خبير مصري يكشف اساب تراجع النفوذ الأمريكي عقب قرار النيجر إغلاق قواعدها العسكرية في أراضيها
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
علق الخبير الاستراتيجي المصري اللواء محمد عبد الواحد على تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا عقب قرار النيجر إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها.
وأشار عبد الواحد إلى أن قرار إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في النيجر كان صادما للولايات المتحدة رغم أن خطوة كهذه من قبل نيامي كانت متوقعة وخلفها دوافع قوية بلا شك أدت إلى قرار كهذا.
وأوضح عدة نقاط هي في رايه السبب وراء قرار النيجر، حيث قال:
أن النيجر وبعد سيطرة الجيش على الحكم بات لديه تخوف من وجود قوات غربية على أراضيها ويعلم أن هناك محاولات وتفكيرا في القيام بثورة مضادة أو انقلاب مضاد على الانقلاب السابق.بالرغم من وجود قوات أمريكية عددها حوالى ألف ومائة جندي وأن لديها قاعدتين عسكرتين، وقواعد طائرات بدون طيار ومسيرات في النيجر، وهذه تساعد في الحصول على المعلومات الاستخباراتية في دول المنطقة بالكامل وليس النيجر فقط،، فإن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت موقعا إستراتيجيا كبيرا جدا وموطئ قدم لها، مشيرا إلى أن واشنطن خسرت قاعدة في ولاية أغديز شمال النيجر تعتبر منطقة استخباراتية للمنطقة بكاملها.
هذا الطرد ربما جاء بأيعاز من روسيا وإيران مقابل بعض المميزات التى يُمكن أن تمنحاها إلى المجلس العسكرى فى هذه المنطقة. ومن الممكن أن تقدم روسيا سلاحا تدريبيا وتساعد فى عملية مكافحة الإرهاب. لكن الحقيقة أن الفترة السابقة بينت أن القوات الأمريكية لم تفعل أى شى ضد تصاعد وتيرة الإرهاب وتزايد الهجمات الإرهابية فى النيجر خلال الأشهر الماضية فى أعقاب الانقلاب العسكرى الذى أطاح بالرئيس بازوم وبالتالي كان من الأولى طرد هولاء الأـمريكان وأن تحل محلهم قوات روسية أو شركات أمنية عاملة كما يحدث في مالى.
إن طرد القوات الأمريكية، مثل محاولة المجلس العسكري الموجود في مالي، يمكن من كسب تأييد داخلي وإقليمي، لا سيما أن هذا يكسب تعاطف الشعوب في منطقة الساحل الإفريقي، لأن هذا الخطاب هو خطاب شعبوي يلقى جاذبية كبيرة كونه ينادى بالتحرر من الهيمنة الغربية الأمريكية وأيضا يطرد أكبر دولة في العالم من منطقة النفوذ.
ومن ضمن الأسباب الأخرى لعملية طرد الأجنبي أن الإرهاب ما زال مستشريا في هذه المنطقة وإن الأمريكان أو حتى الفرنسيين من قبلهم كانوا غير قادرين على طرد أ وقف العمليات الإرهابية وأيضا البعض كان يتهمهم بالتعامل والتواطؤ مع تلك الجماعات.
موقف الولايات المتحدة من أزمة النيجر كان غامضا وغير واضح. فلطالما فضلت الوقوف في المنطقة الرمادية حيال الأحداث. كما أن سياستها الخارجية تتسم بالبرغماتية الشديدة حتى ولو على حساب شركائها. فقد وقفت موقف المتفرج حيال تصرف النيجر مع فرنسا، وربما تكون مستفيدة من طرد الفرنسيين بسبب المنافسة القوية بين واشنطن وباريس عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، وبالتالي كانت ترى في فرنسا عدوا أخطر من روسيا في هذه المنطقة.
