في خطوة جديدة ومهمة، أعلنت مختبرات شركة "أنثروبيك" للأبحاث عن تقنية مبتكرة قد تساعدنا على فهم طريقة عمل النماذج اللغوية الكبيرة، الشركة تطور روبوت المحادثة "كلود" وهو أحد الروبوتات المنافسة في هذا السوق مع "شات جي بي تي" و"جيميناي". تتيح هذه الطريقة الجديدة للباحثين رسم خريطة للشبكات العصبية المعقدة داخل تلك الأنظمة وتحليلها، مما قد يحدث تحولا جذريا في فهمنا وقدرتنا على التحكم في نماذج الذكاء الاصطناعي.

معضلة الصندوق الأسود

يُوصف نموذج الذكاء الاصطناعي الحديث غالبا بأنه "صندوق أسود"، إذ لا يمنحه المطورون قواعد برمجية صريحة وواضحة لكي يتعلم، بل يغذون تلك الأنظمة بكميات ضخمة من البيانات لتتعلم منها وتتعرف على الأنماط بداخلها بصورة مستقلة.

تعتمد نماذج "الصندوق الأسود" على خوارزميات تستخدم كميات هائلة من البيانات لتتنبأ بالكلمة التالية في النص، ويُطلَق عليها هذا الاسم لأنه لا يمكن لأحد معرفة كيفية عملها تحديدا، حتى مطوروها أنفسهم لا يمكنهم شرح كيف تتنبأ تلك النماذج بهذه المعلومات، قد يمثل هذا الأمر مشكلة في المواقف التي يكون فيها هذا التنبؤ مؤثرا في قرار يخص حياة الناس، كما هي الحال في الرعاية الصحية أو عند اختيار الشخص المناسب للوظيفة أو مَن يستحق الحصول على القروض والتمويل وغيرها من السيناريوهات.

تختار الشركات المطورة مثل "أوبن إيه آي" نموذج "الصندوق الأسود"، لأنها تريد أن تخفي معلوماتها وتحافظ على نقاط قوتها، خصوصا في ظل هذا التنافس المحموم في سوق بدأت تسيطر عليه الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل.

وهذا تحديدا ما يحاول خبراء المجال التحذير منه، لأننا حين نمنح الثقة الكاملة لنموذج الصندوق الأسود، فهذا لا يعني أن نثق فقط في معادلات هذا النموذج، ولكننا سنمنح الثقة أيضا لقاعدة البيانات بأكملها التي بُني عليها، وإن لم نعرف ما تلك البيانات فإن الأمر يظل خطرا، وسوف يؤثر بالتأكيد على النتائج التي نحصل عليها من هذا النموذج في النهاية.

لذا، تبقى آلية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة الشبكات العصبية التي تحتوي على مليارات الخلايا العصبية الاصطناعية، مبهمة بالنسبة لنا. وتثير هذه الضبابية مخاوف كثيرة بشأن أمان وسلامة تلك الأنظمة، إذ يصعب التأكد من أمان أي نظام دون فهم وظيفته وأسلوب عمله بالكامل.

الباحثون اكتشفوا داخل نموذج للذكاء الاصطناعي "كود برمجة غير آمن" عند تحفيزه تظهر ثغرات يمكن استغلالها (شترستوك) تقنية جديدة

تمثل آخر أبحاث شركة "أنثروبيك" تطورا مهما في مواجهة تلك المخاوف، إذ طوّر الباحثون تقنية لفحص "دماغ" نموذج الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يمكّنهم من تحديد مجموعات من الخلايا العصبية تُعرف باسم "الميزات" التي تتوافق مع مفاهيم محددة داخل النموذج. وطبق الباحثون هذه التقنية بنجاح على نموذج لغوي كبير ومتطور وهو "كلود سونيت" ثاني أقوى نموذج لدى الشركة.

مثلا اكتشف الباحثون ميزة داخل نموذج "كلود" تمثل مفهوم "الكود البرمجي غير الآمن"، وعند تحفيز هذه الخلايا العصبية تحديدا، قدم "كلود" أكوادا برمجية تحتوي على ثغرات يمكن استغلالها، ولكن عند قمع تلك الخلايا، أنتج الروبوت أكوادا برمجية آمنة. قد تكون لهذه القدرة على تعديل سلوك النموذج عبر التلاعب بميزات محددة بداخله آثار مهمة وحقيقية على أمن وسلامة نماذج الذكاء الاصطناعي.

كما حدد الفريق البحثي ملايين الميزات داخل "كلود" ومنها الميزات المرتبطة بالتحيز والأنشطة الاحتيالية وخطاب الكراهية، والسلوكيات المخادعة، وعبر قمع تلك الميزات، تمكن الفريق من تقليل تلك السلوكيات غير المرغوب فيها، مما عزز أمان وموثوقية النموذج.

وبينما حدد الباحثون ملايين الميزات، أشاروا إلى أن هذا يمثل جزءا صغيرا فقط من العدد الإجمالي المحتمل، إذ سيتطلب تحديد جميع الميزات قوة حوسبة أكبر مما كان مطلوبا لتدريب "كلود"، وهي مهمة تكلف عشرات أو مئات الملايين من الدولارات.

فحص الدماغ الاصطناعي

تحمل هذه التقنية الواعدة أيضا إمكانية مواجهة المخاطر الافتراضية، مثل احتمال أن تخدعنا أنظمة الذكاء الاصطناعي بإخفاء قدراتها. في المعتاد استخدم الباحثون طريقة تعرف باسم "الفريق الأحمر"، يتفاعل فيها فريق من الباحثين مع نموذج الذكاء الاصطناعي ليحددوا ويعالجوا السلوكيات الضارة أو الخطيرة. لكن هذه الطريقة محدودة في إمكانية اكتشاف السلوكيات المخادعة لمثل هذه النماذج.

بينما توفر التقنية الجديدة أسلوبا مباشرا أكثر عبر تمكين الباحثين من فحص دماغ الذكاء الاصطناعي، على غرار استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لفهم وظائف وطريقة عمل الدماغ البشري.

من جهته، صرح الرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك" داريو أمودي: "نبدأ في تحقيق تقدم فيما يمكن أن نسميه أشعة سينية أو تصويرا بالرنين المغناطيسي لنموذج الذكاء الاصطناعي، بدلا من التحدث إلى النموذج فقط، يمكننا الآن رؤية ما بداخله".

لكن بالرغم من هذه التطورات الجديدة، فلا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى. وتلخص الشركة نتائجها بنبرة متفائلة، مشيرة إلى أن القدرة على التحكم في هذه الميزات قد تعزز سلامة الذكاء الاصطناعي بصورة ملحوظة. إذ يمكن أن يساعدنا هذا في منع عمليات كسر الحماية التي يتجاوز فيها المخترق آليات الأمان لهذه النماذج الذكية.

يخطط الفريق البحثي لمواصلة تحسين تقنيته الجديدة، بهدف فك تشفير مزيد من الميزات وتحسين أمان نماذج الذكاء الاصطناعي، وقد يسهم هذا العمل في سد الفجوة بين فهم سلوك نماذج الذكاء الاصطناعي وضمان استخدامها بأمان.

ومع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي بكثرة خلال الفترة الحالية، يعد فهم عملياتها الداخلية من الأمور بالغة الأهمية. لذا، يقدم لنا اكتشاف "أنثروبيك" خطوة واعدة نحو إزالة الغموض المحيط بنماذج "الصندوق الأسود" للذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تطوير تقنيات أكثر أمانا في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات نماذج الذکاء الاصطناعی نموذج الذکاء الاصطناعی الصندوق الأسود

إقرأ أيضاً:

دبي تعتمد تقنية جديدة لتسجيل الوصول الفندقي الرقمي

دبي - الرؤية

في إطار دعم مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33  الهادفة إلى ترسيخ مكانة الإمارة مركزاً عالمياً للابتكار والتحول الرقمي، اعتمد سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، تقنية تسجيل الوصول الفندقي الرقمي لتصبح احد القنوات الرئيسية المعتمدة في جميع فنادق دبي وبيوت العطلات، بما يوفّر تجربة وصول ذكية وسريعة وآمنة للضيوف المحليين والدوليين.

ويأتي اعتماد هذه المبادرة التي طوّرتها دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي  بعد أن أثبتت التقنية قدرتها على رفع كفاءة العمليات التشغيلية، وتقليل زمن الانتظار، وتطوير منظومة ضيافة أكثر مرونة تستجيب لمتطلبات المسافر العصري.

وقال سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي: "تواصل دبي ترسيخ موقعها الريادي مركزاً عالمياً للابتكار، ومختبراً مفتوحاً لتجارب المدن الذكية، مسترشدين برؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في بناء نموذج حضري قادر على المنافسة عالمياً. ويأتي اعتماد تقنية تسجيل الوصول الرقمي في قطاع الضيافة ضمن جهودنا المتواصلة لتطوير منظومة سياحية تتسم بالكفاءة والمرونة، وتستند إلى حلول رقمية تعزز راحة زوار  دبي من حول العالم، وتدعم نمو القطاع السياحي كرافد رئيسي للاقتصاد الوطني".

وأضاف سموّه: "إن الانتقال نحو منظومة ضيافة رقمية متكاملة يعكس رؤية دبي لمدن المستقبل، ويجسّد التزامنا ببناء بيئة حضرية تعتمد التكنولوجيا لخلق تجارب إبداعية، آمنة، وسريعة، وتعزّز مستوى جودة الحياة. هذه خطوة تؤكد مكانة دبي وجهةً عالمية للأعمال والترفيه، وتجعل من تجربة الضيوف نموذجاً يحتذى به على مستوى العالم."

