زنقة 20:
2024-06-20@14:08:01 GMT

إغلاق سجن طنجة “سات فيلاج” بصفة نهائية

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

إغلاق سجن طنجة “سات فيلاج” بصفة نهائية

زنقة 20 | متابعة

أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، اليوم الجمعة، أنها قررت إغلاق السجن المحلي بطنجة المعروف بـ “سات فيلاج” بصفة نهائية، وتوزيع السجناء الموجودين به على مؤسسات سجنية أخرى.

وأوضحت المندوبية، في بلاغ لها، أن اتخاذ قرار الإغلاق يأتي في إطار إستراتيجيتها القاضية بإغلاق المؤسسات السجنية القديمة والمتهالكة، حفاظا على أمن وسلامة السجناء والموظفين.

وأشار المصدر ذاته إلى أن العقار الخاص بالمؤسسة المذكورة سيتم تسليمه إلى القطاع الحكومي المعني وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها في هذا المجال.

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

نظرية “الفوضى” والعلم “ما بعد الحديث”

ترجمة: عبد المنعم الفَيا

مقدمة الترجمة:
هذه ترجمة للفصل السابع من كتاب يجوز ترجمة عنوانه: (اللغو الجديد: مفكرو ما بعد الحداثة واساءة استخدام النظريات العلمية)*. وضع الكتاب اثنان من أساتذة الجامعات، هما: ألن سوكال، أستاذ الفيزياء بجامعة نيويورك، والثاني، جان بركمنت، أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة دي لوفين ببلجيكا.
صدر الكتاب في نسخته الإنجليزية سنة 1998م وأحدث ضجة كبرى، وأثار سجالات ساخنة وممتدة وسط الدوائر الأكاديمية والثقافية والإعلامية، واثنى عليه الكثير من العلماء واساتذة الجامعات والنقاد، ومن أشهر الذين اثوا على الكتاب، عالِم اللغويات والناشط السياسي نعوم تشومسكي.
ويعرِّف المؤلفان ما بعد الحداثة، بأنها ذلك الاتجاه الفكري الذي يناهض مبادئ التنوير الأوربي، ويجافي أسس المنطق العقلاني، ويمتاز بخطاباته التنظيرية التي تقطع الصلة بالاختبار التجريبي، واعتماده مبدأ النسبوية الذهنية والثقافية التي لا ترى في العلم سوى سردية، أو أسطورة، أو بناء اجتماعي، ونحو ذلك". ص 1
ويشرح المؤلفان عبارة عنوان الكتاب: "إساءة استخدام العلم" بالقول إنها تتمثل في التمسك بالنظريات العلمية والمصطلحات دون معرفة كافية بها، سوى معرفة سطحية ومتعجلة، واستجلاب المفاهيم والمصطلحات من العلوم الطبيعية، لا سيما الرياضيات والفيزياء، مثل النظرية النسبية ومكانيكا الكم (الكوانتم) في الفيزياء، ونظرية المجموعات، ومبرهنة قودال، ونظرية الفوضى وغيرها في الرياضيات، واقحام هذه النظريات على العلوم الإنسانية والاجتماعية، دون تقديم أي مبرر مفاهيمي أو تجريبي. والميل إلى استعراض التبحر المعرفي الزائف من خلال الزج بالمصطلحات العملية والعبارات التقنية في ثنايا نصوص ليست لها أدنى علاقة بهذه المصطلحات والعبارات، بقصد ابهار القارئ غير المتخصص وارهابه فكريا".
ويتناول الكتاب بالنقد، مساهمات عدد من المفكرين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويخص كل واحد منهم بفصل من الكتاب. ومن هؤلاء: جاك لاكان، وجوليا كرستيفا، وجل ديلوز وفليكس قوتاري، وجان بورديارد، وجان فرانسوا ليوتار، وريجس دوبرييه، ولوسي ريغاري وغيرهم.
وفي هذا الفصل الذي نقدم هنا ترجمة له يناقش المؤلفان اقحام مفكرو ما بعد الحداثة نظرية الفوضى في الرياضيات وتطبيقها على العلوم الانسانية بسوء فهم. كذلك يناقشان مفهومي خطي، وغير خطي في المعادلات الرياضية، وسوء استخدامهما للحديث عن "فكر خطي" وهو الفكري العقلاني القائم على التحليل المنطقي، وفكر "غير خطي" أو "فوضوي" لا يستند على المنطق التحليلي وهو فكر ما بعد الحداثة.
وفيما يلي النص المترجم وهو الفصل السابع من الكتاب وعنوانه: "نظرية الفوضى والعلم ما بعد الحديث"، من صفحة 134 إلى صفحة 146 بالنسخة الإنجليزية.

الفصل المترجم
نظرية الفوضى والعلم ما بعد الحديث

يواجه المرء على الدوام في كتابات ما بعد الحداثة، بالدعوى القائلة إن التطورات العلمية الراهنة لم تحدث بطريقة أو أخرى، تغييراً في نظرتنا للعالم وحسب، بل أنها أحدثت تحولات ونقلات فلسفية ومعرفية أدت باختصار إلى تغيّر في ماهية العلم نفسه. والأمثلة التي تضرب باستمرار لتأييد هذه الفكرة تشمل نظرية مكانيكا الكم (الكوانتم) ومبرهنة "قودال"، ونظرية الفوضى في الرياضيات. كما أنك واجد إلى جانب هذه النظريات، الاستشهاد بنظرية سهم الزمن، والتنظيم الذاتي، وهندسة الكسور "الكُسيريات"، ونظرية الانفجار الكوني العظيم Big Bang ونظريات متنوعة أخرى.
ولكنّا نرى أن هذه الدعاوى تقوم في الغالب على الخلط وسوء الفهم. غير أنها تثار هنا على نحو أكثر حصافة من سوء استخدامات جاك لاكان، ولوسي اريغاري، وديلوز. والواقع أننا إذا أردنا إزالة كل الالتباسات انصافاً لبذور الحقيقة التي ترقد أحيانا في لبّ هذه النظريات، فإننا نحتاج إلى تأليف أكثر من كتاب. ولكنّا سوف نقصر جهدنا في هذا الفصل، على انتقاد الخطوط العريضة لهذه الدعاوى من خلال تناول مثالين، هما: مصطلح العلم "ما بعد الحديث" وفقاً لجان فرنسوا ليوتار، ونظرية الفوضى.
إن الصيغة التي صارت الآن كلاسيكية للفكرة القائلة إن هناك ثورة مفاهيمية عميقة في العلم، نجدها في مؤلف جان فرانسوا ليوتار (حالة ما بعد الحداثة) The postmodern Condition وتحديدا بالفصل المعنون "العلم ما بعد الحديث بوصفه بحثاً عن المتغيّرات وغير الثوابت" والذي كرّسه لفحص بعض أبرز ملامح العلم في القرن العشرين والتي تشير، من وجهة نظره، إلى النقلة الجديدة نحو العلم "ما بعد الحديث". دعنا نتناول بالفحص بعض الأدلة التي عرضها لتأييد تفسيره لهذه التطورات العلمية.
بعد إشارة سريعة إلى مبرهنة "قودال" في الرياضيات، تناول ليوتار بالبحث حدود القدرة على التنبؤ في الفيزياء الذرية وفيزياء الكم. فمن ناحية، يقول إنه لاحظ أنه يستحيل عملياً معرفة أوضاع كل الجزيئات في الغاز وذلك لكثرتها الواسعة. ولكن هذه الحقيقة كانت معروفة جيداً واستخدمت كأساس للفيزياء الإحصائية منذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر على أقل تقدير.
ومن ناحية ثانية، بينما يبدو واضحاً أن ليوتار، يناقش مسألة اللاحتمية في فيزياء الكم، نجده يستخدم في التدليل على ذلك شرحاً كلاسيكيا (غير كمي) تماماً، وهو قياس كثافة الغاز (النسبة: الكتلة/الحجم). ويلاحظ ليوتار، ناقلاً عن كتاب للفيزيائي الفرنسي جان بيرن، وهو كتاب شبه مدرسي في الفيزياء الذرية، أن كثافة الغاز تعتمد على المقياس الذي يخضع فيه الغاز للاختبار: فعلى سبيل، إذا اختبر المرء حقلاً من الغاز كان حجمه قابل للمقارنة مع الجزيئ، فإن الكثافة داخل هذا الحقل من المحتمل أن تتفاوت من الصفر إلى درجة عالية جداً، وذلك اعتمادا على، ما إذا كان الجزيئ قد تصادف وجوده في هذا الحقل أم لا.
ولكن هذه الملاحظة، متهافتة ولا قيمة لها، وذلك لأن الكثافة كمية عيانية، فلا معنى للحديث عنها إلا في حالة وجود عدد هائل من الجزيئات. وعلى الرغم من تهافت هذه الملاحظة، نجد ليوتار قد استخلص منها نتائج مفاهيمية جذرية إلى حد كبير، وهي قوله:
"وهكذا تُقرر معرفة كثافة الغاز، بعبارات أو إفادات متعددة غير متسقة إطلاقاً، ولا يمكن أن تأتي متسقة إلا إذا وضعت في علاقة نسبية في المقياس الذي يختاره المتحدث". (ليوتار، 1984، ص 57).
وتنطوي هذه الملاحظة على نبرة "ذاتوية" لا تبررها الحالة التي بين أيدينا. فالأمر الواضح أن صحة أو خطأ أي عبارة، تعتمد على معاني الكلمات المستخدمة فيها، وحين يعتمد معنى كلمة مثل كلمة "كثافة" على المقياس، فإن صحة أو خطأ العبارة يعتمد على المقياس بذات القدر. وبذلك حينما تصاغ جملة "إفادات متعددة" صياغة دقيقة، كأن يقال مثلاً: "مع تحديد المقياس الذي تحيل إليه العبارة" عندها تأتي العبارات والافادات، حول كثافة الهواء، متسقة تمام الاتساق.
وفي الفصل ذاته من الكتاب، يأتي ليوتار فيما بعد، على ذكر هندسة الكسور" الكُسيريّات" fractal geometry المختصة بالأشياء غير المنتظمة، مثل ندف الثلج، وخطوط السواحل. وهذه الأشياء لها، بمعنى تقني معين، بعدٌ هندسي لا يمثل عددا كاملا صحيحا. وهنا يقحم ليوتار أيضاً بلا طائل نظرية الكارثة catastrophe theory وهي فرع في الرياضيات مختص بصفة عامة، بتصنيف أنواع معينة من الأسطح ذات الرؤوس البازرة والمدببة، ضمن أشياء أخرى.
إن هاتين النظريتين الرياضيتين: هندسة الكسور ونظرية الكارثة، تثيران الاهتمام حقاً، ولهما بعض التطبيقات في العلوم الطبيعية ولا سيما في علم الفيزياء. وكغيرهما من الإنجازات العلمية، توفران أدوات بحثية جديدة، وتلفتان الانتباه إلى مسائل جديدة، ولكنهما لا تخضِعان نظرية المعرفة التقليدية للمساءلة.
خلاصة القول إن ليوتار لا يطرح أي حجة تؤيد النتائج الفلسفية التي انتهى إليها في قوله:
"إن النتيجة التي يمكن أن نخلص إليها من هذا البحث (هناك نتائج أخرى لم نذكرها هنا) هي أن الدالة functionالتفاضلية المتصلة، تفقد مكانتها التي تتبوأها في العمل كنموذج paradigm للمعرفة والتنبؤ. إن انشغال العلم ما بعد الحديث، بموضوعات مثل: عدم القابلية للحسم، وحدود التحكم الدقيق، والتضارب الناجم عن نقص المعلومات، والكسور، والكوارث، والتناقضات والمفارقات المبدئية، قد وضع بذلك لنفسه الأطر النظرية لتطوره كعلم تطوراً غير متصل وكارثي وغير قابل للتصحيح ومأزقي. وإذ يقوم العلم ما بعد الحديث، بالتعبير عن الكيفية التي حدث بها هذا التغيير، فإنه يقوم في نفس الوقت بتغيير كلمة المعرفة ذاتها. فهو لا ينتج معرفة بما هو معلوم، بل بما هو غير معلوم. ويقترح نموذجاً للمشروعية والصحة، لا علاقة له بتضخيم الأداء إلى الحدود القصوى، وإنما له أسسه المختلفة التي تُفهم بوصفها ذات منطق موازي". (ليوتار،1984، ص 60).
ولما كانت هذه الفقرة يُستشهد بها على الدوام، فسوف نخضعها للفحص الدقيق. هنا نجد ليوتار قد زج دفعة واحدة بستة فروع مختلفة ومتباعدة في الرياضيات والفيزياء. أكثر من ذلك أنه خلط بين ادخال الدالات غير التفاضلية (أو حتى الدالات غير المتصلة) في النماذج العلمية، وبين ما يعرف بالتطور غير المتصل والمأزقي للعلم ذاته.
ولا شك أن النظريات التي استدل بها ليوتار تتنج معارف جديدة، بطبيعة الحال، ولكنها تفعل ذلك دون تغيير في معنى كلمة المعرفة ذاتها. وبداهةً أن ما تنتجه هذه النظريات من معرفة معلوم وليس غير معلوم (اللهم إلا إذا كان فهمنا ذلك بالمعنى الساذج الذي يقول إن الاكتشافات الجديدة تطرح مشاكل جديدة). ومهما يكن من أمر، يظل معيار المشروعية والصحة هو المقارنة بين النظرية والملاحظة والتجربة، ولن يتغير هذا المعيار بحيث "يفهم الاختلاف بوصفه منطقاً موازياً". وذلك بقطع النظر عما يعنيه هذا التعبير.
