لا تدع الولايات المتحدة الأمريكية فرصة واحدة تمر دون أن تثبت للعالم كله كذب ادعاءاتها حول الحرية وحقوق الإنسان. كل مساحيق التجميل التى تضعها على وجهها لا تصمد أمام كل فيتو ترفعه فى وجه أصحاب الحق الأصيل الذين يطالبون بأدنى حقوقهم فى الحياة. مارست أمريكا هوايتها المفضلة فى تحدى المجتمع الدولى الذى صوت أغلبيته بحق الأشقاء الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة واستخدمت ذلك الحق الذى يراد به باطلًا والمسمى فى حق الفيتو أو الاعتراض على أى قرار لا يأتى على هواها وهوى دلوعتها إسرائيل المغتصبة والمحتلة للأراضى العربية.
كانت أنظار العالم كله تتجه منذ أيام مترقبة فى حالة قلق جلسة مجلس الأمن التى تبحث الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة من حقها الحصول على عضوية الأمم المتحدة. وبينما العالم كله فى قلق وترقب كان هناك اطمئنان وهدوء كامل يسود العصابة المحتلة. تلك العصابة تعرف أن حليفها البلطجى الأمريكى لن يترك هذه الفرصة ليثبت من جديد أن كل ما يرفعه من شعارات عن المساواة والعدل هومجرد شعارات فشنك ما تلبث أن تتكشف حقيقتها أمام أول اختبار حقيقى. لذا تلقى نتنياهو مكالمة مطمئنة لم يكن اصلًا فى حاجة إليها من بايدن قال له فيها نم قرير العين يا بيبى فلن نترك العالم يعترف بفلسطين كدولة مهما كان بيننا أى اختلاف فى وجهات النظر، لذا نام بيبى دون أن يكترث بمتابعة نتيجة تصويت يعرف مسبقا أنه محكوم عليه بالفشل حيث الفيتو الأمريكى فى انتظاره.
لم يتمالك مندوب فلسطين فى مجلس الأمن نفسه واختنق صوته وانسابت دموعه وهو ينعى للعالم تلك الشعارات الجوفاء التى يرفعها الغرب وأمريكا عن حق كل الشعوب فى الحياة الهادئة المطمئنة على أراضيها, فى الوقت الذى تحدث فيه مندوب الاحتلال بكل عنجهية وصلافة عن شعب فلسطين صاحب الحق الأصيل فى الأرض. تذكرت المثل الشعبى « رضينا بالهم والهم مش راضى بينا». نعم الأشقاء فى فلسطين وافقوا مرغمين على حل الدولتين وعلى السماح للكيان المحتل بأن تكون له دولة معترف بها على أمل أن يفسح المحتل جانبا لصاحب الأرض لتكون له دولة هو الآخر. لكن هؤلاء الاوغاد لا يعرفون للشرف معنى ولا للانسانية مجالًا, وكيف لكيان نشأ زورًا وبهتانًا أن يكون له عهد أو شرف, كيف نتوقع أى موقف مشرف من تلك القبيحة التى هى ست جيرانها فقط لوقاحتها ولسانها الزلف. كيف تخيل أى صاحب عقل أن اسرائيل يمكن فى يوم ما أن تكون صديقة تعرف معنى الصداقة وهى التى لا يمر يوم دون أن تقتل نساء وأطفالا رضعا ومرضى فى المستشفيات ودفنهم وهم أحياء تحت الأنقاض. كيف لمثل هذا العدو أن يصير يوما صديقًا وكيف للبلطجى الأمريكى أن يكون شريفا يوما ما وهو الذى يتباهى بمد اسرائيل بكل اشكال الدعم المادى والمعنوى على حساب أى قيم أو أخلاق أو مبادئ!
إن بايدن المأسوف عليه يحاول أن ينقذ شعبيته المنهارة فتراه يوميًا يبذل كل ما فى وسعه ليثبت للناخب اليهودى أنه لا يختلف عن أى رئيس أمريكى مهما رفع من شعارات, لذا وكلما اقترب موعد الانتخابات لا يتردد فى خلع ما تبقى من ملابسه ليثبت حبه للكريه صاحب السحنة الكريهة المسمى نتينياهو والذى يصفه بأنه بيبى.
فلتنم قرير العين يا بيبى.. نامت عليك حيطة!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هشام مبارك طلة الولايات المتحدة الأمريكية حول الحرية وحقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.