فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات القومية
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
من الخانات العثمانية إلى مضمار الزلاجات الجماعية الأولمبي المهجور، تشهد سراييفو ازدهار اللوحات الجدارية وكتابات الغرافيتي على جدرانها، ومعها الطموح لبناء الجسور التي تتجاوز الخطابات القومية.
يقول كريم موسانوفيتش، حاملا عبوة رذاذ، إن فن الشارع "مفتوح للجميع". ويرسم الفنان الثلاثيني حيتانا بنفسجية ضخمة وتنانين ملونة مناقضة تماما ل"الأخبار السيئة".
وبعيدا عن التوترات في البوسنة ما بعد الحرب، المنقسمة إلى كيانين مستقلين هما جمهورية صربسكا (صرب البوسنة) واتحاد البوسنة والهرسك (الكرواتي-المسلم)، يحب كريم تنفيذ أعماله في أماكن مهجورة ذات هندسة معمارية غير تقليدية أو ذات دلالة تاريخية، كمخبأ قناص سابق أو منحنيات مضمار الزلاجات الجماعية الذي أصبح معقلا لفن الشارع، في محيط جبل تريبيفيتش المغطى بأشجار الصنوبر.
أما فرينكي، فتعلم الفن الجداري في ألمانيا حيث نشأ، ثم في توزلا (شمال غرب البوسنة)، وتحديدا خلال "ليلة مجنونة" رسم فيها على قطار جديد يربط بين كرواتيا وبولندا، مما أدى إلى سجنه.
كان الوضع لا يزال متوترا إلى حد ما في ذلك الوقت، على ما يروي الرجل الأربعيني. ويضيف: "ظنوا أن الأمر قد يكون سياسيا، لكنه لم يكن كذلك". ويؤكد أن السياسة لم تكن "مهمة"، بل إن الهدف كان "جعل المدينة ملكا" لناسها.
إعلانوقبلهما في كرواتيا، شارك فنان يطلق على نفسه اسم "لوناك" في تأسيس "YCP"، إحدى أولى مجموعات الغرافيتي في يوغوسلافيا السابقة، علما أن شباب المدن تأثروا بالفن الجداري النيويوركي منذ سبعينات القرن العشرين.
وخلال الحرب الطائفية التي مزقت يوغوسلافيا بين عامي 1992 و1995، ظهرت في سراييفو أعمال غرافيتي تعبر عن الحصار، ومنها كلمة "The Wall" (الجدار) المنقوشة بأسلوب لا يخلو من الفكاهة على كتلة خرسانية كانت تحمي المدنيين من القناصة، في إشارة إلى عنوان الألبوم الشهير لفرقة "بينك فلويد".
ويقول فرينكي إن هذا "الأدرينالين" أثار حماسته خلال مراهقته، لكونه "أشبه بحياة مزدوجة، موزعة بين الذهاب إلى المدرسة أو ممارسة أنشطة عادية خلال النهار، ثم الخروج للرسم في الليل".
ويروي الفنان في صالة "مانيفستو" الفنية، حيث أقيم معرض لأعماله في مايو/أيار: "في البداية، كان الهدف مجرد تمضية وقت ممتع مع الأصدقاء. ثم أصبح أكثر جدية… إذ بات نوعا من العلاج النفسي"، إلى جانب الرغبة في "تأسيس شيء كبير في البوسنة بعد الحرب".
أضفت الرسوم والكتابات الجدارية الحياة والألوان على سراييفو التي كانت "شديدة الظلمة" بعد الحرب، بمبانيها المدمرة أو تلك التي نخر الرصاص واجهاتها.
ويشير فرينكي إلى أن صلات نشأت بينه وبين فناني الغرافيتي من زغرب وبلغراد. ويذكر الفنان، وهو أيضا مغني راب، بأن "سياسات الفصل العنصري والسياسة والقومية كانت قوية جدا بعد الحرب، وحطم الغرافيتي والهيب هوب كل تلك الجدران، وبنى جسورا جديدة بين هذه الأجيال".
يقول الفنان بنيامين تشينغيتش إن القيام "بأمور استكشافية على طريقة أفلام إنديانا جونز، وكتابة اسمي في مكان ما، وإضفاء لمسة شخصية على بيئتي" كان "بمثابة لعبة مذهلة".
ويقر بأن فن الغرافيتي لا يزال "مجالا ضيقا جدا"، لكن مشهد "الفن الجداري" يكتسب زخما متزايدا، مع إقامة الكثير من المهرجانات الدولية، من بينها مهرجان "فاسادا" في سراييفو الذي يتولى الإشراف عليه، وقد دعمته المنظمة الدولية للهجرة عند إطلاقه عام 2021، ومهرجان موستار الذي أسسته مارينا ديابيتش عام 2012.
ويضيف تشينغيتش: "نبحث عن الأحياء المهملة، والواجهات المهدمة (…) ونجدد كل شيء من الصفر لنسج روابط". ويشبه توقيعه، وهو كناية عن زهرة، ب"بذرة صغيرة" مزروعة على الجدران "لتترك بصمة في المجتمع".
وتلاحظ أستاذة علم الاجتماع في جامعة سراييفو، سارينا باكيتش، أن ثمة نقصا في مساحات الإبداع والتوظيف و"التفاعل الثقافي والتفاهم والحوار" في هذا "المجتمع البوسني الفقير". وترى أن "الظروف الاجتماعية للشباب بالغة الصعوبة"، مع معدل بطالة يناهز 30% ورغبة الشباب في مغادرة البلاد. لكنها تعتبر أن فن الشارع يمكن أن يكون نقطة انطلاق لهم.
إعلانوتقول ليليانا رادوسيفيتش، وهي طالبة دكتوراه في هذا الموضوع بجامعة يوفاسكولا في فنلندا، إن "ثقافة الغرافيتي بحد ذاتها تتيح خيار رفض الانحصار في سردية قومية أو هوية مفروضة… إنها طريقة للمقاومة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات أمكنة فی سراییفو بعد الحرب فن الشارع
إقرأ أيضاً: