السنوات الأخيرة في حياة المستعمرة الاستيطانية
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
تتميز السنوات الأخيرة لجميع المستعمرات الاستيطانية بوحشية استعمارية ضارية، بما في ذلك ارتكاب الإبادة الجماعية. يدفع إدراك السلطة الاستعمارية-الاستيطانية لدنو نهايتها؛ المستوطنينَ إلى استخدام الأساليب الأكثر همجية لهزيمة ثورة السكان الأصليين.
ففي كينيا مثلا، تشير التقديرات إلى أن البريطانيين قتلوا ما يصل إلى 100 ألف كيني خلال حرب التحرير الوطني التي أنهت الحكم الاستعماري ونظام فوقية العرق الأبيض في عام 1963.
وفي جنوب أفريقيا نفسها، عندما لم يكن أمام النظام أي خيار سوى البدء في التفاوض مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في عام 1989، لعب نظام الفصل العنصري على وتر تفكيك وحدة السود من خلال الاستمرار في دعم الزعيم الانفصالي اليميني منغوسوثو بوثيليزي، الذي بدأ أتباعه في الاشتباك مع أنصار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وقد تم الكشف عن أن الحكومة كانت قد قدمت دعما ماليا وعسكريا لـ"حزب إنكاثا للحرية" الذي يتزعمه بوِثيليزي، والذي كان أنصاره، بدعم من الشرطة، يهاجمون الناس في البلدات. وبين عامي 1989 و1994، إبان ما كان يسمى بعملية السلام، قُتل ما يقارب 15 ألف أفريقي أسود على يد الشرطة وأجهزة الأمن في جنوب أفريقيا.
وفي حالة إسرائيل، قبل الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية في غزة، بين أيلول/ سبتمبر 1993 وأيلول/ سبتمبر 2023، أي منذ التوقيع على معاهدة "سلام" أولية، قتلت إسرائيل ما يزيد عن 12 ألف فلسطيني.
ولكن من بين كل هذه الأمثلة، ربما تكون الجزائر المثال الأقرب لما يحدث للفلسطينيين. ففي كانون الثاني/ يناير 1955، تم تعيين وزير المستعمرات الفرنسي السابق وعالم أنثروبولوجيا حضارات الأمريكتين ما قبل كولومبوس، جاك سوستيل (وكان سوستيل بروتستانتي مناهض للفاشية أصله من مدينة مونبلييه)، حاكما عاما للجزائر.
وبينما كانت حكومة إدغار فور الجديدة، التي وصلت إلى السلطة في شباط/ فبراير، مشغولة بقمع النضالات المناهضة للاستعمار في تونس والمغرب، كان سوستيل يدير الجزائر بمفرده. وقد قام بإنشاء أقسام إدارية متخصصة لتقويض جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكسْب تأييد الجزائريين. في هذه الأثناء، بدأ الجيش الفرنسي بإخلاء القرى الجزائرية، وتهجير سكان قرى بأكملها بعيدا عن مناطق أنشطة جبهة التحرير الوطني، وأنشأ مليشيات جزائرية مناهضة لجبهة التحرير الوطني، وصور مقاتلي جبهة التحرير الوطني على أنهم "جراد" في حملة دعائية ضخمة، وقدم نفسه على أنه ينقذ الجزائريين من شرور الشيوعية والقومية العربية للرئيس المصري جمال عبد الناصر. ويذكرنا هذا بمحاولة إسرائيل والولايات المتحدة "إنقاذ" الفلسطينيين اليوم من شرور "الإرهاب" والتضامن الإيراني.
وبحلول شهر نيسان/ أبريل 1955، أعلن الفرنسيون حالة الطوارئ في بعض المناطق، والتي امتدت تدريجيا إلى الجزائر بأكملها. وأصبح العقاب الجماعي للقرى الجزائرية والتعذيب العشوائي للمعتقلين هو الأمر السائد، حيث دعت الحكومة احتياطيات الجيش من بين المستوطنين للانضمام إلى القتال. وقد شهدت انتفاضة آب/ أغسطس 1955 قيام الجزائريين بمهاجمة المستوطنين في مستعمرة فيليبفيل وكذلك جنود الشرطة والجيش. وقد قاموا بقتل 100 أوروبي، وتم تقطيع الكثير منهم حتى الموت. ورد الجيش والشرطة والمستوطنون الفرنسيون بقتل آلاف الجزائريين وإطلاق النار على العشرات على الفور، وتم اقتياد المئات إلى ملعب فيليبفيل لكرة القدم وإعدامهم، وقد تم قتل ما بين 12 و20 ألف جزائري. وهكذا بدأت مرحلة جديدة من الثورة، حتى أن الجزائريين "المندمجين" والمُشار إليهم بـ"المتطورين" أصيبوا بالرعب من حجم القمع، مما دفعهم للتخلي عن دعمهم لسوستيل.
