مريم الشكيلية
في صبيحة يوم السابع من أكتوبر تشرين أول كان العالم على موعد مع حدث غير ملامح الشرق الأوسط، وغير مجرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أيام قليلة وتكتمل سبعة أشهر من بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد هجوم المقاومة على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي ومن يومها ولاتزال مكينة الحرب الإسرائيلية تحصد أرواحاً من شهداء وجرحى ومفقودين من سكان قطاع غزة وتُدمر كل ما يُصادفها في القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة.
هذه الحرب المسعورة كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال للعالم عامة وللشعوب الغربية خاصة بعد أن أخرجت الصور والمشاهد المروعة للأطفال والنساء الشهداء والجرحى والعدد الهائل من الشهداء الذي حصد ما يقارب 35 ألف شهيد وضعفه من الجرحى وليس آخره هو سياسة التجويع والمشاهد التي كشفتها وسائل الإعلام لجنود الإحتلال وهم يتعمدون قتل الشعب الفلسطيني الأعزل الصغير والكبير دون أدنى رادع وهو ما يعد خرقاً القوانين الدولية وغيرها من قواعد الحرب.
حتى هذه الحرب لا تعد حرباً بين جيشين متكافئين وإنما هي حرب جيش مدجج بأنواع مختلفة من السلاح والذخائر ومجموعة مسلحة بسلاح محلي الصنع وشعب أعزل لا حول له ولا قوة.
إن السياسة التي تنتهجها إسرائيل في حربها على القطاع أصبحت مكشوفة ومعلنة على العالم من سلوكها على الأرض من قتل متعمد الذي لا يفرق بين مسلح وأعزل وقتل كل مقومات الحياة حتى القبور لم تسلم من التدمير ولا حرمة المستشفيات وغيرها ومن منع دخول المساعدات الإنسانية وتعمدها معاقبة سكان قطاع غزة وورقة ضغط على المقاومة وأيضاً بقصد التهجير القسري للسكان وأيضاً من خلال تصريحات قادتها ووزراء حكومة نتنياهو التي لا تنفك تخرج كل يوم بتصريحات صادمة للعالم.
مما جعل شعوب العالم يتظاهرون كل يوم في الساحات والمختلف هذه المرة هو تظاهرات حاشدة في القارة العجوز والشعب الأمريكي نفسه وهم يطالبون حكوماتهم بوقف إطلاق النار وعدم السماح بتزويد إسرائيل بالسلاح وهو ما بات يشكل أرقاً في إسرائيل نفسها بعد أن سقط القناع الزائف من كونها دولة ديمقراطية وتلتزم بقوانين الحروب.
رغم كل تلك المشاهد التي خرجت من قطاع غزة وإن هذه الحرب عرت العالم الذي طالما تغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها إلا أن قطاع غزة أذاب الجليد.
إلا أن بعض الحكومات الداعمة لإسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحاول إنعاش إسرائيل على كل الصعد كافة أما اقتصادياً أو محاولة تبيض صفحتها التي أغرقتها دماء الأطفال والنساء ومحاولة إنقاذها من وحل إخفاقها في تحقيق أي من أهدافها التي أعلنتها في بداية الحرب أو إنقاذها من مشكلاتها الداخلية والانقسامات التي تهدد حتى وجودها وهذا ما يهدد حتى مصالح تلك الحكومات الداعمة مما يلزمهم إنعاش هذا الكيان بكل الطرق الممكنة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في إيران.. هجوم إسرائيل دمّر ما تبقّى من ثقة بالغرب
جلب وقف إطلاق النار الهشّ صمتًا مؤقتًا بعد أن باتت أصوات الانفجارات في سماء طهران مشهدًا مألوفًا. وُلدتُ عام 1988 قبل عام واحد من نهاية الحرب الإيرانية - العراقية. جيلي نشأ على قناعة بأن الحرب أمر من الماضي، واحتمال مستحيل، حتى جاء صيف هذا العام.
لـمدة 12 يومًا عشنا في العاصمة تحت وابل من الضربات الإسرائيلية، وما شهدناه غيّرنا إلى الأبد؛ فهناك جيران قُتلوا، ومبانٍ دُمرت، وقلق عميق محفور في وجوه الناس لا ينتهي.
من المريح أن نتحدث عن «الشعب الإيراني» ككتلة موحّدة، لكن الواقع أكثر تعقيدًا. كغيره من المجتمعات؛ الإيرانيون يحملون آراء متباينة. في الأيام الأولى للقتال كان هناك من رأى في استهداف قوة أجنبية لقيادات الحرس الثوري المكروه أمرًا يستحق الترحيب على الأقل في البداية. آخرون -رغم معارضتهم للنظام- شعروا بالغضب من فكرة الغزو الخارجي. بعض المتشددين رأوا في هذه الحرب مهمة دينية يجب خوضها حتى النهاية، فيما اختار البعض الآخر أن يبقى بلا رد فعل.
لكن مع تصاعد الضربات، وزيادة أعداد الضحايا المدنيين؛ بدأت الفجوات الاجتماعية تضيق. ظهرت كلمة «الوطن» في أحاديث الجميع، واكتسبت الوطنية طابعًا جديدًا. مشاهد التضامن باتت شائعة، وإن كان بقاؤها محل تساؤل؛ فملاك عقارات ألغوا الإيجارات تضامنًا، وسكان خارج طهران فتحوا بيوتهم للنازحين، ولم تُسجَّل حالات تهافت على المتاجر، أو فوضى، أو عمليات إجلاء مذعورة.
في رأيي؛ كان للموقف الأوروبي من العدوان الإسرائيلي دور محوري في هذا التحول. فقد وقفت فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل متذرعةً بالحجج المعتادة، وهي برنامج إيران النووي، ودعمها للإرهاب. كل ذلك بينما كان الرئيس الأمريكي يرسم على منصته «تروث سوشيال» صورة وردية لإيران «ما بعد الحرب».
لكننا -نحن أبناء الشرق الأوسط- نعرف الحقيقة. صور الدمار الجديد في غزة لا تغيب عن شاشاتنا، وذاكرتنا مليئة بما حدث في ليبيا وسوريا، والعراق، وعودة طالبان في أفغانستان. لم تكن تلك حروبًا من أجل الديمقراطية. لم تُزرع فيها بذور الأمل.
كان من المفترض أن تدرك هذه القوى حقيقة العدوان الإسرائيلي العاري تمامًا كما أدانت بحق الغزو الروسي لأوكرانيا. وكان يجب لهذا الهجوم الوحشي المتعمد غير المبرر أن يُقابل بإدانة صاخبة، وغضب عارم من انتهاك ميثاق الأمم المتحدة. لكن شيئًا من ذلك لم يحدث.
كان الصمت صاعقًا. كأنه يهمس لنا بأن الأرواح الإيرانية أقل قيمة. هذا بالنسبة لكثير منّا هو الدرس الأبرز من دعم الغرب لإسرائيل. الحرب شُنّت على إيران، لكن تبريرها جاء من نفس المنطق القديم، وهو العنصرية. تجاهل أولئك القادرين على التدخل لهجة الإعلام الباردة حين يتحدث عن ضحايا غير بيض، والاستهانة الدائمة بمعاناة الآخرين، والنظرة الاستعلائية للهجمات التي تقع خارج «المدار الغربي». بل إن المستشار الألماني قالها بصراحة: «هذا العمل القذر تقوم به إسرائيل نيابةً عنّا جميعًا».
كثير من الإيرانيين غاضبون من هذا الظلم. إلى حد أن فكرة امتلاك سلاح نووي التي كانت حتى وقت قريب حكرًا على أطراف متطرفة بدأت تلقى صدى لدى عامة الناس. كما كتب أحدهم على منصة «إكس»: لا أحد يبدو قلقًا بشأن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، في إشارة إلى أن الرؤوس النووية ربما تكون الرادع الوحيد الفعّال في هذا العالم.
الثقة في التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار ستكون سذاجة. هذا كيان معروف بنقض الاتفاقات دون مساءلة. ما يعني أن سيف ديموقليس لا يزال مرفوعًا فوق طهران، حتى وإن تلاشى صوت الانفجارات.
(سيف ديموقليس: تعبير مجازي مستمد من أسطورة إغريقية يرمز إلى الخطر المعلّق دائمًا فوق الرأس). قد يبدو من بعيد أن هذه المدينة -التي يسكنها أكثر من 10 ملايين شخص- قد استعادت حركتها المعتادة. لكن القلق ما زال يخيم على الأجواء، ويزداد سوءًا في ظل غياب أي وسيط موثوق قادر على إنهاء الحرب.
بالنسبة لكثيرين هنا؛ فإن انخراط الغرب بشكل مباشر أو ضمني أو حتى علني في هذا الصراع يجرده من أهليته كوسيط نزيه.
من موقعي أستطيع القول: إن انعدام الثقة تجاه أوروبا يزداد تجذرًا. سترمم المباني، وستُصلَح البنى الأساسية، لكن ما قد يكون تضرر إلى غير رجعة، وربما بلا إمكانية للإصلاح، هو الأساس الأخلاقي الذي بُنيت عليه الصورة الذاتية لأوروبا المتمثل في ازدواجية المعايير، والنفاق، وغياب العدالة، والذهنية الاستعمارية التي لم تمت، بل ما زالت تعيش بيننا، وتلقي بظلها على صورة أوروبا، لا في أعين الإيرانيين فقط، بل لدى كثيرين في دول الجنوب العالمي.
إنها أوقات قاسية.
لا أعلم إن كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستنجو من هذا المنعطف، أو توقع على اتفاق، أو تستمر في مسارها الحالي. ما أعلمه يقينًا هو أن من سيحكم إيران في المستقبل لن ينسى ما حدث.
حسين حمديه حاصل على دكتوراه مزدوجة في الجغرافيا والأنثروبولوجيا من جامعة هومبولت في برلين، وكلية كينغز في لندن.
يقيم حاليًا في طهران، حيث يعمل باحثًا اجتماعيًا.