أذاع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار خطاباً للأمة في الأسبوع الماضي بعث فيه بعدد من الرسائل الرصينة المتفائلة إلى قطاعات من الشعب السوداني، وكانت رسالته السادسة إلى المؤتمر الوطني والإسلاميين بعد رسالة عامة وجهها للقوى السياسية جمعاء.
قال عقار في رسالته إلى الإسلاميين إنه لا أحد يزايد عليهم في وطنيتهم ولا في ممارسة حقوقهم كاملة مثل كل السودانيين، مضيفاً أنه “لقد أتيحت لكم بصورة أحادية إدارة الدولة السودانية لـ30 عاماً، وليس باستطاعة مؤرخ أن يتجاوز في كتاباته أنه أثناء حكمكم انفصل الجنوب وهذا قليل من كثير.

وسيصعب عليكم إقناع الشعب السوداني بأنكم الأفضل. والمؤتمر الوطني كتنظيم سياسي يخطئ ويصيب، لذلك يجب أن تعودوا لنقد فترتكم منذ بدايتها وليس بما وقع بعد الـ11 من أبريل 2019 (تاريخ الانقلاب الذي ذهب بدولتهم أدراج الرياح)، فراجعوا أين أصبتم وأين أخطأتم. ففوضى ما بعد الـ11 من أبريل (يقصد بها فترة الحكومة الانتقالية) لن تكون بديلاً تستمدون منه شرعيتكم كبديل مجرب. احفظوا بضاعتكم فإنها منتهية الصلاحية”.

هذه المراجعة للإسلاميين مما يطرأ لجمهرة واسعة من السودانيين انحازوا للقوات المسلحة السودانية في حربها القائمة ضد قوات “الدعم السريع”، فوجدوا أنفسهم بوقفتهم مع الجيش في خندق واحد مع الإسلاميين ممن افترقت دروبهم الدامية في كثير من الأحوال.

بدت دعوة عقار للإسلاميين مثل كفارة من المفروض أنهم أحسن من يرخي لها أذناً، فهي عبادة يؤديها المسلم بسبب ارتكاب معصية، وطريقة للتكفير عن الذنب وإطفاء آثاره والعودة لرضا الله تعالى. ولكنهم تعالوا على مثل هذه الدعوة طويلاً، واستغشوا ثيابهم في حال إنكار متطرفة لعوس أياديهم، والإنكار معروف أنه آلية دفاعية يستدبر به الواحد الواقع لينجو بنفسه من الانزعاج والتوتر.

وجاء الإسلاميون إلى ساحة الحرب في صف الجيش بـ”حقائبهم” الكأداء من دولتهم المبادة، وأثقلوا على الحرب بها إثقالاً كبيراً، وهي الحقائب التي اختزنوا فيها سوأتهم في الحكم حتى قال لهم عقار، “احفظوا بضاعتكم فإنها منتهية الصلاحية”.

وأبواب إثقال الإسلاميين على الحرب كثيرة، فلا تجتمع دوائر قوى “الحرية والتغيير” (قحت – تقدم) في مثل اجتماعها على أن الإسلاميين من أنصار “نظام الإنقاذ” المباد (الكيزان) هم من أشعل الحرب الدائرة بإرادة الجيش أو بغيرها للعودة إلى الحكم، بل انتهى بـ”قحت” الأمر إلى محو الجيش من صورة الحرب بالكلية لتصبح حرباً ضد “الفلول”. فمتى انتصر الجيش، في قولهم، فستكون دولة لـ”الكيزان” لا للجيش فينا. وهو ما اتفقت فيه مع “الدعم السريع”، أو أنه التقطها منها ورد بضاعته إليها. ووجدت “قحت” في تنصيب الفلول خصماً ما رفع حرجها مما بدا منها من وجوه التنسيق مع “الدعم” ناهيك عن اتهام الإسلاميين الصريح لها بأنها “الحاضنة السياسية” له.

