يعيش كثير من الناس في أوضاع اقتصادية صعبة مع غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وثبات الدخل الشهري أو السنوي، فصار تحقيق الأمان المالي هدفا للكثيرين. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب التخطيط والعمل والمثابرة.
لهذا، إذا كنت تريد إنهاء عام 2024 بصحة مالية أفضل مما بدأته، فإن تحديد الأهداف الآن يمكن أن يساعدك في الوصول إلى تلك النقطة عندما ينتهي العام، وأنت تشعر بالرضا، وأن وضعك المالي صار أفضل مما كان عليه في بداية السنة.
وعندما يتعلق الأمر بتحسين مواردك المالية -سواء كان ذلك رفع مستوى دخلك، أو زيادة مدخراتك أو صافي ثروتك، أو تحقيق أهداف محددة أخرى- فإن الخطوة الأكثر أهمية هي البدء فورا، ووضع أهداف مالية قابلة للتحقيق والقياس، والتي من شأنها أن تؤدي إلى صحة مالية أفضل في نهاية العام.
سنقدم لكم في هذا التقرير 5 طرق لتحسين صحتكم المالية، ووضعكم الاقتصادي مع نهاية هذا العام، وذلك وفق ما ذكر عدد من المواقع والمنصات المتخصصة وآراء خبراء تحدثوا للجزيرة نت.
1- إنشاء ميزانية ووضع أهداف مالية الميزانيةعندما يتعلق الأمر بتحقيق حياة مالية صحية، يمكنك التفكير في الميزانية باعتبارها الأساس الذي تبني عليه كل شيء آخر، إنها خطة لكيفية توجيه دخلك نحو جميع احتياجاتك وأهدافك المالية، بدءا من دفع فواتيرك الشهرية وحتى توفير الأشياء التي تريدها، وصولا إلى الحرية المالية في سن التقاعد.
ويقول الخبير المالي الأردني كبير المحللين الماليين في شركة "سي إف آي" مهند عريقات إن "من أهم الأساليب المالية الصحيحة هو حساب صافي دخلك أو دخلك الإجمالي، ومن ثم دراسة ما تنفقه بشكل شهري أو سنوي، وتقليل الإنفاق غير الضروري، وهنا يجب تحديد الأولويات، وما تبقى يذهب جزء منه إلى الادخار، والجزء المتبقي نحو الاستثمار".
ويضيف "فالدخل = الاستهلاك + الادخار (الاستثمار)، وادخار المال من دون استثماره يعني تسرب الدخل، بينما الاستثمار هو إعادة حقن (ضخ) الأموال المدخرة".
يمكن أن تساعدك خطة لكيفية استخدام أموالك على العيش في حدود إمكانياتك، وتوفر لك أيضا الوضوح بشأن الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة لك، وما يمكنك العيش من دونه، لذا فالميزانية القوية هي الأساس الذي يمكنك أن تبني عليه تلك القرارات بثقة.
الأهداف الماليةبعد الميزانية عليك أن تضع أهدافا مالية واضحة وقابلة للقياس، مثلا:
سداد قرض معين مع نهاية السنة. أو التخلص من دين بطاقة الائتمان. أو توفير المال من أجل الذهاب في إجازة لبلد طالما رغبت بزيارته أو غيرها من الأهداف. ضع أهدافك فهي التي ستقود طريقك.تذكر أن معظم دخل الناس وأموالهم "تطير" في "الأشياء الصغيرة".
2- تحديد النفقات بدقةربما تكون واحدا من عدد كبير من الناس الذين لا يعرفون كيف تتبخر أموالهم ورواتبهم، فيجدون أنفسهم فجأة يتساءلون: أين أُنفق المال؟
والحقيقة هي أن المال لم يطر، لكنك أنفقته على أشياء عديدة لم تكن تحتاجها حقا، لهذا فإن الخطوة التالية بعد إنشاء الميزانية، وتحديد الأهداف المالية هي تحديد نفقاتك، وهنا عليك أن تقسم هذه النفقات إلى قسمين:
النفقات الضروريةوهي النفقات التي لا بد منها مثل فواتير الماء والكهرباء والإنترنت، وقسط السيارة أو البيت. ضع قائمة بهذه النفقات، واعرف كم تحتاج بالضبط من مال في كل شهر لتغطية هذه النفقات الضرورية.
