احتجاجات انطلقت يوم 14 مارس/آذار 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يوم الاثنين 14 فبراير/شباط 2005، واتُهِم موالون لسوريا باغتياله. وقد احتشدت تيارات وأحزاب وجماعات لبنانية للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان، واعتمدت اللونين الأحمر والأبيض رمزا لها ورددت شعارات من قبيل "الحرية والسيادة والاستقلال" و"الحقيقة والحرية والوحدة الوطنية".

وأنهت هذه الثورة الوجود السوري الذي استمر قرابة 30 عاما في لبنان.

الوجود السوري في لبنان

تعود جذور الوجود السوري في لبنان إلى عام 1976، أي بعد عام من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. إذ دخلت القوات السورية باعتبارها جزءا من قوات الردع العربية، ثم نجحت الحكومة السورية في إرساء وجودها في لبنان.

كما حصلت على تفويض من جامعة الدول العربية وفقا لاتفاق الطائف، الذي وقع عام 1989. واستقر في لبنان حينها أكثر من 14 ألف عسكري سوري، إضافة لعناصر من الاستخبارات.

اتفاق الطائف

وضع اتفاق الطائف المُوقع يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1989، حدا للحرب الأهلية في لبنان، وقد كان قائما على محورين رئيسيين هما الإصلاح والعلاقات اللبنانية السورية.

ويعتبر هذا الاتفاق مرجعية اللبنانيين الأولى التي يستمدون منها وفاقهم الوطني وسلمهم الأهلي بعد الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 15 عاما.

اغتيال الحريري.. الشرارة

اغتيل الحريري يوم 14 فبراير/شباط 2005 مع 21 شخصا آخرين في انفجار استخدم فيه 1800 كيلوغرام من مادة "تي إن تي"، في منطقة المريسة غرب بيروت، وقد وجهت أصابع الاتهام لسوريا وحلفائها في لبنان.

خرج آلاف اللبنانيين إلى شوارع العاصمة بيروت بعد شهر من اغتيال الحريري، مرددين شعار "حرية، سيادة، استقلال"، ونتيجة لذلك ظهر تجمع وتحالف قوى "14 آذار"، الذي طالب بخروج الجيش السوري والمنظومة الأمنية من لبنان، كما ظهر تحالف آخر مناهض لـ"14 آذار" ويدافع عن سوريا سمى نفسه "تحالف 8 آذار".

الأحزاب السياسية المشاركة

وتعود تسمية "14 آذار" و"8 آذار" للتاريخ الذي انطلقت فيه سلسلة المظاهرات التي دعا إليها كل تيار.

ويضم 14 آذار -الذي طالب سوريا بالخروج من لبنان- تحالف قوى سنية ودرزية ومسيحية، ومن التيارات والأحزاب المشاركة فيه:

تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، ويمثل القوة الأبرز الممثلة للطائفة السنية، وله كتلة نيابية كبرى. حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وتأسس عام 1980 ليمثل الجناح العسكري لكافة الأحزاب المسيحية المصنفة ضمن القوى اليمينية بالجبهة اللبنانية. حزب الكتائب بزعامة الرئيس السابق أمين الجميل، وظل لعقود الحزب اليميني الأكبر ضمن الطائفة المسيحية منذ تأسيسه عام 1936. حزب التقدم الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وقد كان في مقدمة مؤسسي التحالف قبل أن ينحى منحى وسطيا بعد أحداث 7 مايو/أيار 2008.

إضافة إلى أحزاب أخرى منها:

حركة التجدد الديمقراطي. حركة اليسار الديمقراطي. حزب الوطنية الأحرار. تكتل لقاء قرنة شهوان. الكتلة الوطنية.

وعلى النقيض تكتلت أحزاب لبنانية عرفت بعلاقتها الوطيدة مع النظام السوري، وسط مظاهرات أخرى خرجت تشكر سوريا على وجودها في لبنان، وهي:

حزب الله، الذي يتزعمه حسن نصر الله. التيار الوطني الحر، الذي كان يتزعمه ميشال عون. أهداف "ثورة الأرز"

وكان من أهداف "ثورة الأرز" إبان انطلاقتها:

تكوين لجنة تحقيق دولية للتحقيق في اغتيال الحريري، واستقالة الأجهزة الأمنية في البلاد، وإقامة انتخابات برلمانية حرة. توحيد اللبنانيين باختلاف أحزابهم وفصائلهم وتوجهاتهم تحت راية وطنية واحدة.  إسقاط كل الموالين للنظام السوري داخل لبنان، وإقالة الأجهزة الأمنية وانسحابها بالكامل مع قوات الجيش السوري وحلفائها مثل حكومة عمر كرامي ووزير الداخلية سليمان فرنجية. عودة ميشال عون من منفاه وإطلاق سراح سمير جعجع. أبرز المحطات

استقال رئيس الحكومة عمر كرامي يوم 28 فبراير/شباط 2005 وقال إنه "حريص على ألا تكون الحكومة عقبة أمام ما يراه الآخرون خيرا للبلاد"، ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة.

لم يكتف تيار المعارضة باستقالة الحكومة، بل طالب بالإنهاء الكامل للوجود السوري في البلاد، في وقت استقال فيه مسؤولون عن التحقيق في قضية الحريري.

أعلنت الحكومة قرارها بمنع التظاهر، لكن الجيش رفض قمع المظاهرات قائلا إنه يطبق الدستور الذي يسمح بحرية الرأي والتعبير والمظاهرات السلمية، وقال إن الدستور أقوى من القرار السياسي.

صدر القرار (1559) من مجلس الأمن الدولي يطالب بخروج الجيش السوري من لبنان، وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد في الخامس من مارس/آذار التزامه بالانسحاب الكامل لجيشه من لبنان.

ونُفذ القرار يوم 26 أبريل/نيسان 2005، وخرجت القوات السورية، بعد وجود عسكري دام منذ عام 1976، كما عاد عون من منفاه، وأطلق سراح جعجع.

آلاف اللبنانيين خرجوا إلى شوارع العاصمة بيروت بعد شهر من اغتيال رفيق الحريري عام 2005 (أسوشيتد برس) نتائج "ثورة الأرز"

يرى "تحالف 14 آذار" أنه استطاع تأمين دعم المجتمع الدولي "لاستقلال لبنان"، وخروج القوات السورية من البلاد، وتكريس الديمقراطية كفكرة وممارسة، إضافة إلى تصحيحه العلاقات الدبلوماسية بين سوريا ولبنان لأول مرة منذ الاستقلال.

وبعد قيام انتخابات عام 2005، حصلت قوى "14 آذار" على غالبية مقاعد البرلمان، ثم حصلت أيضا على الأغلبية في انتخابات 2009.

قوى "14 آذار" بعد "الثورة"

يقول المنسق العام لقوى "14 آذار" فارس سعيد إن هذا التجمع "شكليا استنفذ مهمته، ولكن مضمون هذا الحدث دائم". واستطرد في حديث مع وكالة الأناضول قائلا إن "14 آذار ارتكزت على وحدة اللبنانيين من أجل إخراج الجيش السوري، ولكن بعد ذلك عاد الشعب اللبناني إلى مربعاته الطائفية، وهذا الأمر أدى إلى دخول احتلال جديد وهو الاحتلال الإيراني". ونادى بإعادة توحيد الصف كما حدث عام 2005.

بدأت العلاقة بين التحالف وسوريا بالتحسن منذ عام 2010 عقب زيارة وليد جنبلاط وسعد الحريري لدمشق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الوجود السوری الجیش السوری السوری فی من لبنان فی لبنان

إقرأ أيضاً:

من الدبلوماسية إلى الاحتلال: كيف تُعيد أمريكا و”إسرائيل” هندسة الجنوب السوري؟

يمانيون | تحليل
تزامناً مع التصعيد المتسارع في العدوان الصهيوني على إيران، تتحرك الولايات المتحدة على مسار موازٍ في سوريا، لكن بأدوات سياسية مغلّفة بغطاء دبلوماسي ناعم يخفي سيناريوهات عسكرية أكثر فتكًا، تعيد رسم الخرائط الاستراتيجية في الميدان السوري.

ففي جلسة حديثة لمجلس الأمن، أطلقت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تصريحًا لافتًا أعلنت فيه ما وصفته بـ”بداية عصر جديد” في العلاقة مع سوريا، مشروطًا باتفاق عدم اعتداء مع الكيان الصهيوني وفتح ملف ترسيم الحدود، وهي عناوين سياسية تختزن في طياتها جوهر المرحلة المقبلة: تثبيت نفوذ “إسرائيلي” مباشر في جنوب سوريا، وإعادة هندسة الوضع الميداني بما يخدم الأمن القومي لكيان الاحتلال، لا الأمن السوري.

من التفاوض إلى التنفيذ: خارطة احتلال تتسلل من الجنوب السوري
هذا التحول في الخطاب السياسي الأمريكي، الذي وُلد تحت غطاء “السلام” و”ضبط الحدود”، لم يكن سوى خطوة أولى في مسار ميداني متصاعد.. إذ سرعان ما انعكست مفاعيله على الأرض من خلال تحركات مباشرة للكيان الصهيوني في الجنوب السوري، حيث يُترجم الطرح الدبلوماسي إلى وقائع عسكرية متدرجة.

فالمناطق المحاذية للجولان المحتل تشهد تثبيتًا هادئًا لقواعد صهيونية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان سيناريو الاحتلال المقنّع الذي يتقدّم على مراحل، بينما تعاني دمشق من ضغوط سياسية واقتصادية تعيق قدرتها على الرد أو المبادرة.

هذا التقدم الميداني ليس معزولاً عن تطمينات أمريكية صريحة للعدوّ الصهيوني، بل هو ثمرة تنسيق دقيق تتقاطع فيه الاستراتيجية الأمريكية مع طموحات “تل أبيب” التوسعية، في إعادة رسم الجغرافيا الأمنية لسوريا جنوبًا، تحت عنوان “ترتيبات ما بعد الحرب”.

فصائل “الجولان” التكفيرية: أداة ميدانية لحماية الاحتلال
وبما أن الاحتلال الحديث لا يقوم فقط بالدبابات أو الرايات، فإن الولايات المتحدة و”تل أبيب” تعتمدان على تكامل الأدوار بين التحرك العسكري الرسمي، والتحرك غير الرسمي عبر الوكلاء المحليين.

وهنا تلعب الفصائل التكفيرية المرتبطة بجبهة الجولاني دورًا رئيسيًا، حيث تعمل ضمن خطة وظيفية لا تخفى أبعادها..انتشار هذه المجموعات على تخوم الحدود الشرقية لسوريا، قرب دير الزور والحسكة، لا يمكن فصله عن انتشار القواعد الأمريكية هناك، ما يُبرز محاولات تطويق المحور الشرقي لسوريا بحزام ناري يمنع أي تواصل استراتيجي بين الحشد الشعبي العراقي والمقاومة داخل سوريا.

بهذا المعنى، يُصبح وجود هذه الفصائل غطاءً عملياتيًا للهيمنة الأمريكية والصهيونية، عبر أدوات محلية تم إعدادها بعناية لتكون حواجز أمنية في وجه أي تهديد ممانع محتمل.

الحدود اللبنانية ـ السورية: فصائل الجولاني لحماية “الخاصرة الإسرائيلية”
هذا الاستخدام الوظيفي لتلك الفصائل لا يقتصر على الشرق فقط، بل يمتد غربًا، حيث تظهر البصمة نفسها على الحدود اللبنانية – السورية.. هناك، تتحرك عناصر الجولاني كعين راصدة لتحركات المقاومة اللبنانية، ضمن نطاق أمني غير رسمي يُدار بأوامر غير سورية.

وهذا الربط بين الجغرافيا الشرقية والغربية لسوريا يُظهر وحدة الهدف الصهيوني: حماية محيط الكيان من ثلاث جهات (الجنوب السوري، الشرق الحدودي، والخاصرة اللبنانية).

بالتالي، تتضح خيوط الخطة التي تشترك فيها تل أبيب وواشنطن: تحويل سوريا إلى ساحة عازلة، لا للدفاع عن السيادة الوطنية، بل لحماية عمق الكيان الصهيوني من أي تهديد مستقبلي، سواء من الجبهة الإيرانية أو من المقاومة اللبنانية.

واشنطن تفرض “عدم اعتداء” لصالح تل أبيب
في ظل هذا المشهد المتكامل، يتبيّن أن اتفاق “عدم الاعتداء” الذي تروّج له الولايات المتحدة ليس مبادرة سلام، بل مظلة سياسية لاحتلال صامت يُدار من الخلف.

فالمفارقة أن الحديث عن خفض التصعيد يتزامن مع تكثيف الغارات على إيران، وتثبيت القواعد الصهيونية فوق التراب السوري.. ما يعني أن “عدم الاعتداء” هو بالأحرى اتفاق أحادي يُراد به إسكات الدولة السورية ومنعها من الدفاع عن سيادتها، فيما تُمنح “إسرائيل” حق الردع والتوسع دون قيود.

وهكذا، يُستخدم “الاتفاق” لتجميد أي مواجهة محتملة من الجانب السوري، ولمنح الشرعية لتكريس الواقع الميداني الجديد لصالح الاحتلال، بينما تظل سوريا بلا غطاء قانوني فعلي يحمي أرضها أو يتيح لها الرد العسكري المشروع.

سوريا بين احتلال ناعم وتحالفات مضادة
كل ما سبق يقود إلى حقيقة واحدة: سوريا باتت تقف على عتبة مرحلة حساسة، عنوانها “الاحتلال الناعم”. فالسيطرة لا تتم عبر جيوش تقليدية فقط، بل من خلال مزيج مركّب من التدخلات السياسية، والانتشار العسكري الصامت، وتوظيف المجموعات المسلحة المموّهة محليًا، ضمن منظومة إقليمية واحدة هدفها النهائي تحصين الكيان الصهيوني وتفكيك سوريا كدولة ذات سيادة.

لكن هذا المشهد، ورغم ضبابيته، لا يخلو من مؤشرات المواجهة.. فمع تصاعد التوتر واستمرار العدوان على إيران، يبقى احتمال اندلاع مواجهة أشمل قائمًا، خصوصًا في حال تجاوز المشروع الأمريكي ـ الصهيوني حدوده، وبدأ بفرض أمر واقع يتخطّى خطوط محور المقاومة الحمراء.

وفي تلك اللحظة، قد لا تبقى سوريا ساحة احتلال ناعم، بل تصبح ساحة اشتباك مفتوحة، تُمتحن فيها كل التفاهمات القائمة، وترتسم فيها معادلات جديدة بالنار لا بالكلمات.

مقالات مشابهة

  • الوداد المغربي يتعاقد مع السوري عمر السومة
  • بهية الحريري من ثانوية بهاء الدين الحريري: التّربية والثقافة جسر عبور من زمن الألم إلى الأمل
  • نازك الحريري في عيد الاب: الشهيد رفيق الحريري جسد معنى الأبوة بامتياز
  • وسط صمت حكومي.. إسرائيل تفرض أمر واقع جديد في الجنوب السوري
  • من الدبلوماسية إلى الاحتلال: كيف تُعيد أمريكا و”إسرائيل” هندسة الجنوب السوري؟
  • الموت يغيّب والدة رئيسة المعهد العالي للموسيقى هبة القواس
  • توماس لونغمان.. رائد النشر الذي وضع أسس صناعة الكتاب الحديثة ماذا تعرف عنه؟
  • الفينا مكفينا وزايد علينا: السودانيون المنسيون وجعجعة إثبات الوجود
  • مكتب أحمدي نجاد ينفي شائعة اغتياله ويؤكد زيف المزاعم المتداولة
  • البطريرك الراعي يفتتح حديقة الصلاة ويكرّس كنيسة سيّدة الأرز في حريصا