واشنطن تظهر جدية بالضغط على تل ابيب... الحرب مع لبنان من الماضي!؟
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
اذا لم يقم "حزب الله" بهجوم كبير على اسرائيل، فإن قيام الاخيرة بتوسيع المعركة العسكرية تجاه لبنان بات امراً مستبعداً بعد ان كان الامر ممكناً للغاية في الاسابيع الماضية في ظل التهور الاسرائيلي الذي ظهر في اكثر من حدث داخل لبنان وحتى داخل قطاع غزة. لكن ما قامت به واشنطن وما وجهته من رسائل علنية يؤكد أن لبنان هو جزء من دوائر نفوذها السياسية وليس لاسرائيل القيام بأي مبادرة عسكرية كبرى ضده إلا بعد أخذ الموافقة المباشرة من الولايات المتحدة الاميركية.
أخرجت واشنطن تل ابيب من قدرة "الفعل" في لبنان في ظل التعاطي الحاسم من الاميركيين بما يوحي بأن الرغبة اليوم باتت لوقف اطلاق النار النهائي في قطاع غزة حتى لو لم تحقق اسرائيل اي انجاز عسكري واضح. ولعل قيام واشنطن بالاعلان عن مقتل مروان عيسى اليد اليمنى لمحمد الضيف ونائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام ، من دون ان تقوم اسرائيل بذلك حتى الان يعود الى رغبة الاميركيين بإعطاء رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مخرجاً نظرياً يتمكن بعده من الحديث عن قتل اكثر من قيادي اساسي في "كتائب القسام".
تتجه الامور نحو التسوية، بغض النظر عن شكلها، لكن الاكيد ان هامش المناورة الذي كان يتمتع به بنيامين نتنياهو بات أضيق بكثير، حتى ان الحديث عن الدخول الى رفح تأجل واصبح حديثاً خجولاً لا يمكن البناء عليه، لذلك فإن القوى المعنية بالحرب الحاصلة باتت تتريث في التصعيد، اذ ان اليمنيين الذين هددوا بالذهاب نحو استهداف السفن الاسرائيلية في رأس الرجاء الصالح لم يبدأوا بأي خطوة عملية بهذا المجال بإنتظار ما ستحمله المرحلة القليلة المقبلة من تطورات ونتائج للمفاوضات.
في الوقت نفسه لا يزال "حزب الله" الاكثر تشدداً لجهة عدم رغبته بالتصعيد، وبعكس ما يقال فإن الحزب هو من يفرمل باقي اطراف المحور، حتى ان الايرانيين كانوا يميلون الى التصعيد في بداية المعركة غير ان الحزب وأمينه العام السيد حسن نصرالله رفض ذلك وأعطى وجهة نظر مغايرة بالكامل، كما ان ما سرّب عن اللقاء الاخير بين نصرالله وقائد فيلق القدس اسماعيل قااني يؤكد أن الحزب لا يزال يرفض تحريك جبهة سوريا وان كان عبر القوات الحليفة لايران وليس الجيش السوري ويعتبر ان الامر فيه تسرع.
يرفض "حزب الله" الذهاب الى تصعيد كبير في هذه المرحلة، بل يرفض التصعيد برمته ما دامت البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية بخير، وهذا يعني ان التركيز اليوم هو على تسوية سريعة في فلسطين تنهي المعركة وتخرج حماس فيها منتصرة بالمعنى السياسي للكلمة، اي تعود الى حكم قطاع غزة وتفاوض على عملية تبادل كبرى للاسرى.
تمتلك الولايات المتحدة الاميركية ادوات كثيرة يمكن ان تستخدمها للضغط على اسرائيل منها الذهاب الى تقنين الدعم العسكري،وفتح المجال امام الدول الغربية للاعتراض العلني والديبلوماسي على اداء اسرائيل وتعرضها للمدنيين. كل ذلك قد تستخدمه الولايات المتحدة في القريب العاجل في حال استمر التمرد الاسرائيلي ولم تذهب الحكومة اليمينية الى تسوية توقف اطلاق النار بشكل نهائي.. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ائتلاف دولي وعربي ومحلي يطلب رأسه.. حزب الله يقاوم الاستسلام بالصبر الاستراتيجي
في 19 حزيران ـ يونيو 2024 وجه السيد حسن نصر الله إنذارا لجمهورية قبرص (اليونانية) العضو في الاتحاد الاوروبي. حمّلها مسؤولية أي عمل تقوم به إسرائيل ضد حزب الله انطلاقا من الأراضي القبرصية. في اليوم التالي رد الرئيس القبرصي بطريقة شديدة التهذيب: قبرص كانت وستبقى مركزا للعمليات الإنسانية فقط. قبرص ليست جزءا من الحرب. انها جزء من الحل. سينتظر الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مضي أسبوعين على اغتيال السيد حسن نصر الله حتى يدعو الى قمة للدول الاوروبية الجنوب متوسطية في جزيرة قبرص (11 أكتوبر ـ تشرين الأول 2024) لطمأنة الجزيرة ازاء المخاطر التي يمكن ان تأتي من لبنان وللقول ان أوروبا تقف الى جانبها، بل لعل القمة الأوروبية في الجزيرة مؤشر على انتقال حرب غزة من مصير الى مصير آخر.
