يوميات اللبنانيين مع المسيّرات الإسرائيلية بين التعود والإنكار
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
بيروت- يستيقظ أبو حسين صباحا في إحدى مناطق الضاحية الجنوبية من بيروت ليسأل زوجته "لم تأت أم كامل بعد؟"، فتجيبه "ليس بعد، هل اشتقت إليها؟" فيرد "نعم، اعتدنا عليها وتحولت إلى منبه يوقظني فجرا"، في إشارة منه إلى المسيّرات الإسرائيلية التي تنتهك باستمرار الأجواء اللبنانية.
حوار صار شبه يومي يدور بين الشعب اللبناني في معظم مناطق البلاد عن هذه المسيّرات التي تراقب لبنان ولا تغادر سماءه إلا ساعات قليلة في اليوم.
منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصبحت المسيّرات رفيقة اللبنانيين، وأصبح صوتها المزعج جزءا من تفاصيل حياتهم.
ويقول أبو حسين مازحا للجزيرة نت، "اعتدت عليها، تزورني أكثر من أولادي وتبقى في بيتي أكثر منهم ولم تعد تزعجني، نعاني منها منذ نحو عام، ولا خيار لنا إلا القبول بها".
وتمتزج سخرية اللبنانيين من المسيّرات الإسرائيلية بالحزن لأن تحليقها تتبعه اغتيالات أو استهدافات أشخاص على متن سيارات أو دراجات نارية، و"تصوير وتجميع معلومات يستتبعها تحليق الطائرات الحربية التي أصبحت تخرق الأجواء اللبنانية وتنفذ الغارات بشكل شبه يومي".
وراقبت الجزيرة نت، هذه المسيّرات خلال أسبوع ووجدت أنها لا تفارق أبدا سماء لبنان، غير أن اللبنانيين مستمرون في حياتهم طبيعيا ولا تؤثر على أشغالهم وكأنها غير موجودة وصوتها غير مسموع.
حتى في العاصمة بيروت، فإنها تحلّق على مقربة من مقر الحكومة اللبنانية ومكان سكن رئيسها، ويقول محمد موظف في مصرف بوسط بيروت، إن المسيّرات لا تقتصر فقط على جنوب لبنان أو البقاع شرقا، بل "تراقب وتصور في كل البلاد، فليس هناك مدينة أو منطقة لا يسمع فيها زنها".
إعلانويتابع "المشكلة الأكبر أنها تحولت إلى أداة للاغتيالات ولا نعرف متى يمكن أن تطلق صواريخها لتغتال هذا الشخص أو ذاك القيادي في حزب الله، وقد أكون أنا أو أحد أفراد عائلتي نسير قرب هذه السيارة أو الدراجة ونُقتل ولا دخل لنا في ما يحصل، ورغم كل ذلك، اعتدنا عليها".
مشهد يومي
وفي طريقنا نحو المناطق الجبلية في لبنان، مررنا بمحاذاة بعبدا التي تضم القصر الجمهوري ومقري وزارة الدفاع وقيادة الجيش اللبناني، ولم يتغير المشهد، مسيّرات في الأجواء وبعضها على علو منخفض وصوت مرتفع يصم الآذان.
وسألت الجزيرة نت، أحد أصحاب البقالات، "هل هذا المشهد يومي حتى فوق هذه المقرات الرسمية الحساسة؟"، فأجاب إن "إسرائيل تستبيح الأجواء اللبنانية دون حسيب أو رقيب، والصوت رفيقنا صباحا ومساء وقد يمتد إلى الفجر، وعندما تغيب المسيّرات، نسأل عنها وعن أسباب غيابها وهل ستحل مكانها الطائرة الحربية"؟.
وحتى الأطفال يعرفون صوت المسيّرات وبعضهم يخاف منها لأنها تذكره بالحرب وقصف منزله، كحال ريم (12 عاما) التي تقول إن "صوت المسيرة يرعبها لأنه يذكرها بالطريقة التي قُصف بها بيتها العام الماضي، ولا يزال في أذنيها حتى الآن".
إستراتيجية التعاملأما كريم (11 عاما) الذي كان يلعب قرب منزله والمسيّرة في الأجواء، فيقول "لا أخاف منها، لأنني أكره إسرائيل وعندما أكبر سأحاربها وأقضي عليها وأحرر القدس".
ولكن، هل فعلا تعوّد اللبنانيون على صوت المسيّرات الإسرائيلية؟ وهل فعلا يسألون عن غيابها؟
يبدو أن اللبناني اختار إستراتيجية التعامل مع هذه المسيّرات بالمزاح والسخرية لأن حضورها أصبح دائما في حياته اليومية.
ويقول علم النفس عن حالة الإنكار التي يعيشها جزء من اللبنانيين، إنها قد تؤدي إلى "تشويه إدراكهم ويصبحون منفصلين عن الواقع وفهمهم له. هذه الطريقة في التعاطي تفيد لفترة قصيرة ومحدودة وتساعد على التأقلم مع واقع معاد، ولكن على الأمد البعيد ينشأ صدع خطِر بين التجربة والعالم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات المسی رات الإسرائیلیة الأجواء اللبنانیة
إقرأ أيضاً:
نواف سلام: لا تراجع عن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية
تصاعدت حدة التصريحات الرسمية في لبنان حول ملف سلاح “حزب الله”، مع تباين في المواقف بين من يرى في رفض الحزب تسليم سلاحه “انتحاراً”، ومن يحذر من محاولات إسرائيلية لتحويل النزاع إلى صراع لبناني داخلي.
وقال وزير العدل اللبناني، عادل نصار، في منشور عبر منصة “إكس”: “إذا اختار حزب الله الانتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يُسمح له بأن يجرّ لبنان والشعب اللبناني معه”، في إشارة إلى ما يعتبره تمسك الحزب بسلاحه على حساب السيادة الوطنية.
من جهته، أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن قرار حصر السلاح بيد الدولة “لا رجوع عنه”، مضيفاً: “يجب فرض سيطرتنا على كامل أراضينا بقواتنا الذاتية حصراً”.
في المقابل، رد النائب عن كتلة “الوفاء للمقاومة”، علي فياض، معبراً عن قلقه من التصريحات المتصاعدة، محذراً من محاولات “العدو وحلفائه” دفع لبنان إلى صراع داخلي.
وقال فياض: “الهدف من هذه الضغوط هو دفع السلطة اللبنانية والرأي العام وقيادة المقاومة إلى الرضوخ للشروط الإسرائيلية”، مضيفاً أن “أخطر السيناريوهات التي يسعى إليها العدو هي تحويل القضية من نزاع لبناني–إسرائيلي إلى نزاع لبناني–لبناني”.
وشدد على أهمية توحيد الموقف اللبناني في هذه المرحلة الحرجة، وقال: “كلما كان الموقف اللبناني موحداً أو منسقاً، كنا أقدر على مواجهة التهديدات وتحصين الداخل”.
كما كشف أن الجانب اللبناني أبلغ الوسيط الأميركي موقفه الرافض لأي مسار تفاوضي قبل التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة.
رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام: انفجار مرفأ بيروت جرح وطني مفتوح والعدالة ضرورة وطنية جامعة
أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، أن هذا الانفجار لم يصب فقط أهالي الشهداء والضحايا، بل أصاب لبنان في قلبه وضميره، مشيراً إلى أن الرابع من آب لم يكن مجرد كارثة إنسانية، بل لحظة صادمة انكسرت فيها الثقة بين المواطن والدولة، وانكشفت خلالها ثغرات عميقة في الواقع اللبناني ومسألة المحاسبة.
وقال سلام خلال جلسة حوارية خاصة لمناقشة تداعيات الانفجار: “معرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين ليست مطلباً خاصاً، بل قضية وطنية جامعة”، مضيفاً أن “لا يمكن إحياء ذكرى الرابع من آب من دون استذكار كل اسم من أسماء الشهداء والضحايا، فكل واحد منهم كان حياة كاملة، فرداً وعائلة وحلماً ومستقبلاً”.
وأشار إلى أن جرح الضحايا ما زال مفتوحاً لأن العدالة لم تتحقق بعد، وأن المحاسبة تأخرت، رغم أن بيروت التي استهدفت في ثوانٍ في قلبها وأبنائها ما زالت تلملم شظاياها، لكنها بقيت عصية على الانكسار.
وأوضح رئيس الحكومة أن “في مقابل مأساة الرابع من آب، هناك وجه آخر لا يقل عمقاً، وهو الخامس من آب، الذي يمثل إرادة الحياة والتضامن الوطني من خلال اندفاع الشباب والشابات بدون دعوة أو مقابل، لرفع الركام ومداواة الجراح واسترداد نبض المدينة”، مشيراً إلى أن هذا الجيل الذي لم يكن في موقع المسؤولية آنذاك هو اليوم في طليعة من يطالب بالعدالة.
وأكد سلام أن العدالة في قضية الرابع من آب ليست مسألة خاصة أو قضائية فقط، بل هي في جوهرها سؤال حول طبيعة البلد الذي يريد اللبنانيون العيش فيه، مشدداً على أن “من دون عدالة لا معنى للمواطنة ولا جدوى من الدولة”.
وأشار إلى أن ثقافة الإفلات من العقاب التي ترسخت لعقود هي السبب في استمرار الفساد والانهيارات المتكررة، وكذلك غياب الأجوبة عن الجرائم السياسية.
وشدد رئيس الوزراء على أن مواجهة هذه الثقافة تتطلب التزاماً تأسيسياً لأنها نقطة البداية لأي إصلاح حقيقي وبناء سليم لمؤسسات الدولة، مؤكداً أن “لا سيادة بلا محاسبة، لا إصلاح بلا محاسبة، لا دولة قانون بلا محاسبة”.
وأضاف أن دولة القانون لا تُبنى بالشعارات بل باحترام القضاء وضمان استقلاليته، مؤكداً أن “المحاكمة العادلة ليست منّة من أحد، بل واجب على الدولة وحق للضحايا والمتهمين وضمانة للعدالة نفسها”.
في هذا السياق، أعلن سلام التزامه الشخصي والحكومي بالدفع نحو إقرار قانون استقلالية القضاء العدلي، باعتباره مدخلاً أساسياً لإنهاء التدخلات في القضاء وزمن الإفلات من العقاب، والانتقال إلى دولة يحكمها القانون وحده.
وشدد على التزام الحكومة الواضح ببناء دولة قوية وعادلة وسيدة وحرة ومستقلة، وقال: “دولة لن توفر الجهد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كل شبر من أراضينا، وبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. دولة يكون قرار الحرب والسلم في يدها وحدها.”
وأكد أن دولة الحق والقانون لا يمكن أن تقوم من دون إنهاء الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة.
وخاطب اللبنانيين قائلاً: “أعلم أن الكثير منكم يشعر بأن الحقيقة ما زالت بعيدة، وأن العدالة متأخرة، لكن أقول بوضوح: لا تسوية على حساب العدالة، ولا نهاية لهذا الجرح الوطني إلا بكشف الحقيقة كل الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، أياً كانوا، أمام القضاء.”
وختم رئيس الوزراء بالقول: “لبنان، رغم كل الصعاب، قادر على النهوض بعزيمة شبابه وشاباته، وأن العدالة، وإن تأخرت، لا بد أن تتحقق”، داعياً إلى أن يكون الرابع من آب خاتمة لزمن الإفلات من العقاب وبداية لزمن دولة الحق والقانون والعدالة.