وبحلول حزيران/ يونيو 1956، كان 450 ألف جندي فرنسي متمركزين في الجزائر. وقد اشتبكوا مع 20 ألفا من الثوار الذين دعمهم 40 ألفا من المساندين، كما قامت جبهة التحرير الوطني بتجنيد ما يقرب من 2000 امرأة جزائرية في صفوفها. وقد أحرق الفرنسيون القرى، واتبعوا سياسة الإعدام بإجراءات موجزة، وقاموا بتعذيب الأسرى من مقاتلي جبهة التحرير الوطني وأولئك الذين اتهموا بالانتساب اليها، كما تم إعدام سجناء جبهة التحرير الوطني بالمقصلة في الجزائر العاصمة. وقد قتلت جبهة التحرير الوطني عشرة مستوطنين للانتقام منهم. وقد قام المستوطنون بدورهم بتفجير الحي الجزائري في الجزائر العاصمة، مما أسفر عن مقتل 70 شخصا. وردت جبهة التحرير الوطني بتفجير مقهيين في المنطقة البيضاء بالجزائر العاصمة، مما أسفر عن مقتل أربعة مستوطنين.
وقد جرت مفاوضات سرية بين الحكومتين الفرنسية والقادة السياسيين لجبهة التحرير الوطني المقيمين في القاهرة، لكن الجيش الفرنسي قرر في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 1956 اعتراض طائرة فوق الجزائر، متجهة من المغرب إلى تونس، وعلى متنها القادة السياسيون لجبهة التحرير الوطني، ومن بينهم أحمد بن بلة، متوجهة لأحد هذه الاجتماعات السرية مع الفرنسيين، وتم القبض على قادة جبهة التحرير الوطني الخمسة ولم يطلق سراحهم حتى عام 1962.
وبعد إلقائها اللوم على مصر على أنها من يدعم ويحرك الثورة في الجزائر، شنت فرنسا غزوا على مصر بمعية البريطانيين والإسرائيليين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، والذي انتهى بهزيمة القوى الثلاث وتعزيز شعبية عبد الناصر في جميع أنحاء العالم العربي.
وقد أدرك الطبيب النفسي المارتينيكي الشاب فرانز فانون، الذي انضم إلى جبهة التحرير الوطني في عام 1956، أهمية الدوافع الفرنسية للغزو: "كان المقصود من حملة [حرب] السويس ضرب الثورة الجزائرية في القمة. ومصر المتهمة بتوجيه نضال الشعب الجزائري تعرضت لقصف إجرامي". في المقابل، دعم الفيلسوفان اليهوديان الألمانيان ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو (اللذان أسسا مدرسة فرانكفورت للنظرية النقدية وهربا من النازيين إلى الولايات المتحدة في الثلاثينيات، وأصبحا من الصهاينة ومن أنصار الحرب الباردة) غزو مصر واعتبرا عبد الناصر "زعيما فاشيا" "يتآمر" مع موسكو. وأضافا أنه "لا أحد يجرؤ حتى على الإشارة إلى أن هذه الدول العربية اللصوصية كانت تترصد منذ سنوات فرصة للهجوم على إسرائيل وذبح اليهود الذين وجدوا ملجأ هناك".
إذا، كانت هذه التبريرات الإمبريالية تذكرنا بكيفية استهداف إيران اليوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارها القوة التي تقف وراء الثورة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وكيف أنها تتعرض باستمرار للتهديد والهجوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما العرب، فذلك لأن الخطاب المستخدم هو نفسه.