والآن ننتقل للحديث عن نظرية الفوضى chaos theory. وسنناقش ثلاثة أنواع من الخلط وسوء الفهم. الأول يتعلق بالمضامين الفلسفية، والثاني ينِشأ من الاستخدام المجازي لكلمتي خطي linear وغير خطي nonlinear والثالث والأخير يتعلق بالتطبيقات والاستنتاجات المتعجلة للنظرية.
والسؤال هو عن أي شيء تتحدث نظرية الفوضى؟
للإجابة على هذا السؤال نقول هناك ظواهر فيزيائية تحكمها قوانين حتمية، وهي لذلك قابلة لأن يتنبأ بها من حيث المبدأ، ولكن نسبة لحساسيتها تجاه الشروط الأولية قد يتعذر التنبوء بها من الناحية العملية. بمعنى أنه إذا كان هناك نسقان أو نظامان من الشروط الفيزيائية يخضعان لذات القوانين الطبيعية الحتمية، ووجد هذان النسقان نفسيهما في لحظة زمنية معينة، في حالة طبيعية مماثلة (وإن لم تكن متطابقة) فبعد مضي فترة زمنية قصيرة ربما وجد النسقان نفسيهما في أحوال طبيعية مختلفة.
ويُعبر عن هذه الظاهرة الطبيعية مجازياً بالقول إن فراشة ما قد ترفرف بجناحيها ذات يوم في مدغشقر يمكنها أن تثير في غضون ثلاثة أسابيع من الآن إعصاراً في فلوريدا. وبطبيعة الحال لن تفعل الفراشة شيئاً ذا بال. ولكن وبدون الاستعانة بمجاز الفراشة، إذا قارنا بين أي نسقين من أوضاع الطقس الأرضية، فستكون نتيجة المقارنة بعد مضي ثلاثة أسابيع من الآن، مختلفة تماماً سواء نتج عنها إعصار أو غيره.
الخلاصة العملية التي نخرج بها من ذلك هي أنه ليس في وسعنا التنبؤ بأحوال الطقس لأكثر من بضعة أسابيع، حتى لو جمعنا أكبر قدر ممكن من المعلومات، وبمنتهى الدقة التي لا يوجد حاسوب، حتى الآن، قادر على استيعابها.
ولمزيد من الدقة، دعنا نختبر نسقاً لا تُعرف حالته الأولية معرفة كافية (كما هي الحالة دائما في الممارسة العملية) لا شك أن عدم الدقة في المعلومات الأولية سينعكس في نوع الحالة التي يمكننا التنبؤ بها في المستقبل. ويمكن القول بوجه عام، إن التنبؤات تصبح أقل دقة مع مرور الوقت. غير أن الطريقة التي تتزايد بها وتيرة عدم الدقة تختلف من نسق إلى آخر. ففي بعض الأنساق نجدها تتزايد ببطء، وفي البعض الآخر تتزايد بسرعة شديدة.
ولبيان ذلك دعنا نتصور أننا نريد الوصول إلى دقة معينة في توقعاتنا النهائية. ودعنا نسأل أنفسنا: كم من الوقت ستظل هذه التوقعات صحيحة صحة كافية. أكثر من ذلك دعنا نفترض أن هناك تحسينات فنية تسمح لنا بتخفيض نسبة عدم معرفتنا بالحالة الأولية إلى النصف. وأن التحسينات الفنية سوف تسمح لنا بالنسبة للنسق الأول (والذي تتزايد فيه نسبة عدم الدقة على نحو بطئ) بمضاعفة طول المدة الزمنية التي تمكنا من التنبوء بحالة النسق بالقدر الذي نرغب فيه من الدقة. وأما بالنسبة للنسق الآخر (الذي تتزايد فيه عدم الدقة على نحو سريع) ستسمح لنا التحسينات الفنية بزيادة سعة نافذة توقعاتنا بقدر محدد فقط، كأن تكون ساعة واحدة أو اسبوع إضافي (بحسب الظروف المتوفرة).
ولأغراض التبسيط، إلى حد ما، نسمي النوع الأول من الأنساق "غير فوضوي" non-chaotic والنوع الثاني" "فوضوي" chaotic ، بمعنى أنه شديد الحساسية للأحوال الأولية. من ذلك يتضح أن الأنساق الفوضوية تتميز بحقيقة أن القابلية فيها للتنبوء محدودة جدا لأنه حتى ولو أجرينا تحسينات فائقة ومبهرة من أجل الحصول على المزيد من الدقة في المعلومات الأولية (بعامل الألف مثلاً) فسوف لن يؤدي هذا إلا إلى زيادة ضئيلة جدا في المدى الزمني الذي يمكن ان تظل خلاله التوقعات صحيحة.
