جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-22@21:58:18 GMT

كُن محسنًا يُحسن الله إليك

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

كُن محسنًا يُحسن الله إليك

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

يتطلع كل منَّا في هذه الحياة الدنيا إلى أن يتحقق له كل شيء، إلّا أن ذلك غير ممكن؛ فالممكن أن لا تكون ناقمًا ولا ساخطًا ولا بخيلًا ولا متكبرًا ولا متغطرسًا؛ بل متوازنًا ومعتدلا في كل شيء ومنها نظرتك للأشياء ولعباد الله تعالى، وإذا ما علمنا بأنَّ الله تعالى قال "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155).

ومع ذلك، يجب أن نكون مع من حلَّ به هذا الابتلاء خاصة الخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات، وهذه الأمور هي من أساسيات وضروريات الحياة، واستقرار ووجوب ووجود وحدوث الأمن المجتمعي والنفسي والأسري والفردي، ومن الإحسان أن نكون مع الصابرين ومع من هم في الابتلاءات، وذلك في دفع الضر والسوء عنهم، وفي الدفع بملماتهم ومشاكلهم وقضاياهم، والتفريج عنهم والتخفيف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ولو باليسير.

وإذا كانت هذه الدنيا ممر ومعبر للآخرة، فإنه لا يجب أن تكون غاية؛ بل يجب أن نتخذها وسيلةً إلى وصولنا إلى الجنة التي حتى الوصول إليها، يحتاج إلى جهد كبير ومشقة وتعب ومجاهدة، فيقول الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 2014).

استمعت إلى محاضرة في الجامع القريب لمسكني الذي أصلي به دائمًا، فقال الدكتور المحاضر كلامًا عجيبًا وكأنني اسمعه لأول مرة، وهو أننا حينما نُبعث من قبورنا سنبقى في أرض المحشر 500 ألف سنة ننتظر فقط بدء الحساب، واليوم الواحد هنا في الدنيا يساوي 24 ساعة، بينما هناك في الآخرة، يساوي ألف سنة مما نعد. أي أن ألف سنة من عدنا ووقتنا الدنيوي في هذه الحياة الدنيا، تساوي في الآخرة يوماً واحدًا فقط.

فحقيقة هذا كلام مخيف، أن نبقى في أرض المحشر سنوات طويلة جدا يتصبب العرق منَّا كل بحسب ذنوبه وأعماله ونحن عراة، فمنا من يغرقه عرقه، فلا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، هل من مُعتبر وواع وسامع.

أخي الكريم.. ما تقدم ذكره فهو حقيقة، فكيف نكون في تلك الوقفة الطويلة أنا وأنت آمنين فرحين، يظلنا الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فالحال إذن يحتاج إلى عمل كبير، وها نحن قد مضى من شهرنا شهر الصوم نصفه، فماذا قدمنا وعملنا وفعلنا فيما مضى منه.

إنَّ الحديث عن أهمية الاستقامة والصلاح يكثر في مواطن ومجالس كثيرة، وينشغل كثيرون منَّا بالعمل الدنيوي ورغبة التميز فيه، على حساب التقوى والصلاح والاستقامة، متجاهلين الكثير والكثير من الأمور والأعمال والأقوال والأفعال عمدا، فذهبوا بأعمارهم وأضاعوها فيما لا فائدة منه لهم بعد موتهم. والصلاح لا يعني الصلاة فقط، فهناك أمور إن لم يأتِ بها الإنسان فأعماله لا ترفع، كالعاق لوالديه والمخاصم لجاره أو لأخيه المسلم.

إنَّ شهر رمضان الفضيل أفضل الشهور عند المسلمين، ولذلك لما فيه من الخير، وقيل لو نعلم ما فيه من الخير لتمنيناه سنة.

لقد انتصف الشهر ولا نعلم ما إذا كنَّا سنلاقيه في العام القادم أم لا، فالحديث عن الناس في الجروبات يعتبر غيبة ونميمة وبهتاناً، والحش في خلق الله وأعراضهم وتأليف كلام مزور عنهم لا يستند إلى حقيقة، أمور تجلب سخط الله وغضبه.

