الحركة الإسلامية.. التي لا يعرفها خصومها وأعداؤها..!
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
وائل محجوب
• ذهل لفيف من الناس عما ذكرته القيادية بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية د. سناء حمد حول تحقيقها بتوجيه من الأمين العام للحركة الاسلامية مع كبار ضباط اللجنة الأمنية من العسكريين، عن مكمن الداء وسبب البلاء في صنائع الحركة الإسلامية وخرابها الذي طال مؤسسات الدولة عسكرية كانت أم مدنية.
• ومقدار الأذى الجسيم الذي خلفته لمؤسسات، أساس منشأها والبعد عن التحيز السياسي والايدلوجي، بحكم طبيعتها القومية، وكان في ذلك رد كاف على من روجوا لفرية تضخيم حجم التنظيم الاسلامي، أو ما يسمى بالكيزان فوبيا لولا أن تفندون.
• التحقيق المشار اليه تم بعد سقوط رأس النظام في ابريل ٢٠١٩م، وفي وقت كانت فيه قيادات الصف الأول للمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية قيد الاعتقال، وهو يعني انه بعد الثورة والسقوط كان جسد الحركة حيا، بل وتتحرك عناصره بحرية تامة، وتلتزم بالموجهات التنظيمية، وعلى استعداد لإدارة مثل هذه التحقيقات الشائكة.
• هذا التحقيق الداخلي سبقه تحقيق من نوع آخر ذائع صيت جرى قبل سنوات خلال العهد الإنتقالي، قام به نائب رئيس المجلس السيادي وقائد الدعم السريع وقتها، مع الفريق أول هاشم عبد المطلب في أعقاب المحاولة الإنقلابية، التي تم إتهامه بالتورط فيها، حيث ذكر بأنه قد أدى قسم الولاء والطاعة للحركة الإسلامية، قائلا إنه ملتزم بطاعة شيوخه علي عثمان محمد طه، وعلي كرتي، والزبير أحمد حسن.
• ومما يطالعه المرء لكتاب مرموقين، يدرك ان هذه الحركة الاسلامية التي تحكمت في مسارات البلاد السياسية منذ ستينات القرن الماضي يوم أن كانت حركة قوامها الرئيسي من الطلاب، وإنتهاء بسدة السلطة التي حكمت فيها البلاد لثلاثة عقود، بعدما تحولت لتنظيم خليط يجمع ما بين الحداثة والطابع الشعبي، لا يدري الكثير من الناس عنها وعن قدراتها السياسية والتنظيمية، وطرائق سيطرتها ومدى تغلغلها في جهاز الدولة شيئا.
• وكانت تلك معضلة غالب من تسنموا السلطة في اعقاب الثورة، فلم يدروا شيئا عن طبيعة الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني” كحزب سياسي “بأرقام” عسكرية وأمنية، والحركة التي مثلت الحاضنة السياسية والدينية والتنظيمية والأمنية له، فما دروا سبيلا أفضل للمواجهة، وإنتزاع السلطة من بين أيديهم، ويكفي هنا إستحضار حادثتين تقدمان ملمحا عابرا حول طرق عمل هذه الحركة.
• الأولى حدثت في ابريل ١٩٨٥م، وبينما كانت القوى السياسية والنقابية تسابق الزمن لاسقاط نظام مايو، ولتعد تحالف اللحظة الأخيرة في مواجهته، كانت الحركة الاسلامية في اضعف حالاتها، إذ كانت تواجه غضبة جماهيرية كبيرة بسبب تأييدها لقوانين سبتمبر الشائهة، وكآخر حليف للنظام المايوي الذي زج بقادتها للسجون، وعلى رأسهم زعيم الحركة الإسلامية نفسه د. حسن الترابي، وكان القائد الفعلي لتنظيم الحركة الاسلامية هو نائبه المختفي الذي عجزت الأجهزة الأمنية عن العثور عليه واعتقاله علي عثمان محمد طه.
• وفي غمرة تصاعد أحداث الانتفاضة، وتردد المشير محمد عبد الرحمن سوار الذهب في الاستجابة لضغوط ضباط الجيش، الذين كانوا يريدون منه انهاء نظام مايو وتسلم السلطة، بعث علي عثمان اليه من مخبئه برسالة حملها قياديين من الحركة أحدهما أمين حسن عمر، فحواها ان بيعته لنميري قد سقطت بعدما رفضه الشعب وثار عليه، وأن دفع الضرر واجب للحفاظ على هوية الدولة الاسلامية، وأي تباطؤ في استلام السلطة سيدفع بالقوى العلمانية والشيوعية للقفز على السلطة، ودعاه للانقلاب على جعفر نميري وإستلام السلطة، مؤكدا ان حركته ستسانده، شريطة عدم الغاء قوانين سبتمبر وان يرجئ البت في أمرها للبرلمان المنتخب، باعتبار أن ذلك ليس من ضمن صلاحيات أي سلطة انتقالية، وقد استجاب سوار الذهب لتلك الدعوة ويعلم الجميع ما حدث بعدها.
• الواقعة الثانية التي حدثت في تلك الفترة ذاتها كانت تتعلق بجهاز أمن الدولة في عهد مايو، حيث حاصرت جماهير الانتفاضة مبانيه مطالبة بحله، وقد شكلت القوات المسلحة وقتها لجنة برئاسة العميد الهادي بشرى ونائبه العقيد عمر حسن أحمد البشير لتأمين وإخراج عناصر جهاز الأمن من مقارهم، والحفاظ على وثائق ومكاتبات ومحاضر الجهاز، خوفا من أن تتسرب لجهات معادية، وقد سرد البشير في حوار معه هذه الوقائع، حتى مرحلة السيطرة على وثائق الجهاز، وهي وثائق تاريخية منذ عهد القلم السري للأجهزة الأمنية في فترة الاستعمار، وحتى تاريخه، وما لم يقله البشير في حواره ذاك أن هذه الوثائق آل بعضها لتنظيم الحركة الاسلامية، وبقيت غالبيتها بيد المخلوع البشير، ولعبت دورا مهما وحاسما طوال عهد حكمه، فقد بينت له وبوضوح كافة العناصر المخترقة للقوى السياسية المختلفة، من المخبرين، والمصادر والمتعاونين، والفاسدين واصحاب الملفات الاخلاقية، وغيرهم، فبدت الساحة السياسية مكشوفة بالكامل له ولحزبه وحركته.
(نواصل)
الوسوموائل محجوبالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الحرکة الاسلامیة
إقرأ أيضاً:
حين تتحرك العلمانية الفرنسية لسحق خصومها
المعركة التي دشّنتها فرنسا ضد جماعة الإخوان المسلمين -وكان أحدث تجلياتها صدور تقرير رسمي منتصف الأسبوع الماضي- هي محض غطاء أو لنقل إنها ورقة توت تستر بها حربها الحقيقية على الإسلام الذي تشعر بغزوه لها في عقر دارها، وهي التي كانت تستعمر من قبل نصف العالم الإسلامي تقريبا.
حرب فرنسا على المظاهر الإسلامية المباشرة (الحجاب- الطعام الحلال-السخرية من النبي صلى الله عليه وسلم.. الخ) تصاعدت مؤخرا مع تنامي أعداد المسلمين الفرنسيين الذين يمثلون الديانة الثانية في الدولة، وقد كشف تقرير صادر عن المعهد الفرنسي للدراسات الديموغرافية (INED) أن 10 في المئة من سكان فرنسا هم من المسلمين، وهو ما يعادل أكثر من 6 ملايين نسمة.
هذه المخاوف من زيادة تعداد المسلمين، وبروز المظاهر الإسلامية، استنفرت أحفاد الإمبراطورية الاستعمارية، وحملة النسخة المتطرفة للعلمانية لوقف هذا التمدد، واستغل هؤلاء مواقف بعض الحكومات العربية المناهضة للإسلام السياسي لتصعيد معركتهم المماثلة في فرنسا ضد الإخوان المسلمين؛ باعتبارهم الجماعة الأكثر حضورا والأكثر تمثيلا للإسلام السياسي. ولم يخف وزير الداخلية الفرنسي اليميني برونو ريتايو ذلك حيث أشار إلى أن الإخوان يتعرضون للتراجع والحصار في الدول العربية، وبالتالي يريد هو أن يكرر الأمر ذاته في فرنسا.
هذه المخاوف من زيادة تعداد المسلمين، وبروز المظاهر الإسلامية، استنفرت أحفاد الإمبراطورية الاستعمارية، وحملة النسخة المتطرفة للعلمانية لوقف هذا التمدد، واستغل هؤلاء مواقف بعض الحكومات العربية المناهضة للإسلام السياسي لتصعيد معركتهم المماثلة في فرنسا ضد الإخوان المسلمين؛ باعتبارهم الجماعة الأكثر حضورا
لكن ما لم يقله الوزير الفرنسي أن هناك تمويلا خليجيا -خاصة إماراتيا- ضخما لهذه الحملة الفرنسية ضد الإسلام السياسي. وقد أنشأت الإمارات قبل عدة سنوات عدة مراكز بحثية لتحريض السلطات الفرنسية ضد الإسلاميين، وخاصة الإخوان الذين صنفتهم تلك المراكز الإماراتية بأنهم خطر كبير على الثقافة الفرنسية؛ كمدخل لتأليب السلطات والرأي العام الفرنسي ضدهم.
