كُن محسنًا يُحسن الله إليك
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يتطلع كل منَّا في هذه الحياة الدنيا إلى أن يتحقق له كل شيء، إلّا أن ذلك غير ممكن؛ فالممكن أن لا تكون ناقمًا ولا ساخطًا ولا بخيلًا ولا متكبرًا ولا متغطرسًا؛ بل متوازنًا ومعتدلا في كل شيء ومنها نظرتك للأشياء ولعباد الله تعالى، وإذا ما علمنا بأنَّ الله تعالى قال "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155).
ومع ذلك، يجب أن نكون مع من حلَّ به هذا الابتلاء خاصة الخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات، وهذه الأمور هي من أساسيات وضروريات الحياة، واستقرار ووجوب ووجود وحدوث الأمن المجتمعي والنفسي والأسري والفردي، ومن الإحسان أن نكون مع الصابرين ومع من هم في الابتلاءات، وذلك في دفع الضر والسوء عنهم، وفي الدفع بملماتهم ومشاكلهم وقضاياهم، والتفريج عنهم والتخفيف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ولو باليسير.
وإذا كانت هذه الدنيا ممر ومعبر للآخرة، فإنه لا يجب أن تكون غاية؛ بل يجب أن نتخذها وسيلةً إلى وصولنا إلى الجنة التي حتى الوصول إليها، يحتاج إلى جهد كبير ومشقة وتعب ومجاهدة، فيقول الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 2014).
استمعت إلى محاضرة في الجامع القريب لمسكني الذي أصلي به دائمًا، فقال الدكتور المحاضر كلامًا عجيبًا وكأنني اسمعه لأول مرة، وهو أننا حينما نُبعث من قبورنا سنبقى في أرض المحشر 500 ألف سنة ننتظر فقط بدء الحساب، واليوم الواحد هنا في الدنيا يساوي 24 ساعة، بينما هناك في الآخرة، يساوي ألف سنة مما نعد. أي أن ألف سنة من عدنا ووقتنا الدنيوي في هذه الحياة الدنيا، تساوي في الآخرة يوماً واحدًا فقط.
فحقيقة هذا كلام مخيف، أن نبقى في أرض المحشر سنوات طويلة جدا يتصبب العرق منَّا كل بحسب ذنوبه وأعماله ونحن عراة، فمنا من يغرقه عرقه، فلا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، هل من مُعتبر وواع وسامع.
أخي الكريم.. ما تقدم ذكره فهو حقيقة، فكيف نكون في تلك الوقفة الطويلة أنا وأنت آمنين فرحين، يظلنا الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فالحال إذن يحتاج إلى عمل كبير، وها نحن قد مضى من شهرنا شهر الصوم نصفه، فماذا قدمنا وعملنا وفعلنا فيما مضى منه.
إنَّ الحديث عن أهمية الاستقامة والصلاح يكثر في مواطن ومجالس كثيرة، وينشغل كثيرون منَّا بالعمل الدنيوي ورغبة التميز فيه، على حساب التقوى والصلاح والاستقامة، متجاهلين الكثير والكثير من الأمور والأعمال والأقوال والأفعال عمدا، فذهبوا بأعمارهم وأضاعوها فيما لا فائدة منه لهم بعد موتهم. والصلاح لا يعني الصلاة فقط، فهناك أمور إن لم يأتِ بها الإنسان فأعماله لا ترفع، كالعاق لوالديه والمخاصم لجاره أو لأخيه المسلم.
إنَّ شهر رمضان الفضيل أفضل الشهور عند المسلمين، ولذلك لما فيه من الخير، وقيل لو نعلم ما فيه من الخير لتمنيناه سنة.
لقد انتصف الشهر ولا نعلم ما إذا كنَّا سنلاقيه في العام القادم أم لا، فالحديث عن الناس في الجروبات يعتبر غيبة ونميمة وبهتاناً، والحش في خلق الله وأعراضهم وتأليف كلام مزور عنهم لا يستند إلى حقيقة، أمور تجلب سخط الله وغضبه.
ومن المؤسف أنه يسود بعض المجموعات الإنترنتية والواتسبية وغيرها، أحاديث باطلة فيها نميمة وغيبة وافتراء على النَّاس، ويحدث ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، ويتحدث كثيرون عن الناس وأعراضهم وأخلاقهم و.. و.. و.. دون أدلة وبراهين وحقائق، وحتى مع وجود ذلك فالحديث عنهم من ورائهم غيبة وبهتاناً، فإذا يتم ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، فكيف يكون الحال في غيره من الأشهر.
إن الخير الذي به نحن من عند الله تعالى، وخير الناس أنفعهم للناس، ففك الكرب من الأعمال النبيلة، ودفع الضر عن الناس من شيم الرجال ومن شيم وعادات الإنسان الصالح التقي الطيب الشهم الشاكر لله تعالى والمقر بضعفه وذنبه وفقره له والصيام جنة وتهذيب للنفس وجعلها غير متكبرة ولا متعالية على خلق الله تعالى.
بقي من الشهر الفضيل في حدود أسبوعين، وسينصرف الناس فيهنَّ إلى الاستعداد للعيد، وسيخف الاهتمام وسيتلاشى ذاك الجهد والحماس، بينما هنالك أسر سيخيم عليها الحزن والأسى بسبب عدم مقدرتهم على توفير متطلبات العيد لأبنائهم ولأسرهم ومن يعولون، ونتمنى عدم نسيانهم أو تطنيشهم أو تجاهلهم، فهم محسوبون علينا، وذلك من منطلق المال مال الله، ونحن مؤتمنون فيه وعليه، فحينما رزقنا الله تعالى المال والخيرات والرزق الكثير الوفير، تأكد وتذكر بأنك ليس أفضل منهم، بل هو قانون الله وحكمته ومشيئته، فالله الله فيهم وفي أؤلئك الذين في السجون بسبب المطالبات المالية.
وفقكم الله تعالى والله نسأله حسن الخاتمة وأن يثبت قلوبنا على دينه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، ومن زوال نعمته وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعرف على الفرق بين اللهو واللعب المذكور فى القرآن الكريم
ذكر الله تعالى في القرآن العظيم آيتين، الأولى قال تعالى فيها: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. والثانية قال تعالى فيها: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.فما هو الفارق بين اللهو واللعب؟ ولماذا قدم اللعب على اللهو تارةً، وتارةً أخرى قدم اللهو على اللعب.
فقال اهل العلم فقد قَدَّمَ اللَّعِبَ على اللَّهوِ في ثَلاثِ آيَاتٍ كَرِيمَاتٍ، الأُولَى في سُورَةِ الأَنعَامِ، قال تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. والثَّانِيَةُ في سُورَةِ مُحَمَّدٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾. والثَّالِثَةُ في سُورَةِ الحَدِيدِ، قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
أمَّا في سُورَةِ العَنكَبُوتِ فَقَد قَدَّمَ اللَّهوَ على اللَّعِبِ، قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ: بأنَّ اللَّعِبَ هوَ حَرَكَةٌ مَقصُودَةٌ أو غَيرُ مَقصُودَةٍ، يُحَقِّقُ مَصلَحَةً أو لا يُحَقِّقُ، أمَّا اللَّهوُ فهوَ لَعِبٌ يَشْغَلُ اللَّاعِبَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيهِ، وهوَ من قَولِهِم: أَلهَانِي الشَّيءُ، أي: شَغَلَنِي، ومِنهُ قَولُهُ تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.
أمَّا في سُورَةِ العَنكَبُوتِ فَقَد قَدَّمَ اللَّهوَ على اللَّعِبِ، قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ: بأنَّ اللَّعِبَ هوَ حَرَكَةٌ مَقصُودَةٌ أو غَيرُ مَقصُودَةٍ، يُحَقِّقُ مَصلَحَةً أو لا يُحَقِّقُ، أمَّا اللَّهوُ فهوَ لَعِبٌ يَشْغَلُ اللَّاعِبَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيهِ، وهوَ من قَولِهِم: أَلهَانِي الشَّيءُ، أي: شَغَلَنِي، ومِنهُ قَولُهُ تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.
فَحَرَكَةُ الطِّفلِ تُسَمَّى لَعِبَاً لا لَهْوَاً، لأنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ، أمَّا إذا دَخَلَ في مَرحَلَةِ التَّكلِيفِ ولَعِبَ، وشَغَلَهُ اللَّعِبُ عَمَّا هوَ وَاجِبٌ عَلَيهِ سُمِّيَ اللَّعِبُ لَهْوَاً، ومِنهُ قَولُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
وأمَّا تَقدِيمُ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ في سُورَةِ الأَنعَامِ، فلأنَّ اللهَ تعالى أَخبَرَ عن أَهوَالِ الذينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِقَولِهِ تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾. فالخَاطِرُ مَشغُولٌ عِندَ تِلاوَةِ هذهِ الآيَةِ بالآخِرَةِ، ولم يَكُنْ مَشغُولاً بالدُّنيَا، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
وكذلكَ في سُورَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد كَانَتِ الآيَةُ السَّابِقَةُ لها تَتَحَدَّثُ عن أَحوَالِ الذينَ لن يَغفِرَ اللهُ تعالى لَهُم، بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ * فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾. فالبَالُ مَشغُولٌ بالخَاتِمَةِ والأَجْرِ على الأَعمَالِ يَومَ القِيَامَةِ، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾.
وكذلكَ في سُورَةِ الحَدِيدِ، الآيَةُ التي سَبَقَت تِلكَ الآيَةِ كَانَت تَتَحَدَّثُ عن أَحوَالِ الصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ، وعن الذينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا، وعن مَآلِ الفَرِيقَينِ يَومَ القِيَامَةِ، فالبَالُ مَشغُولٌ بأَهوَالِ يَومِ القِيَامَةِ، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ.