الشاب الكفيف أحمد عبود يكسر الظلام بمواهبه المتعددة
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
طرطوس-سانا
بعزيمة وإصرار ورغبة كبيرة بإثبات النفس والعمل الجاد لتحقيق الحلم يتحدى الكفيف الشاب أحمد عبود ظروف إعاقته البصرية، ويسعى لتوظيفها من خلال مواهب متعددة أتقنها كالعزف والغناء وتعلم وتعليم اللغة الإنكليزية، إضافة إلى تطوير برنامج قارئ الشاشة للمكفوفين.
الشاب أحمد عبود 25 عاماً الذي ينحدر من قرية حمام واصل في القدموس بمحافظة طرطوس بين في حديثه لـ سانا الشبابية أنه ولد كفيفاً، ولكن وضعه الصحي لم يمنعه من الإبصار ورؤية الحياة من منظور آخر دون الوقوف عند أي عائق لإثبات نفسه كونه لم يتابع تحصيله العلمي في المدرسة الخاصة بالمكفوفين في حلب منذ صغره لعدم قدرته على التأقلم بعيداً عن أهله.
بدأت مواهب عبود بالظهور في شغفه بالغناء بعمر 8 سنوات، وبتشجيع من والدته تمكن خلال مدة قصيرة من التدريب في المنزل من تلقاء نفسه، معتمداً على إحساسه المفعم بالحياة، فذاع صيته في المنطقة واكتسب شهرة كبيرة، مشيراً إلى أنه شارك في مسابقة رواد الطلائع عام 2010 ونال المركز الأول على مستوى سورية في الغناء.
وأوضح أنه يعتمد على ذائقته الفنية في انتقاء ما يناسبه ويعكس صوته، حيث يميل إلى اللون الكلاسيكي الهادئ الطربي، ولا يجد أي صعوبة في غناء أي أغنية غربية بعد سماعها والتدرب عليها.
لا يستكين عبود لأوقات الفراغ إنما يحاول جاهداً الخوض في غمار تجارب جديدة يضيفها إلى قاموسه الفني، فلم يقف عند موهبة الغناء فقط إنما دفعه فضوله الشديد وإصراره المتزايد للدخول إلى بحر العزف الموسيقي، معتمداً على حاسة السمع ليتقن من خلالها إجادة العزف على عدة آلات موسيقية كالناي والطبلة والعود والأورغ.
وبين عبود أنه وبهدف اكتساب مهارات أخرى وزراعة البصيرة لمن لا يمتلكون القدرة على مجابهة الواقع والدخول في ميدان العمل والعلم تمكن من إتقان اللغة الإنكليزية من تلقاء نفسه، معتمداً على برنامج قارئ الشاشة للمكفوفين، إضافة إلى تدريسها للمستوى المتوسط عبر الإنترنت “أون لاين”.
وأوضح عبود أنه من خلال استخدامه برنامج قارئ الشاشة للمكفوفين عبر جهازه الخليوي تمكن من تطويره بشكل شخصي، وإضافة العديد من الخصائص إليه، ليتضمن 14 لغة بالصوت كل لغة تنقسم إلى صوتين، باستثناء العربية والإنكليزية اللتين تنقسمان لعدة أصوات للجنسين الذكر والأنثى، مبيناً أن الهدف من تطوير البرنامج تقديم المساعدة للمكفوفين من خلال اعتمادهم على الهاتف الخليوي.
وختم عبود حديثه بقوله: “طالما الله معي لن أتوقف أبداً وسأستمر بأحلامي إلى أن تتحقق… ولن أسمح لوضعي الصحي أن يحرمني من فعل أي شيء أحبه”.
ذو الفقار أبو غبرا
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
من حقّي أن أتكلّم.. عندما يصبح صوت الطّفل قوة لا يُستهان بها
ريتّا دار **
في عالمٍ مليءٍ بالكلمات والآراء، هناك صوتٌ غائبٌ: صوت الأطفال الذين يصعب عليهم التّعبير عن أنفسهم. في الزوايا الهادئة من صفوف المدارس، وفي زحام الحياة اليوميّة، هناك أطفالٌ كثيرون يصمتون، ليس لأنّهم لا يملكون ما يقولونه، بل لأنّهم خائفون أو مترددون، أو لأنّ كلماتهم تتعثّر قبل أن تصل إلى مسامع الآخرين.
تخيّلوا طفلًا صغيرًا ينظر إلى معلّمه، يودّ أن يجيب، يودّ أن يُشارك، لكنّه يتراجع. يغمغم في نفسه: هل سيسخر أحد من صوته؟ هل سيضحك عليه زملاؤه؟ هل سيبدو كلامه غريبًا؟ فيقرّر أن يصمت، ليس لأنّ ما سيقوله ليس مهمًّا، بل لأنّه يشعر أنّه لا يملك الحقّ في التّعبير عنه.
لكنّ هذا الصّمت ليس مجرّد هدوءٍ عابر، بل هو بدايةٌ لشعورٍ عميقٍ بأنّ وجوده غير مرئي. أنّه لا يُسمع. مع مرور الوقت، يصبح الكلام عبئًا ثقيلًا، ويتعزز داخل أولئك الأطفال الصّامتين شعور أنَّ الصّوت حقٌّ فقط لأقرانهم الّذين يملكون الجرأة أو "القوّة".
هل يمكن أن نُغيّر هذا الواقع؟
بالطبع، نعم. تخيّلوا لو أنّ هذا الطّفل سمع من مُعلّمه جملةً واحدةً تغيّر كلّ شيء: "نحن ننتظرك"، "نحبّ أن نسمعك"، "خذ وقتك، نحن معك". تخيّلوا لو أنّ أحدًا قال له: "أنا فخورٌ بك كيفما تحدّثت، المهمّ أنّك تحاول". هذه الكلمات الصّغيرة قد تكون البذرة الّتي تنمّي الثّقة وتمنح الطّفل الأمل في التّعبير عن نفسه.
ليلى كانت واحدةً من هؤلاء الأطفال. كانت تخجل من صوتها لشعورها أنّه غريب وأنّ لا أحد يُريد أن يسمعه. ولكن، والدتها كانت تهمس لها يومًا بعد يومٍ: "صوتك جميل، فكرتك تستحقّ أن تُقال، كلّ كلمةٍ تقولينها تعني لي". ومع مرور الوقت، بدأت ليلى تجد قوّتها في صوتها، لأنّها شعرت بأنّها ليست فقط موجودة، بل هي محطّ اهتمامٍ وتقدير.
أمّا أيمن، فقد كان يختبئ وراء رسوماته. كان يعبّر عن نفسه بالألوان أكثر من الكلمات. لكنّ معلّمته رأت في رسوماته بابًا لقلبه. شجّعته وسألته عن لوحته، وأثنت عليه. شعر أيمن بأنّ هناك من يهتمّ بما يقدّمه، ومن هنا بدأت ثقته بنفسه تنمو. بدأ يتحدّث، ليس بصوتٍ عالٍ، بل بصوتٍ نابعٍ من الدّاخل، صوتٍ مليءٍ بالثّقة لأنّه يتحدّث عن شيءٍ يحبّه، ويجد نفسه فيه.
ليس كلّ طفلٍ يستطيع التّعبير عن نفسه بالطّريقة نفسها. بعضهم يحتاج إلى وقتٍ ليكتشف مكانه في هذا العالم، وبعضهم يحتاج إلى التّشجيع لكي يقترب من قلوب الآخرين. وكلّ ما يحتاجه الطّفل في تلك اللحظات هو من يرى فيه شيئًا ثمينًا، من يقدّره ويقول له: "أنا هنا، وأنا أسمعك، وأنت مهمّ".
نحن الكبار لدينا القدرة على فتح أبواب التّواصل. لدينا مفاتيحٌ لتحويل التّردد إلى شجاعة، والخجل إلى قوّة، والمختلف إلى شيءٍ جميل.
لنعلّم أطفالنا أنّ من حقّهم أن يتكلّموا، وأنّ كلامهم ليس أقلّ أهميّة من كلامنا. أن يكون لهم الحقّ في التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، سواء كانت عميقةً أو بسيطة.
والصّوت، في النّهاية، ليس مجرّد نغمة. الصّوت هو موقف، هو شخصيّةٌ وحضور.
في سلطنة عُمان، تسعى وزارة التّربية والتّعليم إلى تعزيز بيئةٍ تعليميّةٍ شاملة، تشجّع على التّعبير عن الذّات وتنمية المهارات الاجتماعيّة للأطفال من خلال المبادرات التّعليمية الّتي تشجّع على التّفكير النّقديّ والمشاركة الفاعلة في المجتمع، كما في مبادرة "التّعليم الصّديق للطفل" الّتي تدمج التّربية الشّاملة مع تعزيز القيم الاجتماعية. هذه المبادرة، وكثير غيرها، تعزز دور الأطفال في اتّخاذ القرار وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم واحتياجاتهم.
وتُؤكّد منظمّة الصحّة العالميّة أنَّ الأطفال الّذين يُمنحون الفرصة للتّعبير عن أنفسهم في بيئات داعمة يحسّنون من مهاراتهم الاجتماعية، وتقلّ لديهم مستويات التّوتّر، ويطوّرون قدرة أكبر على التّعلّم والتّفاعل بشكلٍ إيجابيٍّ مع الآخرين.
وقد أظهرت مراجعةٌ علميّةٌ نشرتها مجلّة "علم النّفس الأمامي" أنّ التّفاعل المفتوح مع المعلّمين والأقران يطوّر مهارات التّفكير النّقديّ ويقلّل من السّلوكيات السّلبيّة الّتي قد تصاحب قلّة الثّقة بالنّفس.
أطفالنا يشبهون الآلات الموسيقية المتفرّدة، كلّ واحدٍ منهم يحمل نغمةً خاصّةً به، وبعضهم قد يشبه البيانو، نغمةً هادئةً تتدفّق برقّة.
وبعضهم قد يشبه الكمان، حسّاسٌ وعميق، صوته يحمل مشاعر لا تُقال بالكلمات. وآخرون قد يشبهون النّاي، خافتون لكنّ نغماتهم تدخل القلوب بدون استئذان. ولا يوجد بينهم نشاز؛ بل تنوّعٌ جميلٌ يحتاج إلى أذن محبّة تعرف كيف تنصت.
ولأنّ أثرنا كمعلّمين ومربّين على حياة الأطفال كبيرٌ جدًّا، فلنمنحهم الحقّ في أن يكونوا جزءًا من هذه السيمفونيّة الجميلة الّتي هي حياتنا، لأنّنا بذلك نهيّئهم ليحموا، ويحبّوا أنفسهم، وأن يكونوا مستعدّين لخوض تحدّيات الحياة.
**********
المصادر:
وزارة التّربية والتّعليم في سلطنة عُمان، تقرير 2020
منظمة الصّحّة العالمية
مجلّة علم النفس الأمامي
المجلس العربي للطفولة والتنمية، تقرير 2020