النفقات الاستهلاكيةوهي النفقات التي "يطير" فيها المال فعلا من دون أن تشعر، مثلا: هل من الضروري أن تتناول الطعام في ذلك المطعم الباهظ الثمن؟ وهل تحتاج حقا لكل هذه الملابس في خزانتك؟ وهل استحق الجوال الجديد الذي اشتريته كل ذلك المال الذي أنفقته عليه؟
بعد إنشاء الميزانية وتحديد الأهداف، ومعرفة نفقاتك بدقة، عليك أن تبدأ خطة لتقليل النفقات الاستهلاكية وغير الضرورية على الفور، وهو ما يصفه الخبير المالي مهند عريقات بـ"الإنفاق بوعي" إذ إن من الضروري تحديد الاحتياجات والرغبات.
فالاحتياجات هي الأشياء التي يجب عليك الحصول عليها. والرغبات عكسها، أشياء تريدها ولكن حياتك تستمر بدونها، وعلى الاحتياجات أن تحظى أولاً بالإنفاق ثم الاتجاه إلى الرغبات، ولكن بقدر وحساب.وتذكّر أن تقليل النفقات هو التزام يومي ومستمر، نظرا لأن قراراتك الصغيرة مثل تناول الطعام في البيت بدلا من المطعم، أو تأجيل شراء الملابس والأحذية غير الضرورية، أو شراء تذاكر لحضور فيلم في السينما، أو اختصار قائمة التسوق من "السوبر ماركت" هي أشياء مهمة جدا مع أنها قد تبدو صغيرة في عينيك، لكن تذكر أن معظم دخل الناس وأموالهم تذهب و"تطير" في مثل هذه "الأشياء الصغيرة".
ينصح عريقات بإنشاء "صناديق إنفاق" لوضع مبلغ شهري بحيث يستخدم في النهاية لتغطية نفقات سنوية
4- ابدأ خطة للتوفيرقد تقول إن راتبك صغير، ولا يكاد يكفي لتغطية مصاريفك فكيف سأبدأ خطة للتوفير؟
حسنا، اسمح لي أن أقول لك بأنك مخطئ، فمهما كان راتبك أو دخلك قليلا، فإن بدء حساب للتوفير هو شيء ممكن تماما، وذلك لأنك بعد أن قللت من نفقاتك في الخطوة السابقة سيتوفر لديك بعض المال للتوفير، كما أن عملية التوفير هي قرار قبل كل شيء. هل تريد أن توفر أم لا؟ عليك أن تتخذ هذا القرار، فإذا كانت الإجابة نعم، فهناك العديد من الطرق التي ستساعدك ولكن الإرادة هي الأهم.
ويؤكد الخبير المالي مهند عريقات على هذا بالقول "ادّخر ما استطعت" فحتى لو لم يكن لدى المستهلكين الكثير من الدخل المتاح لادخاره، فإن لكل دولار أهميته"، وينصح عريقات "بإنشاء "صناديق إنفاق" لوضع مبلغ شهري بحيث يستخدم في النهاية لتغطية نفقات سنوية، مثل تجديد وثائق التأمين، أو فواتير الضرائب، أو حتى عطلة الأعياد المقبلة".
ابدأ بسداد أصغر ديونك أولا، فهذا سيوفر دخلا إضافيا لك بعد الانتهاء منه وبإمكانك استخدام هذا الدخل الإضافي لسداد الدين الأصغر الذي يليه
أتمتة المدخراتلجعل عملية التوفير عملية ممنهجة ننصحك بـ "أتمتة مدخراتك" وهذه هي أفضل الطرق لزيادة مدخراتك وتشغيلها بشكل تلقائي.
إن أتمتة مدخراتك يعني إرسال جزء (مهما كان صغيرا) من راتبك تلقائيا إلى حساب التوفير الخاص بك. كما يمكنك إجراء تحويلات منتظمة من حسابك الجاري لحساب التوفير مع الالتزام بعدم السحب من هذا الحساب إلا في نهاية العام.
سيؤدي هذا إلى تقليل فرص إنفاق الأموال التي كنت تنوي ادخارها نظرا لأنه لا يمكن الوصول إليها أو السحب منها في حساب التوفير الخاص بك.
5- إنشاء خطة لسداد الديونالديون، هَمٌّ في الليل وذُلٌّ في النهار، فمن منا لم يعانِ في حياته من دين ثقيل! وفي عصرنا الحاضر فإن الديون تعد مشكلة كبيرة، إذ نجد أنفسنا فجأة غارقين فيها حتى النخاع، ويوضح الخبير المالي مهند عريقات هذه النقطة بالقول "رفع بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي الفائدة بقوة لكبح جماح التضخم. وقلدته في ذلك معظم بنوك العالم المركزية، مما أدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض بشكل كبير بالنسبة للأفراد والأسر، وفي كل شيء، بدءا من القروض العقارية وحتى قروض السيارات، وديون بطاقات الائتمان، وبالتالي يجب وضع أي أموال إضافية لسداد الديون".
إن الديون ليست قدرا لا يمكن التخلص منه، وأفضل الطرق هو في وضع خطة لسداد الديون، وهنا ننصحك بكتابة كل ديونك، ومعرفة فائدة كل منها، والقسط الشهري الذي تدفعه لكل منها، وكم دفعت حتى الآن، وكم تبقى.
بهذه الطريقة ستكون قادرا على معرفة ديونك بدقة، وتحديد الديون ذات الفائدة الأعلى، وتركيز دفعاتك المالية عليها حتى تخلص من هذا الدين، وغالبا ما يكون دين بطاقات الائتمان هي الديون ذات الفوائد العالية، وهنا ننصحك ببدء خطة لسداد دين هذه البطاقات بأسرع وقت ممكن.
وثمة طريقة أخرى وهي البدء بسداد أصغر ديونك أولا، فهذا سيوفر دخلا إضافيا لك بعد الانتهاء من هذا الدين الصغير، وبإمكانك استخدام هذا الدخل الإضافي لسداد الدين الأصغر الذي يليه، وهكذا.
ستكتشف أن دخلك يزيد وصحتك المالية تتعافى مع كل دين صغير تخلص منه.
وأخيرا، تذكر أن كل شيء في هذا العالم يبدأ بقرار، ويحتاج لإرادة لتنفيذ هذا القرار، وتحسين وضعك المالي هو مجرد قرار آخر عليك اتخاذه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات تمويل شخصي الخبیر المالی علیک أن کل شیء
إقرأ أيضاً:
هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟
كينيث روجوف / ترجمة - فاخرة الراشدية -
لا يوجد شك بأن الذكاء الاصطناعي يُغير الاقتصاد العالمي اليوم بوتيرة متسارعة، لكن هل للحد الذي يُنقذ الدول الغنية من ضغوط الديون المتزايدة؟ لا سيما مع تفاقم العبء على برامج الرعاية نتيجة شيخوخة السكان، وإن يكن كذلك، فهل يمكن لهذه الدول أن تدير عجزًا ماليًا أكبر، وكأنها تحمّل الأجيال القادمة عبء الديون الحالية؟
بالتأكيد أن التقييم المتفائل للتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي قد رفع أسواق الأصول خلال السنوات الماضية، ويتجلى ذلك بشكل لافت في أسواق الأسهم التي تواصل صعودها، رغم الشلل السياسي في فرنسا، وإغلاق الحكومة والتدخلات في استقلالية البنك المركزي في الولايات المتحدة، فضلًا عن هجرة الكفاءات عالية المهارة من المملكة المتحدة. مع أنني لطالما جادلت بأن الذكاء الاصطناعي سيحل في نهاية المطاف مشكلة ضعف النمو في الاقتصادات المتقدمة، إلا أنني حذرت أيضًا من أن العديد من العقبات المحتملة قد تبطئ وتيرة هذا التحول. ومن العوامل المادية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية العديدة التي يجب أخذها في الاعتبار، إمدادات الكهرباء، وحقوق الملكية الفكرية، ونقص الكفاءات الماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى إنشاء نظام شامل يحكم كيفية تواصل روبوتات الدردشة وتبادل المعلومات، بما في ذلك آلية التسعير. وقد استثمرت شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ طائلة للهيمنة على السوق (إذا سمحت الحكومات بذلك)، واستعدادها لاستنزاف الأموال مقابل المستخدمين والمعلومات، وربما في المستقبل غير البعيد، ستحتاج هذه الشركات إلى إنشاء مصادر دخل وعلى الأغلب سيكون ذلك عبر الإعلانات، تمامًا كما فعلت شركات التواصل الاجتماعي من قبل.
على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشارت إلى تبني مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن المسائل الشائكة المتعلقة بكيفية ترميز الأحكام الأخلاقية في هذه النماذج، والتي تقع حاليًا ضمن اختصاص مجموعة صغيرة من المطورين، ستُعالج في نهاية المطاف من قِبل الكونجرس الأمريكي والمحاكم، وكذلك من قِبل السلطات في دول أخرى. ومع ذلك، فإن أكبر موجة اعتراض ستصدر على الأرجح من مئات الملايين من العاملين في الوظائف المكتبية الذين ستطيح بهم هذه التكنولوجيا، ليصبحوا القضية السياسية الجديدة، تمامًا كما كان عمّال المصانع في العقود الماضية، وعمّال الزراعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
أي شخص يعمل على الحاسوب معرضٌ للأتمتة، والاعتقاد بأن عددًا قليلًا من الشركات يمكنه استبدال جزء كبير من القوى العاملة دون أي اضطرابات سياسية ليس سوى ضربًا من الخيال. فباستثناء حدوث تحوّل سلطوي جذري، سيكون الاضطراب الاجتماعي أمرًا لابد منه، وهو ما سيمنح مادة سياسية قوية لشخصيات مثل زهران ممداني السياسي الاشتراكي وعمدة نيويورك البالغ من العمر 33 عامًا، خاصة في ظل تأثير الذكاء الاصطناعي على تقليص فرص العمل أمام الأجيال الشابة. إلى جانب ذلك، هناك حقيقة مقلقة تتمثل في تركيز العديد من التطبيقات الأكثر تقدمًا للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، ما قد يشعل سباق تسلح واسع النطاق، وربما يؤدي إلى انتشار حروب تُدار بأنظمة قتالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تشمل جيوشًا من الطائرات المسيّرة. كما أن الانقسامات والصراعات الجيوسياسية تضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل، ومن المحتمل أن تُضعف الإيرادات الضريبية بقدر ما قد تعززها. ومن جهة أخرى، قد يمنح الذكاء الاصطناعي دولًا صغيرة وجماعات إرهابية القدرة على الوصول إلى أبرز العلماء في مجالي الفيزياء والبيولوجيا بضغطة زر واحدة. وأخيرًا، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، رغم إنكاره المستمر لتغير المناخ، لا تعني أن التهديدات التي يشكلها الاحتباس الحراري العالمي قد زالت، حيث من المتوقع أن تتصاعد تكاليف تغير المناخ غير المنضبط بشكل حاد خلال العقود القادمة، ما لم يتمكن أسياد الذكاء الاصطناعي من حل المشكلة، رغم توصلهم إلى أن الحل يكمن في تقليل عدد السكان بشكل كبير.
ومن المغالطة أن فكرة ظهور الذكاء الاصطناعي العام، بعد فترة انتقالية طويلة وسيئة، سيحل جميع مشاكل العالم الغني. فحتى لو عزز الذكاء الاصطناعي العام النمو الاقتصادي، فمن شبه المؤكد أنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في حصة رأس المال في الناتج، وانخفاض مماثل في حصة العمالة. في الواقع، يشهد سوق الأسهم ازدهارًا لأن الشركات تتوقع انخفاض تكاليف العمالة. وبناءً على ذلك، لا يمكن ترجمة توقعات الأرباح المرتفعة المنعكسة عن ارتفاع أسعار الأسهم على أنها نمو اقتصادي شامل.
ويعيدنا هذا إلى مسألة الدين الحكومي، حيث لا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن النمو الناتج عن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة مُماثلة في عائدات الضرائب الحكومية، مع أن هذا الافتراض يُعد مُنطقيًا في الماضي. فحصّة رأس المال باتت أكثر تركّزًا في أيدي فئة محدودة تمتلك نفوذًا سياسيًا واسعًا، كما أن رأس المال نفسه قادر على الانتقال بسهولة عبر الحدود بحثًا عن بيئات ضريبية أقل تكلفة، ما يجعل فرض الضرائب عليه أصعب بكثير مقارنة بضرائب العمالة.
وبالرغم من أن رفع الحواجز الجمركية قد يحدّ نظريًا من هذا الهروب الرأسمالي، فإن مثل هذه السياسات ستنعكس سلبًا على اقتصادات الدول نفسها في نهاية المطاف. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يقود تحولًا واسعًا، وأصبح بالفعل عاملًا محوريًا في تسريع سباق تسلّح جديد بين الولايات المتحدة والصين مع اعتماده المتزايد في الأنظمة العسكرية المتقدمة، إلا أنه سيكون من المغامرة أن تفترض الاقتصادات المتقدمة أن هذه التقنية قادرة وحدها على معالجة مشكلات الميزانيات العامة التي عجز السياسيون عن حلّها.
كينيث روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة هارفارد