دراويش الفكر وبُناة الأمة وما سطّروه لتاريخنا (2/3)
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
زهير عثمان حمد
في يوم الأحد السادس من يناير لعام 2008م، ودّع العالم البروفيسور محمد سعيد القدال، تاركًا وراءه إرثًا ثريًا من العلم والمعرفة. عُرف بتواضعه الجم ونضاله الدؤوب من أجل تجديد حياة الشعب السوداني والدفاع عن حقوق المستضعفين. أثرى القدال المكتبة السودانية بمؤلفات قيّمة ساهمت في تشكيل نظرة موضوعية جديدة للتاريخ والتراث السوداني، وكان مربيًا لأجيال من طلاب العلم والدراسات العليا
كمفكر ومؤرخ سوداني بارز، وُلد القدال في عام 1935 بمدينة سنكات شرق السودان.
من بين مؤلفاته العديدة “التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية” “الحرب الحبشية السودانية” و“المهدية والحبشة” “الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو” “الإمام المهدي: لوحة لثائر سوداني” “السياسة الاقتصادية للدولة المهدية” “الإسلام والسياسة في السودان” “الانتماء والاغتراب: دراسات في تاريخ السودان” “تاريخ السودان الحديث: 1820-1955”
وكانت إسهاماته الفكرية ذات تأثير كبير في الفكر السوداني والعربي، وتُعد مؤلفاته مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بالتاريخ السوداني والدراسات الإسلامية. وقد تميز بتركيزه على التاريخ السوداني، واستخدامه منهجية أكاديمية صارمة في دراساته، ومساهمته في تطوير المناهج التربوية، وتأثيره الثقافي والاجتماعي الواسع
رحل القدال وهو متمسك بمبادئه، مدافعًا عن فكره ومنهجه، ومناضلًا من أجل إصلاح التعليم العالي وإنقاذ جامعة الخرطوم. سيُذكر دائمًا كأحد الأعمدة الرئيسية في الفكر والتاريخ السوداني، وستبقى مؤلفاته شاهدة على إسهاماته الجليلة في مجالات التاريخ والسياسة والتعليم
الدكتور محمد سعيد القدال كان مفكرًا ومؤرخًا له تأثيره الخاص في الفكر الإسلامي. وفقًا للمعلومات المتاحة، لا يُظهر أنه كان ضد التيار الإسلامي بشكل عام. بل على العكس، يُشير إلى أنه كان له إسهامات في الدراسات الإسلامية وقدم أبحاثًا في مجالات مثل “الإسلام والسياسة في السودان” و"الاتفاق في القرآن الكريم" وغيرها. ومع ذلك، يُعتبر أن له توجهات فكرية متنوعة وقد يكون له آراء معينة تختلف عن بعض التيارات الإسلامية الأخرى لذا، يُمكن القول إنه كان له نهجه الخاص في التعامل مع القضايا الإسلامية دون أن يكون ضد التيار الإسلامي بشكل كامل. وأذا حاولت عقد مقارنة بينه وبين أين جيله الدكتور ايرهيم ابوسليم , تجد أن الدكتور إبراهيم أبوسليم والدكتور محمد سعيد القدال كلاهما من الشخصيات البارزة في مجال التاريخ السوداني، ولكل منهما إسهامات قيمة في هذا المجال. الدكتور أبوسليم معروف بأعماله الأكاديمية الدقيقة وتحليلاته التاريخية، وقد قدم تصويبات واستدراكات لأعمال تاريخية سابقة، مما يعكس عمق بحثه واهتمامه بالدقة التاريخية.
من ناحية أخرى، الدكتور القدال معروف بتركيزه على تاريخ الطوائف الدينية السودانية والأحزاب العقائدية، بالإضافة إلى أبحاثه في مجال المناهج التربوية وكلاهما قدم مساهمات مهمة في فهم التاريخ السوداني ولكن من زوايا مختلفة، مما يعزز الفهم الشامل للتاريخ السوداني وتطوره , ويمكن القول إن كلا المفكرين قد أثرى الفكر التاريخي السوداني بطرق متميزة، وتقديرهما يأتي من خلال الإسهامات الفريدة التي قدم كل منهما في مجاله
وقد أسهم بشكل كبير في دراسة تاريخ الأحزاب السياسية في السودان، بما في ذلك الحزب الشيوعي السوداني. لقد تناول في كتاباته تطور الحزب الشيوعي وأثره في السياسة السودانية، ومن بين مؤلفاته التي تتناول هذا الموضوع كتاب “معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني” وكتاب “الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو”، الذي يبحث فيه تأثير الحزب على الأحداث السياسية في السودان
، يُعد البروفيسور محمد سعيد القدال ركنًا أساسيًا في بناء النهضة الفكرية السودانية. فقد كان بمنزلةالاساس الذي وضع اللبنات الأولى لصرح الفكر والمعرفة، مُسلحًا بإنجازاته العملية ومواقفه السياسية الثابتة. لقد أسس القدال لمرحلة جديدة من الوعي بأهمية التاريخ والتراث في تشكيل المستقبل، وعمل بلا كلل لتعزيز دور التعليم كقوة محركة للتقدم الاجتماعي والثقافي
من خلال مؤلفاته الغزيرة وأبحاثه الرصينة، قدم نموذجًا للباحث الجاد والمفكر النقدي، وأثبت أن الفكر السوداني قادر على المساهمة بفاعلية في الحوار العالمي حول القضايا الإنسانية والاجتماعية. وبمواقفه السياسية، كان القدال صوتًا للحقيقة والعدالة، يدافع عن الحريات ويناضل من أجل مجتمع أكثر إنصافًا وتقدمًا
إن إرث البروفيسور محمد سعيد القدال يظل حيًا في الأجيال التي تخرجت تحت إشرافه وفي كل كلمة كتبها. لقد كان بحق أحد بناة النهضة الفكرية السودانية، وستظل ذكراه مصدر إلهام لكل من يسعى للمعرفة والتجديد , وهو بحق أحد بناة فكر الامة السودانية
ولي عودة مع مفكرًا أخر
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی التاریخ السودانی تاریخ السودان جامعة الخرطوم فی السودان
إقرأ أيضاً:
المقاومة الشعبية السودانية إلى أين يجب أن تتجه
(1) بعد انتكاسة المسلمين في غزوة أحد بعد أن نزل الرماة من الجبل طلبا للغنيمة أراد بعض قادة قريش اقتحام المدينة والقضاء المبرم على العصبة الاسلامية ورغم رفض أبوسفيان للفكرة لتثبيت رمزية الانتصار ، إلا أن النبي القائد أصدر تعليماته للجيش الاسلامي المثخن بالجراح بالخروج لمنازلة جيش مكة وعسكر في حمراء الاسد ثلاثة أيام ثم عاد الجيش عزيزا إلى المدينة . كذلك بعد انفضاض جيش الاحزاب وفك الحصار عن المدينة عاد النبي صلى الله عليه وسلم الى داره وبدأ في خلع السلاح ولامة الحرب وجاءه جبريل وقال له إن الملائكة لم تضع أسلحتها ثم أشار اليه بقتال يهود بني قريظة الذين نقضوا عهد وثيقة المدينة وتآمروا مع الاحزاب ضد المسلمين ، ونادى المنادي من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة . عبرة هذه القصص تنم على ضرورة وحدة وتلاحم الجبهة الداخلية ، واستمرار حالة التعبئة العامة ورفع الجاهزية عند منازلة العدو في المعارك الوجودية حتى استئصال شافته وإزالة مخاطره.
(2)
إن فكرة المقاومة الشعبية أو المجتمع القائد بكل أبعادها الدعوية والسياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية هي الاصل في الرسالة المحمدية وهكذا كان دأب النبي صلى الله عليه وسلم في استنهاض طاقات المجتمع ، من يشتري الدار المجاورة للمسجد وله الجنة ، ومن يشتري بئر رومة وله الجنة، ومن يجهز جيش العسرة وله الجنة ، وأبوبكر وعبد الرحمن بن عوف كانا يبذلان الأموال والسلع الاستهلاكية لكل مجتمع المدينة عند الشدة ،فالمقاتل كان يجهز ذاته من خيله ورجله وسلاحه وزاده من ماله الخاص ويناجز الاعداء حتى يسقط شهيدا وربح البيع. هكذا كانت دولة الاسلام الأولى متماثلة القوة والعظمة في بنيتها المؤسسية والمجتمعية.
(3)
ثمة حالة من الاسترخاء والكمون اعترى المقاومة الشعبية مع استمرار تدفق دعم المجرم محمد بن زايد للمليشيا الارهابية بالمال والسلاح والمرتزقة، ومغازلة المرتزق حميدتي لمصر، ورسائله التخديرية لفت عضد وتلاحم الجبهة الداخلية المناصرة لمعركة الكرامة ، مع توالي الضغوط الإقليمية والدولية على القيادة السودانية بضرورة ابرام تسوية سياسية تعيد إنتاج وتدوير المليشيا المجرمة في المشهد السياسي .
إزاء هذه التطورات لابد من يقظة المقاومة الشعبية السودانية وتثبيت توجهاتها في معركة الكرامة وفي مرحلة ما بعد المعركة. ولعل أبرز هذه التوجهات هي ضرورة استمرار حالة التدريب والتسليح وسط كل قطاعات الشعب السوداني . وضرورة تكامل دور المقاومة الشعبية من تحرير الأرض من دنس المليشيا الارهابية الى إعادة الاعمار والخدمات .
إن التمويل المالي واللوجستي لمشاريع المقاومة الشعبية من تحرير الأرض إلى إعادة الاعمار يجب أن يكون من كل قطاعات المجتمع السوداني في الداخل والخارج. إن المقاومة الشعبية هي تجسيد وتمثيل لإرادة المجتمع السوداني بكل تنوعه الجغرافي والديني والاثني والفكري، والسياسي .
(4)
إن أدبيات المقاومة الشعبية في استثارة الحماسة والتعبئة واستنهاض طاقات المجتمع يجب أن تكون نابعة من التراث الثقافي والفني وقصص الملاحم والبطولات السودانية دون تحيزات ايديولوجية أحادية. إن الثابت الاستراتيجي للمقاومة الشعبية في معركة الكرامة هو القضاء الناجز على مليشيا آل دقلو الارهابية إما في الميدان أو التفاوض على الاستسلام ، وكذلك محاكمة كل قيادات القوى السياسية المدنية الداعمة للمليشيا وهذا الثابت خط أحمر غير قابل للاختراق بمساومات تعيد إنتاج المليشيا المجرمة وجناحها السياسي(تحالف صمود/ تأسيس)
(5)
إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون نواة الاحتياط للجيش السوداني وتعمل تحت قيادة وإمرة الجيش . إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون داعمة لقضايا البناء الوطني والوفاق والسلام والوحدة، والتحول الديمقراطي المستدام.
صفوة القول إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون النواة الصلبة لترسيخ فكرة وثقافة المجتمع القائد لمشروع النهضة السودانية بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
عثمان جلال
السبت: 2025/6/28
إنضم لقناة النيلين على واتساب