 

تقنية متكاملة لتجربة ضيافة أسرع وأسهل

وتتيح التقنية الجديدة للنزلاء وزوار دبي من حول العالم، إتمام إجراءات تسجيل الوصول قبل السفر عبر الهواتف الذكية، من خلال توثيق بيانات الهوية، وتسجيل المعلومات البيومترية مرة واحدة فقط، دون الحاجة لإعادة هذه الإجراءات في الزيارات اللاحقة. وعند الوصول إلى الفندق، يمر الضيف عبر مسار وصول رقمي لا يتطلب الوقوف في مكاتب الاستقبال، حيث تُستخدم البيانات الموثّقة مسبقاً بشكل آمن، ولا يُعاد طلبها إلا عند انتهاء صلاحية الهوية.

أما في الزيارات اللاحقة، فلا يتطلب الأمر سوى مصادقة بيومترية سريعة، مثل: التحقق من خلال التعرف على بصمة الوجه لتأكيد الدخول خلال ثوانٍ معدودة، بما يعزز راحة الزوار وخاصة أصحاب الزيارات المتكررة خلال 12 شهراً من رحلتهم السابقة والذين تشكل نسبتهم ما يقرب من ربع إجمالي الزيارات السنوية للإمارة، ويرفع كفاءة العمليات التشغيلية للفنادق. كما تنسجم هذه الآلية مع البنية التقنية المتقدمة في دبي، ومنها الممرات الذكية في مطار دبي الدولي التي قلصت الفترة الزمنية لمعالجة مراقبة الجوازات لثواني معدودة.  

 

نقلة نوعية لقطاع الضيافة

ومن جانبه، قال معالي هلال سعيد المري، المدير العام لدائرة الاقتصاد والسياحة بدبي: "تشكل التقنية الجديدة نقلة نوعية لقطاع الضيافة في دبي، وتبرز قدرتنا على توظيف الحلول الذكية بما يعزز تنافسية الإمارة عالمياً. وتأتي هذه الخطوة تجسيداً لرؤية القيادة الرشيدة في دعم التحول الرقمي، ورفع جودة الخدمات السياحية، وتوفير تجارب سلسة تبقى في ذاكرة الزوار".

وأضاف معاليه: "تعكس هذه المبادرة التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص، وتؤكد جاهزية دبي لتطبيق حلول مبتكرة تتماشى مع مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33، كما أنها تدعم جهود الإمارة في تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للضيافة الذكية".

 

قطاع فندقي رائد عالمياً

ويعد قطاع الضيافة في دبي أحد الأعمدة الرئيسية في منظومة السياحة، حيث تستضيف الإمارة 820  فندقاً وشقة فندقية تقدم خدمات ومرافق عالمية المستوى. كما أسهم القطاع في وصول دبي إلى آفاق غير مسبوقة من النجاح، حيث استقبلت 15.70 مليون زائر دولي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، بنسبة نمو بلغت نحو 5% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما بلغ عدد الغرف المحجوزة 36.71 مليون غرفة في مختلف منشآت الإمارة الفندقية.

 

رؤية مستقبلية

ويمثّل اعتماد تقنية تسجيل الوصول الرقمي خطوة استراتيجية في مسيرة التحول الرقمي في دبي، ويؤكد التزام الإمارة بمواصلة تطوير الخدمات الذكية التي تعزز مكانتها بين أفضل المدن العالمية، وتُعيد تعريف تجربة السياحة والضيافة عبر حلول مبتكرة تعكس رؤية دبي للمستقبل.

جدير بالذكر أن التقنية الجديدة صُممت لدمجها بسهولة تامة ضمن التطبيقات الفندقية والمنصات الإلكترونية الحالية لدى المنشآت الفندقية الحالية، علماً بأنه يمكن استخدامها أيضاً في العديد من نقاط الاتصال المباشر مع الضيوف مثل: تأجير السيارات، ما يمهد الطريق لتوفير تجربة سياحية متكاملة ومخصصة في جميع أنحاء الإمارة.

مقالات مشابهة

  • أوبن أيه آي تطلق نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5.2 بعد تحسينات واسعة
  • مقارنة بين نماذج الذكاء الاصطناعي والبرامج الإحصائية التقليدية.. ورشة عمل بجامعة العاصمة
  • الذكاء الاصطناعي النووي يُحدث نقلة في إدارة قطاع الطاقة
  • نماذج الذكاء الاصطناعي وإعادة صياغة الظهور الرقمي
  • سايمون شيمانسكي رئيس قسم النمو في شركة إكس تي بي العالمية: الذكاء الاصطناعي شريك ومساعد في الرحلة المالية وعملية الاستثمار
  • دبي تعتمد تقنية جديدة لتسجيل الوصول الفندقي الرقمي
  • مفاجأة جديدة من جوجل .. الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل طريقة قراءة الأخبار
  • الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء
  • إعداد قيادات الصف الثاني بـالشورى في الإبداع المؤسسي
  • تعطل ChatGPT على أجهزة أندرويد.. مطور التطبيق تكشف التفاصيل والحلول