التواضع من الصفات الجميلة التي يجب على الإنسان التمسك بها مهما بلغ من العلو والسمو والمكانة الاجتماعية ومنحه الله المال والجاه والعلم والمعرفة، فكلما كان الإنسان متواضعا ليّن القلب، التف حوله الناس وأحبوه ودعوا له بالخير والسداد.
قد يقول قائل: «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، ونحن معك في ذلك، لكن لا يطلب منك كل الرضا، وإنما ملزم بأن تكون لطيفا مع الناس رحيما بحالهم ومعينا لهم على أحوالهم، فقد تكون أنت النموذج الصالح الذي يعمل على دفع الآخرين نحو طريق الصلاح والبعد عن كل الأفكار السلبية والتصرفات المشينة الخاطئة التي تتسرب إلى أذهان بعض الناس، واعلم جيدا أن «التكبر على رؤوس العباد وسوء معاملتهم» هو نموذج ينبذه الدين وتحاربه الأعراف والتقاليد، ومع كل هذا الوعي يرى البعض أن ظاهرة التكبر والتجبر على الآخرين أصبحت «صفة سائدة» خاصة في بعض المجتمعات التي تمجد الغني وتقسو على الفقير.
تقول الحكمة القديمة: «لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه، ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه، املك من الدنيا ما شئت، لكنك ستخرج منها كما جئت، فازرع داخل الجميع شيئا جميلا، فإن لم يكُن حبا فَلْيَكن احتراما».
في أحوال الناس هناك قصص وعِبر حدثت لكثير من الشخصيات التي ملأت الأرض شرا وخيرا وبقيت صفحاتهم خالدة حتى يومنا هذا، يذكرهم الناس في مجالسهم، بعضهم كان نبراس خير وصلاح، والبعض الآخر كان شرا فرحل وارتاح الناس منه.
بعض النماذج الإنسانية وصلت إلى مرتبة الثراء والمكانة ولم تغتر بما لديها، فهم يقبلون على الله بقلوب صافية وروح مشرقة، فقد أحسنوا لمن حولهم بتواضعهم ومحبتهم للناس، لذا هناك أسماء عديدة يتناقلها الناس بالخير ويترحمون على من أصبحوا في تعداد الأموات، ولدينا في كل مكان نماذج مشرفة حفرت لنفسها مكانة عظيمة في قلوب الناس حتى ولو أن أجسادهم واراها الثرى وترجلوا من ظهر الدنيا إلا أن أثرهم الطيب بقي حاضرا في نفوس الناس.
أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وما فيها من متاع زائل وتكبروا وطغوا وآذوا الناس بشرهم، فإنهم تركوا أثرا سيئا لا يذكرهم الناس بخير وإنما يحمدون الله تعالى أن أبعدهم عن طريقهم وأراح قلوبهم من شرورهم.
إن سلوك التكبر على الناس، والتعالي على البشر، والبطش بمن هم أقل منهم قدرة على مواجهة المصاعب، أصبح أمرا واردا ومألوفا في بعض المجتمعات، لكن في المقابل -كما قلنا سابقا- هناك أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء يوجدون في أماكن متفرقة من هذا العالم، يمنحون لمن حولهم الخير ويتركون بعد رحيلهم الأثر الطيب، ويؤكدون أن الحياة الدنيا ما هي إلا محطة توقف يرحل من يرحل ويبقى من يبقى إلى أن يشاء الله. النماذج المشرفة هي التي تقرب الناس إليها، أما ضعاف النفوس فهم يصنعون هالة سوداء في جبين الزمن، ومرد كلا النوعين إلى الله، ولسوف يأتي الوقت الذي يتمنى المخطئ أن يصفح عنه الناس أو أن يمنحه القدر فرصة واحدة حتى يكفّر عن كل أخطائه السابقة، الأشقياء لبسوا أفضل الملابس، ووُضعوا في أرقى الأماكن وسخّر الله لهم المال وكل الأرزاق فكنزوها ولم يلتفتوا إلى أن عجلة الزمن لا تتوقف، وأن القوة التي يشعرون بها الآن سوف تنهار في أي لحظة، فالأمان ليس موجودا في قاموس الحياة فـ «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام».
الأثر الطيب هو الذي يبقى أما الوجوه فيغيبها الموت، لذا أيها الإنسان الفطن عد إلى نفسك، وتذكر شخصيات عشت معهم أو حتى لم تكن قريبا منهم، لكن أعمالهم الطيبة باقية وحاضرة حتى يومنا هذا، رحيلهم كان مفجعا وحزينا ليس لأهلهم وذويهم بل لكل من يعرفهم ومن لا يعرفهم لأن أعمالهم في الخير هي التي أوصلتهم إلى قلوب الناس من كل مكان.
وهناك فئة من الناس ممن أهلكها الله بسبب جشعها وحرصها الدائم على المال، فهي لم تترك لها صديق أو رفيق مخلص يدعو لها بعد ترك الدنيا وما فيها، وما أكثر الذي رحلوا عن الدنيا ولم يكونوا على تنبه ويقظة بأن الموت يأتي بغتة وأن موعد الرحيل لا وقت له فيعد له الإنسان العدة.
يقول الشاعر:
«إن المناصــب لا تدوم لواحــــد .. إن كنت تنكر ذا فأين الأول
فاغرس من الفعل الجميل فضائل .. فإذا عزلت فإنـها لا تعـزل».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في وداع السيدة خالصة
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
يقف الإنسان عاجزًا في لحظة الموت الأليمة، يقف مكتوف الأيدي محاولًا إقناع ذاته بما حدث في لحظة فقدٍ وحزنٍ دائمٍ، ولوعةٍ تسطو على عناقيد القلب والروح والنفس... محاولًا جاهدًا التشبث ببصيص أمل لعودة الحياة إلى طبيعتها بعد مرور الوقت، إلّا أنه يقف وحيدًا أمام جيش المُعزِّين الذين لا يدركون مدى قوة وصلابة ذلك الإنسان الذي يقف أمامهم، تاركًا وراءه الكثير من التحديات، مُستذكرًا أنه قدوة، وأنه يجب أن يكون الأقوى والأكثر تأثيرًا وصلابة.
فقدنا الإنسانة الطيبة الخلوقة المثابرة والمكافحة، التي أنجبت ذلك الشموخ والبهاء والحنان والمحبة الصادقة، مُتجسِّدةً في شخص السيدة الجليلة التي تقف سندًا جنبًا إلى جنب مع سلطان عُمان المُفدّى وهي التي دائمًا الدافع الأول لتحقيق النجاح وسندًا للمرأة العُمانية ويد عز وسمو ورفعة وبهاء.
في الموت تقف الذكريات جميعها، تتلو بعضها بعضًا، يلي تلك اللحظة ألمٌ وذهولٌ ووقفةٌ لا تشبه جميع الوقفات، ولحظة صمتٍ تليها دموع الحزن تتساقط تباعًا وكأنه نهر... (لو استثمروا دمعي الذي في العراق سكون... كان اكتفى الشعب العراقي من أنهاره)، هكذا تحدثت مع نفسي ولسان حال دموعي التي أحاول جاهدًا مواراتها عن الجميع، لكنني أقف عاجزة أمام ذلك، فالفقد عظيم.
لم أرَ السيدة خالصة عن قرب، ولم أسمع عنها سابقًا، إلا أنني رأيت حزن الوطن والناس والأزقة والطرقات وزوايا البيوت، ورأيتها في تفتح الورد، واخضرار العشب والغصون الحالمة، ورأيتها في عيون السيدة الجليلة تحكي قصة حب عظيمة لوطن عظيم ولشعب سامٍ لم يأتِ من فراغ، بل جاء من خلالها، فهي امرأة قوية كانت تمنح الحب والسعادة لكل من يمر بالقرب، وحتى ذلك البعيد الذي أصبح يستشعر مكانتها في قلب الوطن.
إن الخسارات الكبيرة هي الفقد، ففقد الأعزاء خسارة كبيرة جدًا، وبعد ذلك الفقد لا يعود الإنسان كما كان بتاتًا، لأنه بالنهاية فقد جزءًا مهمًا من روحه. فالأم هي أعظم نعمة على الأرض، وهي الرحمة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لبني البشر، فكل منا يشعر بالرحمة عندما يرى وجه أمه، ومهما كان وضع الإنسان، فإن وجود الأم ينسيه متاعب الحياة، فقربها أمان، وفي نظرتها السلام، وهي رحمة تمشي على الأرض، أودع فيها الله سبحانه ذلك الشعور الغريب الذي لن يحس به إلا هي.
تكبر الأحزان بعد رحيل الأم، فلا تجد ما في البسيطة كلها يغني عنها، ولا سعادة تستطيع أن تنسيك قدر أمك مهما بلغت قوة الأمل، لكننا نتوسم خيرًا في السيدة الأولى أن تكون صبورة، وأن تتجاوز هذه المحنة العظيمة والفقد الجلل، ولا نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
خالص التعازي والمواساة لأم الوطن وللأسرة الحاكمة بهذا المصاب الكبير، رحم الله السيدة خالصة التي انتقلت إلى جوار ربّها الكريم، وأسبغ على قلب السيدة الجليلة صبرًا جميلًا.
وداع وما بعد ينفع أناديلك
يا أمي وين؟
وبكتب في تلاوين الصباح
وقصة العشاق
وأحزاني
وأُرتِّل اسمك بصوتي
وأحاول ارسم عيونك
وأنا مهما ترا حاولت
ابنسى كل شيء
وارجع
طفل!
وابحث عن عيونك
رابط مختصر