تسعى سلطنة عمان إلى أن تكون «في مصاف الدول المتقدمة» مع اكتمال سني «رؤية عمان 2040»، الرؤية التي بُنيت أركانُها بمشاركة مجتمعية واسعة، وحُدِّدَت فيها الأولويات الوطنية خلال المرحلة المقبلة، وصيغت فيها التوجهات الاستراتيجية في المجالات الثقافية، والصحية، والتعليمية، والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها، كما وضُعِتَ لها مؤشرات الأداء التي يُقاس عليها مدى تحقق تلك الأهداف؛ سعيًا نحو تحقيق «أهداف المستقبل المنشود»، كما جعلت من بين الشركاء المنوط بهم تحقيق الرؤية «مؤسسات المجتمع المدني»، سعيًا نحو تحقيق شراكة فاعلة للمجتمع إلى جانب الحكومة والقطاع الخاص، وهذا ما يستدعي النظر إلى الدور المنظور للوقف كأحد أسس القطاع الثالث، والعمل التطوعي، الذي يعد دعامة مهمة لمؤسسات المجتمع المدني.

لم تتطرق الرؤية صراحة إلى الوقف، أو القطاع الثالث، ذلك لأنها -من وجهة نظري- تشير إلى العموميات، وتترك التفاصيل إلى الخطط التنفيذية لمختلف الجهات والتي تستلهم توجهها من الرؤية التي تعد الإطار العام الموجه للعمل التنموي في سلطنة عمان خلال الفترة المستهدفة في الرؤية، لكن هل يعني ذلك أنها لم تتضمن أي إشارة تبين أهمية وجود هذا القطاع الحيوي في السعي لتحقيق مستهدفات الرؤية؟

مع إمعان النظر في التوجهات الاستراتيجية للرؤية كما وردت في الوثيقة نجد أنها قد فتحت الأبواب مشرعة لدخول الوقف كعنصر فاعل في المجالات التي يرتكز عليها البناء المستقبلي في سلطنة عمان، ففي مجال البحث العلمي والابتكار الذي تسعى الرؤية لإحداث نقلة كمية ونوعية فيه، نجد من المستهدفات في هذا المجال توفير «مصادر تمويل متنوعة ومستدامة للتعليم والبحث العلمي والابتكار»، كما أن من بين المستهدفات في مجال صحة المجتمع إيجاد «مصادر تمويل متنوعة ومستدامة للنظام الصحي»، أما المجال الأقرب لقطاع الوقف وهو المجال الاجتماعي فإن من بين مستهدفات الرؤية «إيجاد البيئة المحفّزة لبرامج المسؤولية الاجتماعية والمساهمات التطوعية الأهلية»، لتحقيق???????????????

إن إيجاد التمويل المتنوع والمستدام للقطاعات المشار إليها في الرؤية يستدعي النظر في الوضع الاقتصادي وقطاعاته القادرة على توفير هذا التمويل، كما أنه يستدعي النظر أيضا في التراث الحضاري للمجتمع، وما يمكن أن يعوَّلُ عليه لإيجاد الحلول المناسبة فيه هذا الجانب، وليس في ثقافة المجتمع وتراثه الحضاري أمر أكثر وضوحا من حل الوقف، ومع أن تلك الإشارات لم تكن تعني الوقف بشكل صريح؛ إلا أنها تلتقي بشكل كبير جدا معه، ذلك لأن الوقف نابع من المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال المتعاقبة في المجتمع، كما أنه أساس متين للاستدامة المالية، وهو أحد المصادر القادرة على توفير دخل مستدام لتلك القطاعات المشار إليها، بما يشكل سندًا لجهود الدولة في مسؤوليتها نحو دعم تلك القطاعات، كما أن الوقف مجال رحب جدًا للمشاركة الاجتماعية من قبل الأفراد -على مختلف مستوياتهم المعيشية-، وميدان واسع أمام القطاع الخاص لتحقيق جانب مسؤوليته الاجتماعية من خلال دعم المؤسسات الوقفية العامة، أو تأسيس مؤسسات وقفية خاصة تسهم في جوانب التنمية المختلفة.

وتؤكد الخطوات التي بدأت بعض القطاعات العمل بها الإدراك العميق لفاعلية الوقف في الجانب التنموي، إذ لا يخفى على المتابع للقطاع الوقفي بسلطنة عمان في السنوات الأخيرة، نشاط ملحوظ في التوجه نحو الوقف كأحد الحلول التمويلية المستدامة، فعلى سبيل المثال تشجع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤسسات التعليم العالي على تفعيل دور الوقف التعلمي، وبدأت في ذلك بنفسها، فأنشأت المؤسسة الوقفية لدعم التعليم (سراج) التي تهدف إلى إيجاد مصادر متنوعة ومستدامة لدعم التعليم في مستوياته كافة، ودعم المحتاجين من طلبة العلم، كما أن بعض الجامعات قد بدأت بتأسيس مؤسساتها الوقفية مثل جامعة نزوى التي أطلقت مؤسسة معين الوقفية، وفي القطاع الصحي أنشأت وزارة الصحة مؤسسة الصحة الوقفية التي من بين أهدافها تحقيق استدامة الدعم المالي لخدمات الرعاية الصحية.

