستماع للكوارث التي تحدث في العالم، أطفأت الراديو.
ظهرت سيارة بيضاء في المرآة، إنها خلفي مباشرة، تشبه تلك السيارة التي كانت تلاحقني في المنام عندما كنت طفلة.
استيقظ خوف دفين في روحي، وحاولت إبطاء السرعة لأسمح لها بتجاوزي. لكن سائقها لم يُبدِ أي رد فعل، وكأنه يصر على السير خلفي. رفعت هاتفي في محاولة لالتقاط شبكة، لكنه لا يستجيب (No service).
عيناي تقعان على المرآة لمراقبة سلوكه، لعله يتصل، أو يتناول علكة، أو يفعل أي شيء آخر يثبت لي أنه غير مكترث بي، ربما.
لكنه ينظر للأمام بحزم.
بدأ يزيد من مستوى السرعة.
بلغت القلوب الحناجر، وشعرت برغبة هائلة في البكاء، فأنا أبكي فقط عندما أكون قلقة.
ربما أدركَ تمامًا أنني امرأة، ربما يتعمّد إخافتي. ليتني أطعت جدتي عندما قالت لي: (جلسي، ما شبعت منك).
حاولت الاتصال بأي أحد، لكن هاتفي لا يستقبل أي إشارة.
تبًا للأقمار الاصطناعية، تبًا للتكنولوجيا الفاشلة.
بدأت بطارية هاتفي تنفد، وفي الوقت نفسه السائق اللعين تجاوزني.
فتح نافذته رغبة في أن يُسمعني صوته، لكنني لا أعلم ماذا يقول! لا أعلم شيئًا سوى أن الخوف جمّد أطرافي.
رفعت مستوى السرعة محاولة الوصول إلى المحطة، حيث بدت لي الأضواء من بعيد.
شعرت بارتياح هائل عندما رأيت تلك الأضواء.
الآن يسير خلفي مجددًا، وأشعر بالقلق من أن يعترض طريقي.
وصلت المحطة أخيرًا، وعادت الحياة لهاتفي. هناك ١٤ مكالمة فائتة: ٤ من أمي، و١٠ من أخي.
وصل هو أيضًا إلى المحطة، وتوقف بجواري تمامًا، ثم طرق نافذتي محاولًا إخباري بشيء ما.
فتحت جزءًا ضئيلًا من النافذة، جزءًا يسمح فقط بمرور الصوت: (آسف على الإزعاج، بس الدبّة مفتوحة).
لم أُجِب، تملّكني الصمت.
كانت نظراتي التي بدت غاضبة، وأنفي الذي احمّر كأنوف صغار الأرانب، كفيلين بإبعاده.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
دراسة: تلوث البلاستيك يؤثر على ذاكرة النحل وعسله
اكتشف العلماء أن تلوث البلاستيك الدقيق قد يضعف ذاكرة النحل، ويتداخل مع قدرته على تذكر الروائح الزهرية وتحديد موقع الزهور، مما قد يؤدي إلى انخفاض معدلات التلقيح.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الباحثين اكتشفوا أن المواد البلاستيكية الدقيقة تؤثر على أدمغة نحل العسل وغيره من الملقحات، بما في ذلك النحل الطنان، وذلك وفقا لدراسة نشرت في مجلة.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ماذا يحدث للبيئة والبشر إذا اختفى النحل؟list 2 of 4دراسة: جزيئات البلاستيك لها أثر مدمر على النحل والملقّحاتlist 3 of 4الذهب الحلو.. صناعة العسل في أفغانستان تزدهر رغم التحدياتlist 4 of 4اليوم العالمي للنحل.."أعظم الملقحات" التي تطعم العالمend of listويمكن للجسيمات البلاستيكية الدقيقة أيضا أن تعيق هياكل النبات ماديا، مما يمنع ترسب حبوب اللقاح وتلقيح النبات.
وبما أن المواد البلاستيكية الدقيقة موجودة في كل مكان تقريبا في البيئة -الهواء، والممرات المائية، والتربة، وحتى في الجبال والمواقع النائية- فمن السهل على النحل أن يبتلع أو يستنشق هذه الجزيئات أثناء البحث عن الرحيق وحبوب اللقاح.
تترسب المواد البلاستيكية الدقيقة في الطبيعة نتيجة التخلص غير الصحيح من القمامة، مثل زجاجات المياه وأغلفة الأطعمة التي تحتوي على البلاستيك، فضلا عن مياه الأمطار الجارية والتصريف المباشر من مياه الصرف الصحي أو المنشآت الصناعية، من بين مصادر أخرى.
وعندما تتفتت الجسيمات إلى قطع أصغر، تنتقل عبر الهواء وتستقر على الزهور. عندما يستهلك النحل البلاستيك الدقيق من دون علمه، يمكن أن يكون لذلك تأثير مدمر على صحته، إذ يُعطل بكتيريا الأمعاء وجهاز المناعة، وفقا لدراسة أخرى نشرت في مجلة "ساينس أوف ذا توتال إنفيرونمنت".
إعلانوقال توماس شيريكو وانغر-غيريرو، عالم البيئة الزراعية في أغروسكوب، وهو مركز أبحاث زراعية في سويسرا، لصحيفة واشنطن بوست: "إذا كان البلاستيك يضيف إلى كل الضغوطات التي تواجهها الملقحات بالفعل، فأعتقد أننا قد نكون في وضع صعب حقا".
ونظرا لحساسية النحل الشديدة للتعرض للبلاستيك الدقيق، فمن المرجح أن ينتهي الأمر بهذه الجزيئات في العسل. وعثر علماء أتراك على جزيئات بلاستيكية دقيقة في معظم عينات العسل المأخوذة وفي ألمانيا، وُجد أن العسل التجاري يحتوي على حوالي 5 جزيئات بلاستيكية دقيقة لكل ملعقة صغيرة.
وارتبط البلاستيك بمجموعة واسعة من مشاكل الصحة البشرية، بما في ذلك اختلال الهرمونات، وأمراض الكلى والقلب، والعيوب الخلقية، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
ونظرا لتعرض الناس للبلاستيك بشكل متكرر، فإن اكتشاف وجوده في العسل يعدّ خبرا سيئا، إذ قد يؤدي إلى مشاكل صحية أخرى، إذا لم يُلقح النحل الكثير من الأزهار والمحاصيل، فقد يكون مصدر غذائنا في خطر.
ووفقا لوزارة الزراعة الأميركية، تلعب الملقحات دورا حاسما في تغذية العالم، حيث يقدّر العلماء أن حوالي 35% من محاصيل الغذاء في العالم تعتمد على الملقحات في نموها. كما يُلقّح النحل النباتات المحلية ويساهم في صحة النظم البيئية بشكل عام.
ومع تعرض النحل للعديد من الضغوط البيئية، بما في ذلك التلوث بأنواعه وفقدان الموائل، وارتفاع درجات الحرارة العالمية، والتعرض للمبيدات الحشرية والتي ارتبطت جميعها بانخفاض أعداد النحل؛ فإن البلاستيك الدقيق يشكل تهديدا خطيرا للأنواع.
وللحد من تلوث المواد البلاستيكية الدقيقة توصل باحثون إلى أن الفحم الحيوي -وهو تعديل شائع للتربة يستخدم في المزارع- أزال ما يقرب من 93% من جزيئات البلاستيك من عينات الدراسة، مما يعد أمرا واعدا فيما يتعلق بإمدادات الغذاء العالمية
إعلانوقال وانغر-غيريرو لصحيفة واشنطن بوست إن الحاجة الملحة للتخفيف من تعرض الطبيعة للبلاستيك لا يمكن المبالغة فيها، لأن البلاستيك يؤثر على البشر والحياة البرية والبيئة، بما فيها أحد أهم الملقحات وهو النحل.