ودخل إثقال “الكيزان” على الحرب حتى على مائدة المفاوضات لوقف المعارك، فكان لقاء جدة الأخير سانحة لـ”قحت” للثأر من “الكيزان” بالقرار الصادر عنه والذي يقضي باعتقال المحرضين على الحرب منهم ضمن مطلوبات إجراءات بناء الثقة بين أطراف النزاع. فصدر قرار بملاحقة الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤدية إلى الصراع. واقتصر القرار على “الكيزان” على رغم عموميته. فـكانت “قحت” هي الأصل في المطالبة به ولم تتأخر في الحفاوة بقرار جدة حول ضبط المحرضين على الحرب ووضعت النقاط فوق حروفه المبهمة، أي بقولها إن المقصود به “الكيزان” لا سواهم.

أما أشد ضروب إثقال الإسلاميين على الحرب وطرف الجيش فيها، فهو أن دوائر مؤثرة ذات صلة بالحرب، كوسيط وغير وسيط، مثل مصر والإمارات العربية، رأت غاية السلبية فيهم مثل كثير من السودانيين. فجميعهم لا يريدون للإسلاميين مثقال خردلة من دور في السياسة السودانية والإقليمية، بل كان بعضهم من “قحت” خلال صراعهم الباكر ضد الإسلاميين في الفترة الانتقالية يرسل الرسائل إلى هذه الدوائر ليرهبها من دون نصر لهم على الثورة التي جاءت لاجتثاثهم.

وصدرت خلال الأسبوع الماضي أقوال وأفعال وجد فيها أنصار “الدعم السريع” ودعاة وقف الحرب معاً سبباً لتعزيز اعتقادهم بأن “الجيش فلولي” أي إسلامي في صميمه. فما إن صرحت الوزيرة والدبلوماسية القيادية في المؤتمر الوطني سناء حمد بأنها كانت كُلفت من قبل الإسلاميين التحقيق مع ضباط إسلاميين في اللجنة الأمنية حول ملابسات انقلاب الـ11 من أبريل 2019 على حكم “الإنقاذ” حتى أطلق “القحاتة” لسانهم في “الكيزان”. فقال أحدهم إن تصريح سناء مريب وصدر في ملابسات تعثر مفاوضات الجيش و”الدعم السريع”، ليقول الإسلاميون إنهم من بيدهم إيقاف الحرب، بل استنتج “قحاتي” آخر أن الإسلاميين وهم بتلك الشوكة في الجيش، من فضوا اعتصام القيادة المضرج في الثالث من يونيو (حزيران) 2019. وهذه رواية جدت في حين اقتصرت تهمة الاعتداء على ذلك الاعتصام في الماضي على الجيش و”الدعم السريع”.

بل أخذ مراقبون على الإسلاميين أنهم ربما زايدوا في إسهام كتيبتهم بالمحاربة مع الجيش، المعروفة بـ”البراء بن مالك”، والترويج لها. فطلب الصحافي محمد المبروك منهم التعقل في مثل مطلب “اقضوا حوائجكم بالكتمان”، بل حمل الأكاديمي عشاري محمود على فيديوهات بثتها “كتائب البراء” بدا منها أنها هي التي حررت دار الإذاعة والتلفزيون بأم درمان من قبضة “الدعم السريع”، لا الجيش، في الـ12 من مارس الماضي. وخلص عشاري من نقده لنص الفيديو وملابساته إلى مجيء “البراء” متأخرة إلى مسرح المعركة خلاف ما تزعم.

وبدا أن استقلال “البراء” بإذاعة إنجازاتها وعرضها كما رأينا أثار حفيظة القوات المسلحة عليها. فوقف الفريق أول شمس الدين كباشي مساعد القائد العام الأربعاء الماضي وسط ضباط وصف ضباط وجنود ومستنفرين للمقاومة الشعبية في ولاية القضارف بشرق السودان ليضع القواعد لتلك المقاومة. وركز بقوة على الفصل بين المقاومة والحرب التي ينهض بها الجيش. وقال إنه مع حاجتنا للمستنفرين فإن ثمة ضوابط لا بد من أن تحكم المقاومة الشعبية، مضيفاً أن “ما تجيني بحزب سياسي، ما تجيني بشعار سياسي، الجاي بشعار سياسي ما يخش المعسكر يا العماس”. والعماس هو قائد قوات الجيش في الولاية.

وتابع الكباشي أنه لا يدخل معسكر تدريب المقاومين إلا من لبس “جلابية الوطن” لا “جلابية حزبه”. وزاد ألا يرفع أحدهم من المقاومة الشعبية راية غير “راية القوات المسلحة”، فهذه القوات ليست سوقاً سياسياً ولا بازاراً يتسابق المقاومون فيه لأخذ الصور بالكاميرات التي يحملونها. ومنع التصوير من ساعته لأي مشهد من الحرب بواسطة المقاومين لكي يعرضوا جماعتهم ورايتهم على الملأ.

إذا قصد الكباشي بحديثه جماعة من المستنفرين للمقاومة، فالأقرب أن يكون المقصود هم “جماعة البراء” للإسلاميين التي رأينا استقلالها بإعلامها، بل إذاعة أخبار انتصارات لها بالاستقلال عن القوات المسلحة مر بنا الطعن فيها، بل جاءت “البراء” بأزيائها القديمة من يوم جهادها في الجنوب في تسعينيات القرن الماضي لنجد رموز شهدائها مرفوعة على الإنترنت، وتواكب أناشيدهم القديمة فيديوهات تجمعاتهم الراهنة وتحركاتهم.

عرض عقار في كلمته للإسلاميين أن يأخذ مواطنتهم وسودانيتهم مأخذ البداهة، وهذه جرأة كبيرة في بيئة سياسية سادت فيها نوازع رميهم في الشوك، أو كانت رمتهم في الشوك بالفعل باقتلاعهم عنوة من سدة الحكم. وأراد عقار بمطلبه منهم أن يشفوا في وقفة كفارة مع الذات، ليحسنوا النظر إلى هذه الحرب التي اختاروا فيها الجانب الذي انعقد له العدل عند كثير من السودانيين غيرهم. أو ربما لم يكن اصطفافهم هذا خياراً بل اضطراراً. فوقفتهم مع القوات المسلحة بالسلاح حتى لن تزيد على كونها كفارة ذنوبهم لثلاثة عقود في الحكم، وما الحرب الدائرة غير منتج شرعي لها. وعليه فالحرب ليست سانحة للإسلاميين للمزايدة بخدمتهم فيها كما رأينا، ولا لتصفية حسابات مع خصم كانوا أكرهوه على تغييرهم بثورة. ورأينا من عبارات لعشاري وعقار والكباشي قرعاً للعصا لهم ليكفوا عن الإثقال على الحرب. وقيل تقرع العصاة لذي حلم. والحلم ما دعاهم إليه عقار.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة الدعم السریع على الحرب

إقرأ أيضاً:

السودان: عسكرية الحرب ومدنية الحل

ناصر السيد النور
الأحداث السودانية تسارعت وتيرتها على الصعيدين الميداني والسياسي، في سياق تعقد وقائعها وما نتج عنها من تجاوز حدود المعقول بالمعايير الإنسانية والسياسية. وترتبط هذه الأحداث المتفاقمة كنتيجة منطقية لآثار الحرب منذ اندلاعها في الخامس عشر من أبريل 2023 واستمرارها على الجبهات كافة كحرب أهلية شاملة تتباعد فيها مسافات الحل يوما بعد آخر، مع انسداد في الأفق السياسي، وبالتالي صعبت معالجتها في واقع عسكري وسياسي مأزوم.
ولم تكن تنقص هذه الحرب حلول فقد تعددت منابر ومبادرات تفاوضية، لكنها أخفقت في وقفها لعدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية. فمن بين ما استجد على تداول الشأن السوداني من محاولات مدنية، بعيداً عن تجاذبات التفاوض، سعي القوى المدنية في الخارج، التي تنادت لإيجاد حلٍ لحرب يصمم طرفاها على مواصلة معاركها الضروس، مهما كلفت من ضحايا ودمار، أصاب البلاد بأكبر كارثة إنسانية، وما أفرزته من موجات نزوح في الداخل ولجوء إلى الخارج بشكل غير مسبوق. واللافت اجتماع القوى المدنية ممثلاً في تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) هذا الأسبوع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لوقف الحرب، وضمت عددا من أطياف المشهد السياسي السوداني، هذا التجمع أطلق عليه «المؤتمر التأسيسي»، ويقود هذا المبادرة رئيس الوزراء المدني السابق الدكتور عبدالله حمدوك، للتوافق على بناء جبهة مدنية موحدة لإنهاء الحرب.
ومن المشهد المدني إلى الوجهة العسكرية التي تحكم البلاد باسم مجلس السيادة على رأسها الفريق البرهان، وهجين حكومته من العناصر العسكرية والمدنية المتهمة بالوقوف وراء استمرار الحرب، وهي عناصر محسوبة على النظام السابق من الإسلاميين، ومؤخراً تصاعد خطابها الداخلي، وهي تواجه موقفاً عسكرياً ليس في صالحها بخروج ولايات بأكملها في غربي ووسط البلاد من سيطرتها كدولة وجيش، والخناق يتصاعد حول المدن في دارفور، وغيرها من نقاط ملتهبة على طول البلاد. وهذا الموقف يقابله موقف آخر ممثل في المساعي المدنية لوقف الحرب، التي يرفض الجانب الحكومي دعواها متهماً إياها بممالأة قوات الدعم السريع، بل يصفها الإعلام الرسمي بالحاضنة السياسية «للميليشيا المتمردة» الأمر الذي تنفيه وتشدد على ضرورة وقف الحرب وفق أسس جديدة للحوار، تخرج البلاد من أزمتها الكارثية. وأكثر ما تواجهه الأزمة السودانية سير المفاوضات التي تتعلق بحل النزاع بين طرفي الحرب، وقد تعقد مؤخراً الموقف التفاوضي، بعد أن رفض الفريق البرهان طلب وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن بالعودة إلى منبر جدة، وما تبع ذلك من تصريحات قد تخلق أزمة دبلوماسية بين بلدان تتشارك التدخل والدور في الشأن السوداني. فبعد تصريحات مسؤولين رسميين قللوا من أهمية المفاوضات، بطريقة تجاوزت الأعراف الدبلوماسية، وافتقرت بالتالي إلى الحس السياسي، رفضاً للعودة إلى التفاوض، بما حسبته إملاءات تقوم بها الدول الكبرى. وبهذا تكون الأزمة السودانية قد دخلت اتجاها آخر في معرض تداخلها الإقليمي والدولي، وهو ما لا تستطيع الحكومة الحالية مواجهته، أو تملك القدرة على التعامل مع نتائجه. فالولايات المتحدة إحدى الدول الراعية للمفاوضات مع المملكة العربية السعودية، منذ انطلاقها في مايو 2023 إلى جانب تأثيرها غير الخفي على مجريات الأمور وقدرتها بالتالي على دفع الأطراف نحو مائدة التفاوض المباشر أو غير المباشر، ولأن مبدأ السيادة الذي عبرت عنه الحكومة القائمة هو ما كان سبباً وراء رفضها العودة إلى جدة.
وقد أثبتت الحرب الجارية أن موازين القوة لا يملكها أي طرف من أطراف الصراع، بما يمثل موقفاً قوياً يتيح مستوى من الحركة أو المناورة. فعلى الصعيد العسكري تزداد الحشود المسلحة من حركات متحالفة مع الجيش (الحركات الدارفورية) وجماعات أخرى شعبية مسلحة بعض دعاواها ما هو مبرر، طلباً ودفاعاً، وهو ما عجز الجيش النظامي عن القيام به، ولا تزال قوات الدعم السريع تحدث تقدما، لم تفلح قوات الجيش في صده أو سحقه. وبهذا يكون الحل العسكري هو طريق القوى المتصارعة عسكرياً، حتى لو أدى لنهايات لا ترغب الأطراف في تحمل نتائجها أو مواجهة حقائقها.
إذن هل تستطيع القوى المدنية ولديها ما يؤهلها القيام بهذا الدور؟ تعول القوى السياسية المدنية على شرعيتها التاريخية، كأحزاب سياسية ذات تمثيل مجتمعي مقدر، وقوى أخرى من اليسار واليمين تستمد جزءا من هذه الشرعية من ثورة ديسمبر 2019 التي اقتلعت النظام السابق، ومن ثم انقلب عليها في أكتوبر 2021 الفريق البرهان، مسنوداً بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويغلب عليها العمل من المنافي، بسبب نشوب الحرب، فما تم تداوله في اجتماعات أديس أبابا لقوى تنسيقة القوى الديمقراطية كصوت مدني يدعو إلى وقف الحرب قد لا يتحقق الكثير مما خرجت به الاجتماعات، ولأن طبيعة المسارات التي ستتخذها في تنفيذ هذه المقررات تعول فيها على الشارع السوداني، كما يصرح منظمو الاجتماع، وهو كما يبدو بحاجة إلى أدوات تفعل هذا الدور على أرض الواقع أكثر من الطرح المثالي. وبما أن مطلب إيقاف الحرب تستدعيه الحالات الإنسانية أكثر من حسابات السياسة، إلا أن ذلك بحاجة إلى قرار سياسي على صعيد إدارة الأزمة نفسها، أو التقدم نحو حل تنجزه قوة يمتلكها طرف ما، فالمسار العسكري بما بدا من تصرفات الطرفين يشكل الصوت الأعلى مهما كانت دواعي استعادة حكومة مدنية ومسار ديمقراطي، كما تزعم قوات الدعم السريع. ومعادلة المساعي المدنية تحيط بها ظروف هيكلية داخلية وإقليمية ودولية في مناخ صراعات المصالح، لا يخلو من ظلال المؤثرات على اتجاه الحرب. فالرمزية السياسية للدور المدني لا يمكن تجاهلها وإن بدت مسارات مخرجاتها وصولا إلى غايات السلام تحيط به الشكوك. فعبثية الحرب الجارية تُغيِّب الرؤية الواضحة نحو مسار السلام، فالسلام مقابل الحرب لم يعد معنى محسوساً في الخطاب السياسي والعسكري السائد، فكل الأطراف انتابتها حالة من التدمير الذَّاتي تخطت كل هدف موضوعي للحروب.
فإذا كان أهم ما دعت إليه تنسيقة القوى المدنية يقوم بالأساس على الدعوة لمؤتمر مائدة مستديرة بمشاركة كل الأطراف، بمن في ذلك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ، إلا أن هذه الدعوة المستنسخة من أدبيات السياسة السودانية التأريخية، مهما يكن وضوح طرح رؤيتها السياسية، لم تعد فاعلة في ظل حرب بهذا التمدَّد، أثرت على البنية المُشكلة للتركيبة الديمغرافية التي تصارع ويلات الحرب، فقد اتخذت الحرب أبعاداً جغرافية تعبِّر عن بنية المكونات الاجتماعية (القبائل) في حسم نتائج المعركة، وليس خيار السلام. فأصبح السودان استثناء في توصيف حروبه بين عرقية وقبلية وحدودية وصراع على سلطة في بلد منهار. إن حتمية التوصل لحل مدني للأزمة السودانية رهين بمطالب يصعب توافرها في مناخ تسوده الاختلافات، بين المكونات السياسية المدنية نفسها، ولا تملك قرار إيقاف الحرب إلا في حدود ما تضعه من تصورات إن لم تكن أماني. فالراجح أن استمرار المفاوضات أصبح جزءاً من إطالة أمد الحرب، ومثلما احتاجت الحرب إلى استراتيجية تحكمها بالضرورة إمكانياتها ووسائلها، ربما يحتاج السلام إلى استراتيجية عقلانية تعيد الأطراف إلى مبدأ الحوار.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية#07/يونيو2024م

nassyid@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • منتجات بتواريخ مزورة.. ضبط مستودع لغش المواد الغذائية والتجميلية في السعودية
  • منتجات بتواريخ صلاحية مزورة.. ضبط مستودع لغش المواد الغذائية والتجميلية في السعودية
  • ضبط مستودعًا مخالفًا يغش في المواد الغذائية والتجميلية في الرياض .. فيديو
  • الحديدة.. إتلاف ألف و553 كرتون دجاج منتهية الصلاحية
  • هل الحرب ضد البرهان أم الكيزان؟
  • ضبط لحوم ودواجن منتهية الصلاحية بالبحيرة
  • تعهد سوداني.. إعادة بعث القاعدة الروسية
  • متى يعتدل الكيزان ويتأدبون مع الله وخلقه؟
  • السودان: عسكرية الحرب ومدنية الحل
  • هل يَعِي (التقدميون) خطورةَ ما يفعلون؟