غزة: لم تكن ستموت وحسب بل ستموت وهي تتألم... الجوع والآم الحرب يمزقان أجسام الأطفال
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد
قال أربعة أطباء، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، زاروا قطاع غزة في الشهور الأخيرة خلال فعالية في الأمم المتحدة إن نظام الرعاية الصحية في القطاع انهار بشكل أساسي مشيرين إلى أن الهجوم الإسرائيلي أسفر عن "فظائع مروعة". وعمل الأطباء الأربعة مع فرق في غزة لدعم نظام الرعاية الصحية الذي يعاني منذ بدأت إسرائيل هجومها العسكري في أكتوبر تشرين الأول.
وتذكر نيك ماينارد، وهو جراح زار غزة آخر مرة في يناير كانون الثاني مع مؤسسة "العون الطبي للفلسطينيين" الخيرية البريطانية، أنه رأى طفلة مصابة بحروق شديدة لدرجة أنه رأى عظام وجهها.
وقال ماينارد جراح السرطان خلال الحدث الذي أقيم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك "كنا نعلم أنه لا توجد فرصة لبقائها على قيد الحياة ولكن لم يكن هناك مورفين لإعطائه لها... لذلك لم تكن ستموت وحسب بل ستموت وهي تتألم".
وقال زاهر سحلول إخصائي الرعاية الحرجة في جماعة ميد جلوبال إن طفلة أخرى تبلغ من العمر سبع سنوات هي هيام أبو خضير وصلت إلى المستشفى الأوروبي في غزة مصابة بحروق من الدرجة الثالثة في 40 بالمئة من جسدها بعد أن أدت غارة جوية إسرائيلية على منزلها إلى مقتل والدها وشقيقها وإصابة والدتها. وقال سحلول إنه بعد أسابيع من التأخير، تم نقلها إلى مصر لتلقي العلاج لكنها توفيت بعد يومين.
وحذر خبراء دوليون من أن الهجوم الإسرائيلي إبادة جماعية، وهي اتهامات تحقق فيها محكمة العدل الدولية. وحذر الأطباء أيضا من وقوع عدد كبير من القتلى إذا مضت إسرائيل في خطتها لاجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وقال ماينارد "إذا حدث غزو كبير لرفح، سنرى عددا مروعا من القتلى".
سوء تغذية حاد
ويقول أطباء ووكالات إغاثة إن نقص الغذاء والأدوية والمياه النظيفة في غزة يتفاقم، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحملة البرية والجوية التي شنتها إسرائيل ردا على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وعالج مستشفى كمال عدوان الذي يرقد فيه فادي معظم الأطفال الذين تقول وزارة الصحة في غزة إنهم توفوا بسبب سوء التغذية والجفاف في الأسابيع القليلة الماضية وعددهم 27.
وقالت الوزارة إن آخرين لقوا حتفهم في مستشفى الشفاء بمدينة غزة في الشمال أيضا وفي مدينة رفح بأقصى الجنوب حيث تقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من مليون فلسطيني لجأوا إليها هربا من الهجوم الإسرائيلي.
وشاهدت رويترز عشرة أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد في أثناء زيارة الأسبوع الماضي إلى مركز العودة الصحي في رفح تمت بالترتيب مع طاقم تمريض سمح لوكالة الأنباء بالوصول دون عوائق إلى الجناح. ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من الوفيات التي أعلنتها الوزارة.
وأعراض سوء التغذية الحاد واضحة مثلا على الطفل فادي الزنط (ستة أعوام) فأضلعه تبرز تحت جلد رقيق وعيناه غائرتان وساقاه النحيلتان تعجزان عن حمله ولا يقله إلا سرير في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة حيث يلوح في الأفق شبح المجاعة.
ويظهر فادي في صور له قبل الحرب طفلا مبتسما يتمتع بصحة جيدة مرتديا سروال جينز أزرق بجوار توأمه الأطول وشعره جيد التصفيف. ويظهر في مقطع مصور قصير وهو يرقص في حفل زفاف مع فتاة صغيرة.
وفادي يعاني من التليف الكيسي. وتقول والدته شيماء الزنط إنه قبل اشتعال الصراع في القطاع كان يأخذ الأدوية، التي لم تعد عائلته تستطيع العثور عليها، ويتناول مجموعة متنوعة ومتوازنة بعناية من الأطعمة لم تعد متوفرة في القطاع الفلسطيني.
وقالت شيماء في مقطع فيديو حصلت رويترز عليه من أحد الصحفيين المستقلين "ضله (ظل) يتدهور حالته شوية.. شوية لما وصل للمرحلة هيك.... لو استمرت الحرب هيك، حالته بتسوء وبيضعف أكتر... وكل شوية بيفقد حاجة... يعني بطل (لم يعد) يقدر يمشي، بطل يقدر يقف، باوقفه ما بيقدرش يسند حاله... فكل شوية بأحس أن الولد بيسوء أكتر من قبل".
نقص حاد في أدوية الأطفالوتقول وزارة الصحة في غزة إن نقص الأدوية ساهم في تدهور أوضاع الأطفال الذين توفوا. وتقول وكالات الأمم المتحدة إنه بالإضافة إلى الأطفال الذين يعانون من أمراض سلفا، تتزايد سريعا المخاطر التي تحدق بعدد كبير من الأطفال الآخرين في غزة.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) يوم الجمعة إن نحو طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال دون الثانية من العمر في شمال غزة يعاني من سوء التغذية الحاد، أي مثلي العدد الذي كان عليه في يناير كانون الثاني.
وأضافت يونيسف أن 4.5 بالمئة من الأطفال في الملاجئ والمراكز الصحية التي زارتها المنظمة وشركاؤها يعانون من هزال شديد، وهو أكثر أشكال سوء التغذية خطرا على الحياة.
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية ليونيسف الثلاثاء في بيان مشترك مع برنامج الأغذية العالمي "إذا لم يتوقف القتال وتتاح لوكالات الإغاثة حرية الوصول بشكل كامل إلى أنحاء غزة، فإن مئات الأطفال، إن لم يكن الآلاف، سيموتون جوعا".
وقال تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إنه إذا مضت إسرائيل قدما في الهجوم الذي تتوعد به على رفح، فمن المتوقع أن يواجه 1.1 مليون شخص في غزة، أي نصف السكان، نقصا حادا في الغذاء.
وقال الكولونيل إيلاد جورين من وحدة تنسيق أعمال الحكومة مع الفلسطينيين يوم الخميس الماضي للصحفيين إن الحصول على الغذاء مستقر في جنوب ووسط القطاع.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في أواخر فبراير شباط إن إسرائيل تعرقل توفير الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة في غزة. وأضافت أن هذا "عقاب جماعي" ويعتبر جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق مع الفلسطينيين لرويترز إن إسرائيل تبذل "جهودا مكثفة لزيادة كمية المساعدات التي تدخل غزة" بما يتجاوز التزاماتها.
وأضافت "أي ادعاءات بخلاف ذلك، بما في ذلك الادعاءات المتعلقة بالعقاب الجماعي، لا أساس لها من الواقع والقانون".
الإسهالالمرض يفاقم النقص الحاد في الغذاء. ويتسع نطاق سوء التغذية نتيجة الجفاف الناجم عن الإسهال والذي تقول منظمة الصحة العالمية إنه منتشر في مدن الخيام التي يقيم فيها النازحون دون صرف صحي مناسب أو مياه نظيفة. وأحد آثار الجوع الحاد هو تقليص المناعة ضد أمراض المعدة هذه.
وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إن 90 بالمئة من الأطفال دون سن الخامسة في غزة أصيبوا بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية، وإن 70 بالمئة أصيبوا بالإسهال في الأسبوعين السابقين، وهي زيادة قدرها 23 ضعفا عن الحالات قبل الحرب.
وتحدثت كيرستين هانسون، وهي طبيبة أمريكية تعمل في مجال التغذية مع منظمة أطباء بلا حدود، عن بداية التدهور الجسدي الناجم عن سوء التغذية والجفاف.
وقالت إن الأطفال يصبحون في حالة خمول وأقل انتباها. وتفقد بشرتهم ما بها من دهون بحيث إذا تم شدها من مكانها فإنها قد تبقى في هذا الوضع. وتغور العيون ويصبح الجسم منهكا.
وحتى بالنسبة للأطفال الذين كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل الحرب، فإن استمرار سوء التغذية يمكن أن يعيق النمو البدني والعقلي لديهم.
وقالت هانسون إنه مع انتشار سوء التغذية الحاد، يتوقف جسم الطفل عن النمو، ثم يتوقف كل شيء ما عدا الوظائف الحيوية. وأضافت "سيستمر قلبك ورئتيك في أداء وظائفهما، لكن... ربما لا توجد طاقة كافية للحفاظ على عمل جهازك المناعي".
بعد ذلك، "يبدأ الجسم في أكل نفسه نوعا ما، باستخدام العضلات والدهون وأي مكان آخر يمكن أن يجد فيه الطاقة لمواصلة التنفس ومواصلة العمل بأي كلفة ممكنة، وحين لم يعد هذا ممكنا بحال من الأحوال، يتوقف الجسم عن العمل".
وقالت هانسون إنه حتى عندما لا يصل سوء التغذية إلى هذه المرحلة الخطيرة، فقد يكون من المستحيل تعويض تأثيره على النمو إذا استمر. فقد لا يستعيد الأطفال أبدا السنتيمترات المفقودة من النمو.
مراقبة الجوع في غزةوقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الخاص بمراقبة الجوع عالميا، في تقرير الإثنين إنه إذا لم يتم اتخاذ إجراء عاجل، ستنتشر المجاعة في الفترة من الآن وحتى مايو أيار، في شمال غزة حيث يحاصر القتال 300 ألف شخص.
وقال الاحتمال الأكثر ترجيحا في المراجعة إن "مستويات خطيرة للغاية من سوء التغذية الحاد والوفيات" أصبحت وشيكة بالنسبة لأكثر من ثلثي السكان في الشمال. ويتألف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من وكالات للأمم المتحدة وجماعات إغاثة دولية.
ولم ترد وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق مع الفلسطينيين، وهي هيئة عسكرية إسرائيلية تتولى مسؤولية نقل المساعدات إلى غزة، على أسئلة رويترز تحديدا فيما يتعلق بوفيات الأطفال بسبب الجوع والجفاف. بل قالت الوحدة إن إسرائيل لا تضع أي قيود على كمية المساعدات التي يمكن دخولها.
وفي أعقاب تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، نشر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي على موقع إكس أن عدد شاحنات الغذاء قد زاد في شهر مارس آذار وأن إسرائيل تتخذ إجراءات لتعزيز "جهود التوصيل" إلى الشمال.
ووصف المتحدث تقرير التصنيف المرحلي بأنه "تقييم سيء يستند إلى صورة تجاوزها الزمن".
وأحال البيت الأبيض رويترز إلى تعليقات مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي قال إن مسؤولية معالجة المجاعة الوشيكة "تبدأ أولا وفي المقام الأول عند إسرائيل".
وقالت سامانثا باور مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن تقييم التصنيف المرحلي يمثل "مرحلة محورية مروعة" ودعت إسرائيل إلى فتح طرق برية أخرى.
وردا على سؤال من رويترز على تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، قال سامي أبو زهري القيادي في حماس إن "هذا التقرير الدولي هو رسالة للمجتمع الدولي للتحرك قبل فوات الأوان، وعدم الارتهان لمواقف نتنياهو الذي يتحدى الجميع ويستمر في قتل الناس بالقنابل والتجويع".
وقالت وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إن "العقبات الهائلة" التي تعترض نقل المساعدات إلى شمال غزة لا يمكن تذليلها إلا بوقف إطلاق النار وفتح المعابر الحدودية التي أغلقتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول.
فرانس24/ رويترز
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل روسيا الحرب في أوكرانيا ريبورتاج الولايات المتحدة غزة الأمم المتحدة الرعاية الصحية إسرائيل مصر محكمة العدل الدولية حماس الأمم المتحدة برنامج الأغذية العالمي هيومن رايتس ووتش جريمة حرب الجفاف منظمة الصحة العالمية أمراض طاقة الأمن القومي الحرب بين حماس وإسرائيل غزة حماس النزاع الإسرائيلي الفلسطيني السلطة الفلسطينية إسرائيل صحة إسرائيل الحرب بين حماس وإسرائيل الولايات المتحدة دبلوماسية السعودية الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا سوء التغذیة الحاد الأمم المتحدة المتحدة إن شمال غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
كانديس أوينز.. اليمينية السوداء التي ناصرت فلسطين وعادت الصهيونية
على الأغلب، كان أفراد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوقّعون أن يهاجمهم اليسار الأميركي، الذي هاجم سلفه الرئيس السابق جو بايدن، على موقفهم الداعم لدولة الاحتلال أثناء حرب الإبادة على قطاع غزة، لكن لعل ما لم يتوقعوه هو الضغط الهائل الذي مارسته مجموعة من أبرز المؤثرين والإعلاميين اليمينيين المحافظين في البلاد ضد ممارسات دولة الاحتلال والانحياز الأميركي الأعمى لها.
وواحدة من أبرز هؤلاء الإعلاميين التي لم تدخِر جُهدا في الهجوم على دولة الاحتلال وعلى السياسة الأميركية تجاهها هي كانديس أوينز، الإعلامية اليمينية المسيحية المحافظة، التي اشتهرت بمقولتها: "الله سينتقم من كل مَن يدافع عن ما ترتكبه إسرائيل في غزة".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماركس يغزو نيويورك.. الثروة ملك إيلون ماسك وممداني يملك الشارعlist 2 of 2هل أصبح تيك توك في قبضة إسرائيل بعدما استحوذ عليه الملياردير الغامض؟end of listإن هذا الاتجاه غير المألوف الذي جسَّدته كانديس وأمثالها في صفوف اليمين الأميركي المحافظ، ومخالفتهم موقف اليمين المُعتاد من دولة الاحتلال، قد مثل ضغطا جديدا من نوعه على الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة من الحرب، خاصة أن الضغط استهدف القاعدة الانتخابية لترامب، وكان مبنيا على حجج مُقنعة للمواطن الأميركي المحافظ المتديّن الذي تعتمد الإدارة الأميركية على صوته.
كان نقد كانديس ورفاقها يرتكز على فكرة أن سياسة ترامب تجاه دولة الاحتلال مناقضة لشعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، فضلا عن أن خطابها يركّز على استثارة النزعة الوطنية الأميركية بالتركيز حول فكرة انصياع الولايات المتحدة الدائم للمصالح الإسرائيلية حتى حين تخالف تلك المصالح الأولويات الأميركية.
وتهاجم كانديس الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تحتاج لدولة الاحتلال، وتؤكد على حقيقة أن الولايات المتحدة كانت موجودة وفاعلة وقوية قبل حتى أن تتأسس دولة الاحتلال بفترة طويلة.
ليس هذا فحسب، بل إن كانديس قد وجَّهت قطاعا من الرأي العام الأميركي اليميني بعد مقتل تشارلي كيرك نحو اتجاه جديد للغاية حين أشعلت الجدل بقولها في برنامجها إن بيل أكمان، وهو من أبرز مؤيدي حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وفي الوقت نفسه من أبرز مؤيدي دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد هدَّد كيرك بعد أن وجد أنه على وشك تغيير آرائه بشأن ما يحدث في غزة وبشأن تأييده المطلق لدولة الاحتلال في ما سبق.
إعلانوحسب بليك نيف، وهو الرجل الذي أنتج العديد من أعمال تشارلي كيرك، فإن الهجمات التي شنتها كانديس على اليمينيين من أصدقاء كيرك، الذين اتهمتهم بمحاولة التأثير عليه وتهديده قبل اغتياله، قد عرَّضت هؤلاء الأشخاص لمضايقات جمَّة نظرا لأن قطاعا كبيرا من الجمهور تأثر برواية كانديس عن الأحداث.
ما قصة كانديس أوينز إذن، التي وصفتها صحيفة الإندبندنت بكونها من أخطر النساء وأكثرهن تأثيرا على الإنترنت، والتي تُعَد واحدة من أبرز وأشهر الصحفيين اليمينيين المستقلين في الولايات المتحدة، بعد أن وصلت شهرتها إلى العالمية، ولعبت دورا هاما على المستوى الثقافي في الخندق المُعادي لدولة الاحتلال في الإعلام الغربي مؤخرا؟
بدأت حياة كانديس أوينز بداية مختلفة عمَّا وصلت إليه الآن من قناعات، فقد كان سبب شهرتها في البداية مناقضا لقواعد شهرتها الحالية للمفارقة. ففي حين تشتهر كانديس اليوم برفضها عقلية الضحية التي يعيش بها قطاع عريض من أصحاب البشرة السوداء والنساء في الولايات المتحدة من وجهة نظرها، كان سبب شهرتها الأوّلي في الواقع كونها ضحية.
ففي عام 2007، حينما كانت كانديس أوينز طالبة في مدرسة ستامفورد الثانوية وتبلغ من العمر 17 عاما، تحوَّلت إلى حديث الصحف الأميركية بسبب شكواها المتعلقة بتلقيها رسائل صوتية تحتوي على خطاب كراهية عنصرية وتهديدات بالقتل من مجموعة شباب، كان من بينهم ابن رئيس البلدية في المنطقة.
وقد استطاعت عائلة أوينز آنذاك أن تتلقى 37 ألفا و500 دولار من الإدارة التعليمية التي تتبع لها مدرستها للتسوية بعد أن تقدمت العائلة بشكوى للجمعية الوطنية للنهوض بالمُلوَّنين ضد الإدارة التعليمية في ستامفورد بدعوى أنها قصَّرت في حمايتها وفي استجابتها لحالتها بعد تعرُّضها لتلك الحادثة.
بعد أن تركت كانديس دراستها الجامعية وواصلت تعليمها لنفسها، تدرَّبت في مجلة "فوغ"، ثم عملت في شركة استثمار بمدينة نيويورك، وبحلول عام 2015 تمكَّنت كانديس أيضا من إنشاء وكالة تسويق تُدعى "180 درجة"، وقد كانت هناك مُدوَّنة تابعة لتلك الوكالة تكتب فيها كانديس مقالات معادية بشدة لليمين وللأفكار المحافظة، إلى درجة أنها كانت تسخر على نحو جنسي من الرمز اليميني الصاعد آنذاك دونالد ترامب.
حتى هذا التوقيت كانت كانديس على طريقها لتصبح ناشطة في تيار اليسار الليبرالي الديمقراطي، خاصة أنها هي نفسها امرأة سوداء تعرضت لخطاب الكراهية العنصري، ومن ثمَّ عُدَّت قصتها تجسيدا لفكرة "سياسات الضحية" التي كان يُروِّج لها اليسار الليبرالي الأميركي في هذا التوقيت، والتي تعني التركيز على الفئات المستضعفة مثل النساء وأصحاب البشرة السوداء ومحاولة تمكينهم وإعطائهم امتيازات تحصنهم في مجتمع يتعرضون فيه للتهميش والاضطهاد، حسب الخطاب السائد آنذاك.
ولكن بحلول منتصف العقد الثاني من القرن تعرّضت كانديس لحادثة غيَّرت مسار حياتها، فقد أعلنت عن منصة لمكافحة التنمر اسمها "سوشيال أوتوبسي"، كان هدفها فضح المتحرشين والمتنمرين على الإنترنت بجمع منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وربطها بالهويات الحقيقية لمَن كتبها بما في ذلك عناوينهم وأسماؤهم ومدارسهم، لتُفاجأ كانديس آنذاك بسيل من النقد اللاذع من المنتمين للتيار الليبرالي واليساري والنسوي نفسه، الذي رأى قطاع منه في مشروعها استنساخا لتكتيكات المتحرشين والمتنمرين أنفسهم، وأن مثل هده المنصة قد تُعرِّض النساء والمُلوَّنين والمنتمين لمجتمع الميم أنفسهم لأزمات كبيرة.
إعلاناعتبرت كانديس أن الهجمة على مشروعها كشفت لها حقيقة التيار التقدُّمي، وأنه تيار منافق من وجهة نظرها، كما وصفت ما مرَّت به بعد ذلك قائلة: "لقد أصبحتُ محافظة بين عشية وضحاها، إذ أدركتُ أن الليبراليين هم العنصريون والمتنمرون الحقيقيون".
وفيما بعد، أنشأت كانديس عام 2017 قناة على يوتيوب بعنوان "حبة حمراء سوداء"، وتعبير الحبة الحمراء هو تعبير مُستقى من فيلم "الماتريكس"، ويعني اختيار حبة معرفة الحقيقة المُرَّة التي يخفيها المجتمع. وقد بدأت في نشر مقاطع تُروِّج فيها للأفكار المحافظة، وتقول إن مشاكل السود الحقيقية تكمُن في ثقافتهم وأفعالهم هم، وليس في الاضطهاد الهيكلي المستمر من البيض.
وبدأت كانديس تستخدم الإحصاءات والبيانات لتدلل على ذلك، داعية المجتمع الأسود في الولايات المتحدة الأميركية أن يتخلى عن ثقافة الضحية التي ينشرها بينه الديمقراطيون والتقدُّميون، وأن يتيقَّظ لحقيقة أن الأغلبية المطلقة التي تتجاوز 90% من ضحايا العنف من السود يحدث لهم ذلك في جرائم يرتكبها سود مثلهم، وأن نسب الآباء الذين يتركون أسرهم ويتخلون عن أبنائهم تتعلق بما يفعله السود أنفسهم في بعضهم البعض، وليس لها علاقة باضطهاد البيض لهم، على حد وصفها.
اكتسبت مقاطع كانديس المناهضة للأفكار التقدمية والنسوية وسياسات الهوية والضحية متابعين كُثرا في وقت تمتعت فيه تلك الأفكار بسطوة كبيرة، وكانت مناهضتها فعلا جريئا في حينه ومحفوفا بالمخاطر. ولكن ما أكسب كانديس القدرة على الاستمرارية واجتذاب المزيد من المتابعين هو قدرتها الكبيرة على المناظرة واستخدام البيانات والبراهين لإثبات قوة حُجتها.
بحلول نهاية عام 2017، أصبحت كانديس مديرا للمشاركة الحضارية بمنظمة "نقطة تحوُّل الولايات المتحدة الأميركية"، تلك المنظمة الشهيرة التي ارتبطت باسم مؤسسها تشارلي كيرك وكانت تنظم فعاليات للمحافظين واليمينيين في الولايات المتحدة، ثم أصبحت مديرة الاتصالات بالمنظمة. وفي حين التقى تشارلي كيرك بكانديس للمرة الأولى في مؤتمر لليمينيين المحافظين بفلوريدا في ذلك العام، قال إنه بعد 30 ثانية من رؤيتها على المسرح قال لنفسه إنه لم يرَ موهبة مثلها طوال سنوات عمله في السياسة، ومن ثم سرعان ما وظَّفها.
كانت كانديس تتحول بسرعة رهيبة من فتاة اشتهرت في بداية حياتها بسبب تعرضها لحادثة تنمر عنصري إلى ناشطة ذات جماهيرية واسعة بين المحافظين والأميركيين من أصحاب البشرة البيضاء، ومناهضة لحركة "حياة السود مُهِمة" (Black Lives Matter) بوصفها حركة تُرسِّخ نظرة غير واقعية للسود على أنهم ضحايا.
صارت كانديس أيضا صحفية بارزة ذات علاقة ناشئة قوية بالرئيس الأميركي ترامب الذي اعتبرته أفضل رئيس للسود في الولايات المتحدة، وكان ترامب قد وصفها بأنها امرأة ذكية، ولعل أهم ما عزز الصلة بين كانديس وجموع كبيرة من الجمهور الأميركي هو دفاعها عن قِيم الأسرة المسيحية وهجومها العنيف على النسوية في وقت رأى فيه كثير من الرجال الأميركيين البيض أنفسهم مظلومين ولا صوت لهم في الخطاب الإعلامي السائد.
باختصار، وفي وقت التف فيه مجتمع السود حول الأفكار التقدمية والديمقراطية، حاولت كانديس أن تقود ثورة سوداء في المجتمع الأسود نفسه، بقولها إن اليسار يحاول دوما أن يُقنِع السود بأكاذيب من وجهة نظرها، وهي أكاذيب تؤدي في النهاية إلى ترسيخ عقلية الضحية واختلاق الأعذار بدلا من الفعل والمبادرة لتغيير الواقع، فبدلا من أن يبدأ الرجل الأسود والمرأة السوداء في محاولة استغلال إمكاناتهم للوصول للنجاح وللأسرة المستقرة، يغرقون دوما في فخ التفكير في الماضي والعنصرية المُمنهَجة وما إلى ذلك، وحينها يتوقف السود عن النظر للمشاكل المتعلقة بالثقافة السائدة بينهم التي تؤدي لاستمرار الفقر.
إعلانبدأت كانديس تتبنى أيضا خطابا مثيرا للجدل بقولها إنه إن كانت هناك عنصرية، فهي ضد البيض وليس السود، فإذا قال أي أبيض شيئا، حتى لو كان عاديا، لكن يمكن أن يُشم منه رائحة العنصرية، فحينها سيتعرض لثقافة الإلغاء ويتم إقصاؤه، في حين أن الشخص الأسود يمتلك حرية أكبر خلال هذا العصر في التعبير عن نفسه وعن آرائه.
باختصار بَنَت كانديس أفكارها، ليس بإنكار وجود حالات عنصرية على المستوى الفردي ضد السود في الولايات المتحدة، ولكن بإنكارها أن يكون هناك حجاب غير مرئي يمنع السود من النجاح الفردي كما يدعي اليسار من وجهة نظرها، وأنه لربما كان حقيقيا في الماضي، لكنه منذ سنوات طويلة لم يعد كذلك، وأن المجتمع الأسود يجب أن يتبنَّى الآن فكرة المسؤولية الشخصية والتحلّي بأخلاقيات عمل أفضل واتباع نهج أكثر انضباطا في الحياة والتمسُّك بقِيم الأسرة وعدم إنجاب أطفال قبل الزواج، كي يُغيِّر واقعه الاقتصادي والاجتماعي دون الدخول في ماراثون الاضطهاد الذي يريد اليسار أن يُدخِل فيه الجميع، وأن يلعب فيه أفراد المجتمع دور الضحية إلى ما لا نهاية.
يقول الكثيرون من منتقدي كانديس أيضا إنها كانت تروّج لنظريات المؤامرة، وحسب صحيفة لوموند الفرنسية فإنها "مؤيدة قوية لبعضٍ من أغرب نظريات المؤامرة" مثل تشكيكها في وصول الأميركيين إلى القمر، وتشكيكها في أرقام الوفيات الناجمة عن جائحة كورونا عام 2020، فضلا عن رفضها للقاحات والتطعيم، واتهامها النشطاء من أقصى اليسار الراديكالي بمهاجمة شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي الأميركي برسائل مفخخة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهو أمر ثبت بعد ذلك من تحقيقات الشرطة أنه كان بفعل عضو من الحزب الجمهوري نفسه ومؤيد لترامب.
يُضاف إلى ذلك العاصفة العالمية التي أثارتها مؤخرا بسلسلة حلقاتها التي حاولت أن تبرهن فيها على أن زوجة الرئيس الفرنسي ماكرون رجل بيولوجيا وليست امرأة، وقد راهنت بتاريخها الصحافي كله وفق كلماتها على أن تلك هي الحقيقة التي لا يستطيع ماكرون الرد على أدلتها. ونتيجة لذلك رفع إيمانويل وبريجيت ماكرون في يوليو/تموز 2025 دعوى تشهير في ولاية ديلاوير الأميركية تحتوي على 22 تهمة ضد كانديس، والتهمة الرئيسية كانت أن كانديس قد نشرت عمدا بيانات "كاذبة وتشهيرية" ضدهما لتحقيق الربح.
ورغم وصفها المتكرر بأنها مُروِّجة لنظريات المؤامرة، فإن كانديس ترد على ذلك دائما بأنها تسائل الرواية الرسمية، وأن هذا حقها كصحافية ما دامت تقوم بذلك من خلال المنهج العلمي وباتباع الأدلة، والواقع أنه سواء كانت كانديس بالنسبة للبعض مُروِّجة لنظريات المؤامرة أم لا فهي لا تفعل ذلك على النحو التقليدي لهذه الكلمة، وإنما ما تفعله عادة هو تتبع النواقص والفجوات في الرواية الرسمية ومحاولة إبراز تلك الفجوات.
فلسطين مفترق طرقمنذ اندلاع طوفان الأقصى ومن بعده بداية حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اتخذت كانديس أوينز موقفا مناقضا لموقف الأغلبية الساحقة من اليمين الأميركي خصوصا، والغربي عموما، إذ وقفت بوضوح إلى جانب غزة وانتقدت دولة الاحتلال بنبرة جريئة وغير معهودة حتى على اليسار الأميركي.
نتيجة لذلك، خسرت كانديس وظيفتها بموقع "ديلي واير"، إذ أعلن جيريمي بورينغ، الرئيس التنفيذي للموقع، على منصة "إكس" بعد مرور أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية أن "ديلي واير" وأوينز قد أنهيا علاقتهما، وسرعان ما أكدت كانديس الأمر نفسه، وقد حدث ذلك في أعقاب الخلافات الكبيرة بينها وبين الناشط اليميني الأشهر في الولايات المتحدة بن شابيرو في ما يخص تأييد دولة الاحتلال، وهو أيضا من مؤسسي "ديلي واير"، وهي خلافات وصلت إلى حد النزاع العلني على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مواقف كانديس المؤيدة لفلسطين والمنتقدة بشدة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
باعتبارها مسيحية مُتديِّنة وذات صوت مسموع لدى المسيحيين المحافظين الأميركيين، فقد لعبت كانديس دورا كبيرا في تفكيك المقولات المسيحية الصهيونية والهجوم على الأفكار التي تقول إن المسيحيين مأمورون من الكتاب المقدس بدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تدخر كانديس جهدا في التأكيد على أن الموقف المسيحي الحقيقي ينبغي ألا يكون داعما لانتهاكات دولة الاحتلال التي تقتل الأطفال وترتكب أفعالا شيطانية مند نشأتها، على حد وصفها.
إعلانكانت كانديس من أول مَن لفتوا الانتباه في الإعلام الأميركي إلى حقيقة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يهجم على الكنائس في فلسطين ويقتل المسيحيين في غزة تماما مثلما يقتل المسلمين والأطفال في القطاع، كما أنها من أوائل مَن وصفوا ما يحدث في القطاع بالهولوكوست، وأكدت أنها مع هذا الكم من جثث الأطفال المحترقة التي تراها يوميا فإنها تعتقد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ترتكب هولوكوست عن عمد.
إن هجوم كانديس أوينز المستمر على دولة الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة لم يتسبَّب فقط في فقدانها عملَها، لكنّه منحها لقب المعادية للسامية من قِبل إعلام دولة الاحتلال ومؤيديها، وفي عام 2024 منحت منظمة "أوقفوا معاداة السامية"، وهي منظمة يهودية ممولة من القطاع الخاص، لقب "مُعادِية السامية للعام" لكانديس.
ولكن من جهة أخرى، اكتسبت كانديس شعبية كبيرة سواء في الولايات المتحدة والعالم الغربي بسبب موقفها الراسخ منذ انطلاق حرب الإبادة المتعلق بانتقاد وفضح انتهاكات دولة الاحتلال ومُساءلة السلطة الأميركية وانتقادها اللاذع، وقد شدَّدت كانديس على كشف التناقض بين خطاب السلطة الذي يرفع شعار "أميركا أولا"، وعلى المواقف الحقيقية التي انتهجتها إدارة ترامب، التي فضَّلت -من وجهة نظرها- المصالح الإسرائيلية على المصالح الأميركية ذاتها.
ويكفي القول إنه منذ انفصالها عن منصة دايلي واير وصناعة مشروعها الخاص المتمثل في البودكاست الذي يحمل اسمها، كان نجاحها مذهلا، حسب وصف صحيفة الإندبندنت البريطانية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2025، تصدَّر برنامجها قائمة البرامج الأكثر مشاهدة على مختلف المنصات من حيث عدد مرات التحميل والمشاهدات لكل حلقة، بمتوسط 3.5 ملايين تحميل تقريبا لكل حلقة.
وحسب منصة فورتشن الأميركية، فإن نجاح كل حلقة من حلقات كانديس كان استثنائيا، وتضم قناتها حاليا على يوتيوب 5.58 ملايين مشترك، وحصدت أكثر من 1.1 مليار مشاهدة، بمعدل يتراوح بين 500 ألف ومليوني مشاهدة لكل مقطع.
وفي هذا العام وحده حصدت كانديس مشاهدات تصل إلى 617 مليون مشاهدة، بينما يتابع كانديس حوالي 7 ملايين شخص على منصة "إكس"، وأكثر من 5 ملايين على منصة إنستغرام، ويحظى برنامج كانديس بأعلى كثافة إعلانية بين 8 محطات إذاعية محافظة رئيسية في الولايات المتحدة، وقد احتوت أكثر من 90% من حلقات برنامجها على إعلانات تتلوها، ولديها نحو 60 راعيا متناوبا، من بينهم أسماء بارزة في عالم الإعلانات.
من مُلهمة لإرهابي يُهاجِم المسلمين إلى مدافعة عنهمفي 15 مارس/آذار 2019 خرج الشاب الأسترالي برينتون تارانت من منزله وهو ينوي قتل أكبر عدد يستطيع أن يقتله من المسلمين، ومن ثم حمل معه بنادق نصف آلية عسكرية الطراز، وذهب إلى مسجدين في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلاند، واقتحمهما وقتل 51 شخصا، وهي مذبحة هزَّت العالم آنذاك، خاصة أن الإرهابي بثَّ الحادث بأكمله على موقع فيسبوك مباشرة عبر كاميرا مثبَّتة على قبعة يرتديها، كما نشر الشاب الأسترالي بيانا مطولا من 74 صفحة يُشجع فيه على الإرهاب ضد المسلمين.
كان هذا الحادث أسوء حادث إطلاق نار جماعي في تاريخ نيوزيلاندا، ومع ذلك فإن القاضي الذي حاكم برينتون تارانت لاحظ أنه لم يظهر أي ندم أو تأنيب ضمير تجاه ما فعله.
وللمفارقة فإن السبب الكبير في ثبات الإرهابي وقتها، واقتناعه بأن ما اقترفه صواب، كان تأثره بأفكار المعلقة المحافظة الأميركية كانديس أوينز كما أوَّلها، إذ قال إن أفكارها كانت مذهلة بالنسبة له وإنها دفعته للجنوح نحو استخدام العنف بدلا من الخنوع والاستسلام أمام مدِّ الأفكار التقدُّمية من جهة وتزايد أعداد المسلمين في الغرب من جهة أخرى.
توجَّهت سهام النقد بشدة تجاه كانديس بعدئذ، وهُوجم محتواها الذي ألهم مُنفّذ العمل الإرهابي، لكن كانديس دافعت عن نفسها حينها قائلة إن ربط اسمها بمنفذ العملية أمر مضحك ومجرد هراء لأنها لم تكتب أي محتوى عن الإسلام. لكن حسب موقع بيزنس إنسايدر، فإن كانديس كانت بالفعل قد كتبت قبل الحادثة تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر فيها عن الخوف من أن أوروبا ستصبح قارة مسلمة بحلول منتصف القرن الحالي وفقا لمعدل المواليد القائم الآن، ومن ثم سيُطبِّق المسلمون فيها الشريعة الإسلامية.
ورغم أن أوينز حينها لم تكن قد كتبت كثيرا عن الإسلام والمسلمين بالفعل حتى ذلك الوقت، فإنها ألهمت مُنفِّذ العملية على الأرجح من خلال فلسفة خطابها التي تنطلق من فكرة أن الأغلبية البيضاء المسيحية في الغرب مُهدَّدة بالمؤامرات كي تتضاءل، وأنها تعاني من مظلمة حقيقية.
بيد أن الصورة اختلفت على مدار السنوات اللاحقة، إذ بدأت كانديس تكتسب شعبية متصاعدة بين المسلمين، ليس فقط بسبب موقفها الحاسم من القضية الفلسطينية، وإنما أيضا بسبب تعليقاتها حول الإسلام والمسلمين.
في لقائها مع المؤثر الأميركي البريطاني الشهير المحسوب على اليمين أندرو تيت بعد إشهار إسلامه، ورغم أن كانديس قد عبَّرت عن حزنها من أن أندرو لم يتمسك بالمسيحية، تحدَّثت كانديس بأدب شديد واحترمت اختياره، كما أكدت على كونها لا تعرف شيئا عن الإسلام يؤهلها كي تجادله في اختياره.
وكانت تلك اللهجة "المتواضعة" في الحديث عن الإسلام غير شائعة بين أبناء أقصى اليمين، الذين عادة ما يسارعون لإلقاء الاتهامات للإسلام ولا يعترفون بأنهم يفتقرون للمعرفة الكافية حوله.
في حوار لها في بداية العام الماضي استخدمت كانديس لهجة تجاه المسلمين يندر للغاية أن يستخدمها من ينتمي لليمين في الدول الغربية، فقد أرادت أن تضرب مثالا حول التحكُّم في عقول الأميركيين بواسطة البروباغندا، ولم تجد أفضل مما حدث بالولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي جعلت الناس آنذاك تشعر بالخوف من المسلمين.
وقالت كانديس إنها لا تتخيل كيف كانت حياة مسلمي الولايات المتحدة في هذا التوقيت حين كانت كل وسائل الإعلام والنظام التعليمي يضخان في عقول الأميركيين أن كل مسلم إرهابي، ثم عقَّبت كانديس بقولها إنها تريد قبل كل شيء أن تتأسَّف بالنيابة عن الولايات المتحدة لكل المسلمين الذين نشؤوا في تلك الفترة داخل الولايات المتحدة، على الطريقة التي عُوملوا بها حينها.
وأكدت كانديس في هذا الحوار أيضا على أن غسيل المخ تجاه المسلمين الذي جرى على نطاق واسع في مطلع الألفية، كان يهدف إلى التغطية على الجرائم التي ارتُكبت بعد ذلك في حق المسلمين، حيث قتلت الولايات المتحدة مليون مدني عراقي بعد أن ادعت كذبا وجود أسلحة دمار شامل في العراق.
وتقول كانديس إن تلك البروباغندا التي وُجِّهَت ضد الإسلام والمسلمين حينئذٍ كانت محاولة لتمهيد العقل الأميركي كي يُطبِّع مع فكرة قصف المسلمين وقتلهم، وأن يتمرن على ألا يشعر بأي شيء تجاه المسلمين حين يموتون. وقد أبدت كانديس انزعاجها الشديد، باعتبارها امرأة مسيحية متدينة، من أنها سمحت للبروباغندا وللنظام التعليمي في الولايات المتحدة أن يُعلِّمها ألا تهتم بحياة الإنسان المسلم.