الإمارات والصين.. شراكة الكبار
زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، إلى الصين، تعكس متانة وعمق العلاقات التاريخية المتجذرة كما أكد سموه بمناسبة مباحثات القمة التي أجراها بالقول: “سعدت بلقاء فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، بحثنا علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات والصين، والعمل المتواصل من أجل تعزيزها في مختلف المجالات، نحتفي بمرور أربعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا، وبما تحقّق من إنجازات مشتركة خلالها، ونمضي معاً بعزيمة وطموح نحو نقلات نوعية جديدة خلال العقود المقبلة بما فيه مصلحة شعبينا”، ومبيناً سموه: “أن الصين الشريك التجاري الأول عالمياً للإمارات، مع توجهات لمضاعفة حجم التجارة بينهما خلال السنوات المقبلة، وأن الدولة شريك استراتيجي في مبادرة “الحزام والطريق” منذ إعلانها، كما أن الإمارات تعدّ بوابة تجارية مهمة إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، لذلك فإنها توفر العديد من الفرص للشركات الصينية للعمل واستكشاف أسواق جديدة والانطلاق منها لتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مناطق أخرى من العالم.
نفخر بأن دولة الإمارات أصبحت بكل جدارة شريكة كبار دول العالم بفضل جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، فحيث يحل سموه يكون الحدث استثنائياً لأن كل لقاء يقوم به هو لقاء العقول والقلوب التي تواكب آمال الشعوب لتحقيق الأفضل، وذلك بفعل رؤية سموه التي يُجمع عليها العالم لأهميتها وفاعليتها وقوة تأثيرها، وهو ما تعكسه جولة سموه الآسيوية عبر زيارتي الدولة اللتين قام بهما لكل من كوريا الجنوبية والصين وما واكبهما من مراسم احتفالية وما تكللتا به من نتائج وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية والنمو المشترك ضمن مسيرة العلاقات التي تجمع الإمارات مع الدولتين الصديقتين، بالإضافة إلى كلمة سموه التاريخية في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني في بكين بحضور فخامة الرئيس الصيني وعدد من القادة العرب، والتي شدد خلالها على حاجة العالم إلى التكاتف والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة، ومبيناً “أن الإمارات تؤمن بأن تضافر الجهود والتعاون والعمل الدولي المشترك هو السبيل الأفضل للارتقاء بدولنا وتلبية طموحات شعوبنا وضمان مستقبل مزدهر للأجيال القادمة”، وكذلك أهمية التعاون العربي الصيني مع الجهود الدولية وخاصة تجاه الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط لتحقيق الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة وحماية سكانها وتأمين تدفق المساعدات وإيجاد أفق للسلام العادل والشامل استناداً إلى حل الدولتين.
التعاون نهج راسخ تعمل الإمارات على جعله أساساً للعلاقات الدولية نحو عالم أفضل وأكثر مواكبة لتطلعات الشعوب، وهو ما يكسبها ثقلاً كبيراً واحتراماً من قبل جميع الدول التي تشاركها التطلعات والمواقف.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الإمارات والصین
إقرأ أيضاً:
باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!
اليوم سأحدثكم عن قصة حصول باكستان على السلاح النووي وإحداثها لمعجزة سياسية-علمية في العالم الإسلامي، فدولة التي لم تكن تملك شيئا بل حتى لا تستطيع صناعة مسامير وبراغي كيف لها أن تصنع سلاحا نوويا معقدا جدا في فترة قصيرة جدا، حتى الغرب لم يستطع مجاراتها؟ لا بد أن يكون وراء ذلك سر عظيم جدا ألا وهي الإرادة والعزيمة التي صنعت المستحيل.
بدأ كل شيء عام 1971 عندما تعرضت باكستان لهزيمة قاسية ومذلة أمام الهند، العدو الأول والأزلي، انتهت بانفصال بنغلادش عن باكستان، وبعد ثلاث سنوات فجّرت الهند أول قنبلة نووية له بمساعدة الكيان وخرجت للعالم تتبجح وصرّح الهنود: "نحن الآن صرنا قوة نووية".
في تلك اللحظة المفصلية في التاريخ كانت باكستان تراقب الوضع وشعرت بأن عدوها قد اكتسب ما سيمكنه من التفوق عليها، وهذا ما استفز كبرياء الشعب والحكومة هناك، حينها وقف رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو وقال عبارته الشهيرة: "لو اضطررنا لأكل العشب أو التراب، سنصنع قنبلة نووية". لم يأخذه الغرب ولا حتى الهند على محمل الجد، وظن الكل أنه مجرد هرطقة سياسية فقط وشعبوية معتادة للإلهاب حماس الجماهير هناك.. لكن تأكد لا حقا أن الرجل كان يعني ما يقوله بالحرف الواحد!
