نعى "حزب الله" في بيان، بعد ظهر اليوم الخميس، احد عناصره، "الشهيد علي فوزي أيوب "أيوب" مواليد عام 1999 من بلدة عين قانا في جنوب لبنان، والذي ارتقى شهيداً على طريق القدس".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الوقفة الشجاعة لحزب النهضة في تونس
تعيش حركة النهضة التونسية لحظة مفصلية تتقاطع فيها أزمتها الداخلية مع أزمة البلاد بعد انقلاب 25 يوليو/ تموز، مما يجعل من تجديدها الذاتي ضرورة حزبية ووطنية في آن واحد.
فالرهان لم يعد فقط على تغيير الأشخاص، بل على مراجعة شاملة للفكرة، والهوية، والأداء السياسي، من خلال دمج الطاقات الشبابية والنسائية، وتحديث القيادة، والانتقال من الخطاب إلى البرامج.
ويمكن للنهضة، إن اختارت هذا المسار بجدية، أن تتحول من حزب مأزوم إلى قوة وسطية ديمقراطية محافظة تساهم في ملء الفراغ السياسي، وتدعم إعادة تأسيس الحياة السياسية، وتكون جزءا من الحل لا من الأزمة. إنها لحظة مراجعة مسؤولة، وفرصة لإعادة صياغة المشروع على أسس واقعية ومنفتحة، تواكب تطلعات المجتمع وتحترم مكتسبات الديمقراطية.
منذ نشأتها في سبعينيات القرن الماضي، شكلت حركة النهضة تجربة فريدة ضمن مشهد الحركات الإسلامية في العالم العربي. فقد حاولت الربط بين الإسلام والديمقراطية، وبين القيم الدينية والعمل السياسي، في بلد يشهد تحولات اجتماعية وثقافية عميقة. ورغم سنوات القمع في عهدي بورقيبة وبن علي، فقد تمكنت الحركة من الصمود والعودة بقوة بعد الثورة، لتصبح واحدة من أهم الفاعلين في الساحة السياسية الجديدة.
لكن الواقع السياسي بعد أكثر من عقد على الثورة أظهر أن رصيد النهضة النضالي لم يكن كافيا لمواصلة التأثير والقيادة. فقد أصاب مشروعها الكثير من الجمود، وغابت عنه القدرة على تجديد أدواته وخطابه، ما جعله يبدو، في نظر الكثيرين، وكأنه فقد صلته بالمجتمع وبالواقع الجديد.
من الأزمة التنظيمية إلى الأزمة الوجوديةمن السهل إرجاع تراجع النهضة إلى عوامل خارجية مثل انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، الحملة على الإسلاميين، التضييقات الإعلامية والقضائية. نعم، كلها وقائع لا يمكن إنكارها، لكن الحقيقة الأكثر إيلاما أن جزءا كبيرا من الأزمة هو داخلي: أزمة قيادة، أزمة خيال سياسي، وأزمة جرأة على المراجعة.
إعلانلقد طغى على الحركة في السنوات الأخيرة منطق الإدارة البيروقراطية على حساب الحيوية الفكرية والتنظيمية. كما تحول المؤتمر الحادي عشر، الذي كان يُفترض أن يكون محطة للتجديد، إلى أداة تأجيل وتدوير للمشكل، لا لحله. وبات من الواضح أن النهضة اليوم ليست فقط مطالبة بتغيير الأشخاص أو توزيع المهام، بل بمساءلة مشروعها نفسه: لماذا تستمر؟ وبأي مضمون؟ ولمن؟
بين الفكرة والتنظيم: هل من أفق جديد؟عانى مشروع النهضة من أزمة تعريف: هل هو حزب مدني بمرجعية إسلامية؟ حركة قيمية؟ أم إطار سياسي بهوية ثقافية؟ غموض هذه الهوية أثر في الخطاب وأربك الجمهور. فبين محاولة كسب ثقة الداخل وطمأنة الخارج، ضاعت البوصلة.
هناك حاجة ماسّة اليوم إلى إعادة تعريف مشروع النهضة على أسس جديدة، تتجاوز ازدواجية الحركة والحزب، وتتبنى بوضوح تموضعا كـ"حزب محافظ وسطي" يعبر عن شريحة اجتماعية واسعة، تؤمن بالقيم وتطمح إلى التقدم، وتحترم مؤسسات الدولة دون قطيعة مع الموروث.
تجديد يتجاوز الأشخاص إلى الفكرةالتجديد ليس مجرد شعار أو تبادل مواقع، بل هو مراجعة شاملة للفكرة والأسلوب، وهو كذلك فعل جماعي لا نخبوي، تشارك فيه مختلف مكونات الحزب: الشباب، النساء، الكفاءات المهمشة، والجهات التي طال تهميشها لصالح المركز.
لقد أثبتت تجارب سابقة داخل النهضة نفسها أن الدفع بوجوه جديدة إلى الصفوف الأولى لا يقتصر على إرضاء التوازنات الداخلية، بل هو شرط ضروري لتحديث المشروع وتجاوز الإرث التنظيمي الثقيل.
والتجديد أيضا لا يمكن أن ينتظر مؤتمرات مؤجلة، بل يبدأ من القواعد، من العمل المحلي، من لجان التفكير، ومن منصات التواصل الجديدة التي باتت فضاءات إنتاج سياسي موازية لا تقل أهمية عن الهياكل الرسمية.
معادلة الرمزية التاريخية وضرورة التجديد القياديلا يمكن الحديث عن تجديد النهضة دون التوقف عند المسألة القيادية التي أصبحت اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. تمتلك النهضة زخما رمزيا كبيرا يتجلى أساسا في شخصية زعيمها راشد الغنوشي، أحد مهندسي المشروع وواجهاته الفكرية والسياسية منذ التأسيس. لعب الغنوشي دورا محوريا في ترسيخ التوجه الديمقراطي داخل الحركة وفي حماية مسار الانتقال بعد الثورة.
لكن الزمن السياسي يفرض اليوم معادلة جديدة تقوم على الموازنة بين الحفاظ على هذا الرصيد الرمزي الذي لا يمكن إنكاره أو الزهد فيه، وضرورة فتح المجال أمام قيادات شبابية تعبر عن المتغيرات داخل الحركة والمجتمع، وتعكس تطلعات الأجيال القادمة.
لم يعد الانتقال القيادي والجيلي مطلبا تنظيميا فقط، بل أصبح شرطا لبقاء المشروع نفسه. والبحث عن صيغة ذكية ومرنة تمكن النهضة من الاستفادة من تجربة قيادتها التاريخية، دون أن تبقى أسيرة لها، هو مفتاح من مفاتيح الإنقاذ والتجديد. فالحركات التي تتجدد دون أن تتنكر لذاكرتها، هي وحدها القادرة على الجمع بين الوفاء للماضي والانفتاح على المستقبل.
الشباب والمرأة والكفاءات: قوى التغيير الحقيقيلا يمكن لأي تجديد حقيقي داخل النهضة أن يتم دون تمكين فعلي ودائم للشباب والنساء والكفاءات، ليس بوصفهم "زينة تنظيمية"، بل باعتبارهم قوى تغيير حقيقية طال تهميشها. فالحركة لطالما عُرفت تاريخيا بديناميكيتها الشبابية، خصوصا من خلال فصيلها الطلابي الذي لعب دورا محوريا في تطوير خطابها وتجديد أدواتها، لا سيما في فترات الحصار والمراجعة. كما كانت مشاركة المرأة في النهضة، على امتداد عقود، جزءا من تميزها داخل الحركات الإسلامية.
إعلاناليوم، تعج النهضة بطاقات شبابية ومهنية ناضجة، قادرة على تقديم رؤى جديدة، وتحويل مسار الحزب من حالة الاستنزاف إلى حالة إبداع سياسي. المطلوب هو انتقال قيادي وجيلي سلس، يعطي لهذه القوى موقع القرار، ويكسر الحلقات المغلقة التي عطلت التجديد لعقود. فبدون هذه الطاقات، لن تتجدد الفكرة، ولن تتغير الأداة، ولن تستأنف النهضة مسارها كقوة سياسية حية ومواكبة لعصرها.
تجديد الأداء القيادي والبرامج القابلة للتنفيذلعله من أبرز ملامح الجمود داخل النهضة في السنوات الأخيرة، غياب التطوير في الأداء القيادي من حيث الفهم العميق للتحولات، والقدرة على التحليل والاستشراف، ثم ترجمة ذلك إلى تخطيط عملي وتنفيذ ناجع. فقد بقيت الكثير من الخطابات أسيرة العناوين الكبرى والمبادئ العامة، دون أن تتحول إلى سياسات ملموسة أو برامج تنموية قابلة للقياس والتطبيق.
لا يقتصر التحدي اليوم على طرح أفكار جديدة، بل على الارتقاء بالأداء السياسي إلى مستوى يواكب تعقيد الواقع التونسي، من خلال توظيف أدوات التفكير الإستراتيجي، والعمل البرنامجي، وبناء فرق عمل متخصصة تتقاطع فيها السياسة مع الاقتصاد، والتنمية، والتعليم، والبيئة.
هذا الانتقال من "الخطاب" إلى "البرنامج"، ومن "التصريحات" إلى "الحلول"، هو ما سيعيد للنهضة موقعها كقوة فاعلة قادرة على التأثير في الواقع، لا مجرد التفاعل معه.
المشهد التونسي بحاجة إلى قوى وسطية ديمقراطية متزنةتعيش تونس اليوم فراغا سياسيا حقيقيا. يكشف السياق الوطني الأوسع عن فراغ سياسي مقلق. فقد تآكلت الثقة في الطبقة السياسية وفي النخب عامة، وبات المشهد العام أسيرا لاستقطاب ثنائي بين شعبوية سلطوية من جهة، وخطاب نخبوي منفصل عن الواقع من جهة أخرى.
في هذا السياق، تبدو تونس في حاجة ملحة إلى توسيع قاعدة الوسط السياسي الديمقراطي، وهو الوسط الذي يمكن أن يعبر عن الأغلبية الصامتة من التونسيين: محافظين اجتماعيا، منفتحين سياسيا، رافضين للتطرف، وقلقين من الاستبعاد والاستقطاب.
توسيع هذا الوسط ليس خيارا نخبويا، بل ضرورة وطنية لحماية المسار الديمقراطي وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي. يمكن لحركة النهضة، إن اختارت فعليا طريق التجديد الجاد، أن تساهم في ملء هذا الفراغ وبناء هذه الحالة الوطنية، لا بوصفها الحزب "الإسلامي" الوحيد، بل عبر تقديم نفسها قوة وطنية محافظة وواقعية، وحزبا وطنيا محافظا، يحمل مشروعا اجتماعيا واقتصاديا واقعيا، ويعيد للعمل السياسي معناه الأخلاقي والمؤسساتي، يلتزم بالديمقراطية ويدافع عن الحريات ويعمل من داخل الدولة، لا على هامشها. بهذا المعنى، يمكن أن تكون النهضة جزءا من حل الأزمة السياسية في تونس، لا امتدادا لمشكلاتها.
تجديد النهضة كجزء من استعادة الديمقراطيةلا يمكن فصل أزمة النهضة عن الأزمة الوطنية العامة التي تعيشها تونس منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021. لكن من الخطأ التعامل مع الانقلاب فقط كسبب خارجي يبرر الإخفاقات، إذ إن أحد دروس ما بعد الانقلاب هو أن استعادة الديمقراطية لا تمر فقط عبر مقاومة الاستبداد، بل أيضا من خلال تجديد عميق للمشهد الحزبي والسياسي، وتجاوز عجز النخب عن تجديد أدواتها وخطاباتها.
في هذا الإطار، يجب على النهضة أن تنظر إلى مسار التجديد ليس فقط كحاجة داخلية، بل كمساهمة ضرورية في إعادة تأسيس الحياة السياسية على أسس ديمقراطية وتعددية أكثر نضجا.
فالانقلاب، رغم كلفته السياسية والمؤسساتية، كشف حدود التجربة السابقة، وفتح- لمن أراد أن يقرأ- فرصة للتفكير في التغيير الجذري، لا في حدود النهضة فقط، بل على مستوى الخريطة السياسية برمتها. ومتى التقت مراجعة الذات الحزبية بإرادة وطنية جماعية للتصحيح، يمكن حينها الحديث عن بداية خروج حقيقي من الأزمة.
لحظة مفصلية في تاريخ الحزب وفي مستقبل البلادلا يحتمل الوضع الراهن مزيدا من الانتظار. فالتاريخ السياسي مليء بأحزاب سقطت لأنها لم تواكب التحولات، واختارت الدفاع عن الماضي بدل الاستثمار في المستقبل.
إعلانتقف النهضة اليوم أمام خيارين: إما أن تثور على ذاتها، أو تتحول إلى مجرد أثر سياسي في ذاكرة الانتقال الديمقراطي. المطلوب مراجعة شجاعة ومسؤولة تعيد المشروعَ إلى سكته الأصلية: مشروعًا سياسيًا وطنيًا، ينطلق من المجتمع، ويتفاعل مع العصر، ويخدم الدولة لا الجماعة.
رغم ما تمر به من أزمة، لا تزال لدى النهضة إمكاناتٌ هائلة كامنة: رصيد نضالي، تنظيم منضبط، حضور رمزي في وجدان شريحة واسعة من التونسيين. لكنها إمكانات قابلة للتآكل إذا لم تُرفد بفكر جديد وروح متجددة.
لا شك أن النهضة قادرة على التجدد، لكن ذلك يتطلب شجاعة الاعتراف بأخطاء الماضي، والجرأة على القطيعة مع ما لم يعد صالحا، والرغبة الحقيقية في الانفتاح على جيل جديد من الكفاءات والقيم والأولويات.
فتونس لا تحتاج إلى نسخة مكررة من الأحزاب التقليدية، بل إلى حزب يعبر عن روحها المحافظة المنفتحة، ويعيد إلى السياسة معناها الأخلاقي والبراغماتي في آن واحد.
وحركة النهضة، إن اختارت هذا المسار، قد تكون قادرة على لعب دور أساسي في ترميم الحياة السياسية، واستعادة التوازن، وتجديد الأمل في العمل الحزبي كأداة إصلاح، لا مجرد وسيلة للسلطة.
النهضة، مثل تونس، تقف على حافة مرحلة جديدة. فإما أن تكتب فصلها القادم بعقلانية وشجاعة، أو تُترك للتاريخ كفرصة ضاعت حين لم يُحسن أصحابها قراءتها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline