منذ ما يزيد عن 120 يوماً، يقبع القاضي عبدالوهاب قطران داخل زنزانة انفرادية في سجن المخابرات التابع للميليشيات الحوثية في صنعاء. وسط ممارسات وانتهاكات بشعة يتعرض لها القاضي على خلفية منشورات حقوقية على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي.

وضع صعب يمر به القاضي، الذي يتعرض للترهيب والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق منذ اللحظات الأولى لاعتقاله عقب اقتحام منزله وترهيب أفراد أسرته الذين لا يزالون ينتظرون زيارته والاطمئنان على صحته عقب معلومات مؤكدة بنقله إلى أحد المستشفيات في صنعاء لتلقي العلاجات عقب تدهور صحته بسبب الحرمان من الرعاية والأدوية داخل السجن.

بحسب منشور لنجل القاضي قطران، أكد أن والده بات يتمنى الموت يومياً جراء ما يتعرض له من تعذيب وترهيب داخل سجن المخابرات في صنعاء، لافتاً إلى تعرضه لانتكاسة صحية وتم نقله إلى أحد المستشفيات للعلاج بسبب تدهور وضعه.

حرمان الرعاية

القاضي قطران -بحسب ما نقله نجله- قال إن الحوثيين يتعاملون معه وكأنه مجرم خطير وزعيم تنظيم إرهابي، ولا يراعون أنه قاضٍ ولديه حصانة، والدستور والقانون تكفلا بحمايته، موضحاً: "عقب تعرضي للوعكة الصحية الشديدة، تم أخذي بالأصفاد "الكلبش" ووضع غطاء على عيني وعلى رأسي، ونقلوني إلى أحد المستشفيات، دون السماح بإعطاء اسمي للدكتور أو لقبي، وكأني مجرم تم أخذه إلى ساحة الإعدام وليس للفحص والعلاج".

وأضاف: إن الدكتور قرر له قبل 12 يوماً، أدوية ومرهماً ونظارة، وإلى اليوم ترفض الميليشيات الحوثية صرفها، باستثناء علاج تنظيم دقات القلب، مشيراً إلى أن الوضع الذي يمر به يدفعه يومياً لتمني الموت من العيش في هذا العذاب. وقال قطران: "الموت أعز لي من هذه الحياة، وباطن الأرض خير من ظاهرها".

ضغط وترهيب 

وأورد القاضي عبدالوهاب قطران جزءاً بسيطاً من فصول التعذيب الذي يتعرض له داخل السجن منذ اعتقاله بصورة تعسفية وغير قانونية من منزله، مشيراً إلى أنه تعرض للتحقيق أكثر من 20 جلسة وهو معصوب العينين ومقيد اليدين وكأنه مجرم.

وقال: "تم ممارسة ضغوط كبيرة أثناء جلسات التحقيق لأجل إجباري على الاعتراف بتهم، بينها ارتباطي بخطوط خارجية وسعي للانقلاب عليهم، وأن أحد المخططين مرتبط بتلك الشبكات التخريبية"، مضيفاً: "في كل جلسة يتم مطالبتي بالاعتراف مع من أعمل ومع من مشترك وغيرها من الاتهامات التي يتم تأليفها".

وأضاف قطران: "لا أعرف ماذا يريدون مني، اقتحموا بيتي ثلاث مرات واعتقلوني، وأخذوا أرضي في البلاد، واعتقلوا اخوتي واقتحموا بيوتهم، يحاربوني وجوعوني وآخر شيء يفتشوا بيتي ثمان ساعات، يستبيحوا خصوصياتي، ويستدعون جيراني يدخلوهم يشهدوا عليّ بتهمتهم الملفقة، أخذوا تلفوناتي وذواكري واجهزتي وشوهوا بسمعتي، وبعد هذا يضعوني بسجن انفرادي شهر ونص".

