انتخابات جنوب أفريقيا.. مصير الحزب الحاكم على المحك
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
تشكل الانتخابات البرلمانية التي ستجرَى في جمهورية جنوب أفريقيا يوم 29 مايو/أيار الجاري، أكبر تحدٍ في تاريخ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، حيث تشير معظم استطلاعات الرأي إلى أنّ حزب المؤتمر ربما يفقد الأغلبية البرلمانية التي ظلّ يحظى بها منذ أول انتخابات ديمقراطية تعددية في البلاد في عام 1994.
ربما نتساءل: ما هي أهمية الانتخابات البرلمانية؟، والجواب هو أن نظام الحكم في جمهورية جنوب أفريقيا برلماني، وعليه فإن الحزب الذي يحظى بالأغلبية البرلمانية سينتخب رئيسه رئيسًا للجمهورية، وهذا يعني أيضًا أن فقدان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي للأغلبية البرلمانية، سيجعل من العسير عليه تصعيد رئيس الحزب الحالي سيريل رامافوزا رئيسًا للجمهورية لدورة ثانية.
ما هي حظوظ حزب المؤتمر الأفريقي، ولماذا تراجع رصيده الشعبي بعد أن ظلّ ثلاثين عامًا الحزب الأول في البلاد، ما هي الأسباب، ومَن هم المنافسون؟
يشكل العام 1994 تاريخًا مهمًا لجمهورية جنوب أفريقيا، فهو العام الذي خرجت فيه البلاد رسميًا من المرحلة الكالحة في تاريخها، وانتصرت فيها إرادة الأمة التي ناضلت لعقود ضد التمييز العنصري الذي فرضته الأقلّية البيضاء بحدّ السيف. في هذا العام نُظمت أول انتخابات ديمقراطية تعددية في البلاد أوصلت القائد الحكيم والتاريخي نيلسون مانديلا إلى سدّة الحكم.
ولئن كانت مسيرة النضال الطويلة من أجل الحرية قد خاضها شعب جنوب أفريقيا كله، فقد كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي هو حادي هذا الركب، وكان المخطط والقائد لحركة النضال والمواجهة السياسية والعسكرية ضد الأقلية البيضاء الحاكمة حينها، وكان قادته أكثر من تعرّض لبطش نظام الفصل العنصري وخاض الحزب ملحمة سطرها التاريخ الأفريقي، بل والإنساني كله بمداد من نور.
حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حزب قديم وعريق، تأسس في العام 1912، من أجل الدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء ضد سيطرة الأقلية البيضاء، ويعتبر بذلك أقدم حركة تحررية في القارة الأفريقية. تعرض الحزب طوال تاريخه الحافل للتضييق والحلّ، كما تعرّض قادته للسجن والتعذيب والتنكيل. ولكن الحزب ظل دومًا في الطليعة في قيادة الجماهير، ومواجهة سياسة الفصل العنصري في البلاد.
في العام 1960 تحوّل حزب المؤتمر الأفريقي إلى حركة مقاومة شاملة، وأنشأ جناحًا عسكريًا أطلق عليه اسم رُمح الأمة، وسنعود إلى هذا الجناح لاحقًا، وكلف نيلسون مانديلا هذا الجناح العسكري بمهمة المقاومة المسلحة للطغمة البيضاء. ولكن بعد نجاح معركة التحرير واستعادة إرادة الأمة، تحوّل شعار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من المقاومة إلى إعادة الإعمار وبناء الأمة، واختفى جناح المقاومة المسلحة الذي يمثله رمح الأمة.
أصبح المؤتمر الوطني الأفريقي منذ أول انتخابات تعددية، هو الحزب الأكبر والأهم في البلاد، والمتسيّد في الساحة السياسية، وفاز بأغلبية المقاعد في كل الانتخابات البرلمانية التي نظمت طوال السنوات الثلاثين الماضية من عمر جنوب أفريقيا الحرة. ولأن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ظل يتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان، فقد قدم للبلاد رؤساءها الأربعة الذين حكموا خلال الثلاثين سنة الماضية، وهم على التوالي: نيلسون مانديلا، وثابو أمبيكي، وجاكوب زوما، والرئيس الحالي سيريل رامافوزا.
فاتورة السلطة المكلفةرغم كل هذا التاريخ الحافل، فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يواجه تحديًا حقيقيًا في الانتخابات البرلمانية التي ستجرَى نهاية هذا الشهر، فلأول مرة يواجه الحزب حركة تذمر شعبي واسعة وموجة استياء من أدائه التنفيذي. كما أنه يواجه معارضة داخلية خطيرة يقودها بعض رموز الحزب التاريخية وعلى رأسهم الرئيس السابق جاكوب زوما.