محاولات شيطنة الإخوان عالميا هو هدف لعدة حكومات غربية تشعر بدور متزايد للإخوان في تلك المجتمعات. لم تستطع أي حكومة غربية أن تجد مخالفات قانونية للجمعيات المحسوبة على الإخوان، ولم تجد تهما حقيقية بتنبي أو دعم الإرهاب حتى تصنف الجماعة ضمن التصنيف الإرهابي. ولنتذكر أن الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون عجزت في العام 2015 عن تصنيف الجماعة إرهابية لافتقاد مبررات عملية لذلك، رغم المليارات الخليجية التي دفعت لبريطانيا بأشكال مختلفة في ذلك الوقت من أجل هذا التصنيف، والذي كان يراد له أن يكون استكمالا لقرارات تلك الدول الخليجية بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، توطئة لتعميم هذا التصنيف عالميا. ولنتذكر أن الرئيس ترامب وعد في حملته الانتخابية الأولى عام 2016 بتصنيف الإخوان (إرهابية)، لكنه لم يستطع تنفيذ هذا الوعد في دورته الأولى لعدم توفر الأدلة الكافية لذلك، وكذا بسبب نصائح من مستشاريه بخطورة هذا الأمر على السياسة الأمريكية نفسها، ولم يُعد فتح الموضوع حتى الآن في دورته الثانية.
ولأن فرنسا تدرك صعوبة هذا التصنيف فإنها عمدت إلى خطة بديلة وهي شيطنة الإخوان، والزعم بأنهم يمثلون خطرا على العلمانية الفرنسية، النسخة الأكثر تطرفا بين كل المدارس العلمانية، وهي علمانية قمعية استئصالية، لا تقبل غيرها من الأفكار والثقافات، بل تحرص على تصفيتها، على خلاف المدارس العلمانية الأخرى التي تعتبر نفسها محايدة تجاه الأديان والعقائد، وأن دورها هو توفير الحرية لجميع الأفكار طالما أنها تلتزم بالقوانين.
لنعد إلى التقرير الذي ناقشته الحكومة مناقشة أولية قبل عدة أيام، وينتظر أن يناقش في اجتماع مجلس الأمن الوطني مطلع حزيران/ يونيو المقبل، فهو يدعي أن المشروع الإخواني يمثل تهديدا للتماسك الوطني، لكنه يقر بأن هذا التهديد ليس عنيفا أو مباشرا، بل طويل الأمد ويؤثر بشكل تدريجي على نسيج المجتمع ومؤسسات الجمهورية، وأنه يسعى لإحداث تغييرات تدريجية في القوانين والنظم، خصوصا ما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين، ما يضعه في خانة المخاطر التي تستوجب التدخل الفوري.
الممارسة العملية تؤكد أن المستهدف هو المظاهر الإسلامية في عمومها، وأن تركيز المعركة في الوقت الحالي على الإخوان وبشكل أوسع قليلا على الإسلام السياسي هو محض "مرحلة أولى"، بهدف فصل هذا الجزء النشط عن بقية المسلمين الفرنسيين
ومن الواضح هنا أن الحكومة اليمينية الفرنسية تبدو عاجزة عن مواجهة الفكر بالفكر، فتستعد لقمعه بالقوة، وهي أيضا تستحضر مقولات استبدادية مثل الزعم بسعي الإخوان لإحداث تغييرات تدريجية في القوانين!! وكأن الحكومة تريد فرض وصاية مسبقة على البرلمان ذاته، فتغيير القوانين يكون من خلال البرلمان، وإذا حدث تلك التغييرات من خلال البرلمان فإن الواجب على أي حكومة احترامها والعمل بها وليس محاولة إجهاضها قبل وقوعها، علما أن الإخوان أو حتى المسلمين عموما في فرنسا لا يمتلكون قوة برلمانية تسمح لهم بسن تشريعات، أو تعديلها.
يقول التقرير: "إن الحضور الإخواني في فرنسا يتمتع ببنية تنظيمية قوية، لكنه لا يعبّر عن شكل من أشكال الانفصال العدائي أو العنيف، بل يعتمد على نهج ناعم وتدريجي يسعى إلى التأثير في المؤسسات العامة". فما الذي يشين ويستدعي العقاب في هذا السلوك؟! أليس هذا جزء من حرية التعبير عن الرأي والعقيدة بطريقة سلمية قانونية؟!
رغم أن التقرير ادعى "أن الإسلام كدين ليس موضع استهداف، بل المقصود هو التصدي لمشروع سياسي يستخدم الدين كغطاء"، إلا أن الممارسة العملية تؤكد أن المستهدف هو المظاهر الإسلامية في عمومها، وأن تركيز المعركة في الوقت الحالي على الإخوان وبشكل أوسع قليلا على الإسلام السياسي هو محض "مرحلة أولى"، بهدف فصل هذا الجزء النشط عن بقية المسلمين الفرنسيين، وحتى تجنيد بعضهم في هذه المعركة ضد إخوانهم وأبناء عقيدتهم، وفي حال النجاح في هذه المرحلة فإن المعركة ستتسع في مرحلة تالية ضد فئات أوسع من المسلمين، وصولا إلى إفناء الإسلام كاملا، ونصب محاكم تفتيش لمن تبقى مسلما على غرار محاكم التفتيش الإسبانية.
x.com/kotbelaraby