الجزيرة:
2025-08-03@04:32:24 GMT

الاحتلال إذ يغرق في نصر نتنياهو الزائف

تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT

الاحتلال إذ يغرق في نصر نتنياهو الزائف

احتفل الكيان الإسرائيلي في 14/5 الماضي بالذكرى 76 لقيامه، وعلى عكس كلّ الاحتفالات السابقة، تلبّدت الاحتفالات بأجواء الحزن والكآبة والغضب، في ظلّ اعترافات صريحة لأجهزة الأمن بالفشل في تحقيق أهداف الحرب،

وتحول هدف "النصر الكامل" الذي أطلقه نتنياهو إلى كابوس يلاحق الاحتلال، فيشنّ جيشه هجومًا على رفح، ويعود لمهاجمة مناطق سبق أن قال إنه انتهى منها! وذلك في ظلّ اشتعال جبهة الشمال مع حزب الله، وتصعيد الحوثي لملاحقة السفن المتوجّهة للكيان!

وعصفت بالائتلاف الحاكم الخلافات حول خُطة ما بعد الحرب، فيما اصطدم نتنياهو بالموقف الأميركي الساعي لضبط مسار العدوان، وخسرت إسرائيل صورتها في الحرب، وسط تخوّف يجتاح قادةَ الكيان من احتمال إدانتهم وملاحقتهم من قِبل المحكمة الجنائية الدولية!

فشل ذريع

بعد أكثر من 7 أشهر على الحرب الطاحنة التي تشنّها قوات الاحتلال على غزة، يتأكّد أن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه المعلنة المتعلقة بالقضاء على حماس، واستعادة الأسرى بالقوّة، وهذا ما أكّده قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الذين اتّفقوا في اجتماع قبل أيام على أن الحرب في غزّة، وصلت إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل "فقدت ميزتين أساسيتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي، ووحدة الشارع".

ورغم استمرار نتنياهو في الحديث عن النصر الكامل، فإن النتائج على الأرض لم تسعفه على الإطلاق، وليس أدلّ على ذلك من اضطرار جيش الاحتلال إلى العودة لمناطق جباليا، وحي الزيتون – كان أعلن أنه نجح في تفكيك كتائب حماس فيها – ليواجه من جديد مقاومة أوقعت في صفوفه عشرات القتلى والجرحى.

ونجد أنفسنا في حاجة هنا لتأكيد ما نقول من خلال عدد من الشهادات الإسرائيلية التي تؤكد الهزيمة التي يواجهها جيش الاحتلال بغزّة.

ففي تقييم للرئيس السابق لجهاز "الشاباك" يعقوب بيري في معاريف، يقول :" اليوم يبدو أن عدوّنا المرّ والقاسي يسيطر على الوضع على نحو أفضل بكثير، ونحن من نرقص على مزماره وليس العكس. يحيى السنوار يتحكّم بالأمور بطريقة أكثر موثوقيّة وأمان، ونحن نتبعه دون خيار"، ويضيف: "كل شيء مقلوب، غريب، وقبل كل شيء غير مفهوم. وضع مُحبط وكئيب، وفوق كل شيء؛ بلا مخرج ولا أي حلّ".

ورغم محاولة بيري وغيره، حصر المشكلة بنتنياهو، فإن الصحيح أن الأمر يتعلّق بفشل جيش كامل استخدم كل الوسائل، وعلى رأسها المجازر بحقّ المدنيين، واستخدم التجويع والتهجير دون أن يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري حقيقي ضد المقاومة، رغم نجاحه في إحداث كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

ونورد هنا تعليق الكاتب يوآف ليمور في "يديعوت أحرنوت" على هذا الوضع بالقول: "غزة لم تُهزم بعد ولن تهزم تمامًا، حتى لو هزمت الكتائب الأربع المتبقية في رفح، فإنه مشكوك في كل الأحوال أن تؤدي العملية المخطط لها في رفح إلى ذلك".

أزمة طاحنة

وبالإضافة لذلك، نشب خلاف داخلي متعدد الأوجه، ولكن ذلك ارتبط إلى حد كبير بالفشل الميداني العسكري، وسط تأكيدات عسكرية، وتقارير الاستخبارات الأميركية، أن حماس لم تفقد منظومة القيادة والسيطرة، وبقيت خلاياها تعمل في كل مناطق القطاع، فضلًا عن نجاح محدود للاحتلال في تدمير الأنفاق التي زادت تقديرات طولها عن 500 كم (مساحة قطاع غزة 360 كيلومترًا مربعًا).