وأدى حشد المقاومة ضد النظام الاستعماري-الاستيطاني إلى قمع فرنسي واسع النطاق خلال معركة الجزائر العاصمة التي دارت رحاها في الفترة من كانون الأول/ يناير إلى أيلول/ سبتمبر 1957 وإلى تعذيب المدنيين على نطاق واسع. وبحلول شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1957، نجح القمع الفرنسي والقتل الجماعي، من قبل الجيش والشرطة والمستعمرين، في القبض على وقتل القادة الرئيسين لمقاومة جبهة التحرير الوطني، مما أدى فعليا إلى إنهاء معركة الجزائر.
ولكن على الرغم من هزيمة جبهة التحرير الوطني عسكريا، إلا أن الحركة قد حققت انتصارات دبلوماسية كبرى، بما في ذلك التأييد الكامل للجبهة ولدعوتها إلى الاستقلال من قبل المؤتمر الأفرو-آسيوي الذي انعقد في القاهرة في كانون الأول/ ديسمبر 1957، كما فعل السيناتور الأمريكي جون كينيدي الذي أيد استقلال الجزائر في وقت سابق في تموز/ يوليو، وهذا بالإضافة إلى تزايد الاحتجاجات وتبني قضية استقلال الجزائر في الأمم المتحدة. ومع ذلك، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 1957 الذي اعترف بحق الجزائريين في الاستقلال.
ولكن رغم هزيمة جبهة التحرير الوطني في الجزائر العاصمة، استمرت الحرب الفرنسية ضد مقاتليها وبلغت ذروتها في المذبحة التي ارتكبتها القوات الجوية الفرنسية في بلدة ساقية سيدي يوسف الحدودية التونسية، حيث أدى القصف الفرنسي إلى مقتل 70 مدنيا بينهم عشرات الأطفال في شباط/ فبراير 1958، وهي جريمة حرب أدانها العالم العربي كما أدانتها حكومة الرئيس أيزنهاور.
أصبح شارل ديغول رئيس الوزراء الجديد، وقام بزيارة الجزائر يوم 4 حزيران/ يونيو وسط استقبال حماسي من قبل المستوطنين الذين قال لهم "لقد فهمتكم"، وسرعان ما سيصدر ديغول دستورا جديدا ويصبح بموجبه رئيسا للجمهورية. وقد أثارت مناوراته قلق البعض في قيادة جبهة التحرير الوطني من أنهم إذا خسروا الحرب فإن "الجزائر ستعاني نفس مصير فلسطين".
وفي شهر أيلول/ سبتمبر 1958، أعلنت جبهة التحرير الوطني في القاهرة عن تشكيل حكومة جزائرية مؤقتة للجمهورية الجزائرية الجديدة المزمع تحريرها، والتي اعترفت بها الدول العربية ودول العالم الثالث الأخرى على الفور. في هذه الأثناء، قامت المخابرات الفرنسية بحملة من الاغتيالات وهاجمت أعضاء جبهة التحرير الوطني وتجار الأسلحة الألمان في ألمانيا، وفجرت سفينة في ميناء هامبورغ تحمل أسلحة إلى الجزائر، وهي الهجمات التي غضت حكومة ألمانيا الغربية بقيادة المستشار كونراد أديناور الطرف عنها أثناء تجسسها على الجزائريين وغيرهم من المسلمين لصالح فرنسا. ففي تشرين الأول/ أكتوبر، تحدث ديغول عن سياسة "سلام الشجعان" (وهي العبارة التي تبناها لاحقا ياسر عرفات) التي أراد أن يتّبعها في الجزائر عندما أمر بشن هجوم جديد على جبهة التحرير الوطني.
واصل الفرنسيون تجنيد المتعاونين الجزائريين الذين ازداد عددهم من 26 ألفا إلى 60 ألف رجل لتعقب جيش التحرير الوطني التابع لجبهة التحرير الوطني، على غرار مرتزقة السلطة الفلسطينية الذين يتم تدريبهم على يد الأمريكيين والأوروبيين اليوم. وبحلول شهر نيسان/ أبريل 1959، وفي ظل اشتداد القمع الفرنسي وازدياد العدد الهائل من الجنود الفرنسيين والمتعاونين الجزائريين، قُتل نصف مقاتلي جيش التحرير الوطني. وبحلول شهر تشرين الأول/ أكتوبر، "نقل" الفرنسيون مليونين و157 ألف جزائري وساقوهم إلى 1242 معسكر اعتقال تحت سيطرة الجيش، وغدا أكثر من ربع مليون جزائري لاجئين في تونس والمغرب المجاورتين. وقد تم تنظيم المتعاونين الجزائريين ("الحركيين") البالغ عددهم 60 ألفا في وحدات لمساعدة الفرنسيين في القبض على مقاتلي جيش التحرير الوطني. إضافة إلى ذلك، تم تنظيم 19 ألف متعاون آخر في مليشيات.
ففي حين دعم الفلاسفة الفرنسيون مثل جان بول سارتر وفرانسيس جونسون استقلال الجزائر أو جبهة التحرير الوطني، كما فعل فرانتز فانون، وقف الفيلسوف اليهودي الجزائري جاك دريدا إلى جانب المستوطنين وعارض استقلال الجزائر.
وقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعم من دول العالم الثالث، لصالح قرار يدعم حق تقرير مصير الجزائريين ورفضت إمكانية تقسيم الجزائر التي اقترحها ديغول في العام السابق (وقد صوتت 63 دولة لصالح القرار، وعارضته 8 دول، مع امتناع 27 عن التصويت). وبعد وقت قصير من تصويت الأمم المتحدة، بدأ ديغول المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، وأنشأ المستوطنون الفرنسيون منظمة إرهابية جديدة أطلقوا عليها اسم منظمة الجيش السري في مدريد في عهد الجنرال فرانكو. وعندما بدأت المحادثات في نيسان/ أبريل 1961 في مدينة إيفيان السويسرية بين جبهة التحرير الوطني والفرنسيين، اغتال مستوطنون إرهابيون رئيس بلدية إيفيان.
وفي الوقت نفسه، في تموز/ يوليو 1961، قصفت القوات الفرنسية مدينة بنزرت الساحلية التونسية، مما أسفر عن مقتل أربعة آلاف مدني تونسي وإصابة آلاف آخرين، مستهدفة موقعا توجد فيه قاعدة للجيش الفرنسي، والتي رفض الفرنسيون إخلاءها. وأدى ذلك إلى المزيد من الإدانة الدولية والمزيد من العزلة لفرنسا، على الرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على نحو لا يختلف عن حمايتهما الحالية لإسرائيل في الأمم المتحدة، قوضتا قرار الأمم المتحدة الذي دعا إلى إجراء مفاوضات تهدف إلى إخلاء فرنسا لقاعدتها في بنزرت. وقد استمرت الهجمات الإرهابية التي كان يشنها المستوطنون، ولكن الجيش الفرنسي هزمها في النهاية.
وأخيرا نال الجزائريون استقلالهم في عام 1962 بعد أن قتل الفرنسيون ما يزيد عن 300 ألف شخص منذ عام 1954، وأكثر من مليون جزائري منذ عام 1830، عندما استعمرت فرنسا الجزائر.
ولغاية اليوم، قتل الإسرائيليون أكثر من 40 ألف فلسطيني في الأشهر الستة الماضية، ولا يزال الآلاف منهم مدفونين تحت الأنقاض. لقد أظهرت إسرائيل شهية واستعدادا لقتل عدد أكبر من الفلسطينيين للحفاظ على مستعمرتها-الاستيطانية العنصرية اليهودية.
كما هو الحال مع المستعمرات الاستيطانية البيضاء السابقة، فإن العالم الغربي الذي يحمل أيديولوجيا تفوق العرق الأبيض، إن كان في أوروبا أو في مستعمراتها الاستيطانية البيضاء الباقية، يدعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل كما كان يدعم الإبادات العرقية الاستعمارية في أفريقيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو أيضا حال العديد من النقاد والمفكرين الغربيين، بما فيهم يورغن هابرماس، وريث مدرسة فرانكفورت. أما بالنسبة لعدد الفلسطينيين الذين سيساعدون إسرائيل على قتلهم في سنواتها الأخيرة قبل أن يتم تفكيكها واستبدالها بدولة غير عنصرية يتم القضاء على الإرث الاستعماري والعنصري فيها، فهذا أمر لا يعرفه إلا المخططون الاستراتيجيون في البيت الأبيض.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإبادة إسرائيل فلسطيني الجزائر إسرائيل فلسطين الجزائر الإستعمار الإبادة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جبهة التحریر الوطنی الولایات المتحدة الجزائر العاصمة استقلال الجزائر الأمم المتحدة تشرین الأول فی الجزائر فی عام من قبل
إقرأ أيضاً:
الإمارات تسلط الضوء في الأمم المتحدة على مبادراتها لتحسين حياة أصحاب الهمم
نظمت بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، والمنظمة الدولية للتأهيل، فعالية جانبية بعنوان "تمكين الحياة من خلال مناهج شاملة"، لتسليط الضوء على المبادرات المعنية بتحسين حياة أصحاب الهمم، وتذليل العقبات التي قد تحول أو تضعف من سبل إدماجهم ومشاركتهم الفاعلة في البرامج والخطط الوطنية، والانتقال من مرحلة النية إلى مرحلة العمل المؤثر والفاعل لهذه الأهداف.
