وكان البنك قد اتخذ قراراً في مطلع أبريل (نيسان) الماضي نصَّ على نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من مدينة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وأمهل البنوك 60 يوماً للتنفيذ، وتَوَعَّدَ من يتخلف بأنه سيجري اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه طبقاً لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب النافذة ولائحته التنفيذية.

 

وذكر الإعلام الرسمي أن البنك المركزي اليمني عقد في العاصمة المؤقتة عدن، الاثنين، اجتماعاً استثنائياً، لاستعراض جملة من التطورات المالية والنقدية، والعلاقات مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، في ضوء النقاشات التي جرت مع تلك المؤسسات من قِبل قيادة البنك المركزي ووزارة المالية.

كما استعرض الاجتماع الخطوات المتَّخذة لتنفيذ قرار البنك بنقل مراكز أعمال البنوك من العاصمة المختطَفة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، والإجراءات التي سيجري اتخاذها بحق البنوك التي تخالف تنفيذ ما ورد بمنطوق القرار.

وذكّر الاجتماعُ البنوكَ بالموعد النهائي لاستكمال عملية النقل، وأعرب عن ارتياحه الكبير للدعم الذي تلقاه القرار على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية كافة بِعَدِّ القرار إنقاذاً للقطاع المصرفي وحماية له من هيمنة وتعسف جماعة مصنَّفة بالإرهاب من قِبل المجتمع الدولي.

وبشأن هذا القرار، كان «المركزي» اليمني قد أوضح أنه أقدم على هذه الخطوة نتيجة ما تتعرض له البنوك والمصارف العاملة من إجراءات غير قانونية من قِبل جماعة مصنَّفة إرهابياً من شأنها أن تعرِّض البنوك والمصارف لمخاطر تجميد حساباتها، وإيقاف التعامل معها خارجياً.

وفي سياق الانتهاكات في القطاع المصرفي، كان الحوثيون قد أقدموا في مارس (آذار) الماضي على سكّ عملة معدنية غير قانونية، وهو ما وصفه «المركزي» اليمني بأنه «إخلال بالنظام المالي والمصرفي في البلاد».


وفي حين أكد البنك أن إقدامه على هذه الخطوة ستمكنه من أداء مهامه الرقابية وممارسته وفقاً للقانون، كان متعاملون ومصادر مصرفية يمنية قد أكدت أن معظم البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين باتت على وشك الإفلاس، بعد أن استولت الجماعة على أموالها، ومن ثم إصدار قرار بمنع الأرباح في التعاملات البنكية بحجة مكافحة الربا، حيث أصبحت عاجزة عن دفع أي مبلغ بسيط للمودعين.

وفي بيان سابق شدد «المركزي» اليمني على أنه ظل على الدوام يتعامل مع البنوك من منطلق اختصاصاته وصلاحياته الدستورية والقانونية، بوصفه سلطة نقدية قانونية مسؤولة كونه الجهة الوحيدة المكلَّفة بعملية الإشراف والرقابة المصرفية وفقاً للدستور والقوانين اليمنية النافذة، بالتنسيق مع المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المختصة بالشؤون المالية والمصرفية والمجالات ذات العلاقة.

وأكد البنك المركزي اليمني وقوفه على مسافة واحدة من البنوك والمؤسسات المصرفية كافة بوصفه «بنك البنوك»، وأنه حريص على تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، والحفاظ على القطاع المصرفي، وحمايته من التأثيرات السلبية الناتجة عن التعقيدات والمتغيرات الداخلية والخارجية.

 

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: البنک المرکزی

إقرأ أيضاً:

"حرب البنوك" بين صنعاء وعدن ـ الوجه الآخر للصراع في اليمن

كما هو حال اليمن المنقسم بين حكومتين متصارعتين، انقسم البنك المركزي اليمني إلى بنكين متنازعين على سلطة القرار المالي والسياسة النقدية في البلاد، وكلاهما يسعى لفرض سلطته وتحجيم نفوذ الآخر. التصعيد بلغ مؤخرا ذروته!

 

قبل أيام من حلول الأضحى المبارك، ما تزال أسرة اليمني عبدالواحد المؤلفة من الأب والأم وخمسة أبناء، تعيش حالة من الخوف من إمكانية تعثر استلام المبلغ الشهري الذي يتقاضاه الأب، نظير عمله بأحد المواقع الإلكترونية، في ضوء إعلان شركات تحويلات مالية دولية اشتراطات جديدة، من شأنها أن تمنع عنه استلام ما يعينه على متطلبات العيد، بعد أن  دخل الوضع الاقتصادي المنقسم أصلاً ، منعطفاً خطيراً مؤخراً، بتنازع السلطة المالية بين كل من الحكومة التابعة لأنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، والحكومة المعترف بها دولياً في عدن.

 

يتراوح دخل عبد الواحد الشهري غير الثابت ما يصل إلى 200 دولار أميركي (أكثر من مائة ألف ريال يمني بسعر الصرف في صنعاء وثلاثة أضعافه بسعر الصرف في عدن)، إلى جانب المرتب الشهري لزوجته التي تتقاضاه في مناطق سيطرة الحكومة نحو 80 ألف ريال يمني تصبح أقل من الثلث بعد تحويلها إلى حيث تسكن الأسرة في شمال اليمن. وفي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، يقول عبد الواحد لـ DW عربية، إنه دخل بأزمة كبيرة، نتيجة توقف حوالات ويستر يونيون، التي كان يتسلم عبرها المبالغ المرتبطة بإعلانات تجارية في الموقع، وبعد أن تسلم لاحقاً عبر حوالات بنكية لشهرين متتالين، باتت هذه الطريقة مهددة، في ضوء التصعيد بين المصرفين المركزين المنقسمين بين صنعاء وعدن، وإصدار الأخير تعليمات تقيد التعامل مع ستة من أكبر البنوك التجارية في البلاد.

 

وفي الوقت الذي تعد فيه المناسبات العيدية، ذروة عمل التحويلات المالية والأسواق المحلية، وسط اعتماد النسبة الأكبر من الأسر اليمنية على تحويلات من خارج البلاد، وعلى المعونات من الأقرباء وغيرهم، تشتد وطأة الأزمة الإنسانية  التي تقدر فيها الأمم المتحدة حاجة أكثر من ثلثي سكان البلاد إلى المعونات. ويلقي الصراع السياسي على تنازع القرار الاقتصادي بظلاله ليفاقم من المعاناة.

 

هذا الوضع الذي يجعل توفيق راجح البالغ من العمر 32 عاماً - يعمل حارساً لإحدى البنايات الحديثة في عدن، غير قادر على قضاء العيد مع أسرته التي تسكن في محافظة تعز، في الجزء الواقع تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين). يقول لـ"DW عربية"، إنه وبسبب اختلاف أسعار صرف الريال اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين عن مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، فإن ما يحصل عليه من العمل في عدن 120 ألف ريال، يذهب جزء منها نفقات وجبات أساسية له، وما تبقى لا يكفي سوى لـ"مصاريف الطريق" وبعض المتطلبات وبعد "أن تصل (قريتك) تخرج في اليوم التالي ولا تملك شيئاً".

 

تنازع القرار الاقتصادي

 

يشهد الاقتصاد اليمني المتردي أصلاً، نزيفاً متصاعداً منذ نشوب الحرب  قبل ما يقرب من تسع سنوات، الأمر الذي تفاقم معه انقسام السياسة النقدية في البنك المركزي اليمني في كلٍ من صنعاء وعدن، إذ ينظر كل منهما للآخر باعتباره فرعاً له خارجاً عن السيطرة. ومع ذلك فإن البنك المركزي في عدن، هو المصرف المعترف به دولياً. وبعد مراحل من الصراع على القرار الاقتصادي، دخلت الأزمة منعطفاً خطيراً غير مسبوق، مع منح البنك في عدن، مهلة للبنوك التجارية في صنعاء بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن. وعقب انتهاء المهلة، أصدر تعميماً بالفعل بوقف التعامل مع أكبر ستة بنوك، كما اتخذ قراراً باعتبار الطبعات الورقية القديمة من العملة، التي يتم التعامل فيها بمناطق سيطرة  الحوثيين ، ملغية. في المقابل اتخذ البنك في صنعاء قرارات مماثلة، بإيقاف التعامل مع عدد من البنوك التجارية المرخصة في عدن، إلا أنها حديثة النشأة وأقل حضوراً.

 

وبعد أيام من القرارات التي يلف الغموض مصيرها، توجهت DW عربية بأسئلة إلى مسؤولين مصرفيين في بنكين مختلفين في كل من صنعاء وعدن، أكدا أن الأزمة ما تزال مفتوحة على مختلف الاحتمالات، وتحفظا عن تقديم معلومات إضافية أو تعليقات نظراً لـ"حساسية الوضع" والتعليمات الإدارية التي تقضي بعدم الإدلاء بأي تصريحات، الأمر الذي يعكس حالة من القلق والاستنفار في القطاع المصرفي.

 

مضاعفة الانقسام وتعقيد الخدمات

 

ووفقاً لتأكيدات مسؤولين في أحد البنوك التجارية الكبيرة، التي استهدفتها القيود، تحدثت إليهم DW عربية، فإن البنوك تواصل عملها بصورة طبيعية فيما يتعلق بالمعاملات البنكية والتحويلات، باستثناء وقف تعاملها مع شركات التحويلات المصرفية المحلية. ورداً على سؤال حول ما يمكن أن تقضي إليه الأزمة، مثل مزيد من القيود التي من شأنها تعميق الانقسام الاقتصادي، أفاد مسؤول مصرفي بأن ذلك يمكن أن يكون له أضرارا كبيرة على الاقتصاد، بسبب ما تمثله هذه البنوك من مراكز مالية وعلاقات خارجية، ولذلك فإنه يأمل أن يلجأ الجميع "إلى إجراءات معقولة".

 

وفي حديثه لـ DW عربية، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن التصعيد الذي حدث مؤخرا يضاعف من الانقسام النقدي ويصعب الكثير من الخدمات المالية والاقتصادية للمواطنين في اليمن، كونه يتجه نحو مزيد من الفصل في العملة وفي القطاع المصرفي ككل. ويقول إن ذلك يأتي كنتيجة لسلسلة من الإجراءات التصعيدية التي نفذت خلال الفترة الماضية والمتمثلة بمنع استخدام العملة في 2019 من قبل البنك المركزي في صنعاء، بعدم التعامل مع العملة النقدية الجديدة، التي جرت طباعتها من قبل البنك في عدن، وكذلك منع المعاملات الربوية وتداعياته السلبية على القطاع المصرفي في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، ليصل الوضع إلى ما وصل إليه مؤخراً بما يضاعف من هذا الانقسام ويدفع "ثمنه المواطن اليمني بكل تأكيد".

 

البنوك بين شقي رحى

 

وعن وضع البنوك التجارية، يرى نصر أنها وقعت بين شقي الرحى كما يقال، إذ من الصعب عليها أن تتجاوب مع البنك المركزي في عدن رغم انه يمتلك الشرعية الدولية والسويفت كود الدولي، وهو قادر على أن يعزل هذه البنوك عن العالم. لكنها في المقابل واقعة تحت "التهديد القوي من قبل البنك المركزي في صنعاء بانه سيتم تصفيه وضعها أو السيطرة على البنوك بشكل واضح اذا ما انتقلت الى عدن".

 

بجملة الإجراءات الأخيرة من "البنكين" أو البنك المركزي المنقسم بين سلطتين، تصل الأزمة ذروتها، لكن ذلك يمكن أن يمثل فرصة للوصول إلى تسوية، وفقا لمصطفى نصر، الذي يرى أنه يمكن يتم نزع فتيل هذه الأزمة من خلال التعاطي الإيجابي مع قرارات البنك المركزي في عدن باعتباره البنك المعترف به دولياً، وهو الذي يدير القطاع المصرفي أمام العالم، والحفاظ على البنوك المحلية داخليا وعدم الأضرار بها أو عزلها. على أن ذلك يتطلب وضع قواعد واضحة لتحييد هذا القطاع عن الصراع، الذي يشهد تدخلات تؤدي للإضرار بـ"بعض القطاعات الاقتصادية كما حدث أيضا بتجميد بعض أموال الشركات وغيرها"، فيما "البنوك تجد نفسها أيضا منصاعة لهذه التوجهات اللازمة في مناطق سيطرة الحوثيين".

 

وفي ظل حالة من الترقب والخوف لما يمكن أن تؤول إليه التطورات، يظل المؤكد أن الأزمة ستلقي بتبعاتها مزيداً على الجانب الإنساني الذي يعيش وضعاً كارثياً منذ سنوات، لكنها إذا ما أسفرت عن تسوية أو مفاوضات، فإنها يمكن أن تتحول إلى مدخل نحو معالجة الوضع المتردي نتيجة الانقسام.


مقالات مشابهة

  • الرئيس اليمني يؤكد المضي في سياسة “الحزم الاقتصادي” لحماية القطاع المصرفي
  • «الإحصاء»: 22.1 مليار دولار حجم تحويلات المصريين للخارج خلال 2023
  • "حرب البنوك" بين صنعاء وعدن ـ الوجه الآخر للصراع في اليمن
  • السعودية تعلن تحويل دفعة جديدة من المنحة المالية لدعم الاقتصاد اليمني
  • "ساما" يرحب ببيان صندوق النقد بشأن مشاورات المادة الرابعة مع حكومة المملكة
  • البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي
  • الأمم المتحدة تُحذر من كارثة وشيكة في اليمن بسبب قرارات البنك المركزي في عدن
  • «المصرف المركزي»: 3.9% نمو متوقع للاقتصاد الوطني في 2024
  • انهيار الريال اليمني: انتقام البنوك المعاقبة أم سوء إدارة البنك المركزي؟
  • البنك المركزي: ارتفاع النقود الاحتياطيّة لـ1.827 مليار جنيه نهاية الشهر الماضي