وقد تعرّض نتنياهو لانتقادات لاذعة؛ بسبب إصراره على الاستمرار بالحرب وَفق مصطلح النصر الكامل، وقيامه بالتّعطيل المتعمد للتوصل لاتّفاق تبادل أسرى مع المقاومة؛ لأنه يدرك أن مجرد توقّف الحرب لأسابيع معدودة سيعرض حياته السياسية للخطر، ويدفع به للمحاكمات بالفساد والفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وعلى الرغم من تردّد غانتس وآيزنكوت باتخاذ موقف صارم من نتنياهو، فقد كانت مواقف رئيس الوزراء السابق إيهود باراك واضحة، فضلًا عن الانتقادات المستمرّة من رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وآخرها ما قاله في مقال في "هآرتس": إن الحرب على غزة انتهت فعليًا قبل 3 أشهر، ولا يوجد سبب للادّعاء باستمرارها، مؤكدًا أنه لا يمكن استعادة الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال إنهاء الحرب، واصفًا من يتصور غير ذلك بأنه "واهم".

أمّا الخلاف الآخر، والذي يرتبط أيضًا بالفشل الميداني، فهو خطة ما بعد الحرب، حيث رفضت حكومة نتنياهو بإصرار أيّ دور للسلطة الفلسطينية بغزة، وأصرت في المقابل على استخدام أشخاص غير مرتبطين بها، وحاولت استمالة عائلات، ولكنها فشلت في المسعيَين.

ورغم أنّها وافقت على أدوار لدول عربية ولو مؤقتًا، فإنّ ذلك قُوبل بالرفض من مصر، والأردن، والإمارات، حيث ربطت هذه الدول أيّ دور لها بانسحاب قوّات الاحتلال من غزّة، وضمن إطار حلّ سياسي تكون السلطة الفلسطينية موجودةً فيه.

ويحاول نتنياهو بهذا الموقف إرضاء شريكَيه اليمينيَين المتطرفَين (بن غفير وسموتريتش)، الأمر الذي يشعل الخلافَ مع بقية الشركاء الحكوميين، ومع الولايات المتحدة التي طالبت بسلطة فلسطينية محسّنة، وفي إطار طرح حلّ الدولتين الذي رفضته حكومة الاحتلال أيضًا.

وفي هذا السياق، نستحضر رأي الكاتب الأكثر شهرةً في "يديعوت أحرنوت" ناحوم برنياع، والذي يقول: "من الصعب أن نرى القوة التي ستنشأ، أنها تحظى بتأييد جماهيري داخلي بدون أن تقاتلها حماس. أما خيار السلطة الفلسطينية، فسيِّئ هو الآخر. استطلاعات الرأي في الضفة تشير للتأييد الكبير لمذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزالون في جهاز الأمن يقولون إن هذين الخيارين أقل سوءًا من الوضع القائم الذي من غير الصواب أن يبقى أكثر من ذلك، إذ إنه يسحق إنجازات الجيش الإسرائيلي حتى الآن".

ولكن مسألة اليوم التالي لحماس لا يمكن أن يتاح لها التنفيذ على الأرض إلا في حالة واحدة، وهي القضاء على حركة حماس، وهذا ثبت عمليًا أنه غير ممكن التحقيق؛ لأن حماس هي تنظيم متجذّر داخل الأرض الفلسطينية وخارجها، ولأنّها استطاعت حتى الآن إفشال مخططات الاحتلال، من خلال صمود كوادرها العسكريّة، وانبثاث الكوادر المدنية التي تمنع أي قوّة مهما كانت أن تحلّ محلها.

وفي المقابل، فإن حماس أعلنت مرارًا أنها ستقبل بالشراكة الوطنية، بل وربما تتخلى عن الحكم المباشر لصالح حكومة كفاءات، شريطة أن تكون نتيجة توافق وطني، وليست نتيجة ضغوط الاحتلال.

وقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أنّه "بعد 7 شهور، أصبح بقاء السنوار على قيد الحياة رمزًا لفشل الحرب الإسرائيلية، التي دمرت جزءًا كبيرًا من غزة، لكنها تركت قيادة حماس العليا سليمة، وفشلت في تحرير معظم الرهائن"!

تخلخل الغطاء الغربي

غير أنّ أخطر تداعيات الحرب، هو انقلاب التأييد الغربي للحرب التي شنها الكيان بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى النقيض، وذلك بسبب حجم الإجرام الصهيوني، وتركيز الاحتلال على المدنيين بالقتل والتجويع، لدرجة أنّ معظم الدول الحليفة لأميركا أصبحت تطالب بوقف النار، مثل: بريطانيا، وفرنسا، وكندا.

كما اضطرت الولايات المتحدة في 20 فبراير/شباط الماضي، لاستخدام الفيتو لعدم تمرير مشروع قرار جزائري بمجلس الأمن يدعو لوقف النار الفوري، وذلك رغم موافقة 13 عضوًا عليه وامتناع بريطانيا فقط عن التصويت.

ولكن واشنطن امتنعت بعد نحو شهر من ذلك عن استخدام الفيتو؛ لتمرير قرار يدعو لوقف إطلاق النار (غير دائم)، وذلك بهدف ممارسة ضغط ناعم على الكيان للتعامل إيجابيًا مع مساعيها مع الوسطاء لترتيب وقف إطلاق النار.

ورغم أن الولايات المتحدة قدّمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا شاملًا للعدوان الصهيوني، فإن طريقة إدارة نتنياهو وحكومته للمعركة، أضرت بموقف بايدن الانتخابي، بعد أن زكمت الممارسات النازية للاحتلال أنوف العالم، ما أدى لمطالبات الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي لبايدن بتقييد الدعم العسكري للاحتلال؛ لإجباره على الالتزام بالقانون الدولي في التعامل مع المدنيين، كما انخفضت نسبة المسلمين المؤيدين في بعض الولايات المتأرجحة للرئيس الأميركي، بما شكّل ويشكّل تهديدًا لفرصه في الانتخابات الرئاسية المتوقعة في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.

وقد وصلت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى قناعة بفشل الاحتلال في مهمة القضاء على حماس بغزة، ضمن مهل زمنية مدَّدتها الإدارة الأميركية مرارًا، بما يسمح لإحلال وقف إطلاق نار مستدام يهيئ الأجواء لعملية التطبيع في المنطقة، وهو الملفّ الذي يريد بايدن أن يحمله كرافعة له في الانتخابات، ويرفضه نتنياهو بالمقابل.

وفيما لا تزال هذه الخلافات قائمة، فإن نتنياهو يفشل في تحقيق أهدافه، وإن كان مستمرًا في التصعيد في غزة، وهو ما يؤجل إمكانية الوصول لصفقة أسرى، إلى حين انتهاء مهمّة جيش الاحتلال في رفح وجباليا والزيتون، وغيرها.

وسيُبقي ذلك العلاقات مع الولايات المتّحدة على نار حامية، دون أن يكون هناك احتمالٌ لممارسة إدارة بايدن أيَّ ضغط حقيقيّ على الكيان، ولا اتخاذ إجراءات حقيقية بحظر أنواع محدّدة من الأسلحة عنه.

لا نصرَ لنتنياهو

والخلاصة أن حماس ما زالت في موقع قوي ميدانيًا، وتستطيع التمسك بمطالبها بوقف النار والانسحاب والإغاثة والإعمار، فيما الاحتلال لم يحصل على النصر الذي يريده، ويستطيع من خلاله ممارسة ضغوط على المقاومة لدفعها لتقديم تنازلات.

وقد يؤدي تنفيذ مجازر فلسطينية جديدة إلى تداعيات سلبية على الكيان، بما في ذلك تفعيل أوامر من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين من الكيان على رأسهم نتنياهو، وكذلك تفعيل طلب وقف النار، والإبادة الجماعية من قِبل محكمة العدل الدولية، وتسعير ما يمكن تسميته بانتفاضة الجامعات الأميركيّة.

بل إن ذلك قد يعقّد العلاقة مع الإدارة الأميركية؛ لأنه قد يثير مخاوف الحرب الإقليمية بتصعيد المواجهات في الشمال، ومع الحوثيين، وهو الأمر الذي يتعارض مع السياسة الأميركية التي تريد الهدوء في المنطقة للتفرّغ للصين وروسيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

مقامرة نتنياهو الأخيرة في غزة لإنقاذ ائتلافه

في ظل حكومة أقلية لا تملك سوى 50 مقعدا بعد انسحاب الأحزاب الحريدية منها، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدا غير مسبوق: ضمّ أجزاء من قطاع غزة تدريجيا، إذا لم توافق حركة حماس على اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام معدودة.