جاء ذلك بالتزامن مع انعقاد الدورة الثامنة عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "COSP-18” في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك.
وأوصى المتحدثون، في الفعالية بعدد من التوصيات المهمة، أبرزها الدعوة إلى استكشاف المبادرات الناجحة التي تُبيّن التمويل الفعال للبرامج الشاملة لذوي الإعاقة، مما يُحسّن وصولهم إلى الرعاية الصحية وفرص العمل (الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة: العمل اللائق والنمو الاقتصادي).كما أوصوا بتعزيز التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات غير الحكومية، لوضع سياسات مستدامة وشاملة تُعزز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة "الهدف 10 من أهداف التنمية المستدامة: الحد من أوجه عدم المساواة". ودعوا إلى التركيز على معالجة التفاوتات في الرعاية الصحية ومعالجة العوائق الصحية النظامية التي تواجهها الفئات ذات الإعاقة من خلال مبادرات مجتمعية وتدريب شامل لمتخصصي الرعاية الصحية "الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة: الصحة الجيدة والرفاهية".وأخيرا، تم وضع توصيات سياساتية شاملة، تسهم في حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبما يضمن إدماجهم ومشاركتهم الكاملة في تصميم السياسات "الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة: السلام والعدل والمؤسسات القوية".
وفي رسالة وجهها عبر الفيديو خلال الفعالية، سلط عبد الله الحميدان، الأمين العام لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، الضوء على السبل المبتكرة لتعزيز التعليم والتوظيف الشامل لأصحاب الهمم وإمكانية وصولهم، مشيرا إلى أن المؤسسة، تعتبر الإدماج التزامًا فاعلًا، مشددا على أن الوقت قد حان للعمل، القائم على المساواة، والمدفوع بالابتكار، والمسترشد بالتجربة الحية لأصحاب الهمم في دولة الإمارات.ودعا إلى ضرورة ضمان عدم تخلف أحد عن الركب في أجندة التنمية، لا في السياسة، ولا في الممارسة، ولا في الفرص المتاحة. من جانبه، تحدث كريستوف غوتنبرونر، رئيس الجمعية الدولية لإعادة التأهيل، حول الدور الذي تلعبه منظمته منذ تأسيسها عام 1922 في ولاية "أوهايو" الأميركية، في مجالات تعزيز الشراكة بين أصحاب المصلحة المتعددين لتعزيز اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيرا إلى أن إدماج أصحاب الهمم يتعين أن يكون نهجا مجتمعيا يهدف إلى تمكين الأشخاص المحتاجين، وإعطائهم الفرصة للمشاركة الكاملة في مجتمعاتهم، وذلك في إطار ثلاثة أهداف رئيسية.