ربما يكون من المستغرب أن نجد نظاما شديد التعقيد مثل طقس كوكب الأرض يصعب التنبوء به. ولكن الأغرب من ذلك هو وجود نظام يتصف بمتغيرات ضئيلة العدد وسهل الإستجابة للمعادلات الحتمية (مثال ذلك شوكتي بندول متصلتين) ومع ذلك قد يظهر هذا النظام سلوكاً في غاية التعقيد وحساسية مفرطة للشروط الأولية.
ولكن على الرغم من ذلك يتوجب علينا تفادي القفز لاستخلاص نتائج فلسفية متعجلة. كتلك التي تزعم أن نظرية الفوضى قد برهنت على العلم قد بلغ نهايته أو حدوده. فهناك العديد من الأنظمة في الطبيعة غير فوضوية، بل حتى عندما يقوم العلماء بدراسة الأنظمة الفوضوية، لا يجدون أنفسهم قد وصلوا إلى طريق مسدود، أو إلى حاجز كتب عليه "ممنوع المضي أبعد من ذلك".
إن نظرية الفوضى تفتح آفاقاً واسعة لأبحاث المستقبل، وتلفت الانتباه إلى العديد من الموضوعات التي تستحق الدراسة. لكن العلماء المفكرون يدركون جيدا أنهم لا يطمحون في التنبؤ بكل شيء واحتسابه. وربما يكون من المحبط أن أمرا له أهمية خاصة (كالتنبؤ بالطقس أبعد من ثلاثة اسابيع) يفلت من قدرتنا على توقعه، ولكن هذا لا يعني توقف تقدم مسيرة العلم.
فعلى سبيل المثال، كان علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر، يدركون جيداً أنه تسحيل عملياً معرفة أوضاع وأحوال كل جزيئات الغاز. وقد حفزهم ذلك إلى تطوير مناهج في فيزياء الإحصاء، قادتهم إلى فهم العديد من خواص النظم والأنساق التي تتكون من أعداد هائلة من الجزيئات كالغازات. وبذات القدر هناك مناهج مماثلة في الإحصاء يجري استخدامها اليوم لدراسة الظواهر الفوضوية. والأهم من ذلك أن هدف العلم لا يقتصر على التنبؤ فقط، بل يشمل الفهم أيضاً.
هناك سوء فهم آخر يتعلق بمبدأ الحتمية determinism عند "لابلاس". وهنا دعنا نركز، في خضم هذا النقاش الممتد، على ضرورة التمييز دائماً، بين الحتمية والقدرة على التنبؤ. الحتمية تعتمد على عمل الطبيعة وحدها بدون تدخل الإنسان، بينما يعتمد التنبؤ والتوقع في جزء منه على الطبيعة، والجزء الآخر على الإنسان.
ومن أجل فهم ضرورة هذا التمييز، دعنا نتصور أن ظاهرة قابلة للتنبؤ بحركتها بدقة، ولتكن ساعة ضبط الوقت على سبيل المثال، قد وضعت في مكان بعيد عن المتناول، وليكن قمة جبل. ولهذا السبب صارت حركة الساعة غير قابلة لأن نتنبأ بها، لأننا لا نعلم بحالتها أو وضعيتها الأولية، ومع ذلك سوف يكون من السذاجة بمكان القول إن حركة الساعة قد توقفت أن تكون حتمية.
ولنأخذ مثالاً آخر وليكن هذه المرة "بندولا": في حال عدم وجود قوة خارجية، تظل حركة البندول حتمية، وبالتالي غير فوضوية. ولكن إذا أدخلنا عليه نظاماً للضبط الدوري لفترات مختلفة، فمن الجائز أن تصير حركته فوضوية، مما يصعب التنبؤ بها، ولكنها هل توقفت أن تكون حتمية؟
وهكذا أسيء فهم مساهمات لابلاس على الدوام. فهو حين أدخل مفهوم الحتمية الكونية، أضاف على الفور قوله إننا يجب أن "نظل في حالة انتقال إلى ما لانهاية" من هذا "العقل" المتصوَّر ومن معرفته الكاملة والمثالية "بأوضاع الكائنات التي يتألف منها" العالم الطبيعي. أي أنه يعني بلغة اليوم الحديثة، المعرفة الدقيقة بكل الشروط الأولية لكل الأشياء.
فهو بذلك قد ميز تميزا جليا بين عمل الطبيعة وبين معرفتنا بها. وما يؤكد ذلك أنه كان قد طرح هذا المبدأ في بداية مقالته المعنونة "نظرية الاحتمالات". ولكن ماذا تعني نظرية الاحتمالات بالنسبة إلى "لابلاس"؟ لا شيء، سوى أنها منهج يتيح لنا أن نبرهن ونحن في أوضاع من الجهل الجزئي.
وسوف يتضح لنا أن معنى نص "لابلاس" قد أسئ فهمه تماما، إذا أخذنا في الاعتبار انه كان يأمل في الوصول يوماً، إلى معرفة كاملة ومقدرة كلية على التنبؤ، ذلك أن الهدف من مقالته هو شرح كيف يمكنّا أن نمضي قدماً، في ظل غياب هذه المعرفة الكاملة، تماما كما يفعل المرء، في علم الفيزياء الإحصائية، على سبيل المثال.
وفي غضون الثلاثة عقود الماضية، هناك تقدم ملحوظً قد أحرز في نظرية الفوضى في علم الرياضيات. ولكن الفكرة القائلة إن بعض الأنظمة الفيزيائية في الطبيعة قابلة أن تظهر حساسية للشروط الأولية، ليست جديدة. واليك ما قاله جميس كلارك ماكسويل سنة 1877 بعد ذكره مبدأ الحتمية: "الأسباب المتماثلة تولد دائماً نتائج متماثلة"، يقول:
"يجب ألا يُخلط بين هذا المبدأ ومبدأ آخر هو: "الأسباب المتشابهة تؤدي إلى نتائج متشابهة". هذا يصدق فقط حينما تولِّد متغيرات ضيئلة في الظروف الأولية، متغيرات ضيئلة في الحالة أو الوضع النهائي للنظام أو النسق. ونجد هذا الشرط متوفر في الغالبية العظمي من الظواهر الفيزيائية. غير أن هناك حالات أخرى يمكن أن تُحدِث فيها المتغيرات الأولية الطفيفية في الظروف الأولية تغيراً كبيراً في الوضع النهائي للنظام. مثال ذلك عندما تتسبب إزاحة "النقاط" في جعل قطار يسير في خط آخر، غير الخط المحدد لسيره". (ماكسويل، 1952، "1877م" ص 13-14).
وأما ما كتبه هنري بوينيكير سنة 1909 عن تنبؤات الأرصاد الجوية، فيبدو جليا أنه ينتمى إلى الكتابات الحديثة. يقول:
"لماذا يواجه خبراء الأرصاد الجوية صعوبة في التنبؤ تنبؤاً قطعياً بالأحوال الجوية؟ لماذا تبدو لنا أن زخات المطر وحتى العواصف الثلجية، كأنها تأتي عن طريق المصادفة إلى درجة أن الكثير من الناس يعتقدون أنه من الطبيعي، التوجه بالدعاء لنزول المطر والجو اللطيف، مع أنهم يرونه عملاً سخيفاً أن تلجأ إلى الدعاء من أجل حدوث كسوف مثلاً ؟ الملاحظ أن معظم الاضطرابات الجوية تحدث، على العموم، في المناطق التي يكون فيها الطقس في حالة تعادل غير مستقرة. فقد يلاحظ خبراء الأرصاد الجوية جيداً أن حالة التعادل غير مستقرة، وأن إعصارا ما سوف يتشكل في مكان ما، لكنهم لا يستطيعون تحديد هذا المكان بكل الدقة، وذلك لأن عُشر درجة، أكثر أو أقل، في أي نقطة يتم تحديدها، يمكن أن ينطلق الإعصار من هنا وليس هناك، ويغشى مناطق لم يكن من المتوقع في حسابات الخبراء أن يغشاها بآثاره المدمرة. فلو كانوا على علم بعشر الدرجة، لتمكنوا من رصد حركة الإعصار مقدماً، إلا أن الملاحظات لم تكن شاملة ولا دقيقة بما يكفي على نحو يمكنهم من ذلك. وهذا هو السبب الذي يجعل كل الظواهر تبدو وكأنها تحدث بالمصادفة". ( بيونيكير، 1914 (1909) ص 68-69).
والآن دعنا ننتقل لمناقشة المفاهيم المغلوطة التي تنشأ من سوء استخدام كلمتي خطي وغير خطي. في البداية دعنا ننوِّه بأن كلمة "خطي" linear لها معنيان مختلفان في الرياضيات، ومن المهم جدا ألا نخلط بينهما. فمن ناحية يجوز الحديث عن دالة (أو معادلة) خطية. فعلي سبيل المثال الدالات الآتية خطية:
د(س) = 2س و د(س)-17س
وأما الدالات غير الخطية فمثالها:
د(س) = س و د(س) = جاس
والمعادلة الخطية، بلغة النمذجة في الرياضيات، هي التي (مع شيء من التبسيط) تصف الوضع الذي تكون فيه النتيجة تناسبية مع السبب.
ومن ناحية ثانية، يجوز في الرياضيات الحديث عن نظام خطي linear order وهذا يعني أن عناصر المجموعة قد رتبت بحيث يكون لكل زوج من العناصر "أ" و"ب" لدينا منه: "أ" أصغر من ب، أ = ب، أو "أ" أكبر من "ب".
فعلى سبيل المثال يوجد نظام خطي طبيعي في مجموعة الأعداد الحقيقية real number، بينما لا يوجد نظام خطي طبيعي في الأعداد المركبة.
وهنا نجد كتاب ما بعد الحداثة قد أضافوا معنى ثالثاً لمفهومي كلمة "خطي" في الرياضيات. وهذا المعنى المضاف يشيرون به إشارة مبهمة إلى المعنى الرياضي الثاني، ولكنهم في الواقع يخلطون بينه والمعنى الرياضي الأول عندما يتحدثون عن "فكر خطي" linear thought من غير تحديد لماهية هذا الفكر.
غير أن الدلالة العامة لهذا الفكر الخطي واضحة بما يكفي: فهم يشيرون به إلى الفكر المنطقي العقلاني للتنوير، وإلى ما يطلقون عليه العلم الكلاسيكي، والمتهم من قبلهم دائماً بالعناية الزائدة بالاستقراء والإحصاء. ولذلك يناصرون فكر ما بعد حديث، غير خطي، يعارضون به طريقة التفكير القديم، غير المواكب في نظرهم.
والواقع أن مضمون هذا الفكر غير الخطي، الذي يطالبون به، غير محدد تحديدا دقيقاً ولكنه يبدو جلياً أنه منهجية في التفكير، تسعى إلى تجاوز التحليل المنطقي، بالتعويل على الحدس والادراك الذاتي. ويزعمون على الدوام أن ما يسمى العلم الحديث، ونظرية الفوضي على وجه التحديد، تبرر وتؤيد هذا الفكر غير الخطي الجديد. ولكن هذا الزعم يستند فقط على الخلط بين المعاني الثلاثة لكلمة خطي في الرياضيات.
وبسبب هذا الخلط وسوء الاستخدام نجد كتاب ما بعد الحداثة ينظرون دائماً إلى نظرية الفوضى، بوصفها ثورة ضد ميكانيكا نيوتن التي يلصقون بها صفة خطية، ويستشهدون بميكانيكا "الكم" مثالا على النظرية غير الخطية.
والحقيقة أن تفكير نيوتن الخطي، يستخدم في الواقع نظريات غير خطية تماماً. وهو ما يفسر حقيقة أن الكثير من الأمثلة في نظرية الفوضى، مأخوذة من ميكانيكا نيوتن، الأمر الذي يجعل دراسة نظرية الفوضى، تمثل في الواقع إحياء لميكانيكا نيوتن بوصفها نموذجاً للبحث المتجاوز. وبذات القدر بينما يُستشهد دائما بميكانيكا الكم كمثال أصيل على العلم ما بعد الحديث، نجد أن المعادلة الأساسية في ميكانيكا الكم، وهي معادلة "شرودينغر"، معادلة خطية تماماً.
فضلاً عن ذلك أن العلاقة بين الخطية والفوضى وسهولة حل المعادلة، يسأ فهمها دائماً. والحقيقة هي أن المعادلات غير الخطية، على وجه العموم، أكثر صعوبة في الحل، من المعادلات الخطية ولكن ليس دائماً. والواقع هناك مسائل خطية صعبة الحل، كما أن هناك مسائل غير خطية سهلة الحل جداً.
فعلى سبيل المثال، معادلات نيوتن المتعلقة بالجسمين (الشمس وأحد الكواكب) في مسألة "كِبلر" معادلات غير خطية، ومع ذلك سهلة الحل على نحو واضح وجلي. أكثر من ذلك لكي تحدث الفوضى، يجب بالضرورة أن تكون المعادلة غير خطية وغير سهلة الحل. ولكن حتى هذين الشرطين لا يكفيان لانتاج الفوضى، سواء حدثا على انفراد أو حدثا معاً. إذاً النظام أو النسق غير الخطي ليس بالضرورة، كما يعتقد الناس، أن يكون فوضوياً.
وتتضاعف الصعوبات ويتفاقم الخلط وسوء الفهم عندما نحاول تطبيق نظرية الفوضى في الرياضيات على أوضاع وحالات ملموسة في الفيزياء والأحياء أو العلوم الاجتماعية. فلكي يتم القيام بذلك على نحو معقول، يلزمنا أن تكون لدينا أولاً فكرة صحيحة عن المتغيرات ونوعية التغيّر الذي تخضع له هذه المتغيرات. ولكن للأسف يصعب جداً في أغلب الأحوال أن تجد نموذجاً رياضياً سهل بما يكفي ليكون قابلاً للتحليل، ويصف في نفس الوقت الموضوعات محل البحث وصفاً صحيحاً.
وتنشأ مثل هذه الإشكالات دائماً، متى ما أردنا تطبيق نظرية رياضية على قضايا الواقع. هناك تطبيقات مزعومة لنظرية الفوضى في إدارة الأعمال والنقد الأدبي ولكنها تطبيقات تلامس تخوم العبث. وما يزيد الطين بلة أنه يجري الخلط دوما ما بين نظرية الفوضى التي لحقت بها تطورات كبيرة في الرياضيات، وبين نظريات لا تزال في طور النشوء مثل نظريات التعقيد، والتحكم الذاتي.
وسوء الفهم الأعظم الآخر، ينشأ عن الخلط بين نظرية الفوضى في الرياضيات والحكمة الشعبية القائلة إن الأسباب التافهة تؤدي إلى نتائج وعواقب وخيمة مثل القول:" لو كانت أنف كليوباترة أقصر قليلاً". أو مثل قصة المسمار المفقود الذي أدى إلى انهيار الإمبراطورية. فكثيراً ما نسمع عن تطبيقات لنظرية الفوضى على التاريخ والمجتمعات. ولكن المجتمعات نظم معقدة وتحتوي على عدد ضخم من المتغيرات (لا سيما المجتمعات الحاضرة) الأمر الذي يتعذر معه على المرء أن يضع أي معادلات لها مغزى. إن الحدث عن فوضى في هذه النظم، لن يفضي بنا أبعد من خبط العشواء الذي تشير إليه الحكمة الشعبية.
على أنه لا يزال هناك سوء فهم آخر ينشأ عن الخلط (بقصد أو غير قصد) بين المعاني العديدة والمختلفة لكلمة فوضى شديدة الإثارة. كأن يجري الخلط بين معنى الكلمة التقني في نظرية الديناميكا غير الخطية في الرياضيات، والمرادف إلى حد ما لمعنى عبارة "ذو حساسية اعتماداً على الشروط الأولية"، وبين معاني الكلمة الواسعة في علوم الاجتماع والسياسة والتاريخ وعلم الأديان حيث تفهم كلمة "فوضى" دائما كمرادف للإضطراب والهرج وغياب الانضباط والنظام. وقد استغل (أو وقع) كل من بورديارد، وجل ديلوز وقوتاري، في هذا الخلط اللفظي المخجل كما سنرى.

هوامش:
* العنوان الكامل للكتاب بالإنجليزية:
Fashionable Nonsense: Postmodern Intellectuals Abuse of Science', Picador, New York, 1998, p.134-146
** عبد المنعم الفَيا، الدبلوم العالي في الترجمة.

abusara21@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • نظرية “الفوضى” والعلم “ما بعد الحديث”
  • مبابي يصارع الزمن للحاق بمواجهة هولندا
  • إدارة إتحاد العاصمة تجدد عقد بوخنشوش وتتعاقد مع دهيري بصفة نهائية
  • “لمس الصباغة”.. معرض فني جديد في طنجة
  • سؤال وجواب| مراجعات نهائية في اللغة العربية للثانوية العامة 2024
  • هيئة الصحفيين السعوديين تشارك بصفة “مراقب” في اجتماع اتحاد الصحافة الدولي في لندن
  • بصفة "مراقب".. هيئة الصحفيين تشارك باجتماع اتحاد الصحافة الدولي في لندن
  • هذا موعد فتح الموقع للإكتتاب في “عدل 3”
  • وزير السكن يدشّن مقر وكالة “عدل”
  • دون حصيلة نهائية.. ارتفاع عدد الوفيات والمفقودين من الحجاج الأردنيين