“البنك المركزي في عدن” أداة حرب بيد السفارات.. والضحية هو الشعب
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
يمانيون | تقرير تحليلي
لم تكن التظاهرات التي شهدتها حضرموت وسواها من مدن جنوب اليمن مؤخرًا، إلا انعكاسًا لحالة اختناق اقتصادي واجتماعي وصلت إلى ذروتها في ظل سلطة الاحتلال وحكومة المرتزقة، بفعل الانهيار المتواصل للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وما نتج عن ذلك من ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، وفقدان أي استقرار معيشي.
فالواقع الذي تشهده هذه المناطق لم يعد يُحتمل، حيث بات الناس يصحون كل يوم على سعر صرف جديد، ويتعايشون مع غلاء متصاعد يُلقي بثقله على كاهل المواطن المنهك أصلًا… وقد دفعت هذه الأوضاع القاسية بالشارع الجنوبي إلى التعبير عن غضبه واحتقانه، ما دفع أدوات الاحتلال إلى محاولة امتصاص الغضب عبر تخفيض مفاجئ لأسعار الصرف، وتحديدًا الدولار الأمريكي، الذي جرى تداوله منذ أشهر بأكثر من ثلاثة آلاف ريال يمني، قبل أن يُخفض خلال ساعات إلى نصف هذا الرقم تقريبًا.
وسائل إعلام مقرّبة من حكومة المرتزقة حاولت تبرير هذه الخطوة المفاجئة بالإشارة إلى ضغوط أمريكية وأجنبية مباشرة، مورست على ما يسمى “البنك المركزي” في عدن، إثر تصاعد المخاوف من انفجار شعبي واسع نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، لا سيما مع مؤشرات متزايدة بانهيار المنظومة الاقتصادية في مناطق الاحتلال.
تهريب العملة ونهب رأس المال الوطني
وبحسب مختصين اقتصاديين، فإن هذه الخطوة لم تكن سوى معالجة سطحية ومؤقتة لأزمة عميقة صنعها العدوان نفسه، من خلال تهريب رأس المال الوطني بالنقد الأجنبي إلى الخارج، وهو ما تسبب في خلق أزمة حادة في السيولة، واختلال فاضح في العرض والطلب، ما فتح المجال لتجار الأزمات للتحكم بسعر الصرف والمضاربة بالعملة.
وبينما يستمر ضخ العملة المحلية بلا غطاء، يجد المواطن نفسه أمام غلاء أسعار غير مبرر، انعكس بشكل مباشر على السلع الأساسية، إذ كشفت التقارير أن الأسعار الحالية تمثل ضعف أو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل هذه الأزمة المفتعلة، في حين أن الانخفاض المفاجئ في سعر الصرف لم يُترجم إلى انخفاض موازٍ في الأسعار داخل الأسواق، ما يدل على أن ما جرى كان مجرد عملية شكلية لاحتواء الغضب الشعبي، وليس تغييرًا حقيقيًا في السياسات الاقتصادية.
صراعات فساد وتنافس خفي بين مراكز النفوذ
ما جرى أيضًا أعاد إلى الواجهة الحديث عن صراعات الفساد في منظومة المرتزقة، لا سيما بين المتنفذين والمستوردين الكبار الذين يُهيمنون على السوق.. فبحسب مصادر اقتصادية، فإن هؤلاء لم يُبدوا أي ثقة بما يسمى بـ”السياسة النقدية” التي يديرها البنك المركزي في عدن، بل إن غالبيتهم يعتقدون أن ما حدث كان مجرد إجراء مؤقت هدفه تهدئة الشارع، وأن سعر الصرف سيعود قريبًا إلى الارتفاع، في ظل استمرار نفس السياسات الكارثية.
أما المواطن في مناطق الاحتلال، فهو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة المختلة، إذ تبخرت مدخراته خلال السنوات الماضية، وتآكلت قدرته الشرائية بفعل التضخم وارتفاع الأسعار، دون وجود أي حماية أو رقابة أو ضوابط من الجهات التي يُفترض أنها مسؤولة عن إدارة الاقتصاد، لكنها في الواقع خاضعة بالكامل لتوجيهات سفارات دول العدوان.
سوق مختل.. وعملة وطنية بلا قيمة حقيقية
الواقع في الجنوب يُظهر مفارقة قاتلة: عملة محلية تغرق السوق دون قيمة حقيقية، وعملة أجنبية محدودة تُحتكر من قبل شبكات مالية وتجارية مرتبطة بمراكز النفوذ، ما يُعيد تشكيل السوق وفق مصالح المحتكرين، وليس وفق قواعد العرض والطلب.
ويُشير خبراء إلى أن البنك المركزي في عدن لم يعد سوى أداة تنفيذ لسياسات مرسومة خارجيًا، وهو ما أفقده أي استقلال أو سيادة، بل وحوّله إلى جزء من منظومة النهب والفساد التي تستنزف ما تبقى من الاقتصاد الوطني في الجنوب المحتل.
اللعب بالنار.. ومخاطر الانفجار القادم
منذ سيطر الاحتلال على مفاصل الاقتصاد في الجنوب، بات المواطن رهينة تقلبات يومية لا يمكن التنبؤ بها، حيث ينام على سعر ويصحو على آخر، دون أن يجد تفسيرًا لما يجري، سوى أن هناك أيادي خفية تعبث بمعيشته وتستنزف مدخراته.
واليوم، بعد أن فشل الاحتلال في تعليق فشله على صنعاء، بدأت أدواته ترتبك أمام واقع لم تعد تستطيع التستر عليه، وتجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الشارع الجنوبي الغاضب.
الخطوة الأخيرة في تخفيض سعر الصرف قد تبدو للبعض أنها محاولة لامتصاص الغضب، لكنها في الواقع فتحت معركة الأسعار على مصراعيها، وربما تكون بداية تصدع حقيقي في منظومة الاحتلال الاقتصادية، خاصة إذا ما فشلت أدواته في السيطرة على السوق، أو استمرت في اعتماد نفس السياسات الخاطئة التي أوصلت الجنوب إلى هذا الوضع الكارثي.
خلاصة
إن ما جرى خلال الأيام الماضية في الجنوب اليمني يُمثل نموذجًا واضحًا لفشل الاحتلال في إدارة الملفات الاقتصادية والمعيشية، ومحاولة مكشوفة لشراء الوقت عبر إجراءات شكلية لا تمس جوهر الأزمة.
ووسط كل ذلك، يبقى المواطن هو الضحية الأولى، والغضب المتصاعد مؤشر خطير على أن الانفجار الشعبي لم يعد مسألة احتمال، بل مسألة وقت، ما لم تحدث تغييرات جذرية تعيد للناس كرامتهم، وتحمي أموالهم من عبث المحتكرين والفاسدين.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: البنک المرکزی فی الجنوب سعر الصرف فی عدن
إقرأ أيضاً:
“الأرندي” يندّد بحملة التشكيك في الموقف الجزائري الداعم للقضية الفلسطينية
ندّد حزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي) بشدة بما وصفه بـ”الحملة الممنهجة” التي تستهدف التشكيك في الدور الريادي للجزائر في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، مؤكداً التزام الدولة الثابت والراسخ تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق.
وأوضح الأرندي، في بيان له، أن تصويت الجزائر لصالح القرار الأممي الأخير المتعلق بالأوضاع في غزة يأتي في صميم الموقف الوطني المبدئي الداعم لفلسطين، ويجسّد وفاء الجزائر لهويتها النضالية وانتمائها العربي والإسلامي والإفريقي، وتمسّكها بالقيم الراسخة لميثاق الأمم المتحدة.
وأكد البيان أن الجزائر كانت ولا تزال في مقدمة المدافعين عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولم تتراجع يوماً عن نصرة الشعب الفلسطيني. رافضاً أي محاولة للمزايدة على مواقفها التاريخية التي دفعت مقابلها أثماناً سياسية ودبلوماسية واقتصادية في العديد من المحطات.
وشدد التجمع الوطني الديمقراطي على النقاط التالية:
أولاً: الجزائر، عبر بعثتها الدائمة في نيويورك، بذلت جهوداً كبيرة لحماية المدنيين في غزة قبل وخلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وظلت في صلب كل المشاورات الهادفة إلى وقف العدوان وتأمين المساعدات الإنسانية.
ثانياً: لم تحافظ أي دولة على مستوى دعم مبدئي وراسخ للقضية الفلسطينية مثل الجزائر، التي لم تتردد في التضحية بمصالحها الحيوية دفاعاً عن حق الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: صوتت الجزائر لصالح القرار الأممي الأخير عن قناعة ثابتة، وبعد مفاوضات دبلوماسية طويلة ومسؤولة أفضت إلى إدراج تعديلات جوهرية على مشروع القرار، بما يحقق الأولويات الأساسية التالية:
-تثبيت وقف إطلاق النار ومنع استئناف العدوان.
-توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني عبر نشر قوة أممية لحفظ الأمن في غزة.
-ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط.
-تمهيد الطريق لإعادة الإعمار بمشاركة المؤسسات المالية الدولية.
وجدّد الأرندي تأكيده مساندة الدولة الجزائرية في مواقفها وسياساتها الوطنية الرامية إلى حماية مصالح البلاد والدفاع عن الشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.
كما شدد على أن ملاحم الجزائر داخل مجلس الأمن ستظل شاهداً على مصداقيتها ومسؤوليتها، مؤكداً أن الجزائر لن تقبل بأي شكل من أشكال المزايدة على مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وستظل وفية لنهجها إلى غاية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.