سينتقل حزب الله من لاعب بين الأوائل في شرق المتوسط في حزيران ـ يونيو إلى مقاوم يسطر بطولات غير مسبوقة دفاعا عن قرى جنوب لبنان الأمامية، في أعنف مجابهة عسكرية خلال حرب "طوفان الأقصى" وفي ظروف ابتعاد إيراني صريح عن الحرب منذ انتخاب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان. ستؤدي هذه البطولات الى الحصول على وقف لإطلاق النار وفق القرار الاممي 1701 الذي انتزعه الحزب عام 2006 عندما كانت إسرائيل مهزومة في الحرب.
سيتم تطبيق القرار هذه المرة بإشراف لجنة خماسية مؤلفة من إسرائيل ولبنان وقوات الطوارئ الدولية فضلا عن ممثل لفرنسا وللولايات المتحدة الامريكية على ان يكون الممثل الامريكي ضابطا ورئيسا للجنة، ما يعني أن تطبيق القرار الاممي صار بقيادة حليف للدولة العبرية او امتداد لها لا فرق. هنا يكمن اختلاف كبير بين اليات تطبيق القرار الاممي عام 2006 وما استقر عليه الحال بعد وقف النار في "حرب الاسناد". (27 تشرين الثاني ـ نوفمبر 2024)
يضاف إلى ذلك اختلاف أكبر. فقد أعلنت إسرائيل منذ اللحظة الأولى، أنها ستشرف بنفسها على تطبيق الاتفاق. هذا ما نراه على الأرض اذ تنتهك الأجواء والمياه والأراضي اللبنانية يوميا، وتشن غارات على منازل ومقرات واراضي، زاعمة انها تضم أسلحة وذخائر ومسيرات لحزب الله. تطارد اسرائيل المقاومين في كل مكان من لبنان ودائما بذريعة تطبيق الاتفاق. وحصيلة هذا "التطبيق" انتهاكات تُقَدَّرُ بالآلاف.
صفر هامش للمناورة
بالمقابل يبدو حزب الله في موقع يحتفظ فيه بـ "صفر " هامش مناورة. لذا يتكيف حتى الآن مع ظروف ومستجدات ما بعد القرار ضمن خطة صبر استراتيجي، ويتجنب حتى الان الرد على أي من الانتهاكات الإسرائيلية بما ذلك الانتهاك الأخير في الضاحية الجنوبية (5 حزيران ـ يونيو 2025).
سينعكس تراجع الحزب على الجبهة الحربية بتراجع مواز في الداخل اللبناني. سيتخلى الحزب عن النائب سليمان فرنجية مرشحه لرئاسة الجمهورية وسينتخبُ قائد الجيش جوزيف عون (9 كانون الثاني ـ يناير 2024) مرشح الولايات المتحدة الامريكية، وسيسقط الحزب في فخ منصوب من دون قدرة على الرد، إذ تلقى وعودا بترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الوزراء فاذا به يفاجأ بتعيين القاضي نواف سلام رئيسا للحكومة (8 شباط ـ فبراير 2024) وهو أيضا مرشح الولايات المتحدة الامريكية الحاضنة الأكبر والاهم للدولة اليهودية.
يبدو حزب الله في موقع يحتفظ فيه بـ "صفر " هامش مناورة. لذا يتكيف حتى الآن مع ظروف ومستجدات ما بعد القرار ضمن خطة صبر استراتيجي، ويتجنب حتى الان الرد على أي من الانتهاكات الإسرائيلية بما ذلك الانتهاك الأخير في الضاحية الجنوبية (5 حزيران ـ يونيو 2025).لقد فتحت مجابهة الحدود بابا للحزب اللبناني الجريح والذي فقد أكثر من 80 بالمئة من قادته الكبار، كي يخرج من الحرب بهزيمة قاسية يحاول من بعد استيعاب نتائجها وإعادة تنظيم صفوفه بحيث يحتفظ بأسلحته خارج جنوب الليطاني كما ينص القرار 1701.
راهن الحزب على تسوية مع الدولة اللبنانية، تقوم على تفكيك بناه التحتية وسيطرة الجيش على القرى والبلدات المنصوص عليها في اتفاق وقف النار، على ان يعيد اندماجه في اللعبة السياسية اللبنانية في ظروف مختلفة، مع الاستجابة لكل التنازلات التي طلبت منه حتى الان: رئيس جمهورية ورئيس حكومة من الطرف الاخر المناهض للحزب. تشكيلة حكومية خالية من الثلث المعطل وبيانها لا يأتي على ذكر ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وينص صراحة على تسليم أسلحة الحزب تحت شعار احتكار الدولة لقرار الحرب والسلم ولحصرية السلاح.
لم يكد الحزب يخرج من الحرب عبر اتفاق هش لوقف النار حتى جاء سقوط حليفه في سوريا (8 كانون الأول ـ ديسمبر) ليضفي صعوبات جمة على خططه لما بعد وقف النار وليضيق هامش المناورة أمامه أكثر من ذي قبل.
صار عليه أن يواجه جبهة عريضة تطالب بنزع سلاحه، وإلغاء دوره المقاوم في لبنان. جبهة تضم إسرائيل والنظام السوري الجديد وقسما كبيرا الراي العام اللبناني وغالبية القوى السياسية اللبنانية ولا سيما حزب "القوات اللبنانية" الذي يُلِحُ على الجيش اللبناني بنزع سلاح الحزب بالقوة، على ما صرح نائب القوات في البرلمان غسان حاصباني «.. إذا لم يسلم الحزب سلاحه ستلتزم إسرائيل بنزعه جنوبا وسوريا شمالا ". ويوافقه مجد بطرس حرب بنبرة أعلى "... إذا الحزب ما سلم سلاحه. الجيش اللبناني بيفك رقبته". ويزيد الدكتور سمير جعجع قائد حزب "القوات اللبنانية" على هذه الأصوات "... بجيك زمك من الحزب بقول انتصرنا. وين انتصرت بعد كل يلي صار. يتفضل الحزب ويسلم سلاحه ليس لديه خيار اخر".
تحظى جبهة المطالبين بنزع سلاح الحزب وتسليمه للدولة اللبنانية، تحظى بتأييد واسع من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، يواكبه صمت روسي وصيني، يستند إلى موافقتهما على قرار مجلس الامن 1710 والقرار 1559 وفيهما دعوة صريحة لبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها ونزع كل سلاح خارج عن السلطة الرسمية.
الملفت في هذا الصدد ان الرئيس الفرنسي طالب الرئيس السوري الجديد، عندما استقبله في قصر الإليزيه مؤخرا، بالعمل على مواجهة حزب الله فضلا عن تغطية باريس وواشنطن في اللجنة الخماسية للضربات التي توجهها إسرائيل للحزب واخرها قصف ثمانية مباني في الضاحية الجنوبية زعمت إسرائيل انها مصانع للمسيرات.
تحالف دولي لحصار حزب الله
تتحرك هذه الجبهة العريضة لتحويل تراجع حزب الله في حرب الاسناد الى استسلام كامل وتعتمد للوصول الى غاياتها الوسائل التالية:
1 ـ الضغط العسكري اليومي الذي تمارسه تل ابيب بطرق مختلفة كي تنهك حاضنة الحزب وتدفعها للانقلاب عليه. وتزيد الضغط على الحكومة اللبنانية لخوض معركة مع الحزب ونزع سلاحه بالقوة.
2 ـ فرض حصار اقتصادي على الحزب واضعاف شبكات الدعم الاجتماعية التي تساعده في الحفاظ على تماسك بيئته الحاضنة.
3 ـ منع إعادة الاعمار قبل ان يسلم الحزب سلاح فيكون الاعمار ثمنا لطي صفحة المقاومة.
4 ـ اتخاذ إجراءات تنزع افضليات الحزب في مطار بيروت الدولي ومن بينها فتح مطار القليعات في منطقة لا تتعاطف مع الحزب وتعتبر حاضنة لخصومه اليمنيين.
5 ـ الضغط عبر الحدود السورية على مناطق الحزب الحدودية وفرض رقابة صارمة على تهريب السلاح والبضائع وثمة حديث لم يتأكد بعد عن تركيز جهاديين على الحدود المتاخمة للقرى والبلدات الشيعية في البقاع.
6 ـ زيادة تمويل وتعبئة المنظمات غير الحكومية التي تنشر ثقافة العداء للحزب وتطالب بتسليم سلاحه ولا سيما الجمعيات التي يترأسها قادة وناشطون من أصول شيعية.
