ما هو الزهد الحقيقي وكيف تكون من الزهاد؟.. علي جمعة يكشف
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
ما هو الزهد الحقيقي وكيف تكون من الزهاد؟، سؤال أجابه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف والمفتي السابق من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
ما هو الزهد الحقيقي وكيف تكون من الزهاد؟وقال علي جمعة: سيدنا رسول الله ﷺ علمنا الزهد في هذه الحياة الدنيا، وتوظيف هذا الزهد للآخرة، وتوظيف ذلك الزهد بأن نجعل الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا لعبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ومعنى الزهد أيضًا بأنه ليس هو الفقر؛ فإن الزاهد يزهد من وجود؛ فلابد أولًا أن تكون الدنيا معه، أما الذي ليس معه شيء ففيم يزهد؟! هو أصلًا ليس معه شيء؛ ولذلك هناك قصة يرويها أهل التربية أن رجلًا ذهب يعتزل الناس معتقدًا أن العزلة، وترك الحياة الدنيا وعمارة الأرض سيمكنه الله من الخلو بنفسه، وذكر الله، والتدبر، والتأمل، ويكف شره عن الناس، ويكف عن نفسه شر الناس، فذهب إلى مكانٍ بعيد في الصحراء أو بجوار نهرٍ معزول وجلس يعبد الله سبحانه وتعالى كشأن العُبّاد في العصور الأولى التي كانت قبل الإسلام.
وكان هناك أحد التلاميذ له يتردد عليه، ويخدمه إذا كانت هناك خدمة يقوم بها؛ فقال له في مرة: أنت تنزل المدينة؟ قال: نعم، قال: هذا عنوان أخي في الله كنا سويًا في طلب العلم، وكنا سويًا في الحياة الدنيا إلى أن اعتزلت أنا هنا في ذلك الشِعْب من شعب الجبال فاذهب إليه، وسلم عليك، وقل له : إن أخاك فلان يُرسل إليك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويطلب منك الدعاء.
وتابع: هذه القصة تبين معنى الزهد الحقيقي، وأنه أمرٌ متعلقٌ بالقلب، وبالسلوك، وليس متعلقًا بالرسوم والشعائر-.
فعندما نزل الطالب المدينة، وذهب إلى العنوان المقصود فوجئ بأنه أمام قصر منيف وله حدائق غناء -ويدل على أن هذا الرجل إما أن يكون ملكًا، وإما أن يكون ثريًا، وإما أن يكون وجيهًا-. فسأل عنه، فقيل له إنه في عمل، ويأتي بعد قليل، فلما جاء الرجل جاء وهو يركب فرسًا، وحوله الحشم، والخدم، وهيئة عجيبة غريبة، دخل وأتى بالرجل، نعم أيها الضيف العزيز أكْرِموه.
قال: أنا أتيتك من أخيك فلان المعتزل في شِعب الجبل؛ ويرسل إليك السلام ويخصك بالتحية والإكرام . قال: بلغه مني السلام، وقل له: يا فلان أما آن لك أن تُخرج الدنيا من قلبك؟ فاغتاظ الطالب عن أي دنيا يتكلم ؟! أستاذي الذي في شِعب الجبال الدنيا موجودة في قلبه، وهذا الرجل الذي في القصر المنيف وحوله الحشم والخدم.... وكذا إلى آخره ، أين الدنيا وأين الآخرة إذن؟ فذهب في عادته فقال له شيخه: هل وصّلت الرسالة؟ قاله: نعم، ولكن أنا غير سعيد، وقال لي أُخبرك رسالة ولكنى لا استطيع أن أقولها .
قال له: بل تكلم . قال الطالب: يقول أما آن لك أن تُخرج الدنيا من قلبك؟ فبكى وقال: صدق .
قال الطالب بتعجب: صدق؟ قال له: والله يا بني وأنا أصيد السمكة خائف هل ستخرج أم لا، -متعلق بها-، وعندما أنام أخاف أن يأتي ثعبان أو عقرب يلدغني أم لا ، عندما أجوع أخاف أن تتأخر عليَّ بالأكل؛ فالدنيا في قلبي.
وشدد: إذن فوجود الدنيا في القلب ليس بقلة الحيلة، ولا بقلتها في اليد بل هذا أمرٌ قلبي.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بِمَنْكِبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . [البخاري] يعني تعامل مع الدنيا على أنك غريبٌ فيها، وأنك ضيفٌ فيها، الذي يتعامل معها بهذا الشأن عينه دائمًا على الآخرة، وهذه العين التي على الآخرة تتحكم في سلوكه فلا يظلم أحد، ولا يأخذ رِشوة، ولا يسرق، ولا يغتصب لا أرضًا ولا عِرضًا، إذن دائمًا التعلق بالآخرة يمنع الإنسان ويحميه من كل هذه المصائب.
ودعا علي جمعة قائلا: «اللهم أخرج الدنيا من قلوبنا، واجعلها في أيدينا، ومكنا منها، ثم ارزقنا حسن التصرف فيها».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الزهد علي جمعة هيئة كبار العلماء الدنيا علی جمعة قال له
إقرأ أيضاً:
ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
رغم أن سورة الفلق هي من السور القرآنية القصيرة المعروفة ، بل المحفوظة كذلك عن ظهر قلب، إلا أنه لايزال هناك الكثير عنها خفيًا منه ما سر قل أعوذ برب الفلق ؟ ، ولعل ما يجعلنا بحاجة للمعرفة ويصعب علينا تجاهله ، هو أنها من أفضل سور الرقية الشرعية من العين والحسد، وهذا ما يدفعنا للبحث خلف ما سر قل أعوذ برب الفلق وما معناها.
قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } الذي فلق هذا العالم من العدم إلى الوجود، ومن الظلام إلى النور بالرسالة، وأعطانا أمثلةً كونية بأن الشمس تشرق كل يوم لكنها تغيب.
وأوضح «جمعة» عن ما سر قل أعوذ برب الفلق ؟، أنه لا دائم إلا وجه الله، { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ، { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } وأن الظلام يأتي لكنه ينقشع.
وأكد أنه إذا أردت خير الدنيا فعليك بالله، وإذا أردت خير الآخرة فعليك بالله، وإذا أردت أن تتقي المصائب فعليك بالله؛ إما يصدها عنك، وإما ينصرك عليها، وإما يتقبلك عنده - سبحانه وتعالى - ويجازيك عليها، ففي كل حال من نصرٍ أو هزيمة أنت في معية الله، وفي كل حال من ضيقٍ وسعة إن الله معك وأنت في جواره -سبحانه وتعالى-.
وأضاف أن قول الله - سبحانه وتعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»، ويُقصد بالفلق الصبح؛ وذلك لأن الليل يتفلق عنه، وتناولت سورة الفلق في ثناياها الالتجاء إلى الله - سبحانه وتعالى-، والتحصن بقدرته من شر المخلوقات، ومن شر الظلام إذا انتشر، ومن شر السحرة، ومن شر أهل الفتن، ومن شر أهل الغيبة والنميمة، ومن شر الحسود.
وأفاد بأنه تهدف سورة الفلق إلى توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين جميعًا إلى اللجوء والاعتصام بقدرة الله - سبحانه وتعالى-، والاحتماء بجلاله من شر مخلوقاته وما يصدر عنهم من حسد أو أذى.
وأشار إلى أن (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، أي قل ألتجأ وأحتمي برب الفلق، والاستعاذة بالله ضربًا ونوع من الدعاء، أما الرب فهو المالك، أو السيد الذي يأمر فيطاع، أو المُصلح، والفلق فصل الأشياء عن بعضها.
وبين أن فطر وخلق وفلق كلها بمعنى واحد، والخلق هو إيجاد الشيء من العدم، وفالق بمعنى خالق وفاطر، قال الله - تعالى-: ( فالِقُ الإِصباحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا)، فالفلق جميع مخلوقات الله - تعالى-، وجميع ما انفلق عنها ونتج منها، ورب الفلق تعادل رب العالمين.
ونبه إلى أنها استعاذة من شر كل مخلوق فيه شر، وبهذا المعنى تشمل الآية الاستعاذة من شر ظلمة الليل، وشر حسد الحاسدين المذكورين في الآيات التي تلي هذه الآية.
وأردف: ولكن الله أراد أن يخص هذين النوعين من الشرور بالذكر؛ لخفائهما، فهما يأتيان الإنسان بغتة دون أن يعلم، فعَطفُ الخاص على العام يفيد مزيد الاعتناء بالخاص المذكور.
تفسير سورة الفلقالآية الأولى: قال الله -تعالى- في الآية الأولى من سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، والتفسير: أي قل ألتجأ وأحتمي برب الفلق، والاستعاذة بالله ضرباً ونوع من الدعاء، أمّا الرّب فهو المالك، أو السّيد الذي يأمر فيطاع، أو المُصلح، والفَلق فصل الأشياء عن بعضها، وفَطر وخَلق وفَلق كلّها بمعنى واحد.
وورد أن الخلق هو إيجاد الشيء من العدم، وفالق بمعنى خالق وفاطر، قال الله تعالى: ( فالِقُ الإِصباحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا)، فالفلَق جميع مخلوقات الله تعالى، وجميع ما انفلق عنها ونتج منها، وربّ الفلق تعادل ربّ العالمين.
الآية الثانية: في الآية الثانية من السورة قال الله تعالى: (مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)، والمُراد الاستعاذة بالله من شرّ كلّ مخلوق فيه شرّ، ويدلّ على هذا المعنى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أعوذ بك من شرِّ كلِّ دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتِها)، وليس المقصود الاستعاذة من شرّ كلّ مخلوقات الله تعالى، بل من شرّ كلّ مخلوق فيه شرّ.
وبهذا المعنى تشمل الآية الاستعاذة من شرّ ظلمة الليل، وشرّ حسد الحاسدين المذكورين في الآيات التي تلي هذه الآية، ولكنّ الله أراد أن يخصّ هذين النوعين من الشرور بالذكر؛ لخفائهما، فهما يأتيان الإنسان بغتة دون أن يعلم، فعَطفُ الخاص على العام يفيد مزيد الاعتناء بالخاص المذكور.
الآية الثالثة: في الآية الثالثة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، والغسق هو ظلمة الليل، ومنه قوله: (أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)، و قوله: وقب؛ بمعنى دخل.
وقد أشار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- مرّةً إلى القمر، ومعه السيدة عائشة فقال لها: (استعيذي باللهِ من شرِّ هذا فإنَّ هذا هو الغاسقُ إذا وقبَ)، وذلك أنّ ظهور القمر دليل على دخول الليل.
وذكر الغاسق نكرة في الآية للتبعيض، فهو ليس شرّاً في كلّ أوقاته بل بعضها، وإلّا فإنّ الأصل في الليل وفي القمر أنّهما نعمة ينعمها الله -عزّ وجلّ- على عباده.
الآية الرابعة: في الآية الرابعة من السورة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، يكون النّفث أكثر من النفخ، وأقلّ من التّفل، فالتفلُ يكون مع شيءٍ من الريق، أمّا النفث فلا يكون بريق، وقد يكون أحياناً بشيء قليل من الريق فيكون بذلك مختلفاً عن النفخ.
ويكون النفث من الأنفس الخيّرة، وكذلك من الأنفس الشريرة، ومثال الأنفس الخيّرة ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها: (أنّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان إذا اشتكى نَفَثَ على نَفْسِهِ بالمُعَوِّذاتِ، ومسحَ عنهُ بيَدِهِ).
ومثال النفث من الأنفس الخبيثة أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يتعوذ من شرّ الشيطان، من همزه، ونفخه ونفثه، والخلاصة في الآية الكريمة أنّ النفاثات الواردة فيها يُراد بها نفث الأرواح الخبيثة من الجنّ والإنس وليس فقط نفث الساحرات.
الآية الخامسة: في الآية الخامسة والأخيرة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، والمقصود بالحسد؛ تمنّي زوال النعمة عن الآخرين، وهو طبع في الإنسان لأنّه يحبّ أن يترفّع عن جنسه، وهو حرام، وقد يُراد به الغِبطة؛ وهي تمنّي النعمة دون زوالها عن الآخرين، والغبطة حُكمها في أمور الدنيا الإباحة، وفي أمور العبادات والطاعات مستحبّة.
وفيها قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا حسد إلا في اثنتيْنِ: رجلٌ آتاه اللهُ مالاً، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ، وآخرُ آتاه اللهُ حكمةً، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها).
وردت كلمة حاسد في الآية الكريمة نكرة؛ لأنّ ليس كلّ حاسد يكون ضارّاً، فإذا لم يظهر حسده ويعمل بمقتضاه، لم يكن حسده ذلك ضاراً للإنسان، بل ينحصر حينها أثر حسده على نفسه بما يصيبه من الهمّ لعدم تمكّنه وتملّكه للنعمة التي يحسد الآخرين عليها.
ويكون الضرر فقط إذا أظهر حسده وعمل به، ومِن أخفى ذلك الحسد العين، فقد يكون للحاسد تأثير كبير يصيب من خلاله الآخرين بالعين، ففي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (العينُ حقٌّ).