وتأتي هذه التهديدات بينما يواجه نتنياهو ضغوطا داخلية غير مسبوقة تهدد بانهيار آخر أعمدة ائتلافه، وسط تصاعد الخلافات داخل حكومته حول إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.

وقد وصفت صحيفة هآرتس هذا القرار الذي طرحه نتنياهو -المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة في غزة- بأنه لا يبدو مستندا إلى دوافع أمنية أو إستراتيجية بقدر ما هو محاولة مكشوفة لاسترضاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومنع انهيار الائتلاف الحكومي الهش.

نتنياهو (الثاني يمين) أبلغ وزراءه في "الكابينت" بخطة ضم أجزاء من قطاع غزة تدريجيا (الأناضول- أرشيف)مناورة سياسية أم خطة جدية؟

أبلغ نتنياهو وزراءه في المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، يوم الاثنين 28 يوليو/تموز، بخطة تقضي بمنح حماس مهلة قصيرة للموافقة على وقف إطلاق النار، وإن لم تستجب ستباشر إسرائيل تنفيذ خطة ضم تدريجي لأراضٍ من قطاع غزة، تبدأ بالمناطق العازلة، ثم تمتد شمالا، وصولا إلى ضم كامل للقطاع.

ووفقا للقناة 12 الإسرائيلية، فإن الوزير للشؤون الإستراتيجية رون ديرمر عرض الخطة على وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وقد لاقت -وفقا لنتنياهو- دعما من البيت الأبيض. أما الرئيس دونالد ترامب، الذي كان في زيارة إلى أسكتلندا آنذاك، فلم يحضر الاجتماع الذي بحث فيه الموضوع.

ويبدو أن نتنياهو الذي لم يكن يوما متحمسا لخطط الضم حتى خلال ولايته السابقة -بحسب وصف هارتس- بات اليوم مستعدا لاستخدامها كورقة مساومة مع شركائه في الحكومة، خصوصا "بعد إعلان إدخال المزيد من المساعدات لغزة"، وهي خطوة أثارت غضب حزب "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه سموتريتش.

سموتريتش (يسار) هدد مرارا بالانسحاب من الحكومة إذا استمر إدخال المساعدات من دون "حسم عسكري" (رويترز)

ووصف الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة مقترح ضم أجزاء من قطاع غزة بأنه ليس خطة أمنية مدروسة، بل ورقة مقامرة سياسية في يد رئيس وزراء بات رهينة ابتزاز شركائه اليمينيين المتطرفين، خاصة سموتريتش وبن غفير.

إعلان

ومن ثم فإن "الضم" المقترح -سواء أكان عبر خطوات تدريجية أو إعلانات رمزية- لا يمكن قراءته إلا في إطار سعي نتنياهو لتقديم "تعويض" لحلفائه يوازي فشلهم في تحقيق الحسم العسكري في غزة، ويُقايضهم به على حساب مسار المفاوضات"، وفقا لعفيفة.

من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي أن خطوة الضم ليست مجرد أداة تهديد أو وسيلة ضغط على المقاومة، ويؤكد أن تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي "لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تفعيلا لمفاهيم إستراتيجية متفق عليها بين إدارة البيت الأبيض ونتنياهو".

واعتبر أن قطاع غزة لا يمكن فصله عن مجمل المشهد الإقليمي. فثمة، بحسب ياغي، قرار إستراتيجي لدى واشنطن ولدى "الصهيونية العالمية" التي يمثّلها نتنياهو بضرورة الحسم في الإقليم ككل، وليس فقط في ما يتعلق بالملف الفلسطيني.

وأضاف ياغي أن الحسم هنا يقع بين خيارين؛ فإما أن يكون هناك خضوع كامل للشروط الإسرائيلية ضمن مفهوم ضم جزئي وتهجير جزئي، ونفوذ كامل وحركة كاملة للجيش الإسرائيلي، بحيث يكون هناك إشراف أمني واستنساخ لما يحدث من التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في الضفة الغربية.

وفي حال لم يتم الخضوع الكلي للشروط الإسرئيلية، فالجميع أمام خيار آخر وهو خيار التقسيم على أسس إثنية وطائفية، ينتج عنه رسم جغرافيا جديدة تقوم على دويلات أو إمارات أو كانتونات داخل دول قائمة، تحظى بحماية أمنية إسرائيلية مباشرة، بحسب ياغي.

أداة ابتزاز ومساومة

وفي رسالة داخلية بعث بها سموتريتش لأعضاء حزبه، قال: "نحن نقود خطوة إستراتيجية جيدة لا ينبغي الخوض في تفاصيلها حاليا، وخلال وقت قصير سنعرف إذا كانت ستنجح وإلى أين نتجه".

وبحسب مصادر سياسية مطلعة، نقلت هآرتس أن سموتريتش أبلغ نتنياهو صراحة بأنه "سيحكم على الأمور من خلال الأفعال"، وإذا نُفذت الخطة -التي وصفها بالإستراتيجية- بالفعل، فإنه "سيبقى في الحكومة في الوقت الراهن".

ويُفسر هذا التحول في خطاب سموتريتش، الذي هدد مرارا بالانسحاب من الحكومة إن استمر إدخال المساعدات من دون "حسم عسكري"، بأنه اختبار لولاء نتنياهو وفرصة أخيرة يتيحها له من أجل إرضاء قواعد اليمين المتطرف، في ظل سقوطه في الغالبية العظمى من استطلاعات الرأي التي أجريت في الحرب.

وصرح رئيس حزب "عوتسما يهدوت" إيتمار بن غفير "نحن بحاجة إلى احتلال كامل لقطاع غزة، وتشجيع الهجرة، وسحق حماس، ليس عن طريق صفقات استسلام، ولا صفقات تعيدنا إلى الوراء، بل فقط عن طريق النصر والاحتلال وتشجيع الهجرة".

وفي السياق ذاته، وجه عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست من حزب الليكود، بالإضافة إلى جميع أعضاء حزب "عوتسما يهوديت"، نداء مشتركا لوزير الدفاع يسرائيل كاتس للسماح لهم بزيارة استكشافية على الحدود الشمالية لقطاع غزة.

وجاء في البيان: "قطاع غزة لم يعد منطقة جغرافية، بل هو القلب النابض لأرض إسرائيل.. وعودة الشعب اليهودي إلى هذه الأماكن ليست مجرد خطوة إستراتيجية، بل هي عودة إلى صهيون بالمعنى الأعمق والأكثر عملية".

كما دعا عضو الكنيست أميت هاليفي -من الليكود- إلى سيطرة إسرائيلية على غزة في حوار على إذاعة "103 FM" قائلا: "إذا سيطرتم على المنطقة، فلن يسيطر عليها أحد غيركم، وهل يُمكننا أن نحتل غزة؟ غزة تابعة لإسرائيل تماما كما أن تل أبيب تابعة لإسرائيل، بالقدر نفسه".

إعلان

ودعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، أمس الأربعاء، إلى احتلال قطاع غزة بالكامل والتخلي عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في القطاع، مثيرا ردودا غاضبة من عائلات المحتجزين وقادة معارضين.

ونقلت صحيفة هآرتس عن وزير في الحكومة الإسرائيلية قوله إن فكرة ضم أراضٍ من قطاع غزة "ليست مطروحة على جدول الأعمال"، بينما عبّر مسؤول بارز آخر في الائتلاف عن تشككه قائلا: "أجد صعوبة في تصوّر حدوث ذلك، فالحكومة تحاول فقط تهديد حماس من خلال اللعب في أكثر المناطق حساسية، باستخدام ورقة الأراضي".

وفي السياق ذاته، انتقد الكاتب المتخصص في الشؤون الأمنية بصحيفة يديعوت أحرونوت، آفي يسسخاروف، هذا التهديد بشدة، واصفا إياه بأنه "واحد من أغبى التهديدات الفارغة التي سمعتها".

وأضاف "قولوا ببساطة إنكم تريدون بناء مستوطنات وانتهينا، لكن وفّروا علينا هذا الهراء. لا أحد في حماس سيتنازل بسبب هذا التهديد، والعالم سيسحقنا بسببه".

الأطماع بالأرض

بعيدا عن الحسابات الداخلية، فإن مجرّد التلويح بضم أراضٍ من غزة، في وقت تعاني فيه هذه المنطقة من حصار منذ 20 عاما ومن حرب إبادة اقتربت من العامين مع مجاعة غير مسبوقة وتحت وابل القصف، يكشف عن تحوّل خطير في عقلية صناع القرار الإسرائيلي.

فبعد أشهر من الترويج لخطط "تدمير حماس"، تتحول الحرب إلى صراع على الأرض نفسها، لا على التهديدات الأمنية فقط.

ويرى المراقبون أنه لا يبدو أن مثل هذه الخطط ستؤدي إلى تحقيق أهداف إسرائيل، إذ إن السيطرة على أراضٍ مأهولة وسط الدمار والمقاومة المستمرة لن تكون إلا مكلفة عسكريا وسياسيا. كما أن مجرد الإعلان عن خطة الضم، حتى لو لم تُنفذ، يعطي حماس ورقة جديدة في المعركة الدبلوماسية أمام العالم.

واعتبر عفيفة خطة الضم في جوهرها إعلان هروب للأمام وفشل في تحقيق أهداف الحرب، لا سيما إسقاط حكم حماس أو استعادة الأسرى أو السيطرة الميدانية.

وأضاف أن حماس يمكنها -إن أحسنت التعامل- أن تُحوّل هذا التهديد إلى منصة دولية لفضح المشروع الاستعماري الإسرائيلي، ووسيلة لحشد دعم سياسي وشعبي واسع يضع الاحتلال في موقع المدان لا صاحب المبادرة.

ويعتقد المتخصص ياغي أن إسرائيل ذهبت باتجاه المخطط الذي وضعه نتنياهو والذي يهدف إلى الحصول على الأسرى عبر الخداع والتضليل بمفاهيم الصفقات الجزئية والمحافظة على حالة الحرب، والكل يتحدث عن بقائه السياسي وائتلافه الحاكم في حين ينفَّذ مخطط متفق فيه مع الأميركيين يشمل المنطقة ككل ضمن تغيير جيوسياسي شامل في داخل المنطقة.

وأضاف أن الهدف لم يكن قط هو القضاء على المقاومة في غزة بقدر ما كان الهدف هو السيطرة على قطاع غزة ككل، وبالتالي العمل في داخل القطاع وفق الرؤية الأميركية والإسرائيلية وحتى لو وافقت المقاومة ونزعت سلاحها وتم إبعاد قيادتها من غزة سيقومون بالسيطرة على جزء من قطاع غزة.

فإسرائيل، وفقا لياغي، تعمل على مفهوم الجغرافيا والديمغرافيا؛ فهي تريد تقليص مساحة القطاع إلى مساحة صغيرة، وما الخرائط التي قدمت للمفاوضات بإبقاء السيطرة على 40% من مساحة القطاع بأيدي الجيش الإسرائيلي إلا دليل على ذلك، إضافة إلى تغيير ديمغرافي ضمن مخطط لتهجير نحو نصف سكان القطاع.

عفيفة: خطة الضم في جوهرها إعلان هروب للأمام وفشل في تحقيق أهداف الحرب (رويترز)بين القانون والواقع

ويشكك المراسل السياسي للقناة 12 عميت سيجال بقرار الضم ويعتبر الأهمية القانونية للضم دراماتيكية، وقال: "إذا قررت الحكومة ضم أراضٍ، حتى لو كانت صغيرة جدا، فلن يكون من الممكن التراجع عن هذه الخطوة من دون موافقة 80 عضوا في الكنيست أو استفتاء، وفقا لقانون صدر عام 2014".

ولم يُجر استفتاء قط في إسرائيل، لذلك ينتظر نتنياهو على أمل التوصل إلى اتفاق قبل أن يُجبر على اتخاذ قرار بشأن خطوة يكاد يكون من المستحيل التراجع عنها، وستكون لها آثارٌ وخيمة على علاقات إسرائيل مع حكومات أخرى في العالم.

ولكن التهديد بضم أراض من غزة يعيد إلى الأذهان محاولات إسرائيل ضم مناطق من الضفة الغربية في سنوات سابقة، لكنه في حالة غزة يبدو أكثر تعقيدا. فغزة، التي انسحبت منها إسرائيل بشكل أحادي عام 2005، لا تضم مستوطنات، ولا توجد فيها إدارة مدنية تابعة للحكومة الإسرئيلية، وهو ما يجعل أي خطوة ضم فيها سابقة قانونية دولية خطيرة.

إعلان

وتأتي مقترحات الضم في ظل إعراب 9 دول -لم تُعلن بعد اعترافها بدولة فلسطين- عن عزمها الاعتراف قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل منفصل نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/أيلول القادم.

وفي بيان صدر مساء الثلاثاء 29 يوليو/تموز، نيابة عن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، جاء أنه أبلغ حكومته أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول، حتى قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات مهمة لإنهاء "الوضع المروع في غزة".

وقانونيا، أشار الباحث عفيفة إلى أن أي خطوة إسرائيلية لضم أراضٍ من قطاع غزة -سواء بشكل مباشر أو من خلال فرض "سيادة رمزية"- تُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.

فرغم انسحابها الأحادي من القطاع عام 2005، لا تزال إسرائيل تفرض سيطرتها على حدوده والمجال البحري والجوي، مما يُبقي غزة مصنفة قانونيا كأراضٍ محتلة. ومن ثم فإن أي إعلان بالضم لا يُغيّر من هذا الوضع القانوني، بل يضيف انتهاكا جديدا.

واعتبر ياغي أن خطط الضم الإسرائيلية لا تستند إلى أي أساس قانوني، سواء أكان محليا أو إقليميا أو دوليا، ومخالفة لكل القوانين الدولية، باعتبار أن هناك قرارا واضحا من محكمة العدل الدولية في لاهاي نصّ على أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية هي أراضٍ محتلة، وعلى الأمم المتحدة أن تعمل لإنهاء هذا الاحتلال وحددت سنة لتنفيذ القرار الذي لم يطبق بسبب موازين القوة الراجحة لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة.

وشدد ياغي على أن نتنياهو سيمضي في تنفيذ خطة الضم ما دام هناك ضوء أخضر أميركي كامل وصمت عربي رسمي، ما لم تبادر بعض الدول العربية والإسلامية إلى ممارسة ضغوط حقيقية على واشنطن، والتعامل مع أي خطوة من هذا النوع ليس فقط بوصفها جريمة حرب، بل كإعلان حرب على المنطقة بأسرها، الأمر الذي يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة في العلاقة مع الولايات المتحدة ومع كل من يدعم إسرائيل.

وفي سياق متصل، ترى الكاتبة رافيت هيخت في صحيفة هآرتس أن إسرائيل تبتعد عن الاتفاق المرحلي الذي كان يسعى نتنياهو للوصول إليه، وهو إطلاق سراح عدد محدود من الرهائن من دون الالتزام بإنهاء الحرب، وتزداد ابتعادا عنه مع مرور الوقت.

وأضافت أن "الصدمة العالمية من صور الدمار في غزة تُعزز موقف حماس وتدفعها إلى تشديد شروطها، في حين يواصل المجتمع الدولي -باستثناء الولايات المتحدة- تضييق الخناق على إسرائيل، وهو ما قد يتحول إلى حصار دبلوماسي شامل".

وتابعت أن "المفارقة الصارخة تبدو في أن حكومة اليمين المتطرف كأنها تنشئ الدولة الفلسطينية بيديها وسط ظروف دولية باتت أكثر عدائية تجاه إسرائيل".

مقالات مشابهة

  • أسبوع حاسم.. وسائل إعلام الاحتلال تتحدث عن تغيير بوجه الحرب في غزة
  • محللون: نتنياهو يرفض إنهاء مشكلة التجويع
  • اتصالات بين نتنياهو وترمب حول مقترح لمنح حماس مهلة للإفراج عن الأسرى
  • نتنياهو يدرس تطويق غزة واجتياحها في حال فشل التهدئة!
  • محللون: تهديدات الضم تكشف مأزق نتنياهو في الحرب على غزة
  • مقامرة نتنياهو الأخيرة في غزة لإنقاذ ائتلافه
  • ترامب يعتقد أن نتنياهو يسعى لإطالة الحرب في غزة
  • حماس وفصائل أخرى: الطريق إلى الحل يبدأ بوقف الحرب
  • تزامناً مع لقاء نتنياهو وويتكوف.. أهالي الأسرى لدى حماس يتظاهرون في القدس للمطالبة باتفاق لإعادتهم
  • ويتكوف يصل إسرائيل للقاء نتنياهو وزيارة غزة