7 ـ أدى الضغط المتواصل الى اضعاف اتفاق مار مخايل (2006)، بل قطع التحالف بين الحزب والتيار الوطني الحر عبر وضع زعيم التيار جبران باسيل على لائحة الشخصيات المقاطعة من طرف الولايات المتحدة.
8 ـ الضغط المتواصل لإضعاف تحالف الحزب مع حركة امل وبالتالي عزله داخل الطائفة الشيعية ومن ثم استخدام الجيش اللبناني في مجابهة معه وسط اجماع محلي وعربي ودولي.
9 ـ لا جديد في استراتيجية الحصار الدولي المعتمدة ضد حزب الله. فقد سبق للقوى نفسها أن اعتمدت الاستراتيجية نفسها في كوبا وإيران والعراق وفي سوريا وهي بصدد اعتماد السيناريو نفسه في لبنان.
تحويل الهزيمة إلى استسلام
هل يتمكن الحزب من مقاومة الاستسلام وتحجيم خسارته عند حدود تراجعه في حرب الاسناد؟ كيف سيفعل وبآية وسائل؟
يحتفظ الحزب بعناصر قوة كبيرة ومؤثرة لا يمكن الاستهانة بها وتستدعي الإشارة في الخطوط التالية:
أولا: يسبح الحزب وسط حاضنة شعبية صلبة برهنت للتو عن اخلاصها واستعدادها للتضحية تحت شعار الامام الحسين (هيهات منا الذلة). فقد فاز التحالف الوطني بين الحزب وامل في كل المقاعد البلدية والاختيارية التي رشح ممثلين فيها، وكانت الحاضنة الشعبية للحزب قد هبت بعد انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي من القرى المحتلة الى تلك القرى وواجهت المحتل باللحم الحي في مشهد نادر في تاريخ حركات التحرر في العالم. تبقى الإشارة الى أن صمود المقاتلين الاستثنائي في المجابهات الحدودية في حرب العام 2006 وبخاصة في حرب الاسناد يفصح عن طينة هذه الحاضنة التي لا تشبه الحواضن الأيديولوجية في الحركات السياسية الحديثة.
تحظى جبهة المطالبين بنزع سلاح الحزب وتسليمه للدولة اللبنانية، تحظى بتأييد واسع من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، يواكبه صمت روسي وصيني، يستند إلى موافقتهما على قرار مجلس الامن 1710 والقرار 1559 وفيهما دعوة صريحة لبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها ونزع كل سلاح خارج عن السلطة الرسمية.ثانيا ـ التحالف الوطني بين حزب الله وحركة امل اجتاز بنجاح كل مراحل المجابهة السابقة ومن بينها استيعاب الضغوط الدولية على مسؤولين في أمل من بينهم الوزير السابق علي حسن خليل، المساعد الأبرز للرئيس نبيه بري. فقد تعرض مع متمولين مقربين من الحزب لعقوبات دولية لم يرمش لها جفن في التحالف. هذا التحالف لم تظهر على ملامحه حتى الآن مؤشرات الكهولة أو الوهن وبالتالي يصعب الرهان على انشقاق في داخله، اقله في المدى المنظور والمتوسط.
لا عودة إلى كنف الإقطاع اللبناني
ثالثا ـ في كل سيناريوهات نزع سلاح الحزب وتحويل تراجعه إلى استسلام لن يقتصر الضرر عليه، بل سيطال الطائفة الشيعية برمتها. لن تعود هذه الطائفة إلى حظيرة الإقطاع السياسي لآل الاسعد وآل عسيران وآل الخليل في جنوب لبنان. ولن تعود الى نفوذ آل حمادة في البقاع للسبب نفسه ولسبب إضافي ان قسما مهما من الحماديين صار في قيادة الحزب. وكذا الأمر في ضاحية بيروت الجنوبية فقد أصبحت عائلة عمار في قيادة الحزب عبر الحاج علي عمار. إن مصير الحزب في لبنان ليس كمصير حزب البعث في سوريا والعراق، هو مصير الطائفة الشيعية برمتها. لو كان اختراق الطائفة متاحا بالوسائل الناعمة لكنا لاحظنا تأثيرا للمذيعة الشيعية الشهيرة في محطة "ام تي في" اليمينية المناهضة للحزب والتي لا تستطيع زيارة قريتها في جنوب لبنان خوفا من ردود فعل أهالي القرية وامتعاضهم من كلامها الدعاوي المعادي للمقاومة. وإذا كان من الصعب الفصل بين مصير المقاومة ومصير الطائفة الشيعية في لبنان، فهذا يعني ان مصير "المساومة" الطائفية اللبنانية يتعلق بكيفية حل قضية السلاح. وللذين يريدون التعمق أكثر في هذه المعادلة يمكنهم الاستماع الى تصريحات الأستاذ وليد جنبلاط الأخيرة الشديدة الحذر " نزع السلاح يعني صواريخ ما بدنا خليهم مع الجيش اما السلاح الباقي فلا مشكلة".
رابعا ـ على الرغم من الخسائر الفادحة التي تعرض لها، ما زال حزب الله قادرا على خوض معارك عسكرية كبيرة وناجحة. لقد برهن عن هذه القدرة في جنوب لبنان في قتال ما قبل وقف النار ولا حاجة الى برهان إضافي في اية محاولة لنزع سلاحه بالقوة في الداخل اللبناني. أما نزع السلاح عبر التكفيريين والجهاديين في سوريا، فقد بينت الاشتباكات الحدودية خلال الربيع الماضي أن من الصعب على الحكومة السورية الجديدة الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه وهي لم تعد الكرة من بعد.
لا يمكن للجيش اللبناني نزع سلاح المقاومة بالقوة العسكرية. إن كل تجارب نزع السلاح من الطوائف اللبنانية في لبنان تمت عبر التوافق والمفاوضات وليس عبر القوة. لقد نجح الجيش في حالة واحدة معزولة في مخيم نهر البارد الفلسطيني. كان الأمر يتعلق في حينه بمنظمة غريبة الأطوار (فتح الإسلام)، محدودة التمثيل ووسط تغطية من منظمة التحرير الفلسطينيةخامسا ـ لا يمكن للجيش اللبناني نزع سلاح المقاومة بالقوة العسكرية. إن كل تجارب نزع السلاح من الطوائف اللبنانية في لبنان تمت عبر التوافق والمفاوضات وليس عبر القوة. لقد نجح الجيش في حالة واحدة معزولة في مخيم نهر البارد الفلسطيني. كان الأمر يتعلق في حينه بمنظمة غريبة الأطوار (فتح الإسلام)، محدودة التمثيل ووسط تغطية من منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. أما في مثال التصدي للجهاديين وداعش في عرسال فقد كانت المعركة مشتركة بين حزب الله والجيش. أضف إلى ذلك أن قاعدة شيعية من الجنود والضباط باتت وازنة في الجيش اللبناني وهي لا تحتفظ بعداء للحزب لا سيما أن عقيدة الجيش الجديدة مبنية على العداء لإسرائيل. يبقى أن حزب الله الذي صمد في مجابهة أهم وأقوى جيش في الشرق الأوسط، لن يتمكن جيش آخر من قهره عسكريا خصوصا أنه ما زال يملك وسائل قتال أساسية وفعالة.
حدٌ للحزب وحدٌ عليه
سادسا ـ لا يمكن نزع سلاح حزب الله بالقوة وبالتالي من الصعب تحويل خسارته في جنوب لبنان إلى استسلام يفضي في نهاية المطاف الى اعادة الشيعة اللبنانيين قرنا إلى الوراء. وهو ما يلاحظه أبناء هذه الطائفة الذين باتوا يقرؤون على وسائل التواصل الاجتماعي تعبير " المتاولة"، الوصف الذي شاع في حقبة كان الحكم اللبناني فيها، مكرسا لخدمة طائفة واحدة تطلق على غيرها من الطوائف أحكاما وأوصافا منبوذة.
لقد تغيرت طبيعة الحكم في لبنان بعد "اتفاق الطائف 1989" ولا يفكر بالعودة إلى الوراء إلا الأغبياء. لذا نرى رئيس الجمهورية جوزيف عون يبذل جهودا حثيثة لاستيعاب سلاح حزب الله عبر مفاوضات مع الحزب بعيدا جدا عن صيغة الاستسلام التي تريد قوى دولية وعربية ومحلية فرضها على المقاومة.
سابعا ـ لا يمكن للأوضاع الإقليمية أن تستقر على المعادلات الراهنة. مصائر عديدة لم تحسم بعد على راسها مصير غزة. مصير حل الدولتين. مصير الملف النووي إيراني. مصير الحكومة الاسرائيلية ورئيسها نتنياهو. مصير الحرب الأوكرانية الروسية. أضف إلى ذلك، بل على رأسه مصير الترامبية ومشاريعها. إن ترامب الذي وقع اتفاقا مع أنصار الله في اليمن بمعزل عن حليفه الإسرائيلي يمكنه أن يوقع غيره. لذا يمكن لحزب الله الرهان على الوقت الذي يعتبر هنا سلاحا ذو حدين: حدٌ للحزب وحدٌ عليه.