يرى كثير من مؤيدي الحزب أنه لم يحافظ على مبادئ أساسية وضعها القائد نيلسون مانديلا، ومن أهمها إهمال الحزب قضايا الحقوق المدنية، والعدالة المجتمعية، وهي مبادئ ناضل من أجلها شعب جنوب أفريقيا لعقود طويلة وقدم في سبيلها تضحيات جسيمة. كما أن أداء الحزب قد تراجع كثيرًا في مجال إعادة الإعمار وبناء الأمة، وهو الشعار الذي حدّده مانديلا للحزب بعد انتهاء مرحلة المقاومة الشاملة بانتهاء نظام الفصل العنصري.
ومن أكبر الانتقادات التي توجّه للحزب وقادته هي تهم الفساد التي أصبحت تلاحق عددًا من كبار قادة الحزب ومسؤوليه على مستوى المركز والولايات. ويؤخذ على الحزب أيضًا تهاونه في مكافحة الفساد، وتقاعسه عن محاسبة قادته الذين وجهت لهم تهم فساد عديدة.
من جانب آخر يشكو المواطنون من تردي الخدمات الأساسية، ومن أهمها مشكلة الطاقة التي تمثلت في الانقطاعات المزمنة للكهرباء وضعف خدمات المياه، وغلاء المعيشة وتردي التعليم. وفوق كل ذلك، فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لم ينجح في اعتماد مقاربة تحد من الفقر المستشري، وترفع مستوى معيشة المواطن، وهي قضايا ملحّة من شأنها أن تقلب الرأي العام ضد أي حزب حاكم مهما كان تاريخه النضالي حافلًا بالبطولات. هذا بالإضافة إلى ضعف جهود مكافحة الجريمة المنظّمة التي ارتفعت بنسبة كبيرة، وأصبحت مهددًا رئيسيًا لسكان المدن الكبرى، وبالذات الجريمة الموجّهة ضد النساء.
كما تعثّرت جهود الحزب وسياساته في مجال محاربة البطالة وسط الشباب، وبالتالي فإن قطاعات واسعة من الشباب أصبحت زاهدة في المشاركة في الحياة السياسية، على عكس آبائهم الذين كانوا مغرمين بالسياسة، ومؤمنين بحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، أكثر من إيمان عجائز الإنجليز بالديمقراطية.
نظرًا لكل هذه الأسباب فقد تراجعت شعبية حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كثيرًا، ويشير آخر الاستطلاعات إلى أن شعبية الحزب تراجعت إلى نحو 40% فقط من أصوات الناخبين، مما يهدد مستقبل الحزب السياسي، وربما حرمانه لأول مرة من الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة.
جاكوب زوما يخلط الأوراقفي تطور مقلق جدًا لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، أعلن الرئيس السابق للحزب ورئيس الجمهورية السابق جاكوب زوما تمرّده على الحزب الحاكم، وصرّح بأنه سيدعم حزب رمح الأمة الذي أُنشئ حديثًا في العام 2023، تيمّنًا بحركة رمح الأمة المسلحة التي أنشأها نيلسون مانديلا في العام 1960.
فيما يرى البعض أن الحزب الجديد قد نشأ بتوجيه من الرئيس زوما نفسه. ويعتبر تمرد الرئيس جاكوب زوما تطورًا خطيرًا؛ نظرًا للدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به بالذات في مسقط رأسه إقليم كوازولو ناتال، ولدوره التاريخي كواحد من أعمدة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، فهو أحد المقربين من نيلسون مانديلا ورافقه في السجن لأكثر من عشر سنوات، وظل في موقع القيادة في الحزب والحكومة حتى استقالته مرغمًا من رئاسة الجمهورية في العام 2018 بتهم الفساد والمحسوبية.
ويبدو أن جاكوب زوما لم ينسَ المؤامرة التي حيكت ضده عندما كان رئيسًا للجمهورية، ولم ينسَ الحكم الذي أصدرته ضده المحكمة بالسجن والذي اعتبره محاكمة سياسية. لقد تطور الصراع بين زوما وحزب المؤتمر بشكل خطير في الأشهر الأخيرة، ووصل إلى المحاكم مرة أخرى. وبالرغم من أن جاكوب زوما لن يخوض الانتخابات، لضرورات العمر، حيث تجاوز الثمانين من عمره، فإنه ما زال قادرًا على الإضرار بحزب المؤتمر، فهو سياسي مكين، وخطيب مفوّه، ومستودع أسرار فيما يخص حزب المؤتمر وتاريخه وحاضره وأسراره المخفية. ولذلك فإن الصراع مع جاكوب زوما هو أكبر تحدٍ يواجه المؤتمر الوطني الأفريقي في انتخابات مايو/أيار القادمة.