وتابع: "يمارسون علي الضغط بشكل رهيب وبطرق قذرة، ويهددوني بأقراص "سيديهات" لي سينشرونها، وأنهم يراقبون بيتي منذ سبعة أشهر، وأنهم سمعوا كل ما يدور فيه، وأنهم عارفين بكل ما يدور في بيتك وأن لديهم كل أسراري وخصوصياتي".

انتفاضة قضائية

أواخر أبريل الماضي، أمهلت الجمعية العامة لنادي القضاء في صنعاء، ميليشيا الحوثي أسبوعا لإطلاق سراح القاضي عبدالوهاب قطران، وسط تحذيرات باحتجاجات تصعيدية لمواجهة الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها القاضي منذ اعتقاله مطلع يناير الماضي.

مهلة نادي القضاء انتهت فعلياً في 28 ابريل، دون أي استجابة من قبل الميليشيات الحوثية التي تصر على استمرار اختطاف القاضي قطران وانتهاك حصانته القضائية بذلك الشكل المهين والمذل لكل القضاة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة. بحسب البيان توعد النادي بخطوات تصعيدية إذا لم تجرِ الاستجابة لمطالبهم، ومع مرور أسبوع على انتهاء المهلة لم يعلن النادي أي خطوات تصعيدية.

بحسب مصادر في الجمعية العمومية لنادي القضاء بصنعاء، فإن الميليشيات الحوثية ماضية في انتهاكاتها بحق القاضي قطران والانتقاص من هيبة السلك القضائي، مشيرة إلى أن قيادات حوثية بارزة أجرت خلال الأيام الماضية اتصالات مكثفة مع قيادات قضائية بارزة في النادي توعدت باتخاذ إجراءات بحق النادي والقضاة الذين سيشاركون في أي تصعيد أو محاولة لتعطيل مرافق القضاء.

وأشار إلى أن النادي بصدد عقد اجتماع استثنائي من أجل مناقشة الخطوات التصعيدية التي توعد بها، إلا أن تدخلات حوثية تحول دون عقد الاجتماع حتى اللحظة. ورجح المصدر اتخاذ قرارات تصعيدية تبدأ برفع الشارات الحمراء يليه الإضراب الجزئي والتوقف عن العمل وغيرها من الإجراءات التي سينفذها نادي القضاء للضغط على الميليشيات الحوثية لأجل الإفراج عن القاضي عبدالوهاب قطران.

وتؤكد الجمعية العمومية لنادي القضاة اليمنيين في صنعاء، في بيانها الأخير، أن ما قامت به الميليشيات من مهاجمة منزل القاضي قطران وانتهاك حرمة مسكنه وتفتيشه واعتقاله وأخذه إلى السجن واستمرار حبسه منذ أكثر من 3 أشهر، جاء دون وجود أوامر قضائية أو إذن مسبق من مجلس القضاء، ودون وجود حالة تلبس، وأيضاً دون وجود إذن باستمرار حجزه، موضحة أن تلك الإجراءات تعد جريمة انتهاك حرمة مسكن بقوة السلاح مكتملة الأركان، وجريمة قيد حرية، وجريمة استعمال نفوذ، وجريمة انتهاك غير مسبوقة لاستقلال السلطة القضائية".

ووفق البيان، فإن ‏قيام الحوثيين بعد ارتكاب المخالفة المهنية الجسيمة بالضغط على قيادة السلطة القضائية، واستغلال ضعفها وهشاشتها لرفع الحصانة عن القاضي قطران، وإصدار أوامر قبض وتفتيش وحجز لاحقة لارتكاب الواقعة... يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القضاء اليمني أصبح منتهك السيادة والاستقلال، وهو ما يؤثر سلباً على أداء رسالته المقدسة لإنصاف المستضعفين وتحقيق العدل.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: القاضی عبدالوهاب قطران المیلیشیات الحوثیة القاضی قطران فی صنعاء إلى أن

إقرأ أيضاً:

السودان بين مستنقع الميليشيات ومأزق الدولة المنهكة

منذ نيل السودان استقلاله في يناير 1956، لم يعرف هذا البلد الكبير طعم السلام الحقيقي. فالحروب الأهلية لم تنقطع، بل تنقلت من إقليم إلى آخر، مولّدةً معها أجيالًا من المقاتلين وميليشيات مسلحة باتت اليوم تشكل المشهد الأمني والعسكري الأبرز في البلاد. 

ومع اندلاع الحرب الحالية في منتصف أبريل 2023 بين الجيش و"قوات الدعم السريع"، تضاعفت الفوضى الأمنية، وتوسعت خريطة الولاءات، حتى قُدّر عدد الميليشيات بأكثر من 110، لكلٍّ منها أجندة وأسلحة وقيادات محلية.

مستنقع الميليشيات وتعدد الولاءات

يشير الكاتب أمير بابكر في كتابه "سلام السودان... مستنقع الميليشيات والجيوش شبه النظامية" إلى أن 92 حركة مسلحة كانت ناشطة عند اندلاع الحرب بين الجيش و"الدعم السريع"، منها 87 متركزة في إقليم دارفور، بينما تنتشر البقية في كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان.

ويرى بابكر أن هذا التمدد العسكري غير المنضبط سيطيل أمد الحرب، إذ باتت الميليشيات اليوم تُقاتل تارة باسم الجيش، وتارة باسم "الدعم السريع"، وأحيانًا لتحقيق مصالحها القبلية أو الاقتصادية الخاصة.

أما الناشط السياسي مهادن الزعيم، فقد قدّر في تدوينة على "فيسبوك" وجود نحو 90 ميليشيا حالية، موزعة بين الطرفين وفق تكتلات جغرافية وآيديولوجية، مشيرًا إلى أن بعضها يحاول تأسيس نفسه كقوة ثالثة تُنافس على النفوذ الوطني بعد الحرب.

أنواع الميليشيات: أيديولوجية وجهوية وقبلية

تنقسم الميليشيات في السودان إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

ميليشيات متحالفة مع الجيش تسعى لدعم موقع المؤسسة العسكرية في الصراع.ميليشيات منضوية تحت "الدعم السريع" تتلقى تمويلًا وتسليحًا كبيرًا.فصائل مستقلة تتبنى مواقف حيادية ظاهرية لكنها تمارس نفوذًا في مناطقها، وبعضها خرج من رحم الجريمة المنظمة ليتحول إلى قوة ميدانية تفرض الأتاوات وتمارس العنف ضد المدنيين.

ومن أبرز المجموعات المسلحة الموالية للجيش: حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة بشير هارون. وقد توحدت هذه القوى تحت مظلة "القوة المشتركة"، فيما حافظت مجموعات أخرى كفصيل عبد الواحد محمد النور على موقف الحياد في جبل مرة.

ميليشيات النظام السابق وعودة "قوات الدفاع الشعبي"

تُعد الميليشيات المرتبطة بالنظام السابق والحركة الإسلامية أحد أبرز مكونات المشهد المسلح، إذ تشير تقارير محلية إلى وجود أكثر من 25 ميليشيا من هذا النوع، بينها "كتائب البراء بن مالك" و"أنصار الله" و"الفيلق الشبابي" و"درع الجزيرة".

كما عادت "قوات الدفاع الشعبي" – التي أنشأها نظام البشير عام 1989 – إلى الواجهة مجددًا بعد أن كانت حُلت في 2019. وتضم هذه القوات عناصر مؤدلجة تمتلك خبرة عسكرية، وتحصل على دعم استخباري وتسليح متطور من الجيش.

في المقابل، تعاني هذه المجموعات من عزلة مجتمعية ورفض شعبي واسع لكونها امتدادًا لحقبة الإسلاميين التي أطاحت بها الثورة.

الميليشيات القبلية والجهوية: السلاح باسم الهوية

في الشرق والوسط والشمال، تزايدت الميليشيات ذات الطابع القبلي والجهوي، مثل "درع السودان" و"سيف النصر" و"الدرع النوبي".

وفي شرق السودان وحده، تشير التقارير إلى وجود 10 ميليشيات كبرى مدعومة من بعض دول الجوار بحكم التداخل القبلي، أبرزها "درع شرق السودان" و"الحركة الوطنية للعدالة والتنمية" و"تجمع أحزاب وقوات شرق السودان".

تستمد هذه المجموعات قوتها من العصبية القبلية والدعم الخارجي، لكنها تعاني من انقسامات حادة تحول دون تشكيل قيادة موحدة، ما يجعلها قنابل موقوتة قابلة للانفجار الداخلي.

قوات الدعم السريع: من "الجنجويد" إلى جيش موازٍ

تُعتبر "قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" أبرز الميليشيات تطورًا في تاريخ السودان الحديث. فقد تأسست رسميًا عام 2013 كقوة موالية لعمر البشير، قبل أن تتحول إلى جيش شبه نظامي يضم أكثر من 100 ألف مقاتل.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة، تحالفت "الدعم السريع" مع فصائل منشقة عن "العدل والمساواة" و"تحرير السودان"، وشكّلت في فبراير 2025 تحالفًا جديدًا باسم "تأسيس"، ضم حركات سياسية ومسلحة معارضة للجيش.

وبالرغم من قوتها العسكرية وتمويلها الضخم، تواجه هذه القوات اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة ضد المدنيين، خاصة في دارفور والخرطوم.

الانقسام الجغرافي والتكاثر المسلح

امتد نفوذ الميليشيات إلى كل أقاليم السودان تقريبًا. ففي الشمال، ظهرت مجموعات جديدة مثل "كيان الشمال" الذي أعلن تدريب 50 ألف مقاتل، وفي الغرب تشكلت ميليشيات "درع كردفان" و"تحالف الكرامة"، بينما شهدت ولايات الوسط بروز "قوات شعب الوسط" و"درع السودان".

هذا التوسع العشوائي جعل السودان يعيش حالة "تفكك أمني" غير مسبوقة، حيث لم تعد الدولة قادرة على احتكار استخدام السلاح، بل أصبحت طرفًا بين أطراف عديدة تتنازع الشرعية والسيطرة.

يقف السودان اليوم على مفترق طرق خطير، إذ لم يعد الصراع مقتصرًا على جيشين متحاربين، بل أصبح شبكة معقدة من الولاءات والميليشيات والجهويات المتصارعة.

طباعة شارك السودان الدعم السريع الجيش حركة تحرير السودان جيش تحرير السودان

مقالات مشابهة

  • "الحوثي" تعلن مقتل رئيس هيئة الأركان محمد عبد الكريم الغماري
  • السلطة تتآكل من الداخل: صراع الاجنحة داخل الحركة الحوثية.. خلافات النفوذ والسيطرة داخل معسكر عبد الملك الحوثي.. تشظي جناح صعدة.. حصري
  • تعلن نيابة ومحكمة دمت بأن على/ محمد القاضي وآخرين الحضور إلى المحكمة
  • القاضي عاصم الغايش يستقبل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات
  • اجتماع لمناقشة مهام إدارة صحة البيئة بمحافظة صنعاء والصعوبات التي تواجهها
  • السودان بين مستنقع الميليشيات ومأزق الدولة المنهكة
  • الشعارات تتحول إلى عبء.. تاجر صنعاء تحت سوط التحريض الحوثي
  • رئيس جامعة سوهاج ينفذ أحكام القضاء لصالح الإداريين ويؤكد: احترام القانون التزام دستوري وأخلاقي
  • القاضي عبود عقد إجتماعاً مع المحققين العدليين... ماذا طلب منهم؟
  • لينا الطبال تحكي تجربة المعتقل الاسرائيلي: واجهت بن غفير ورفضت التوقيع