المصالح الوطنيّة في رفض العدوان الإسرائيلي
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
تباينت مواقفُ الدول تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل واسع، وبرّرت مختلف الأطراف مواقفها استنادًا إلى مرجعية قيمية أو مصلحيّة. ويعدّ تصور أية دولة لماهية مصلحتها الوطنية أساسًا في تحديد سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، وسواها.
مما يدعو إلى استكشاف جوهر هذا المصطلح، وطرق تحديد مضمونه، و"المصلحة الوطنية" للدول العربية والإسلامية في تعاملها مع القضية الفلسطينية عمومًا، والحرب الجارية في غزة خصوصًا.
ما هي "المصلحة الوطنية؟":
يتفاوت مضمون مفهوم المصلحة الوطنية تبعًا للمرجعية الفكرية والفلسفية لمن يحدده.
وبإحالة مصطلح الوطن إلى الدولة الحديثة، تجدر ملاحظة ارتباط منطق عملها بالفلسفات الملازمة لنشوئها زمانًا ومكانًا؛ في حين ترتبط وظيفة السلطة والحكم في وعي المسلمين بوظيفة مزدوجة: دينية ودنيوية. وتسهم هذه المفارقة في خلق فجوة بين تصورات الشعوب العربية والمسلمة تجاه السياسة الخارجية والداخلية لدولهم، وبين خيارات النخب القائمة غالبًا على سياسة واقعية تقوم على القوة والمصلحة، فيما تعطي ما سواها من قيم وأخلاق مكانةً تابعة.
وللعودة إلى أصل مصطلح "المصلحة الوطنية"، يلزم العودة إلى زمن نشوء الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر؛ حين ظهر التساؤل حول مبرر وجودها، ومنطق عملها.
ومن أوائل من كتبوا في هذا الأمر المفكر الإيطالي جيوفاني بوتيرو، في كتابه: " عقل الدولة " Della ragion di Stato، الذي عرّف الدولة؛ بأنَّها سلطة مستقرّة على الشعوب، ومصلحتها ومنطق عملها يقومان على معرفة الوسائل المناسبة لتأسيس هذه السلطة، والحفاظ عليها وزيادتها.
ومن الممارسات السائدة في الدول الدكتاتورية أن تحتكر السلطة غير المنتخبة وغير الممثلة لشعبها، تعريفَ المصلحة الوطنية، ما يجعل مصلحة فئة محدودة، معيارًا حاكمًا في تحديد مصلحة الدولة.
وعلى صعيد مقابل، وبدافع من البعد الديني لدى المسلمين، ولوعيهم التاريخي والحضاري، فهم يتوقّعون من دولهم سياسة خارجية تراعي أيضًا الواجبات الدينية، كوحدة المسلمين، ووجوب نصرتهم.
غياب التأثيرتمكنت دولة الاحتلال من ارتكاب مجازر غير مسبوقة خلال الحرب الجارية في قطاع غزة، في ضوء غياب تأثير كابح لعموم الدول العربية والإسلامية، فيما أثارت الأنظمة والنخب المرتبطة بها جدليات تبرر هذه المواقف، كأولوية المصالح الوطنية على ما سواها، وتقديم مفهوم انعزالي للوطنية يجعلها نقيضًا وخصمًا للانتماء العربي والإسلامي، والإعلاء من شأن "المصلحة الوطنية" مع افتراض انفصالها أو قلة تأثرها بالمصالح القومية. وهو أمر غير صحيح سواء بالمعنى المصلحي السياسي، أو بالمعنى الديني والقومي.
إذ لا تنفك شرعية أي نظام عن مدى تلبيته توقّعات شعبه. وللشعوب العربية والمسلمة توقعات طبيعية بأن تنصر حكوماتها المستضعفين في غزة، وأن تمتنع عن التعاون فيما يدعم العدوان الإسرائيلي عليهم.
كما أن من شأن تمرير قيام الاحتلال بهذا القدر من المجازر في غزة أن يفتح الباب لجرائم مماثلة في الضفة ولبنان وسواها من دول المنطقة، وهو ما يدفع باتجاه تقويض أمن المنطقة، وتقويض اقتصادها وتماسكها الاجتماعي تبعًا لذلك.
الحفاظ على المكانة السياسية لدول المنطقةكما أن المكانة الدولية لدول المنطقة ستتراجع في حال تمكنت دولة الاحتلال من إتمام جرائمها وفرض ما تريده في غزة، ولاحقًا في الضفة الغربية وجنوب لبنان، إذ سيظهر اضمحلال التأثير الخارجي للدول العربية والإسلامية، وفقدان القدرة على ردع دولة الاحتلال، رغم انتهاكها مصالحَ الدول المجاورة والاتفاقيات الموقعة معها؛ كما هو الحال في السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح، وإيصال دباباتها إلى الحدود مع مصر خلافًا للاتفاقيات الموقعة معها.
وفي ذات السياق ظهر عجز تركيا عن التأثير في مسار الأحداث في فلسطين، رغم اعتمادها خطابًا يجعل من القضية الفلسطينية وحماية القدس رافعة لدورها الإقليمي، في حين تصاعد دور منافستها الإقليمية، إيران، خصوصًا عقب إطلاقها مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على دولة الاحتلال. مما أثار تساؤلات شعبية وإقليمية بشأن غياب التأثير التركي، وهو ما انعكس سلبًا على نتائج حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البلدية، وأعقب ذلك تصعيد رسمي، تمثل في تقييد الصادرات التركية إلى دولة الاحتلال، ثم منعها بالكامل. إضافةً إلى الاستقبال العلني لقادة حركة حماس، وتصعيد مستوى الخطاب الرسمي الرافض للانتهاكات الإسرائيليّة.
الحفاظ على قواعد النظام الدوليكما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى المصلحة العالمية في عدم تقويض "النظام الدولي القائم على القواعد"، أو ما تبقى من هذه القواعد، فهي وإن كانت بحاجة إلى إصلاح إلا أن فقدانها وزيادة الفوضى والاضطراب في النظام الدولي سيضران بالأمن والتنمية و"الاعتمادية الدولية" على نطاق واسع.
وكان هذا الأمر من الدوافع التي دعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ممارسة الضغوط على دولة الاحتلال، لتقليل حجم الضحايا المدنيين في غزة، والسماح بدخول المساعدات والاحتياجات الإنسانية إليها. إذ إن مبرر "التدخل الدولي الإنساني" أو " المسؤولية عن الحماية" كانت أساسًا دعائيًا لحملات عسكرية أميركية وغربية عديدة، كما في كوسوفو، وليبيا، والعراق، وأساسًا للضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية على الصين، وروسيا، في حين يؤدي تمادي دولة الاحتلال في جرائمها في غزة إلى تقويض مصداقية هذه الأداة الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية.
حماية السيادة الوطنيةيثير العجز العربي تجاه العدوان والاحتلال الإسرائيلي تساؤلات شعبية حول مدى امتلاك هذه الدول والحكومات قرارًا مستقلًا عن الإرادة الأميركية والغربية، إذ لا يصعب تفسير التفريط بهذه المصالح الحيوية، علاوة على تجاوز الاعتبارات الدينية والقومية، بأنه أمر ناتج عن قرار وطني ذاتي.
ولعلَّ العجز العربي والإسلامي عن اتخاذ مواقف تحقق هذه المصالح، وتدفع هذه التحديات، مؤشرٌ على مستوى تراجع سيادة هذه الدول، وارتهان قراراتها السياسية والاقتصادية بالتحالف غير المتكافئ مع الولايات المتحدة التي ترعى دولة الاحتلال وتشاركها حربها وإدامة احتلالها فلسطين وهيمنتها على المنطقة، وهو ما يتناقض مع آمال وتطلعات شعوب الدول العربية والإسلامية، ويزيد من فرص نشوء موجة ثانية من الربيع العربيّ.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات العربیة والإسلامیة المصلحة الوطنیة دولة الاحتلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
ورشة تعريفية حول مشروع «حماية المنتجات الوطنية المحدّدة جغرافياً»
أبوظبي (الاتحاد)
نظّمت وزارة الثقافة ورشة تعريفية حول المشروع الوطني لحماية المنتجات الوطنية المحددة جغرافياً، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والسياحة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وبمشاركة عدد من الجهات الداعمة للحرفيين ورواد الأعمال.وتأتي هذه الورشة ضمن جهود دولة الإمارات الرامية إلى حماية الموروث الثقافي وتعزيز القيمة الاقتصادية للمنتجات الوطنية، من خلال تسجيلها ضمن المؤشرات الجغرافية المعتمدة، بما يسهم في صون أصالتها وحمايتها قانونياً وتمييزها في الأسواق المحلية والعالمية.
ويعتبر المنتج الوطني المحدد جغرافياً (المؤشر الجغرافي) علامة تُستخدم للمنتجات التي تتمتع بسمعة أو جودة أو خصائص فريدة تعود أساساً إلى منشأها الجغرافي المحدّد، ويمثل هذا النظام أداة قانونية واقتصادية مهمة لحماية الهوية الأصلية للمنتجات المحلية وتعزيز قيمتها التسويقية محلياً ودولياً، ومن أبرز هذه المنتجات في دولة الإمارات عسل حتا، وتمر الدباس الظفرة، وسيراميك رأس الخيمة، والخوص.
وقال مبارك الناخي وكيل وزارة الثقافة: «يمثل المشروع الوطني لحماية المنتجات المحددة جغرافياً محطة رئيسية في جهود دولة الإمارات لبناء اقتصاد إبداعي قائم على الهوية الثقافية، فهذا المشروع لا يقتصر على حماية المنتجات فحسب، بل يُرسّخ إطاراً متكاملاً يبرز الخصوصية التي تتميز بها كل منطقة في الدولة، ويدعم الحرفيين والمنتجين عبر منظومة تشريعية وتنفيذية تضمن لهم الاستفادة القصوى من حقوق الملكية الفكرية، وتعزز فرصهم في الوصول إلى أسواق محلية وعالمية».
وأضاف : «يعكس تعاوننا مع وزارة الاقتصاد والسياحة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية التزام دولة الإمارات بتطوير نموذج دولي رائد لحماية الأصول الثقافية غير المادية، وبهدف تعزيز تنافسية المنتجات الإماراتية، وفتح آفاق جديدة أمام الصناعات الإبداعية ورواد الأعمال، وترسيخ حضور هذه المنتجات كعلامات جودة وهوية وطنية معتمدة دولياً».
ومن جانبه، أكد الدكتور عبدالرحمن حسن المعيني، الوكيل المساعد لقطاع الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد والسياحة، أن الوزارة حريصة على تعزيز القيمة المضافة للمؤشرات الجغرافية الوطنية، حيث أطلقت منظومة تسجيل «المنتج الوطني المحدد جغرافياً»، والتي شكّلت محطة رئيسية في تطوير منظومة الملكية الفكرية في دولة الإمارات، من خلال إرساء إطار وطني متكامل لحماية المنتجات المرتبطة بمنشئها الجغرافي وصون هويتها الأصيلة وتعزيز الوعي بالمنتج الوطني، بما يعزز قيمته الاقتصادية ويدعم حضوره في الأسواق الإقليمية والدولية.
وأوضح أن تنظيم هذه الورشة يمثل خطوة مهمة في رفع الوعي بأهمية المؤشرات الجغرافية ودورها في تمكين المنتجين والحرفيين، عبر تعريفهم بآليات التسجيل ومتطلبات الحماية والفوائد الاقتصادية التي توفّرها المنظومة في بناء سلاسل قيمة أكثر تنافسية واستدامة.