في وجه هذه التحديات الجسام، طرح حزب المؤتمر الأفريقي برنامجًا طموحًا يقوم على تعزيز مكتسباته طوال الثلاثين سنة الماضية، ووعد بفتح المجال واسعًا أمام الشباب في قيادة الحزب، والاهتمام بركائز التنمية ومعاش الناس. مؤملًا أن يقنع هذا البرنامج الطموح قواعد الحزب بالتصويت له للحصول على الأغلبية البرلمانية، وإذا لم يفلح في ذلك فليس أمامه من خيار سوى التحالف مع أحد الأحزاب الثلاثة الكبرى التي تخوض الانتخابات، ولن يكون التحالف سهلًا.
وبالنظر إلى مواقف الأحزاب الكبرى، ربما يجد المؤتمر الأفريقي أن أقرب الأحزاب إليه هو حزب التحالف الديمقراطي، وهو الحزب الذي تدعمه الأقلية البيضاء، فإن كان الأمر كذلك، سيصدق على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قول أبي الطيب المتنبي: "ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى.. عدوًا له ما من صداقته بدّ".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حزب المؤتمر الوطنی الأفریقی الانتخابات البرلمانیة المؤتمر الأفریقی البرلمانیة التی نیلسون ماندیلا جنوب أفریقیا جاکوب زوما فی البلاد فی العام رئیس ا
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
تدخل الحرب في السودان مرحلة جديدة، ليس على مستوى القتال على الأرض داخل حدوده الترابية، ولكن بوصول شظايا الحرب وتداعياتها إلى دول جوار السودان والإقليم.
وهذا ما حذّر منه قادة سودانيون غداة اندلاع الحرب، إلى جانب قادة إقليميين ومنظمات دولية يتابعون من كثب تطورات الصراع المسلح وآثاره. وبدا واضحًا خلال الأشهر الماضية أنّ تلك التحذيرات قد لامست الواقع لتقف المنطقة كلها على شفير الهاوية.
ولا يساورنّ أحدًا شكٌ في أن المواجهة السودانية مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا باتت حتمية، بعد تورط قوات حفتر التي تعمل في الجنوب الشرقي لليبيا، عندما هاجمت مع قوات الدعم السريع نقطة حدودية سودانية عند (جبل العوينات)، واحتلت مثلث الحدود المشتركة بين السودان، ومصر، وليبيا.
كما توغلت قوات من مليشيا الدعم السريع داخل الحدود المصرية يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، الأمر الذي خلّف ردود أفعال قوية داخل مصر، وأصبح الوضع مفتوحًا على كل الاحتمالات، مع بدء الطيران السوداني شن غارات جوية لاستعادة المنطقة.
يجاور السودان سبع دول هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، ويبلغ طول حدوده مجتمعة مع هذه الدول حوالي 7.500 كيلومتر، بينما يصل طول الساحل السوداني إلى ما يقارب 700 كيلومتر على البحر الأحمر، حيث تُضاف المملكة العربية السعودية كدولة لها جوار بحري مع السودان عند الساحل الشرقي.
وتتداخل أوضاع الدول السبع مع بلدان أخرى تتأثر بما يدور في السودان، وهي: أوغندا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وهي دول كانت لها حدود مباشرة مع السودان حتى عام 2011 قبل انفصال جنوب السودان، وتقع ضمن دائرة التأثيرات الجانبية للحرب السودانية.
وتُعتبر كينيا متورطة بالكامل في الحرب، إذ تؤوي قيادات مليشيا الدعم السريع وحلفاءها السياسيين والحركات المسلحة المتحالفة معها، كما تشارك السلطات الكينية في عمليات نقل العتاد الحربي عبر مطاراتها وأجوائها لمليشيا التمرد في مطار نيالا غربي السودان.
إعلانبينما طالت أوغندا اتهامات بدعمها للتمرد السوداني، إلى جانب دخول قواتها جنوب السودان لقتال المناهضين لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، ويُقدّر عدد القوات الأوغندية في جنوب السودان بأكثر من عشرة آلاف جندي.
في دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا، وصلت شظايا حرب السودان لبعض البلدان، خاصة النيجر، ومالي، ونيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، باعتبارها منبعًا وموردًا رئيسًا للمقاتلين المرتزِقة العابرين للحدود.
وتتقاطع الأوضاع في هذه البلدان مع نشاطات أخرى لحركات مسلحة معارضة داخلية، وتفاعلات صراع دولي يعلو أواره ويخفت باستمرار، مما ينذر بمستقبل قريب محفوف بالمخاطر.
عقب الهجمات التي تمّت مطلع مايو/ أيار الماضي على مدينة بورتسودان، وجهت حكومة السودان اتهاماتها لأطراف إقليمية باستخدام قواعد تابعة لها في جمهورية أرض الصومال لإطلاق المسيرات التي نفذت الهجوم، الأمر الذي يضيف بُعدًا إقليميًا آخر يضم منطقة القرن الأفريقي.
وتقف الخلافات الإثيوبية – الصومالية، والكينية – الإثيوبية، والإريترية – الإثيوبية، شاخصةً تنتظر قدح زنادها في أي وقت، وتنشأ معها تحالفات وتدابير إقليمية من خارج منطقة القرن الأفريقي لها صلة بما يدور في السودان، أيضًا بسبب الاصطفافات وتداخل المصالح في المنطقة مع مصالح قوى أخرى.
وتشير معلومات في العاصمة الكينية نيروبي خلال الأيام الماضية إلى أن قائد القوات الأميركية المخصصة لأفريقيا (AFRICOM – القيادة الأميركية في أفريقيا) قد أبلغ عددًا من وزراء الدفاع في المنطقة بأن بلاده تطلب منهم الاعتماد على أنفسهم في مكافحة الإرهاب، وأن الدعم الأميركي سيتوقف عدا تبادل المعلومات الاستخبارية.
وهذا يعني أن قدرات هذه الدول، بدون الولايات المتحدة التي كانت تتحكم وتضبط الأوضاع في الإقليم، ستتجه إلى حالة من الفوضى والاضطراب إذا تصاعدت الاضطرابات الداخلية والخلافات بين هذه الدول المتخمة بالحركات المعارضة والجماعات المسلحة.
على كل، تقفز الآن تداعيات الحرب السودانية على جوارها إلى الواجهة، مقرونة بالتورط المباشر لليبيا حفتر في الصراع السوداني، وتُجرى عملية تصنيع حرب إقليمية شاملة، لا بدّ من النظر إليها عبر عنصرين أساسيين:
انحسار الحرب وتمركزها في غرب السودانيتقدم الجيش السوداني نحو تلك المناطق، مع نذر الانهيار العسكري والمعنوي لمليشيا التمرد وحلفائها، بجانب فشل المشروع السياسي بتكوين حكومة موازية وإنشاء سلطة في غرب البلاد، وتراجع الدعم القبلي لصالح مليشيا الدعم السريع.
كما أسفر ذلك عن هروب أعداد كبيرة من المرتزِقة الأجانب، ما جعل داعمي المليشيا يستعجلون فتح جبهات قتال أخرى، خاصة على بعض النقاط الحدودية لتأمين تدفق الإمداد، وإشعال المنطقة، وتخفيف الضغط على مسارح العمليات الحالية في غرب البلاد، وتحقيق نصر عابر وسريع عند منعرج الحرب الضيقة.
استشعار دول الجوار دقة الأوضاعتراجع الدعم السريع، وفشلها في إدارة الحرب، وخطر تمددها غربًا أو شرقًا، دفع ذلك دولًا مثل أفريقيا الوسطى، وإثيوبيا إلى إرسال مديري مخابراتها إلى السودان؛ (زيارة مدير مخابرات أفريقيا الوسطى كانت في 29 مايو/ أيار الماضي، وزيارة مدير المخابرات الإثيوبي ومستشار رئيس الوزراء في 2 يونيو/ حزيران الجاري).
إعلانكما وردت إشارات إيجابية من تشاد، اعتبرها بعض المراقبين محاولة لتدفئة الخطوط، وتلمس الطريق نحو تطبيع العلاقات. تمثل هذه التحركات انتكاسة للتمرد قد تدفعه نحو الهروب إلى الأمام، ونقل حريق الحرب إلى الجوار وَفقًا لتحالفاته المريبة مع جماعات وحركات متمرّدة على السلطة في بلدانها.
تعود التوقعات بتدهور الأوضاع في المنطقة إلى أن حرب السودان أنعشت الكثير من المجموعات المسلحة المتمردة في هذه البلدان، وفتحت شهية بعضها لتقوم بدور مماثل لما قامت به الدعم السريع في السودان. خاصة أن دولًا مثل تشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا تضم عددًا كبيرًا من الحركات المتمردة (تشاد: 9 حركات مسلحة أساسية – ووقّعت 34 حركة على اتفاق الدوحة عام 2022. أفريقيا الوسطى: 12 حركة. جنوب السودان: 5 حركات. إثيوبيا: 7 حركات من الأقاليم الأخرى).
وتعيش ليبيا بدورها تحت نذر الحرب والمواجهات في الجنوب والشرق والغرب، وسط تفاعلات سياسية وعسكرية دقيقة قد تجرّ ليبيا كلها إلى دُوامة عنف.
بين هذا وذاك، تبرز نذر حرب إقليمية سيكون جنوب السودان المرشح الأقرب لاندلاعها، ومسرح عملياتها الأول، وذلك بسبب التنافس بين إثيوبيا وأوغندا حول النفوذ في المنطقة الأفريقية، وهو تنافس قديم.
بيدَ أنه، مؤخرًا، رفضت إثيوبيا تدخل الجيش الأوغندي في أراضي جنوب السودان في مارس/ آذار الماضي، ووصوله إلى ولايات أعالي النيل المتاخمة للحدود الإثيوبية (أعالي نهر السوباط)، ضمن صراع قوات حكومة جوبا مع فصائل النوير، وهي قبيلة مشتركة بين جنوب السودان وإثيوبيا.
سارعت أديس أبابا إلى تعزيز قواتها على الحدود مع جنوب السودان، وراجت معلومات عن نية الجيش الإثيوبي التدخل عسكريًا في مناطق أعالي النيل إذا لم تنسحب القوات الأوغندية. كما أرسلت أديس أبابا وفدًا أمنيًا عسكريًا رفيعًا مطلع يونيو/ حزيران الجاري إلى السودان، وجنوب السودان، وأبلغت موقفها من التواجد الأوغندي في الجنوب، وتركت الباب مواربًا أمام أي رد فعل من جانبها.
كذلك أبلغت إثيوبيا العواصم المجاورة بتطورات الأوضاع بينها وبين جارتها إريتريا بشأن جبهة التيغراي، حيث تقول أديس أبابا إن نشاطًا مزمعًا لمتمردي التيغراي المدعومين من أسمرا قد يقود إلى نزاع مسلح طاحن، بينما تستضيف إثيوبيا حاليًا جماعات من المعارضة الإريترية.
كما أن التنافس الكيني – الأوغندي حول جنوب السودان، سيعقد الأوضاع، وقد يدفع بمزيد من التوترات. ولكل من البلدين حلفاؤه في جوبا، الملبدة سماؤها بغيوم سوداء، تحدد نوع تطوراتها حالة الاستقطاب الحالية والتنافس الإقليمي.
في ذات الإطار، تجري في أوساط المعارضة التشادية المسلحة والسياسية اتصالات مكثفة ما بين عدة عواصم في بلدان الساحل، تمهد لانطلاق موجة جديدة من الصراع المسلح في تشاد. فقد استفادت بعض حركات المعارضة المسلحة التي شاركت في القتال بالسودان لصالح الدعم السريع من العتاد الحربي، والسيارات القتالية، والأموال المتدفقة، والتجهيزات المختلفة، وستنتهز الفرصة لبدء معركتها الرئيسية في تشاد.
لم تكن حرب السودان سوى فرصة للتحضير لهذه المعركة. وبدأت هذه المعارضة تجهيز معسكرات لها غربي أفريقيا الوسطى وجنوبها، وربما داخل إقليم دارفور، بينما تنشط حركات أخرى في اتصالات سياسية وتحركات دبلوماسية في عواصم أفريقية وأوروبية.
وعلى ضوء ما يجري على الأرض، والخسارة الفادحة لمليشيا الدعم السريع لأعداد هائلة من قواتها، وخاصة المرتزِقة القادمين من الجوار السوداني وأفريقيا جنوب الصحراء، فإن انتقال الحرب، لعوامل موضوعية، إلى هذه المناطق لم يعد احتمالًا مستبعدًا، بل أصبح واقعًا يتجسد في وقائع بعينها، تصدّق ما كان يُقال عن الأبعاد والامتدادات الإقليمية لحرب السودان، وعوامل تمددها السياسية والاجتماعية والجيوسياسية في بيئة عامة لا تقبل المراهنات.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline