سودانايل:
2024-09-22@09:06:14 GMT

إعلان نيروبي

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

قبل التمكين الكامل لحركه الأخوان المسلمين في السودان بعد إنقلابهم العسكري علي الحكومه المدنيه المنتخبة بواسطة الشعب، كان قد حدث تمكين تدريجي مكنهم من القيام بإنقلابهم وذلك بفتح الأبواب مشرعة أمامهم لإختراق مؤسسات الدولة وعلي رأسها الجيش وبنوك مموله من امراء السعودية قام النميري بإعفائها من دفع الضرائب، فأصبحت تدر عليهم أموالا طائلة.


هذا التمكين الجزئي كان سببه الدكتاتور السابق جعفر نميري بعد ما عرف بالمصالحه الوطنية نهاية سبعينات القرن الماضي.
تزامن ذلك مع انتشار الفكر السلفي الوهابي في المجتمع السوداني بسبب التمويل السعودي والخليجي مع تدفق عائدات تصدير النفط.
من المعروف أن الفكر السلفي عموما يستهدف المجتمع بينما تقوم تنظيمات الاخوان المسلمين باستهداف مؤسسات الدولة وتوظيفها لخدمة أهداف التنظيم الأخواني وهو ما حدث بشكل تام وشامل طوال الثلاثة عقود والنصف التي ظلوا يحكموننا خلالها منذ إنقلابهم المشئوم في ١٩٨٩م وحتي الآن .
هيمنة الكيزان علي كل مفاصل الدولة تسبب في القمع والقتل والفساد الذي ضرب كل مناحي الحياة فتدهورت حياة الناس،إضافة إلى الحروب وتشظي البلاد الذي شهدناه إنتهاءا بالحرب اللعينة التي نعايشها الآن. صاحب ذلك تجريف للوعي في فترة حكم الإنقاذ ، خاصه وسط ما عرف بالقوي الحديثة داخل مدن البلاد المختلفة، ليصبح العقل الجمعي أو الرأي العام إن شئت، يغلب عليه الطابع السلفي في التفكير تجاه شئون الحياة والمجتمع، وهو أمر مفهوم في مجتمع شبه أمي مثل السودان إذ يمثل الدين كل نسيجه المعرفي.
ولأن المعرفة السلفية أحاديه ولا تعرف الإختلاف بسبب اليقين الذي يعتري اصحابها وإحساسهم بإمتلاك الحقيقة المطلقة، تمت مصادرة التعددية والرأي الاخر في المجتمع وتم قمعه والتحقير من شأنه ، مع أن التعدديه والتسامح والاختلاف وبسط الحريات العامة والقضاء المستقل تعتبر من أهم أعمدة المجتمع المدني. بمعني آخر يمكن القول أن الدولة الدينية وفق تصورات سلفية تمثل النقيض الكامل للدولة المدنية الحديثة.
وهذه الحقيقة البسيطه والواضحة تبرر السعي من أجل تحقيق الدولة المدنية علي ارض الواقع السوداني، وهي تعد معركتنا الحقيقيه في الوقت الحالي حتي تصطف خلفها قاعدة إجتماعيه وسياسية عريضة من أجل الضغط لوقف الحرب التي ظلت تستنزف البلاد والعباد لأكثر من عام .
في تقديري أن توقيع قيادة " " تقدم " علي إعلان نيروبي مع الحركة الشعبية شمال وحركة تحرير السودان والذي ينص علي " علمانية الدولة " وإشتراط تحقيقها في الدستور الدائم وإلا فإن حق تقرير المصير " أي الإنفصال" يبدو أمرا مبررا ووجيها فيما يتعلق بدارفور وجنوب كردفان ، التوقيع علي هكذا إعلان يعتبر خطأ كبير وقعت فيه قيادة "تقدم" وكأنها تكرر نفس أخطاء الماضي التي سبقت إنفصال جنوب السودان.
في تقديري انه كان من الأفضل أن تحتفظ "تقدم" بعلاقات التواصل والحوار مع السيدين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور وألا تتجاوز ذلك علي الاطلاق طالما ظلت هذه القيادات تضع شروط تتعلق بأجندتها، لأن ذلك ينعكس سلبا على تأسيس قاعدة إجتماعية وسياسية عريضة بغرض التوافق علي حد أدني معقول من الاهداف السياسيه الممكنة التحقيق والضغط في إتجاه وقف الحرب والإقتتال والسعي لتحقيق الدولة المدنيه التي تستند علي حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة، وليس "العلمانيه" وذلك في مستوى الأجيال الحاليه علي الأقل ولا أعتقد أن المستقبل يمكن يخسر شيئا فيما لو اجمعنا علي الدولة المدنية بدلا عن إضافة أعباء علي الحاضر.

طلعت محمد الطيب
talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عن حرب السودان الكارثية السريالية

كل الحروب كارثية النتائج حتى على الطرف المنتصر، ولكن حرب السودان الحالية من أكبر الحروب كارثية على مدار التاريخ القديم والمدون، فبشهادة منظمات الأمم المتحدة لم يعرف التاريخ نزوحا داخليا وخارجيا كالذي حدث في السودان خلال أشهر الحرب الـ 17، فقد نزح داخليا أكثر من عشرة ملايين شخص، نحو 52% منهم من الأطفال، ونزح إلى مصر 500,000 الف وإلى تشاد 630,000 وإلى جنوب السودان 183,000 وإلى افريقيا الوسطى 29,000 وإلى ليبيا 175,00 ولحق بالعاصمة السودانية الخرطوم وأختيها الخرطوم بحري وأم درمان ما لحق بدرسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية من الدمار الشامل للمساكن والمباني الحكومية ومرافق الخدمات.

والسريالية مدرسة في الفن تُعنى بما فوق الواقع، وتأتي بما يجافي الواقع، وعنصر السريالية في حرب السودان هي أن طرفيها: الجيش وقوات الدعم السريع، كانا أشقاء في خندق واحد وكانت نيرانهما موجهة نحو القوى المدنية التي كانت تصبو للحكم بعد إزاحة الرئيس السابق عمر البشير من كرسيه في نيسان / أبريل 2019، وأن كلا الطرفين يسعى للانفراد بالحكم ويقومان في سبيل ذلك بدك كل ما هو قابل للدك في البلاد حتى أعادوها الى العصر الحجري الوسيط، ولكن تكمن السريالية في أعظم تجلياتها في أن قوات الدعم السريع، وهي منطقيا الطرف الأضعف عسكريا، لكونها أُنشئت كذراع للجيش الوطني قبل سنوات قليلة، بعتاد يقتصر على الأسلحة اليدوية، ولا تملك سلاحا للطيران أو الدبابات أو المدفعية الثقيلة، تسيطر اليوم على ثلثي مساحة البلاد بما في ذلك عاصمتها.

وتتجلى السريالية أيضا في أنه ما من مدينة أو بلدة يجلو عنها الجيش أمام زحف الدعم السريع إلا وصب سلاح طيران الجيش عليها نيران غضبه، وكأنه يعاقب أهلها على سقوطها في يد العدو، وفي أن أسلحة الجيش الأخرى من مشاة ومدرعات ومدفعية شبه غائبة عن المشهد الحربي، وفي أن القذائف المستخدمة في عمليات القصف الجوي هي براميل الغازولين الملتهبة، والتي يتم إسقاطها بالدحرجة من مؤخرات طائرات انتونوف الروسية المخصصة أصلا لنقل الجند والعتاد مما قد يعني خروج الطائرات قاذفات القنابل والصواريخ من طراز ميج وسوخوي صارت خارج الخدمة أو لم يعد لها وجود بعد ان اسقطت قوات الدعم السريع عددا منها في شهور الحرب الأولى، ونجاح الدعم السريع في التصدي للطيران الحربي دليل قاطع وحاسم على أنها كانت تعد العدة لمنازلة الجيش، لأن القانون الذي أُنشئت بموجبه لا يعطيها حق حيازة الأنظمة المضادة للطائرات.

أم الكوارث في المشهد السوداني الراهن هو أن اليد العليا في الحرب صارت لقوات الدعم السريع، وانكشاف بؤس تسليح الجيش الوطني.. وإذا انهار هذا الجيش وهو أقوى مؤسسات الدولة أي دولة فإن ذلك يعني انهيار الدولة تماما وتفككها والسودان أصلا دولة تتشرنق، أي لم تكمل تطورها كدولة بالمعايير المتعارف عليها، وبه اليوم تسعة جيوش غير نظامية ولكل منها أجندة إقليمية تتضمن خيار الانفصال، ولقادتها طموحات شخصية في الاستيلاء على "المركز"، ثم نزلت ساحة الحرب كتائب من حزب المؤتمر الوطني الذي ازيح من الحكم في عام 2019 بمسميات مثل البراء بن مالك والمنتصر بالله والفرقان والعمليات الخاصة.

أم الكوارث في المشهد السوداني الراهن هو أن اليد العليا في الحرب صارت لقوات الدعم السريع، وانكشاف بؤس تسليح الجيش الوطني.. وإذا انهار هذا الجيش وهو أقوى مؤسسات الدولة أي دولة فإن ذلك يعني انهيار الدولة تماما وتفككها والسودان أصلا دولة تتشرنق، أي لم تكمل تطورها كدولة بالمعايير المتعارف عليهاواضطراب حال الجيش السوداني لا يتجلى فقط في خسائره على الأرض، بل أيضا في أنه يتكلم بأكثر من لسان، فلم يعد للناطق الرسمي باسم الجيش حضور على أي منبر منذ شهور، فانبرى مساعد القائد العام ياسر العطا لتلك المهمة ولكن دون أن يتملك الأدوات والمهارات اللازمة لذلك، فقد فتح صنابير السباب على دولة الإمارات وكينيا وتشاد وأثيوبيا، وعلى القوى السياسية والمدنية المحلية، ثم أطلق النار على قدميه وأقدام زملائه في قيادة الجيش عندما قال مؤخرا إن عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش سيكون رئيس الدولة خلال فترة انتقالية، ثم رئيسا لأربع دورات بعد قيام حكومات منتخبة، أي أنه يؤكد ما ظل كثيرون يقولونه من أنها حرب من أجل السلطة والثروة (للجيش السوداني نشاط اقتصادي ضخم لا يخضع لرقابة حكومية، بينما تحوز قوات الدعم السريع شركات عملاقة تعمل في شتى المجالات ولقادتها محمد حمدان دقلو وإخوته أرصدة مليارية في بنوك خارجية جنوها من نشاط تجاري هو أيضا فوق الرقابة، واتهمتها جهات دولية مؤخرا بسرقة وبيع محتويات المتاحف السودانية).

ومن جهة أخرى لم يعد البرهان مشغولا إلا بكونه رأس الدولة، وينشط من ثم في القيام بزيارات خارجية، وعندما خاطبه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بوصفه قائد الجيش ويدعوه لحضور مفاوضات مع الدعم السريع في جنيف قبل شهر ونيف، طالب البرهان بأن تتم مخاطبته كرئيس لمجلس السيادة، فاستجاب بليكن للطلب فإذا بالبرهان يقول "لن أفاوض حول أي أمر حتى لو استمرت الحرب مائة سنة".

مواصلة للنهج السريالي المجافي للواقع شهدت مدينة بورتسودان التي جعل منها البرهان عاصمة لحكومته الافتراضية، مؤخرا، اجتماعا حضره مسؤولون رفيعو المناصب لمناقشة خطط إعمار العاصمة الخرطوم، والتي ليس لتلك الحكومة فيها موطئ قدم، والتي تعرضت فيها كل المباني والمرافق والطرق للدمار الشامل، وفي هذا يقول المثل السوداني "الكحة ولا صمّة الخشم"، والخشم في العامية السودانية هو الفم، ومعنى المثل هذا هو أن السعال/ الكحة خير من الصمت، وهذا كاستحسان الجعجعة التي لا تؤتي طحنا.

مقالات مشابهة

  • إعلان مشترك بين «الشيوعي السوداني» وحركة/ جيش تحرير السودان
  • أزمة السيادة الوطنية، الفيل الذي في الغرفة… (2/2)
  • عاجل| ميقاتي يطالب المجتمع الدولي بموقف واضح من المجازر التي ترتكبها إسرائيل
  • عن حرب السودان الكارثية السريالية
  • مندوب الجزائر بمجلس الأمن: إسرائيل تدفع بالمنطقة نحو الحرب في الوقت الذي يدعو فيه المجتمع الدولي لخفض التصعيد
  • ياسين العمري : السلفي لا يهاجر في قوارب الموت لأنه يعلم أن الأرزاق بيد الله
  • بايدن: الفيدرالي أصدر إعلان تقدم بخفض أسعار الفائدة
  • «تقدم» تدين استهدف حافلة ركاب بمسيّرة ومقتل العشرات جنوبي العاصمة السودانية
  • مدبولي: زيادة أسعار الغاز 50 بالمئة لا تغطي الدعم الذي تتحمله الدولة (شاهد)
  • مدبولي: زيادة أسعار الغاز 50 بالمئة لا يغطي الدعم الذي تتحمله الدولة (شاهد)