كانت الولايات المتحدة تعتقد أن روسيا ستخسر في حربها مع أوكرانيا وأنها بالتالي ستتمكن من طرد النفوذ الروسي من القارة الإفريقية، وقد جاء طرد واشنطن مخالفا للحسابات الأمريكية وهكذا كانت حساباتها خاسرة وغير دقيقة.
وأردف أن واشنطن ليست لديها إستراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة فى النيجر، مشيرا إلى أنها تعتمد على كونها دولة عظمى وبالتالي تصدر الأوامر وتعتمد على خوف الدول الأخرى من بطشها وهي بالتالي ليست لها إستراتيجية واضحة، لا سيما أن المنطقة لم تعد ضمن أولوياتها، كما أنها لا تمتلك أى أدوات ضغط كافية.
وأوضح أن الولايات المتحدة تعانى من نقاط ضعف فى مناطق متعددة حول العالم. وللاسف هذه كانت واحدة منها، مضيفا أنه بالرغم من إدانتها للنيجر إلا أنها لم تنجر من قريب أو من بعيد إلى استخدام كلمة انقلاب، وكانت دائما محافظة على هامش مناورة ضئيل وكانت تعتبر ذلك أحد الطرق الدبلوماسية وأنها تحقق مصالح شخصية من هذا، كما أن الدستور أو القانون الأمريكي لا يجيز لها الاعتراف بالانقلاب لأن اجازة الانقلاب يعنى الوقف الكامل لكل أشكال التعاون الاقتصادي والعسكري عدا ما يتعلق بمكافحة الارهاب.
وشدد على أن الولايات المتحدة كانت حريصة جدا على السير فى المنطقة الرمادية لتحقيق مصالحها، لافتا إلى أن الغريب فى انقلابات الساحل الإفريقي أن معظمها قامت به قوات خاصة. ومعظم هذه القوات الخاصة تم تدريبه على أيدى أمريكية سواء فى بلادها أو في الولايات المتحدة ،وتلقت تدريبات هناك، مبينا أن معظم الأنظمة التى تم تدريب رجالها فى واشنطن قاموا بانقلابات فيها على التواجد الأمريكي نفسه.
وأكد أن الولايات المتحدة لطالما رغبت في المحافظة على وجودها في النيجر بصرف النظر عمن يحكم.
وقال إن واشنطن ترى أن رحيلها سيشكل نكسة للجهود السابقة من أجل التواجد هناك، لافتا إلى خوفها من ان يتم طردها كما تم طرد القوات الفرنسية، وهذا سيسبب لها حرجا كبيرا ويهدد بهز هيبة اكبر دولة فى العالم، مشيرا إلى أنها تمتلك قاعدتين وكانت حريصة على أنها متواجدة فى هذه المنطقة.
وأضاف ان الولايات المتحدة الأمريكية كانت قلقة أيضا من توسع النفوذ الروسى فى المنطقة وبالتالي كانت متواجدة، والتزمت الصمت في المناطق الرمادية لتحقيق مصالح لها وأنها دائما كانت تريد أن تكون قريبة من اليورانيوم للحيلولة دون وصول دول بعينها لهذه الموارد مثل إيران.
واردف أنه لسوء حظ الولايات المتحدة وصلت كل من إيران وروسيا إلى هذه المنطقة، موضحا ان الموقف الأمريكي كان دائما فى حيرة من أمره ويتعامل مع المتناقضات بشدة وهذا تم كشفه في منطقة الساحل.
وختم بالقول أنه يتوجب الإقرار بأن الأزمة فى النيجر جزء لا يتجزأ من استراتيجية الصراع والتنافس الدولى بين الولايات المتحدة وشركائها روسيا والصين وإيران.
وبين أن الانقلابات فى الساحل الإفريقى شكلت حكومات معظمها تتحالف مع روسيا وترفض الوجود الغربي و تم طرد التواجد الفرنسى المهيمن على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان وبالتالي رأى الغرب وفرنسا والولايات المتحدة أن انقلاب النيجر هو انتكاسة لمصالحهم فى المنطقة ومكسب جديد لصالح المنافسين وعلى رأسهم روسيا وخسارة لمصالحهم الجيوسياسية والاقتصادية.
المصدر: RTالمصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: إفريقيا البيت الأبيض الجيش الأمريكي القاهرة تويتر غوغل Google فيسبوك facebook ناصر حاتم الولایات المتحدة هذه المنطقة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاستدراج للمستنقع: لماذا يتجنب حلفاء واشنطن دعم عمليتها العسكرية في الكاريبي؟
– د. أيمن سمير خبير في العلاقات الدولية
يشهد تاريخ الولايات المتحدة أن غالبية الحروب الكبيرة والشاملة التي خاضتها في القرنين العشرين والحادي والعشرين كانت بمشاركة حلفاء آخرين، أو على الأقل بدعم من حلفاء وأصدقاء كانوا يتبنون رواية واشنطن. لكن منذ أن أعلنت وزارة الحرب الأمريكية عن إطلاق عملية “الرمح الجنوبي” في 14 نوفمبر 2025 ضد من تقول إنهم مهربو المخدرات من فنزويلا، لم تحظ واشنطن بأي دعم من حلفائها وأصدقائها، سواء في أوروبا أم في أمريكا اللاتينية والكاريبي، لهذه العملية، كما غابت كلمات التعاطف وخطابات الدعم من دول وقيادات ظلت على الدوام تدعم التحركات الأمريكية.
وتتباين الأسباب وراء هذا الفتور في دعم الأهداف الأمريكية ضد نظام الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ما بين الخوف من دخول المنطقة في سلسلة من الحروب التي لا تنتهي على غرار الحروب في غزة وأفغانستان والعراق وفيتنام، وبين اعتقاد أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وأمريكا اللاتينية والكاريبي بغياب الشرعية والأهداف الواضحة للعملية العسكرية التي ينفذها الجيش الأمريكي بالقرب من السواحل الفنزويلية، وبين من يرى أن واشنطن تبالغ في ردها العسكري على تهريب المخدرات من فنزويلا إلى الأراضي الأمريكية، والتي كان يتصدى لها عادةً عناصر حرس الحدود الأمريكي، وليس حاملات الطائرات والطائرات الشبحية.
وفي هذا السياق، تُطرح التساؤلات حول قدرة واشنطن على تنفيذ كل أهدافها العسكرية ضد فنزويلا دون دعم أو مساندة سياسية ولوجستية من حلفائها وأصدقائها.
دبلوماسية القوة:
تحولت فنزويلا إلى عقدة استراتيجية ذات ثلاثة أبعاد بالنسبة للولايات المتحدة بسبب قضية المخدرات، والنفوذ الروسي والصيني، ودعم كاراكاس للحكومات الاشتراكية المناوئة لواشنطن. ويتبنى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، “دبلوماسية القوة” في التعاطي مع فنزويلا، فهذه الاستراتيجية تتراوح بين التلويح بالقوة والتهديد بالنهاية القريبة للرئيس مادورو، وبين “مواقف حذرة” تستبعد الحرب الشاملة. ففي الوقت الذي سمح فيه البيت الأبيض للمخابرات المركزية بالعمل على الأرض ضد نظام مادورو، لا يتردد الرئيس ترامب في تأكيد استعداده للحوار والاتصال بنظيره الفنزويلي.
وتتضح معالم استراتيجية “دبلوماسية القوة” في حشد البنتاغون لعملية “الرمح الجنوبي”، وهو أكبر حشد في منطقة الكاريبي منذ الغزو الأمريكي لهايتي في عام 1994؛ حيث تتألف العملية من حشد عسكري واسع يضم نحو 15 ألف جندي وما يقرب من 12 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، من بينها نشر حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد” في المنطقة، وهي أكبر حاملة طائرات في العالم. كما أرسل البنتاغون طائرات “إف–35″، بجانب سفن عسكرية أخرى مدعومة بطرادات ومدمرات وسفن قيادة للدفاع الجوي والصاروخي، وسفن هجومية برمائية وغواصة هجومية في جزيرة بورتوريكو، التي تحولت إلى مركز لعمليات الجيش الأمريكي في الكاريبي. إضافة إلى أن واشنطن تجهز مطارات جديدة بالقرب من ساحل فنزويلا استعداداً لأي ضربات محتملة، ومنها “مطار رافاييل” في جزيرة سانت كروز.