أخبار ذات صلة
وأوضح أن هذه الأهداف هي جعل خدمات إعادة التأهيل عالية الجودة ومتاحة وبأسعار معقولة لكل شخص محتاج لتحقيق الأداء الأمثل والتفاعل مع مجتمعه، وبناء مجتمعات شاملة تكفل المشاركة الكاملة لجميع الأشخاص من أصحاب الهمم في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، واحترام حقوق الإنسان دون أي استثناء، بما في ذلك تنفيذ الإطار الكامل لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لضمان حصول أصحاب الهمم على خدمات الصحة والتأهيل والتعليم الشامل والألعاب الرياضة والأنشطة الثقافية والسياسية والدينية وغيرها من الأنشطة المجتمعية الأخرى، وأيضا تعزيز مشاركتهم على قيد المساواة مع الآخرين، وذلك في إطار تعاون أربع مجموعات رئيسية من أصحاب المصلحة وهي الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وأخيرا المؤسسات الأكاديمية والبحثية.من جهته تحدث عبد الله إسماعيل الكمالي، المدير التنفيذي لقطاع أصحاب الهمم في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، حول تعزيز التنمية الشاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، واستعرض عددا من قصص النجاح والحلول التي حققتها دولة الإمارات في هذا الجانب، لافتا إلى أن دولة الإمارات، لم تبدأ من الصفر، بل من إيمان راسخ أن أصحاب الهمم يمتلكون إمكانات كبيرة ، شريطة أن يُهيئ المجتمع المساحة التي تؤمن بهم.وقال إن المؤسسة طورت أول مؤهل مهني وطني في الدولة مُخصص للأشخاص ذوي الإعاقة، بحيث وبعد أكثر من 700 ساعة تدريب، يحصل الخريجون منهم على شهادات رسمية، تتيح لهم فرصًا حقيقية في الحصول على وظائف أو ريادة أعمال، لافتا إلى أن المؤسسة تدير 23 مركزاً في جميع أنحاء أبوظبي.من ناحيتها سلطت ميرة الشامسي، محلل علم الوراثة الجينية في منظمة إعادة التأهيل الدولية، نيابةً عن نائب رئيس الصحة والأداء في منظمة إعادة التأهيل الدولية، الضوء على سبل صياغة نظام صحي شامل وإعادة تأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة، بالاعتماد على النهج المتجذر في الابتكار والإنصاف، لافتة إلى أن هناك نحو 15% من سكان العالم يعيشون مع إعاقة، وأكثر من ثلث سكان العالم بحاجة إلى إعادة تأهيل، ومعظمهم لا يتلقون أي تأهيل.وأشارت إلى أن استراتيجية المنظمة تدعم الأفراد ذوي الإعاقة طوال حياتهم، بدءا بوقايتهم من خلال علم الوراثة والفحص منذ ولادتهم، وسياسة دمج العلاج والتأهيل، بما في ذلك التطبيب عن بُعد.
من جهته تناول الدكتور مادان كوندو، نائب رئيس المنظمة الدولية لإعادة التأهيل، سبل تعزيز عمل وتوظيف أصحاب الهمم في أعمال مربحة وهادفة تعزز إشراكهم الفاعل في التنمية، وذلك وفقًا للمادة 27 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مستعرضا أبرز التحديات الرئيسية المتسببة في ارتفاع معدلات البطالة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وحلولها.من جانبها تحدثت الدكتورة كريسان شيرو-جايست، أستاذة ومديرة معهد الإعاقة، في جامعة ممفيس الأميركية، حول سبل تمكين الشباب ذوي الإعاقة الذهنية في الانتقال إلى مرحلة العمل والمشاركة في مجتمعاتهم، مستعرضة البرامج التي توفرها الجامعات الأمريكية لتعليم أصحاب الهمم وتطوير مهاراتهم الوظيفية، ليصبحون بالغين ويحصلون على وظائف مناسبة في مجتمعاتهم وسوق العمل.وحرص منظمو الفعالية الإماراتية على إشراك تجارِب مواطنين من أصحاب الهمم في دولة الإمارات وهما أحمد هزاع الدرمكي، المدرب في نادي العين لأصحاب الهمم، عضو لجنة ملف استضافة دولة الإمارات للمؤتمر العشرين للاتحاد العالمي للصم في أبوظبي عام 2027، ومريم القبيسي، سفيرة "التصلب المتعدد" والمسؤولة المُقيّمة في برنامج التصميم الشامل للشمول.وقال أحمد هزاع الدرمكي، في حديثه أمام الحضور، أنه كطفل أصم، بدأ رحلته التعليمية في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، حيث تلقى الدعم والرعاية في مرحلة مبكرة، وحصل على منحة دراسية لمتابعة دراسته في المدرسة الأمريكية للصم بالولايات المتحدة، وحصل على شهادة دبلوم من معهد كونيتيكت، حيث قضى تسع سنوات في الخارج، مُنغمسًا في لغة الإشارة وثقافة الصم.وأضاف أنه أسس أول فريق كرة قدم للصم في الإمارات، ومن ثم أول جمعية رسمية للصم التي أصبح فيما بعد أول رئيس لمجلس إدارتها ، ومن خلالها تعاون بشكل وثيق مع وزارة التعليم العالي لدعم دمج الطلاب الصم في الجامعات، لافتا إلى المساهمة في تطوير قاموس للغة الإشارة في دولة الإمارات، وفي عام 2006 تم تكريمه من قِبل الدولة بجائزة أفضل شخصية تقديرًا لجهوده في تمكين الصم. وذكر أنه يواصل مساره كمدرب في نادي العين لأصحاب الهمم، مشيرا إلى أنه يعمل حاليا مع لجنة ملف استضافة دولة الإمارات للمؤتمر العشرين للاتحاد العالمي للصم في أبوظبي عام 2027، واصفا الحدث بالعالمي، ويعكس ريادة الدولة في الشمول والتمكين.من جانبها قالت مريم القبيسي، 29 عامًا، إنها شُخِّصتُ بمرض التصلب اللويحي وهي في السابعة عشرة من عمرها، مشيرة إلى أنه ورغم أن المرض غير مسار حياتها الا أنه لم يُنهِ أحلامها بل أعاد تشكيلها عبر تحديها الشخصي للمرض، موضحة أنها أصبحت سفيرةً للتصلب المتعدد، لتساهم في رفع مستوى الوعي، وتحدي وصمة العار، والمساعدة في بناء عالمٍ يقوده الشمول.وأعربت القبيسي عن فخرها بمشاركتها في هذه الفعالية الجانبية التي تنظمها دولة الإمارات في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والتي تعكس الاهتمام والخطوات الجادة التي انتهجتها الدولة في رعاية هذه الفئة.وشمل برنامج الفعالية في مقر الأمم المتحدة، عرض أفلام توضح السياسات الهادفة التي تنتهجها دولة الإمارات لتعزيز جودة حياة الأشخاص أصحاب الهمم لديها ومشاركتهم العملية في التنمية، مستعرضة بعض النماذج الناجحة لعدد من أصحاب الهمم في مجتمعاتهم.
ولفت المشاركون، في ورقة معلومات تم توزيعها خلال الفعالية، إلى أن هناك أكثر من مليار شخص، أي حوالي 15% من سكان العالم من ذوي الإعاقة، ويتطلب تلبية احتياجاتهم، عبر مناهج علمية منظمة.وأجمعت الورقة، على ضرورة تعزيز السياسات وحجم التمويل لتحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة لوضع وتنفيذ سياسات اجتماعية شاملة ومستدامة، لافتين إلى أن التنفيذ الفعال بهذا الخصوص، غالبًا ما يتعثر بسبب فجوة التمويل العالمية الكبيرة والتي تُقدّر بأكثر من 1.2 تريليون دولار سنويًا، وهو ما يعكس التباين بين السياسات والممارسات، ويتطلب آليات تمويل مبتكرة، مثل سندات الأثر الاجتماعي والتمويل الجماعي، وبما يُساعد في سدِّ نقص التمويل، وضمان إطلاق برامج شاملة لذوي الإعاقة والحفاظ عليها على المدى الطويل.كما سلطت الفعالية الضوء على سبل تعزيز إدماج المرأة من أصحاب الهمم ولا سيما أنها لا تزال تواجه حواجز تُعيق إدماجها ومشاركتها الكاملة في مجتمعاتها حول العالم، بما في ذلك وصولها المحدود إلى الرعاية الصحية، وتهميشها الثقافي، وانخفاض فرص حصولها على التعليم والتوظيف، مما يعزز إقصائها الاجتماعي، وهم ما يتطلب الاعتراف بهذه الأشكال المتداخلة من التهميش وصياغة استراتيجيات عاكسة لهذا الواقع فعّالة وشاملة.كما تناولت الفعالية، عرض جملة من التقارير والأدوات العاكسة للتجارب المعيشية للأفراد ذوي الإعاقة، مُسلّطًة الضوء على خدمات المعرفية المبتكرة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تُعطي الأولوية لإدماج أصحاب الهمم.
المصدر: وام