وبدأ التخطيط الفعلي لامتلاك برنامج نووي سري دون أن يثيروا ريبة أعين الغرب والعدو الأزلي الحاقدة.. وانطلق جمع المعلومات من طرف أجهزة المخابرات الباكستانية باحثة عن كل من يستطيع أن يقدم لهم يد العون من دول وحكومات ومنظمات سرية وجماعات تهريب وقبل ذلك البحث عن علماء نووي موثوقين ومستعدين للتضحية من أجل ذلك، وكان الاختيار على أحد الرجال الذين صنعوا المعجزة بأتم معنى الكلمة، ألا وهو الدكتور عبد القدير خان، وهو عالم الباكستاني شاب كان يعمل حينها في منشأة تخصيب أوروبية (URENCO – هولندا). اتصلت به المخابرات الباكستانية وقالت له بالحرف الواحد: "سيد عبد القدير أنت مستدعى في مهمة وطنية نبيلة هل ستلبي الدعاء أم نذهب لخيارات أخرى؟".
وكان الجواب: "لا مجال للتردد أمام نداء الوطن!" لم يتردد هذا الرجل الوطني المخلص للحظة في تلبية نداء الواجب، وترك كل الامتيازات الممنوحة له والرفاهية وجودة الحياة وحقول الورود والياسمين في هولندا؛ البلد الساحر من حيث الطبيعة الخلابة وجودة الحياة، وعاد متخفيا ليعمل في ظروف قاسية في مناطق وعرة غير موصولة حتى بطرق معبدة وبعيدة كل البعد عن المدن في باكستان. كل هذه التضحية من أجل هدف واحد ونبيل ألا وهو أن تمتلك بلده سلاحا نوويا يمكنها من استعاده التوازن أمام عدو أزلي يتربص على الحدود في كشمير..
استغل هذا الرجل الذكي منصبه هناك لجمع كل ما يمكنه من معلومات حول تقنية الطرد المركزي، ونجح في نسخ تصاميمها وخزنها في ذاكرته في عام 1975. وكما سبق وذكرت، عاد إلى باكستان سرّا حاملا مخططات علمية وتقنية ثمينة، ومعه حتى قائمة موردين دوليين وأسرار لا تُقدّر بثمن.
أسّس "مختبرات خان" في منطقة كاهوتا، وبدأ العمل بصمت رفقة علماء آخرين قام هو بنفسه بإقناعهم في العمل معه وكفاءات وطنية كوّنها هو بنفسه. وفي الخفاء تم إنشاء منشآت التخصيب الذي هو أصعب شيء في أي برنامج نووي، واستُخدمت شبكة تهريب دولية لاقتناء القطع والتكنولوجيا من أوروبا وماليزيا والصين، وكل ذلك تم بسرّية مذهلة وبمساعدة جزئية من الصين التي زوّدت باكستان ببعض التصاميم والمكونات النووية والتي فيما بعد تحولت إلى الحليف الأول للباكستان. والآن 80 في المئة من واردات السلاح إلى باكستان هي من التنين الصيني، مستغلة وبذكاء خلاف الصين الحدودي مع الهند مما قرب تلقائيا بينهما وفق المعادلة الشهيرة "عدو عدوي صديقي"، أضف إلى ذلك أن الظروف الإقليمية آنذاك خدمت المشروع النووي بطريقة غير مباشرة، ففي الوقت الذي كانت فيه أمريكا مشغولة بدعم باكستان في حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، غضّت الطرف عن تقدمها النووي، أو لنقل أن واشنطن لم تكن تتصور أن باكستان بلغت أشواطا متقدمة جدا في الحصول على سلاح نووي كامل.
في عام 1998 فجّرت الهند سلسلة تجارب نووية وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، وفي يوم 28 أيار/ أمايو ردّت باكستان بتفجير خمس قنابل نووية دفعة واحدة في جبال بلوشستان. وهنا كان العالم مذهولا، والغرب في حالة صدمة واضحة، ولعل الصدمة الأكبر كانت في نيودلهي حين علم الهنود أن تفوقهم النوعي على عدوهم الأزلي قد زال وحدث التوازن بين القوى!
دخلت باكستان رسميا نادي القوى النووية إلى جانب القوى العظمى في العالم، وأصبحت أول دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي. حاول شرطي العالم تدارك الأمر، ففرضت أمريكا عقوبات اقتصادية علها تثنيها عن ذلك، لكن يبدو أن الرجال فعلوها أخيرا والردع النووي قد تحقّق، فالبرنامج اكتمل ورسالة رئيس الوزراء قد وصلت فعلا، كل كلمة قالها كان يعنيها، لا شيء سيثني باكستان عن امتلاك سلاح نووي.
أما بالعودة للحديث عن البطل القومي عبد القدير خان الذي قام عليه المشروع، فقد وُضع لاحقا تحت الإقامة الجبرية بعد اتهامه بتهريب تكنولوجيا نووية إلى دول أخرى ككوريا الشمالية وإيران وليبيا، ومع ذلك بقي في أعين شعبه "أبو القنبلة الإسلامية".
قصة المشروع النووي في دولة باكستان تظهر مدى حجم التأثير حين تجتمع الإرادة والعزيمة السياسية مع إرادة الشعب، ومدى أهمية العقول العلمية وحب الوطن الخالص الذي يمكن أن يغير موازين القوى بشكل كامل وإحداث المعجزات!