وعلى الرغم من أن الهدف المُعلن للحملة العسكرية هو القضاء على مهربي المخدرات، لا يخفي البيت الأبيض سعيه لإسقاط نظام الرئيس مادورو، في ظل سيناريوهات وخيارات عدة قدمها قادة البنتاغون للرئيس ترامب، تدور حول إمكانية شن ضربات جوية على منشآت عسكرية أو حكومية وطرق تهريب المخدرات، مع استهداف وحدات الحرس الفنزويلي وحقول النفط. وقد زاد البيت الأبيض خلال الأسابيع الأخيرة من ضغوطه السياسية والعسكرية على نظام مادورو بعد أن شنت الطائرات الأمريكية أكثر من 20 غارة أدت إلى مقتل نحو 83 شخصاً كانوا على متن مراكب تُتهم بتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة.
مخاوف الحلفاء:
تتعدد الأسباب التي تجعل حلفاء الولايات المتحدة يتجنبون دعم عمليتها العسكرية ضد فنزويلا؛ حيث لم يُسجل دعم واضح من دول مثل الأرجنتين وتشيلي والبرازيل للخطوات التي يتخذها الجيش الأمريكي ضد من يصفهم بأنهم مهربو المخدرات. ومن شأن غياب الدعم السياسي، وعدم التنسيق الاستخباراتي واللوجستي بين واشنطن ودول جوار فنزويلا؛ أن يحد من فرص نجاح العملية العسكرية. كما تشير تقارير إلى أن فرنسا وهولندا وبريطانيا بدأت تقلص مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن فيما يتعلق بمنطقة الكاريبي.
ويعود النأي بالنفس من جانب حلفاء الولايات المتحدة عن ضرباتها في منطقة الكاريبي، إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها الآتي:
1- الخوف من المستنقع: تخشى الدول في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وحتى خارج هذه المنطقة، من تحول أي عمل عسكري أمريكي ضد فنزويلا إلى “مستنقع” وحرب طويلة تؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين، على غرار الحروب في غزة وفيتنام، والحرب على الإرهاب التي استمرت نحو 20 عاماً وطالت أفغانستان والعراق. وتعود هذه المخاوف إلى عدم وضوح الأهداف الأمريكية حال تدخلها عسكرياً في فنزويلا، إضافة إلى الانقسام الداخلي في البلاد؛ بما يعني أن إسقاط حكم مادورو قد يحول فنزويلا إلى ساحة جديدة من الفوضى وانعدام الأمن في منطقة لا تحتاج إلى مزيد من المشكلات في ظل تصاعد نشاط عصابات الجريمة والمخدرات.
ومن ينظر إلى التفاعلات الداخلية في فنزويلا يتضح له أنها تعاني من انقسامات، وأي محاولة لتغيير النظام بالقوة قد تؤدي إلى صراع عسكري طويل الأمد، في ظل حشد حكومة كاراكاس نحو 5 ملايين ممن يُطلق عليهم “قوات الدفاع الشعبي البوليفارية” للتصدي لأي هجوم أمريكي؛ وهو ما حذر منه الرئيس الفنزويلي عندما قال: “لا تنقلوا الحرب إلى الكاريبي، لا نريد غزة جديدة ولا أفغانستان جديدة”.
2- غياب الشرعية: لا يرى غالبية حلفاء الولايات المتحدة أن الهدف المُعلن؛ وهو مكافحة تهريب المخدرات، يستحق كل هذا الحشد العسكري غير المسبوق. وعلى الرغم من تصريحات مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية، تولسي غابارد، بأن واشنطن لن تسعى مجدداً إلى إسقاط الأنظمة من الخارج أو التدخل في شؤون الدول؛ يرى الحلفاء أن خطط البيت الأبيض تشير إلى نية واضحة لإسقاط حكم مادورو. وفي غياب الدعم الدولي، يحاول الرئيس ترامب ووزير خارجيته، مارك روبيو، إيجاد مبرر قانوني لهذه الحرب بالقول إن المخدرات قتلت نحو 300 ألف أمريكي، وإن واشنطن تتعرض لغزو من مهربي المخدرات، وإن الرئيس مادورو نفسه يترأس عصابات التهريب؛ لكن هذه التبريرات تبدو غير مقنعة لحلفاء واشنطن.
وللتغلب على هذا التحدي، صنفت واشنطن بعض منظمات تهريب المخدرات كمنظمات إرهابية؛ بهدف إيجاد مبرر قانوني لشن عمليات عسكرية ضد فنزويلا، وهو ما عبّر عنه الرئيس ترامب بالقول: “هذا التصنيف يسمح للجيش الأمريكي باستهداف أصول مادورو وبنيته التحتية داخل فنزويلا”.
3- الاستعداد للحوار: عبّر كثير من حلفاء الولايات المتحدة، خاصةً في أمريكا اللاتينية والكاريبي، عن عدم دعمهم أي عملية عسكرية ضد فنزويلا بعد إبداء الرئيس مادورو أكثر من مرة استعداده للحوار “وجهاً لوجه” مع الرئيس ترامب، ومناشدة كاراكاس للبيت الأبيض الابتعاد عن الخيار العسكري واللجوء إلى الخيار السياسي والدبلوماسي. وسبق لمادورو القول: “نعم للسلام لا للحرب، من يرغب في الحوار سيجدنا دائماً”، بل حاول أكثر من مرة استرضاء ترامب قائلاً: “أصحاب نفوذ يضغطون على الرئيس ترامب حتى يرتكب أكبر خطأ في حياته ويتدخل عسكرياً في فنزويلا، وسوف تكون هذه النهاية السياسية لقيادته”.
وفي المقابل، نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين يوم 24 نوفمبر الجاري أن الرئيس ترامب يخطط للتحدث بشكل مباشر مع مادورو؛ وهو ما قد يكون مؤشراً على تراجع احتمالية شن عمل عسكري أمريكي ضد فنزويلا قريباً؛ ومن ثم دفعت كل هذه المواقف كثيرين إلى التساؤل: إذا كانت هناك فرصة للحل السياسي، فلماذا الإصرار على العملية العسكرية؟
4- تفادي سيناريو “خليج الخنازير” و”عملية النمس”: ترتبط دول أمريكا اللاتينية والكاريبي بعلاقات قوية اقتصادياً وعسكرياً مع الصين وروسيا. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في نهاية أكتوبر الماضي، أن الرئيس مادورو أرسل ثلاث رسائل إلى روسيا والصين وإيران لطلب دعم عسكري عاجل للوقوف في وجه أي تدخل عسكري أمريكي محتمل، تضمنت مطالبة موسكو بتزويد كاراكاس بالصواريخ والرادارات وإصلاح الطائرات الحربية القديمة، خصوصاً طائرات “سوخوي سو–30 إم كا 2″، وشراء مجموعات صواريخ روسية.
وسبق لروسيا أن زودت فنزويلا بمعدات دفاع جوي من طراز “بانتسير–إس 1″ و”بوك إم 2 إي”. كما طلب مادورو من القيادة الصينية شراء شحنة من الطائرات المُسيَّرة يصل مداها إلى 1000 كيلومتر. وكتب في رسالته إلى موسكو أن أي هجوم عسكري أمريكي على فنزويلا “هو اعتداء على روسيا والصين”. وتأخذ دول المنطقة هذا الأمر في الحسبان؛ إذ إن أي حرب بين فنزويلا والولايات المتحدة يمكن أن تجر روسيا والصين أيضاً، ولهذا حذر كثيرون في أمريكا اللاتينية والكاريبي من تكرار أزمة “خليج الخنازير” و”عملية النمس”، التي حاولت فيها واشنطن إسقاط حكم الرئيس الكوبي الأسبق، فيدل كاسترو، في عام 1961.
5- كيان غير موجود: هناك تشكيك في الكيانات التي تتهمها واشنطن بأنها وراء تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة مثل “كارتيل دي لوس سوليس” التي تعني “عصابة الشمس”. وبعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي، روبيو، إن بلاده ستصنف هذه العصابة كمنظمة إرهابية، ثم تصنيفها رسمياً “تنظيماً إرهابياً أجنبياً” في 24 نوفمبر الجاري؛ ذكرت شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية أنها ليست عصابة منظمة على غرار الكيانات الإجرامية في أمريكا اللاتينية، وإنما شبكة لا مركزية من الجماعات الفنزويلية المرتبطة بتجارة المخدرات، لكنها تفتقر إلى التسلسل الهرمي ولا يمكن مقارنتها بالعصابات التقليدية التي سبق لواشنطن ودول في أمريكا اللاتينية تصنيفها كمنظمات إرهابية. حتى إن البعض في الولايات المتحدة قال إن “كارتيل دي لوس سوليس” اسم مختلق يُستخدم لوصف مجموعة مرتجلة من الفنزويليين المتورطين في تهريب المخدرات، وفق ما قاله المدير المشارك لمركز “إنسايت كرايم” (InSight Crime)، جيريمي ماكديرموت. كما نفت حكومة مادورو، في بيان لها، يوم 24 نوفمبر الجاري، بصورة قاطعة وجود “كارتيل دي لوس سوليس”، واصفة اتهام إدارة ترامب بأنه “افتراء سخيف” يهدف إلى “تبرير تدخل غير مشروع وغير قانوني ضد فنزويلا”.
6- معارضة اليسار: تقف الدول التي تحكمها أنظمة يسارية مثل كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا، وكذلك الدول التي يحكمها يسار الوسط مثل البرازيل، ضد أي حرب بين الولايات المتحدة وفنزويلا. وترى هذه الأنظمة أن العملية العسكرية الأمريكية في الكاريبي تستهدف كل الأنظمة اليسارية، وتحاول منع شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي من انتخاب اليساريين في عدد من الدول التي ستشهد انتخابات خلال العام المقبل. وتعمل هذه الحكومات على بناء رأي عام ضد استراتيجية الرئيس ترامب تجاه فنزويلا؛ وهو ما يجعل النصف الجنوبي من نصف الكرة الأرضية الغربي يقف بكامله ضد نشوب حرب واسعة بين واشنطن وكاراكاس.
7- أسعار النفط: هناك تخوف من ارتفاع أسعار النفط عالمياً حال نشوب حرب بين فنزويلا والولايات المتحدة. فبالرغم من أن فنزويلا تنتج حالياً مليون برميل نفط يومياً فقط؛ فإن نشوب حرب في دولة لديها أكثر من 300 مليار برميل من احتياطي النفط سيشعل الأسعار العالمية؛ وهو ما يرفضه حلفاء واشنطن.
ختاماً، يمكن القول إن التاريخ الطويل للعمليات العسكرية الأمريكية في أمريكا اللاتينية والكاريبي، التي لم تحقق أي نوع من الاستقرار منذ الغزو الأمريكي لهايتي مرتين في عامي 1925 و1994، وغزو بنما في عام 1989؛ هو ما يقلق حلفاء واشنطن ويجعلهم ينأون بأنفسهم عن عملية “الرمح الجنوبي” ضد فنزويلا.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”