ومن المؤسف أنه يسود بعض المجموعات الإنترنتية والواتسبية وغيرها، أحاديث باطلة فيها نميمة وغيبة وافتراء على النَّاس، ويحدث ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، ويتحدث كثيرون عن الناس وأعراضهم وأخلاقهم و.. و.. و.. دون أدلة وبراهين وحقائق، وحتى مع وجود ذلك فالحديث عنهم من ورائهم غيبة وبهتاناً، فإذا يتم ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، فكيف يكون الحال في غيره من الأشهر.

إن الخير الذي به نحن من عند الله تعالى، وخير الناس أنفعهم للناس، ففك الكرب من الأعمال النبيلة، ودفع الضر عن الناس من شيم الرجال ومن شيم وعادات الإنسان الصالح التقي الطيب الشهم الشاكر لله تعالى والمقر بضعفه وذنبه وفقره له والصيام جنة وتهذيب للنفس وجعلها غير متكبرة ولا متعالية على خلق الله تعالى.

بقي من الشهر الفضيل في حدود أسبوعين، وسينصرف الناس فيهنَّ إلى الاستعداد للعيد، وسيخف الاهتمام وسيتلاشى ذاك الجهد والحماس، بينما هنالك أسر سيخيم عليها الحزن والأسى بسبب عدم مقدرتهم على توفير متطلبات العيد لأبنائهم ولأسرهم ومن يعولون، ونتمنى عدم نسيانهم أو تطنيشهم أو تجاهلهم، فهم محسوبون علينا، وذلك من منطلق المال مال الله، ونحن مؤتمنون فيه وعليه، فحينما رزقنا الله تعالى المال والخيرات والرزق الكثير الوفير، تأكد وتذكر بأنك ليس أفضل منهم، بل هو قانون الله وحكمته ومشيئته، فالله الله فيهم وفي أؤلئك الذين في السجون بسبب المطالبات المالية.

وفقكم الله تعالى والله نسأله حسن الخاتمة وأن يثبت قلوبنا على دينه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، ومن زوال نعمته وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من تواضع للناس رفعه الله

التواضع من الصفات الجميلة التي يجب على الإنسان التمسك بها مهما بلغ من العلو والسمو والمكانة الاجتماعية ومنحه الله المال والجاه والعلم والمعرفة، فكلما كان الإنسان متواضعا ليّن القلب، التف حوله الناس وأحبوه ودعوا له بالخير والسداد.

قد يقول قائل: «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، ونحن معك في ذلك، لكن لا يطلب منك كل الرضا، وإنما ملزم بأن تكون لطيفا مع الناس رحيما بحالهم ومعينا لهم على أحوالهم، فقد تكون أنت النموذج الصالح الذي يعمل على دفع الآخرين نحو طريق الصلاح والبعد عن كل الأفكار السلبية والتصرفات المشينة الخاطئة التي تتسرب إلى أذهان بعض الناس، واعلم جيدا أن «التكبر على رؤوس العباد وسوء معاملتهم» هو نموذج ينبذه الدين وتحاربه الأعراف والتقاليد، ومع كل هذا الوعي يرى البعض أن ظاهرة التكبر والتجبر على الآخرين أصبحت «صفة سائدة» خاصة في بعض المجتمعات التي تمجد الغني وتقسو على الفقير.

تقول الحكمة القديمة: «لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه، ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه، املك من الدنيا ما شئت، لكنك ستخرج منها كما جئت، فازرع داخل الجميع شيئا جميلا، فإن لم يكُن حبا فَلْيَكن احتراما».

في أحوال الناس هناك قصص وعِبر حدثت لكثير من الشخصيات التي ملأت الأرض شرا وخيرا وبقيت صفحاتهم خالدة حتى يومنا هذا، يذكرهم الناس في مجالسهم، بعضهم كان نبراس خير وصلاح، والبعض الآخر كان شرا فرحل وارتاح الناس منه.

بعض النماذج الإنسانية وصلت إلى مرتبة الثراء والمكانة ولم تغتر بما لديها، فهم يقبلون على الله بقلوب صافية وروح مشرقة، فقد أحسنوا لمن حولهم بتواضعهم ومحبتهم للناس، لذا هناك أسماء عديدة يتناقلها الناس بالخير ويترحمون على من أصبحوا في تعداد الأموات، ولدينا في كل مكان نماذج مشرفة حفرت لنفسها مكانة عظيمة في قلوب الناس حتى ولو أن أجسادهم واراها الثرى وترجلوا من ظهر الدنيا إلا أن أثرهم الطيب بقي حاضرا في نفوس الناس.

أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وما فيها من متاع زائل وتكبروا وطغوا وآذوا الناس بشرهم، فإنهم تركوا أثرا سيئا لا يذكرهم الناس بخير وإنما يحمدون الله تعالى أن أبعدهم عن طريقهم وأراح قلوبهم من شرورهم.

إن سلوك التكبر على الناس، والتعالي على البشر، والبطش بمن هم أقل منهم قدرة على مواجهة المصاعب، أصبح أمرا واردا ومألوفا في بعض المجتمعات، لكن في المقابل -كما قلنا سابقا- هناك أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء يوجدون في أماكن متفرقة من هذا العالم، يمنحون لمن حولهم الخير ويتركون بعد رحيلهم الأثر الطيب، ويؤكدون أن الحياة الدنيا ما هي إلا محطة توقف يرحل من يرحل ويبقى من يبقى إلى أن يشاء الله. النماذج المشرفة هي التي تقرب الناس إليها، أما ضعاف النفوس فهم يصنعون هالة سوداء في جبين الزمن، ومرد كلا النوعين إلى الله، ولسوف يأتي الوقت الذي يتمنى المخطئ أن يصفح عنه الناس أو أن يمنحه القدر فرصة واحدة حتى يكفّر عن كل أخطائه السابقة، الأشقياء لبسوا أفضل الملابس، ووُضعوا في أرقى الأماكن وسخّر الله لهم المال وكل الأرزاق فكنزوها ولم يلتفتوا إلى أن عجلة الزمن لا تتوقف، وأن القوة التي يشعرون بها الآن سوف تنهار في أي لحظة، فالأمان ليس موجودا في قاموس الحياة فـ «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام».

الأثر الطيب هو الذي يبقى أما الوجوه فيغيبها الموت، لذا أيها الإنسان الفطن عد إلى نفسك، وتذكر شخصيات عشت معهم أو حتى لم تكن قريبا منهم، لكن أعمالهم الطيبة باقية وحاضرة حتى يومنا هذا، رحيلهم كان مفجعا وحزينا ليس لأهلهم وذويهم بل لكل من يعرفهم ومن لا يعرفهم لأن أعمالهم في الخير هي التي أوصلتهم إلى قلوب الناس من كل مكان.

وهناك فئة من الناس ممن أهلكها الله بسبب جشعها وحرصها الدائم على المال، فهي لم تترك لها صديق أو رفيق مخلص يدعو لها بعد ترك الدنيا وما فيها، وما أكثر الذي رحلوا عن الدنيا ولم يكونوا على تنبه ويقظة بأن الموت يأتي بغتة وأن موعد الرحيل لا وقت له فيعد له الإنسان العدة.

يقول الشاعر:

«إن المناصــب لا تدوم لواحــــد .. إن كنت تنكر ذا فأين الأول

فاغرس من الفعل الجميل فضائل .. فإذا عزلت فإنـها لا تعـزل».

مقالات مشابهة

  • من تواضع للناس رفعه الله
  • تأملات قرآنية
  • جدول أعمال يوم عرفة لغير الحاج 
  • من كل بستان زهرة – 102-
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بحق جانيين في المدينة المنورة
  • محسن الدين.. قصة مؤثرة لبنجلاديشي يحج نيابة عن والدته الراحلة
  • الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا
  • فضل صلاة الضحى.. فوائد عظيمة اغتنمها ولا تتكاسل عن أدائها
  • وفاة الفنانة السورية فدوى محسن
  • رحيل "أم إبراهيم"... الدراما السورية تودّع فدوى محسن عن 84 عامًا