الجزيرة:
2024-06-06@02:09:18 GMT

المصالح الوطنيّة في رفض العدوان الإسرائيلي

تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT

المصالح الوطنيّة في رفض العدوان الإسرائيلي

تباينت مواقفُ الدول تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل واسع، وبرّرت مختلف الأطراف مواقفها استنادًا إلى مرجعية قيمية أو مصلحيّة. ويعدّ تصور أية دولة لماهية مصلحتها الوطنية أساسًا في تحديد سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، وسواها.

مما يدعو إلى استكشاف جوهر هذا المصطلح، وطرق تحديد مضمونه، و"المصلحة الوطنية" للدول العربية والإسلامية في تعاملها مع القضية الفلسطينية عمومًا، والحرب الجارية في غزة خصوصًا.

ما هي "المصلحة الوطنية؟":

يتفاوت مضمون مفهوم المصلحة الوطنية تبعًا للمرجعية الفكرية والفلسفية لمن يحدده.

وبإحالة مصطلح الوطن إلى الدولة الحديثة، تجدر ملاحظة ارتباط منطق عملها بالفلسفات الملازمة لنشوئها زمانًا ومكانًا؛ في حين ترتبط وظيفة السلطة والحكم في وعي المسلمين بوظيفة مزدوجة: دينية ودنيوية. وتسهم هذه المفارقة في خلق فجوة بين تصورات الشعوب العربية والمسلمة تجاه السياسة الخارجية والداخلية لدولهم، وبين خيارات النخب القائمة غالبًا على سياسة واقعية تقوم على القوة والمصلحة، فيما تعطي ما سواها من قيم وأخلاق مكانةً تابعة.

وللعودة إلى أصل مصطلح "المصلحة الوطنية"، يلزم العودة إلى زمن نشوء الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر؛ حين ظهر التساؤل حول مبرر وجودها، ومنطق عملها.

ومن أوائل من كتبوا في هذا الأمر المفكر الإيطالي جيوفاني بوتيرو، في كتابه: " عقل الدولة " Della ragion di Stato، الذي عرّف الدولة؛ بأنَّها سلطة مستقرّة على الشعوب، ومصلحتها ومنطق عملها يقومان على معرفة الوسائل المناسبة لتأسيس هذه السلطة، والحفاظ عليها وزيادتها.

ومن الممارسات السائدة في الدول الدكتاتورية أن تحتكر السلطة غير المنتخبة وغير الممثلة لشعبها، تعريفَ المصلحة الوطنية، ما يجعل مصلحة فئة محدودة، معيارًا حاكمًا في تحديد مصلحة الدولة.

وعلى صعيد مقابل، وبدافع من البعد الديني لدى المسلمين، ولوعيهم التاريخي والحضاري، فهم يتوقّعون من دولهم سياسة خارجية تراعي أيضًا الواجبات الدينية، كوحدة المسلمين، ووجوب نصرتهم.

غياب التأثير

تمكنت دولة الاحتلال من ارتكاب مجازر غير مسبوقة خلال الحرب الجارية في قطاع غزة، في ضوء غياب تأثير كابح لعموم الدول العربية والإسلامية، فيما أثارت الأنظمة والنخب المرتبطة بها جدليات تبرر هذه المواقف، كأولوية المصالح الوطنية على ما سواها، وتقديم مفهوم انعزالي للوطنية يجعلها نقيضًا وخصمًا للانتماء العربي والإسلامي، والإعلاء من شأن "المصلحة الوطنية" مع افتراض انفصالها أو قلة تأثرها بالمصالح القومية. وهو أمر غير صحيح سواء بالمعنى المصلحي السياسي، أو بالمعنى الديني والقومي.

إذ لا تنفك شرعية أي نظام عن مدى تلبيته توقّعات شعبه. وللشعوب العربية والمسلمة توقعات طبيعية بأن تنصر حكوماتها المستضعفين في غزة، وأن تمتنع عن التعاون فيما يدعم العدوان الإسرائيلي عليهم.

كما أن من شأن تمرير قيام الاحتلال بهذا القدر من المجازر في غزة أن يفتح الباب لجرائم مماثلة في الضفة ولبنان وسواها من دول المنطقة، وهو ما يدفع باتجاه تقويض أمن المنطقة، وتقويض اقتصادها وتماسكها الاجتماعي تبعًا لذلك.

الحفاظ على المكانة السياسية لدول المنطقة

كما أن المكانة الدولية لدول المنطقة ستتراجع في حال تمكنت دولة الاحتلال من إتمام جرائمها وفرض ما تريده في غزة، ولاحقًا في الضفة الغربية وجنوب لبنان، إذ سيظهر اضمحلال التأثير الخارجي للدول العربية والإسلامية، وفقدان القدرة على ردع دولة الاحتلال، رغم انتهاكها مصالحَ الدول المجاورة والاتفاقيات الموقعة معها؛ كما هو الحال في السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح، وإيصال دباباتها إلى الحدود مع مصر خلافًا للاتفاقيات الموقعة معها.

وفي ذات السياق ظهر عجز تركيا عن التأثير في مسار الأحداث في فلسطين، رغم اعتمادها خطابًا يجعل من القضية الفلسطينية وحماية القدس رافعة لدورها الإقليمي، في حين تصاعد دور منافستها الإقليمية، إيران، خصوصًا عقب إطلاقها مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على دولة الاحتلال. مما أثار تساؤلات شعبية وإقليمية بشأن غياب التأثير التركي، وهو ما انعكس سلبًا على نتائج حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البلدية، وأعقب ذلك تصعيد رسمي، تمثل في تقييد الصادرات التركية إلى دولة الاحتلال، ثم منعها بالكامل. إضافةً إلى الاستقبال العلني لقادة حركة حماس، وتصعيد مستوى الخطاب الرسمي الرافض للانتهاكات الإسرائيليّة.

الحفاظ على قواعد النظام الدولي

كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى المصلحة العالمية في عدم تقويض "النظام الدولي القائم على القواعد"، أو ما تبقى من هذه القواعد، فهي وإن كانت بحاجة إلى إصلاح إلا أن فقدانها وزيادة الفوضى والاضطراب في النظام الدولي سيضران بالأمن والتنمية و"الاعتمادية الدولية" على نطاق واسع.

وكان هذا الأمر من الدوافع التي دعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ممارسة الضغوط على دولة الاحتلال، لتقليل حجم الضحايا المدنيين في غزة، والسماح بدخول المساعدات والاحتياجات الإنسانية إليها. إذ إن مبرر "التدخل الدولي الإنساني" أو " المسؤولية عن الحماية" كانت أساسًا دعائيًا لحملات عسكرية أميركية وغربية عديدة، كما في كوسوفو، وليبيا، والعراق، وأساسًا للضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية على الصين، وروسيا، في حين يؤدي تمادي دولة الاحتلال في جرائمها في غزة إلى تقويض مصداقية هذه الأداة الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية.

حماية السيادة الوطنية

يثير العجز العربي تجاه العدوان والاحتلال الإسرائيلي تساؤلات شعبية حول مدى امتلاك هذه الدول والحكومات قرارًا مستقلًا عن الإرادة الأميركية والغربية، إذ لا يصعب تفسير التفريط بهذه المصالح الحيوية، علاوة على تجاوز الاعتبارات الدينية والقومية، بأنه أمر ناتج عن قرار وطني ذاتي.

ولعلَّ العجز العربي والإسلامي عن اتخاذ مواقف تحقق هذه المصالح، وتدفع هذه التحديات، مؤشرٌ على مستوى تراجع سيادة هذه الدول، وارتهان قراراتها السياسية والاقتصادية بالتحالف غير المتكافئ مع الولايات المتحدة التي ترعى دولة الاحتلال وتشاركها حربها وإدامة احتلالها فلسطين وهيمنتها على المنطقة، وهو ما يتناقض مع آمال وتطلعات شعوب الدول العربية والإسلامية، ويزيد من فرص نشوء موجة ثانية من الربيع العربيّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات العربیة والإسلامیة المصلحة الوطنیة دولة الاحتلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

صحة غزة: نحو 120 ألف قتيل وجريح منذ 7 أكتوبر

كشفت وزارة الصحة في غزة، في التقرير الإحصائي اليومي اليوم الاثنين، أن عدد الضحايا جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الـ241 على قطاع غزة ارتفع إلى نحو 120 ألف قتيل وجريح.

فصائل فلسطينية تعلن قصفها تمركزا لجنود الاحتلال فى محور نتساريم جنوب غزة ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 36479 شهيدًا

وأوضحت الوزارة في تقريرها أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت "4 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها للمستشفيات 40 شهيدا و150 مصابا" خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

 

وقالت إن حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 36479 قتيلا و82777 جريحا منذ السابع من أكتوبر الماضي.

 

 

ولفتت إلى أن آلاف الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

 

وكانت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" قالت في خبر سابق، نقلا عن مصادر طبية، إن 21 مواطنا قتلوا، منذ فجر اليوم الإثنين، في غارات متفرقة لطائرات الاحتلال الحربية ومدفعيته، على وسط وجنوب قطاع غزة.

وأشارت الوكالة إلى أن مدفعية الجيش الإسرائيلي قصفت حيي الزيتون وتل الهواء وشقة في حي الصبرة في مدينة غزة، بينما أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية عدة قذائف على منازل المواطنين قبالة بحر منطقة الشيخ عجلين والميناء ومخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

 

وأفادت بمقتل 6 مواطنين، بينهم رضيعة، بقصف منزل لعائلة عقل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

 

كما قصفت مدفعية الجيش الإسرائيلي منازل في شمال غربي مخيم النصيرات ومناطق في مدينة دير البلح وسط القطاع، ومحيط مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس.

 

 

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تطالب بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي
  • بوتين: روسيا لم ولن تتدخل في السياسية الداخلية بالولايات المتحدة
  • لقاء بوتين مع ممثلي وكالات الأنباء الدولية
  • تقرير عبري يتناول الفرق بين قناتي الجزيرة والعربية في تغطية العدوان على غزة (شاهد)
  • 36586 شهيدا و83074 إصابة منذ بدء العدوان على غزة
  • المغرب يدعم خطة الرئيس الأمريكي بايدن لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • مجازر بغزة وكمين للقسام يستهدف قوة إسرائيلية تضم 15 جنديا
  • الجزائر.. ضبط 169 كلغ كوكايين و 7 ملايين "قرص مهلوس" خلال 4 أشهر
  • جامعة الدول العربية تدعو للتعامل بإيجابية مع جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة
  • صحة غزة: نحو 120 ألف قتيل وجريح منذ 7 أكتوبر