حماس: وافقنا على مقترح يحقق كل مطالبنا وعلى واشنطن تنفيذ تعهداتها
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس أسامة حمدان إن موافقة الحركة على مقترح الهدنة القطري المصري جاء بعد مفاوضات معقدة وطويلة، جرى خلالها بحث العديد من المقترحات التي لم تكن تلبي شروط المقاومة وطموحات الشعب الفلسطيني، مؤكدا حصول الحركة على ضمانات من الوسطاء بتنفيذ الاتفاق.
وأضاف حمدان، في مؤتمر صحفي اليوم الثلاثاء من بيروت، أن المقاومة أبدت مرونة وأنها صمدت ووضعت خطوطا حمراء لا يمكن التنازل عنها رغم الضغوط العسكرية والإنسانية، وتكثيف العدو نيرانه خلال اللحظات الحاسمة تحديدا.
وأكد أن موافقة الحركة على المقترح الأخير جاءت انطلاقا من مسؤوليتها تجاه شعبها في قطاع غزة، ومن حرصها العميق على مصالحه وحقوقه وثوابته وتضحياته، وتجاوبا مع دور الوسطاء في إنجاز هذا الاتفاق.
وجدد التأكيد على إبداء الروح الإيجابية خلال مراحل التفاوض، وأن الحركة حاولت تذليل العقبات أمام بعض الأمور، وتحفظت على بعض ما تم طرحه من أفكار، وسعت للحفاظ على حقوق الشعب في كل وقت.
وقال إن الحركة تمسكت خلال المفاوضات بوقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال، وإعادة النازحين لمناطقهم، ورفع الحصار عن القطاع وإعادة إعماره، وصولا إلى صفقة جدية وعادلة لتبادل الأسرى.
وأعرب حمدان عن شكر الحركة للقطريين والمصريين الذين قال إنهم بذلوا جهودا مضنية ومتواصلة، من أجل التوصل لهذا الاتفاق الذي أمّن مطالب الشعب والمقاومة في وقف العدوان بشكل كامل، وسحب قوات الاحتلال، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، وإنجاز صفقة تبادل جادة.
كما حقق الاتفاق الترابط في مراحله الثلاث، على عكس ما كان يريده الاحتلال بسعيه لتطبيق مرحلة واحدة، يتم خلالها إطلاق سراح الأسرى ثم يعود لشن عدوانه مجددا.
وأضاف أن الاتفاق الذي وافقت عليه الحركة يمثل الحد الأدنى من مطالب الشعب والمقاومة، مؤكدا أن حماس تعاملت بمرونة عالية، وقدمت تنازلات محسوبة دون تفريط في أي جزء من الحد الأدنى لمطالبها.
ضمانات من الوسطاء
وقال حمدان إن الحركة تلقت ضمانات جادة من الوسطاء بشأن تنفيذ الاتفاق والضغط على الاحتلال حتى لا يماطل أو يتهرب من بنود الاتفاق، مؤكدا أن هذه التطمينات تم تأكيدها مجددا بعد إعلان الحركة قبول المقترح.
ولفت إلى أن المفاوضات في كل مراحلها جرت بالتشاور مع فصائل المقاومة وفي مقدمتها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة ونائب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، إضافة إلى كافة الفصائل في غزة.
وقال حمدان إن الاتفاق يمثل إجماعا وطنيا لكل قوى المقاومة، وتجسيدا للموقف والرؤية الواحدة في المعركة والمفاوضات وطموحات الشعب الفلسطيني.
وقال إن توجه وفد الحركة للقاهرة يؤكد جديتها في التعاون وإنجاز الاتفاق، وأنها إيجابية في كل المراحل التي تم الاتفاق عليها.
وأكد أن محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المراوغة والتهرب من الاتفاق يضع الإدارة الأميركية -التي سبق أن اتهمت الحركة بأنها عقبة أمام الاتفاق- أمام استحقاق "يلزمها بالتخلي عن مجرمي الحرب الصهاينة، والتخلي عن شراكتها في جريمة الإبادة الجماعية، والانتقال إلى مربع الضغط عليهم، لإلزامهم بوقف الجريمة التي يرتكبونها ضد المدنيين العزل، ووقف جريمته التي يسعى لتنفيذها في مدينة رفح".
نتنياهو يحاول الإفلات
وأضاف أن محاولات نتنياهو الإفلات من الاتفاق لصالح أجندات خاصة "لم تعد تنطلي على أحد، ولن تثني المقاومة عن مطالبها المشروعة"، مؤكدا أن موافقة الحركة على مقترح الوسطاء وضعت نتنياهو وحكومته المتطرفة في مأزق، وأصابته بهيستريا مواقف وتصريحات تكشف هزيمته السياسية والإستراتيجية، حسب تعبيره.
وأكد حمدان أن الكرة في ملعب نتنياهو وأركان حكومته المتطرفة بالدرجة الأولى، وقال إن سلوكه "يعكس رغبته في إفشال جهود الوسطاء بمن فيهم الإدارة الأميركية، فضلا عن عدم اكتراثه بحياة أسراه المتواجدين لدى المقاومة، والذين يتهددهم الموت يوميا بسبب ممارسات نتنياهو التي تطال كل غزة".
وشدد على ضرورة إثبات الإدارة الأميركية جديتها وإلزام نتنياهو بتنفيذ الاتفاق.
وفيما يتعلق باقتحام قوات الاحتلال معبر رفح البري، قال حمدان إن ما جرى يمثل جريمة ضد مؤسسة مدنية محمية بالقانون الدولي، وانتهاكا صارخا لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
وأكد أن احتلال المعبر "يهدف لمفاقمة الوضع الإنساني في غزة عبر منع تدفق المساعدات الإنسانية للشعب، الذي يتعرض لتجويع ممنهج من جانب جيش نازي"، واصفا اقتحام المعبر بأنه "محاولة بائسة ويائسة لصناعة نصر مزعوم وتخريب الاتفاق الذي تم التوصل إليه".
ودعا حمدان الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لعقد لقاء عاجل على مستوى وزراء الخارجية، واتخاذ مواقف عاجلة لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه، والالتزام بالاتفاق الذي تم التوصل إليه.
وثمّن حمدان موقف مصر من العدوان على معبر رفح، ورفضها فتحه من الجانب المصري في ظل المتغيرات الجديد، وقال إن الحركة لن تقبل بوجود أي قوة احتلال في المعبر.
وأكد أن الحركة لن تستجيب لأي صفقة تحت الضغط العسكري، ودعا الأمم المتحدة للضغط على الاحتلال من أجل وقف هذا التصعيد الذي يهدد مئات آلاف المدنيين، ويهدد مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية.
وقال حمدان إن دخول العدوان إلى رفح لن يكون نزهة، وأنه سيخرج منها مكللا بالهزيمة كما حدث له في كل المناطق التي دخلها في القطاع.
وأكد أن مواصلة العدوان تعني أنه لن يكون هناك اتفاق، وقال إن الحركة سترد على أي عدوان إسرائيلي، وإن المعبر لن يدار من أي جهة أجنبية، كما يريد البعض.
وقال حمدان إن الولايات المتحدة وافقت على المقترح الذي قبلته الحركة، وأنها ملزمة بتنفيذ ما تعهدت به، مشيرا إلى أن دخول إسرائيل إلى معبر "لن يحقق لها أي انتصار، وأنه لا يهدف إلا لقتل النساء والأطفال، كما فعل في كل مكان".
وأشار إلى أن محاولات قطع الإمدادات عن الفلسطينيين عبر احتلال المعبر ليست جديدة على النظام الإسرائيلي، الذي باتت عنصريته ظاهرة للجميع، حسب قوله.
وقال إن مسؤولية ما يحدث في رفح تقع على عاتق كل داعمي الاحتلال، ومن فشلوا في وقف العدوان رغم أنهم اجتمعوا وقرروا القيام بهذا الأمر، مضيفا أن نجاح الاحتلال في تنفيذ مخططاته "يعني أنه لن يقف عند حدود فلسطين".
وعن طريقة تنفيذ الاتفاق، قال حمدان إن التزام الاحتلال بما تم الاتفاق عليه هو الذي سيضمن المضي قدما في عملية تبادل الأسرى بشكل مرحلي، مؤكدا أن فتح النقاش في أي نقاط سيقابله أيضا نقاش في نقاط أخرى.
وقال إن على الرئيس الأميركي جو بايدن التوقف عن الاستماع لأكاذيب منظمة "آيباك" اليهودية، مضيفا أن "الولايات المتحدة تقف في المربع الخاطئ، وأن عليها الانتقال للمربع الصحيح، لأن الرهان على هذا الكيان سيكون مصيره الفشل".
وجدد حمدان التأكيد على أن الحركة تلقت ضمانات من الوسطاء بتنفيذ كافة بنود الاتفاق، ومنها التوصل لوقف كامل للعدوان.
وختم بالقول إن الأيام المقبلة ستكشف الموقف الأميركي بوضوح، مؤكدا أن على واشنطن تعويض الفلسطينيين عن كل الجرائم التي ارتُكبت بحقهم جراء دعمها للاحتلال.
وأكد أن الشعب الفلسطيني أثبت خلال هذه الحرب أنه لن يقبل بحكم عميل، وأن دعم بعض الدول للعدوان "لن يدفع شيوخ القبائل للتعامل مع هذه الدول رغم الضغوط والعروض التي وصلتهم"، حسب قوله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات تنفیذ الاتفاق الاتفاق الذی الحرکة على من الوسطاء إن الحرکة مؤکدا أن وقال إن وأکد أن
إقرأ أيضاً:
غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.