إن تحقيق مستهدفات «رؤية عمان 2040» في إيجاد مصادر تمويلية متنوعة ومستدامة لعدد من القطاعات التنموية ذات التماس المباشر مع أبناء المجتمع، يتطلب رفع مستوى الثقافة الوقفية في المجتمع، وزيادة الوعي العام بأهمية الوقف في الفترة المقبلة، ودوره الملامس لاحتياجات المجتمع، والعمل على تهيئة البيئة الوقفية المناسبة التي تسهل على الأفراد والمؤسسات على حد سواء الدخول إلى هذا القطاع الحيوي.

____________________

(ملحوظة: العبارات التي بين علامتي تنصيص هي عبارة عن اقتباس من وثيقة «رؤية عمان 2040»)

* باحث في التاريخ الحضاري العُماني عموما، والوقف على وجه الخصوص

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رؤیة عمان 2040 کما أن من بین

إقرأ أيضاً:

إصابة 5 عمال إثر انقلاب تروسيكل في ترعة بمركز الوقف شمال قنا

تعرض 5 عمال لإصابات إثر انقلاب تروسيكل في ترعة بمركز الوقف شمال قنا

انقلاب التروسيكل يوقع 5 عمال في ترعة أبو ديب

حيث سقط خمسة عمال ضحايا حادث انقلاب تروسيكل داخل ترعة عند كوبري أبو ديب بمركز الوقف شمال محافظة قنا، مما استدعى التدخل الفوري لفرق الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى.

تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن قنا إخطارا عاجلا من غرفة العمليات يفيد بورود بلاغ عن وقوع الحادث أثناء مرور التروسيكل بالقرب من الكوبري، حيث انقلب داخل مياه الترعة نتيجة فقدان السيطرة عليه.

حالة الضحايا بالمستشفى

نقلت سيارات الإسعاف الخمسة المصابين على وجه السرعة إلى مستشفى الوقف المركزي، لتلقي الرعاية الطبية اللازمة وتقديم الإسعافات الأولية، وسط متابعة طبية دقيقة لحالتهم الصحية.

حررت الجهات المعنية محضرا رسميا بالحادث، موثقة فيه جميع تفاصيل الواقعة، وتمت إحالة الملف للتحقيق لمعرفة ملابسات الحادث، وتحديد سبب انقلاب التروسيكل سواء كان نتيجة عطل فني أو تجاوز السرعة أو الإهمال أثناء القيادة.

تابعت فرق الإنقاذ موقع الحادث فور تلقي البلاغ، حيث عملت على تأمين المنطقة ومنع أي أخطار إضافية للعمال أو المارة، بالتعاون مع قوات الشرطة، لضمان سلامة جميع الأفراد في محيط الكوبري.

أكدت مصادر طبية في المستشفى أن إصابات العمال تراوحت بين كدمات وجروح سطحية، مع وجود حالات شعرت بصدمة نفسية إثر الحادث، وتم تقديم الدعم النفسي والعلاج الفوري لهم، كما جرى إخطار ذويهم لمتابعة حالتهم.

فيما شددت السلطات على ضرورة الالتزام بإجراءات السلامة أثناء القيادة بالقرب من الترع والمجاري المائية، خاصة مع تزايد الحوادث المماثلة في الفترة الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • الكلباني لـ"الرؤية": عُمان قادرة على المنافسة الدولية في صناعة "أشباه الموصلات".. وتأهيل الكفاءات الوطنية ضروري لقيادة الابتكار والإنتاج
  • "جامعة التقنية" تُطلق حملة لتعزيز وعي الطلبة بأولويات رؤية "عُمان 2040"
  • توعية طلبة جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمحاور وأولويات رؤية عُمان 2040
  • إطلاق مبادرة “مدن الدراية الإعلامية والمعلوماتية”
  • الإغاثة الطبية في غزة: القطاع يواجه شتاءً قارسًا وسط معاناة إنسانية متفاقمة
  • إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب تروسيكل داخل ترعة بقنا
  • إصابة 5 عمال إثر انقلاب تروسيكل في ترعة بمركز الوقف شمال قنا
  • «المهندسين» تخسر مصنع المكرونة «بفعل فاعل»
  • معهد التخطيط القومي يعقد برنامج خدمة مجتمع حولاستراتيجية مصر 2030 ومبادرة بداية لبناء الإنسان
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها