معاق أم محارب؟ .. جدل علمي شائك حول الملك توت عنخ آمون
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
قبل أكثر من 100 عام قادت الصدفة عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر للعثور على فرعون مصر القديمة المفقود "توت عنخ آمون" داخل مقبرة صغيرة مع فريق من العمال المصريين.
وما وجده كان صادمًا، فقد عثروا عليه محاط بالآثار والمصنوعات اليدوية، بالرغم من أن جسد كان مشوه، والعديد من الأطراف منحنية، وجمجمة تبدو في غير مكانها.
سيحدد التحليل المستقبلي أن توت عنخ آمون كان يعاني من مجموعة من الإعاقات الجسدية، لكن ثلاثة خبراء يزعمون الآن أن الملك الصبي كان، في الواقع، "محاربًا متشددًا في المعركة وليس معاقًا".
ومن بين الكنوز التي دفن بها توت، حوالي 130 عصا كاملة ومجزأة ذات أشكال وتصاميم مختلفة، والتي يُقترح أنها عصي للمشي تساعده على الحركة.
لكن في العام الماضي، أخبر ثلاثة خبراء في شؤون مصر القديمة الجمهور في مهرجان شلتنهام للعلوم أنهم يعتقدون أن هناك أسطورة قد خيمت على هوية توت الحقيقية.
وقالت صوفيا عزيز، عالمة المصريات الطبية الحيوية: "عندما درست توت عنخ آمون، أنا شخصياً لا أعتقد أن هناك أي دليل على أنه كان معاقاً، لأنني رأيت مومياوات حيث يبدو أن هناك قدماً حنفاء"، وأضافت:"كانت عصي المشي مجرد علامة على الملوك".
وتقول السيدة عزيز إن "القدم المعاقة" ربما تكون ناجمة عن عملية التحنيط عندما يمكن للراتنج والضمادات الضيقة أن تشوه شكل اليد والقدم والأطراف الأخرى.
ربما يكون العظم الأوسط المفقود الذي كثر الحديث عنه في إصبع القدم الثاني لقدمه اليسرى قد اختفى بعد نقل رفات توت إلى صندوق رمل، حتى أنها اقترحت أنه ربما تم أخذها من قبل شخص ما كتذكار.
علاوة على ذلك، فإن عظام الساق تظهر عادة علامات الإجهاد إذا كان صاحبها قد أمضى سنوات من حياته وهو يعرج ويعرج.
وبالمثل، أدى عمر توت عنخ آمون إلى وصف الكثيرين له بالملك الضعيف، لقد اعتلى العرش وهو في الثامنة أو التاسعة من عمره فقط وغادره عندما توفي في سن التاسعة عشرة، حيث قام مساعدوه الملكيون بوضع العديد من سياساته وتنفيذها.
ومع ذلك، يبدو أن فكرة أنه كان أكثر محاربًا مدعومة بالأسلحة والدروع العديدة الموجودة في قبره، ويدعم الدكتور كامبل برايس، أمين متحف مانشستر المصري، والذي تحدث أيضًا عن توت عنخ آمون في مهرجان العلوم، فكرة أن الملك الصبي المريض هي على الأرجح أسطورة.
وقال: "نحن نتعاطف مع توت عنخ آمون، فهو ليس ما تتوقعه من القناع الذهبي، وأنا أوافق تماما على أن أي شيء في الفن الفرعوني ليس كما يبدو عليه الناس، لأنه عالم الآلهة. لكنه ذهب في الاتجاه الآخر حيث أصبحنا ننظر إليه على أنه هذا المخلوق المسكين".
وأضاف: "عليك أن تتذكر أنه عندما تم العثور على توت عنخ آمون، كان ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة، وكان الناس قد فقدوا شبابًا في الخنادق، لذلك كانت هناك شفقة جماعية للشباب الذين ماتوا".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
صراحة نيوز- الاستاذ الدكتور فواز محمد العبد الحق الزبون _ رئيس الجامعة الهاشمية سابقاً.
يقدّم الدكتور صبري ربيحات في كتابه «وكأنني لازلت هناك» عملاً سرديًا يتجاوز حدود السيرة الذاتية إلى فضاء أرحب يدمج بين الذاكرة الفردية والتاريخ الاجتماعي. فالكتاب يشكّل شهادة حيّة على مسار إنساني حافل بالتجارب، يبدأ من الطفيلة وينفتح على فضاءات العمل الأكاديمي والإداري والثقافي والسياسي في الأردن. ومنذ الصفحات الأولى، يلمس القارئ صدق الكاتب، وحرصه على تسجيل التفاصيل بعمق إنساني يذكّر بأن السيرة ليست مجرد أحداث، بل هي رؤية إلى الحياة وإلى أثر المكان في تشكيل الإنسان.
يعود ربيحات إلى الطفيلة باعتبارها نقطة بدء تكوّنت فيها شخصيته وتبلورت قيمه الأولى. فهو ابن البيئة التي صاغت أبناءها على الصلابة والاعتداد بالنفس واحترام العمل. ولا يظهر المكان في الكتاب مجرد مساحة جغرافية، بل كذاكرة راسخة ومصدر للمعنى. إذ يُبرز المؤلف تأثير الطفولة المبكرة، والمدرسة، والعلاقات الاجتماعية، في بناء الإنسان، مستعيدًا مشاهد الحياة اليومية التي شكّلت خلفيته الثقافية والأخلاقية. ويتعامل مع تلك التفاصيل بحنان معرفي يجعل القارئ يشعر أنه أمام وثيقة صادقة تُدوّن تحولات المجتمع الأردني عبر صورة الفرد.
وإلى جانب البعد الاجتماعي، يكشف الكتاب عن مسيرة مهنية متشعبة تجمع بين الأكاديمية والعمل العام. فقد تنقّل الدكتور ربيحات بين مواقع متعددة، بدءًا من خدمته في الأمن العام، وصولًا إلى تولّيه حقائب وزارية مثل وزارة الثقافة ووزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية. ويعرض هذه التجربة بروح المسؤول الذي يرى في العمل العام التزامًا تجاه المجتمع، وليس موقعًا بروتوكوليًا. ومن خلال سرد هذه المحطات، تُقدَّم للقارئ صورة لرجل يؤمن بأن خدمة الدولة مهمة تتطلب المعرفة والانتماء معًا.
ويتميّز الكتاب بلغته الرشيقة التي توازن بين بساطة التعبير وعمق الفكرة. فهو يكتب بلا مبالغة، وبلا مسافة بين الذاكرة والقارئ، مما يمنح السرد صدقه ودفئه. كما تتضح في أسلوبه خبرة الأكاديمي وقدرته على قراءة الأحداث وربطها بسياقاتها الثقافية والاجتماعية، وهو ما يضفي على السيرة قيمة معرفية مضاعفة. وفي الوقت نفسه، تحضر الإنسانية بوضوح في طريقته في استحضار العلاقات والتجارب، وفي قربه من الناس وتجاربهم اليومية.
وبالنظر إلى موضوعه وأسلوبه وأبعاده الفكرية والتربوية، يُعدّ الكتاب مادة ذات قيمة للتدريس في المدارس والجامعات، خصوصًا في مساقات التربية الوطنية، والدراسات الاجتماعية، وأدب السيرة الذاتية. فهو نموذج لكتابة تجمع بين التجربة الشخصية والتاريخ الوطني، وتساعد القارئ ،وخاصة الطالب ،على فهم كيفية تداخل السيرة الفردية مع تحولات المجتمع والدولة.
ملامح شخصية الدكتور صبري ربيحات كما تعكسها السيرة
تكشف صفحات الكتاب عن مجموعة من السمات التي تكوّن صورة واضحة لشخصية المؤلف، من أبرزها:
1. الانتماء للبيئة الأصلية
يظهر ربيحات ابنًا وفيًا للطفيلة، ممتنًا لتجربته الأولى، ومحمّلًا بقيم الجهد والنزاهة والاقتراب من الناس.
2. الصدق والشفافية
يكتب تجربته كما عاشها، دون تجميل أو مواربة، الأمر الذي يمنح السرد واقعيته ومصداقيته.
3. الرؤية الوطنية
لا ينظر إلى الأحداث من زاوية فردية فحسب، بل يربطها بالسياق الأردني العام، ويقدّم شهادة ناضجة على تاريخ اجتماعي وسياسي متحوّل.
4. العقل الأكاديمي
تظهر خبرته البحثية في قدرته على التحليل، وفي سلاسة الجمع بين التجربة الذاتية والمعطيات الموضوعية.
5. خبرة العمل العام
تمتزج في شخصيته ثقافة المثقف مع مسؤولية رجل الدولة، مما يجعل سيرته نموذجًا لفهم دور النخب في خدمة المجتمع.
6. البعد الإنساني
في كل التفاصيل، يحضر الإنسان القريب من الناس، والحريص على قراءة التجربة من منظور إنساني قبل أي شيء آخر.
خلاصة القول، يمثّل كتاب «وكأنني لازلت هناك» إضافة نوعية إلى أدب السيرة الذاتية في الأردن، لما يحمله من قيمة توثيقية وإنسانية، ولقدرته على الجمع بين سرد التجربة الفردية ورصد تحولات المجتمع. وهو عمل يستحق القراءة والتأمل، ويناسب أن يكون مرجعًا تربويًا يوظَّف في العملية التعليمية، لما يقدّمه من مضامين ثقافية ووطنية وأخلاقية راسخة. ويظلّ الكتاب شهادة صادقة لرجل حمل قيم بيئته معه أينما ذهب، وظلّ قريبًا من الناس ومن الحقيقة ومن فكرة الخدمة العامة.