دولة سبأ .. حضارة وثقها القرآن وحفتها عناية الله
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
في جنوب الجزيرة العربية، حيث تتقاطع الرمال مع العراقة، وتنبض الأرض بشواهد المجد، نشأت مملكة سبأ، تلك الدولة العريقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وخلّدها التاريخ كبقعةٍ تلاقت فيها الحضارة، والنبوة، والهوية. وبينما يطوي الزمن صفحاته، يبقى السؤال حاضرًا: ما الذي يجعل من مملكةٍ بادت قبل آلاف السنين، رمزًا حيًا لليمن المعاصر وأصالته؟
تنبع أهمية هذا التقرير من كونه نافذة على ماضٍ شامخ لا يزال يلقي بظلاله على الحاضر، ويكشف كيف أن القيم والمفاهيم التي أرستها سبأ في ميادين الحكم، والدين، والمجتمع، ما تزال قائمة في الوجدان اليمني والعربي حتى اليوم.
تُعد مملكة سبأ إحدى أقدم الممالك العربية، وقد ازدهرت بين القرنين العاشر والرابع قبل الميلاد، وتمركزت في مدينة مأرب، شرق اليمن الحديث، وقد كانت قوتها الاقتصادية والسياسية والدينية محط أنظار الممالك المجاورة، حتى بلغ أمرها إلى نبي الله سليمان عليه السلام، كما ورد في القرآن الكريم.
القرآن والتوثيق الإلهي لحضارة سبأفي سابقة نادرة، خُصّت مملكة سبأ بالذكر المباشر في القرآن الكريم، مما منحها مكانةً فريدة في السرد التاريخي الإسلامي في سورة النمل (قصة بلقيس وسليمان) ، حيث تكشف الآيات عن نظام حضاري بقيادة امرأة حكيمة “بلقيس”، وتبرز الحوار الحضاري الحكيم بينها وبين نبي الله سليمان عليه السلام ، وكان شاهداً حضارياً مدهشاً لشعب يعيش في جنتين عن يمين وشمال ، قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) صدق الله العظيم
سبأ كما يراها التاريخ والآثار defaultسد مأرب: أقدم مشروع مائي معروف، بُني بحرفية هندسية مذهلة، لاحتجاز السيول وتوزيعها على مزارع مأرب.
اللغة المسندية: واحدة من أقدم الخطوط العربية الجنوبية.
النفوذ التجاري: سيطرت سبأ على طرق التجارة بين الشرق والغرب، وكانت مركزًا عالميًا لتجارة اللبان والبخور.
الهوية اليمنية .. ماضٍ يرسخ الحاضرالقبائل اليمنية المعاصرة، مثل حمير وكندة، ترجع بأصولها إلى شعوب سبأ، ومعظم العرب القحطانيين ينسبون نسبهم إلى جنوب الجزيرة.
الأزياء، اللغة، المعمار الريفي وحتى عادات الزراعة وحفر الآبار، تحمل ملامح سبئية خالدة.
العمارة اليمنية التقليدية، خصوصًا في صنعاء القديمة، لا تزال تعكس فلسفة البناء السبئي من حيث الشكل والتخطيط والاستخدام الذكي للموارد.
سبأ في الوعي الجمعي اليمنيرغم ما مر به اليمن من تحديات سياسية وإنسانية، فإن الإرث الحضاري السبئي ظل بمثابة مرجعية قوية لليمنيين، يستلهمون منه الفخر والقدرة على النهوض.
في الخطاب الوطني، دائمًا ما تُستخدم دولة سبأ كرمز للنهضة والاستقرار، خصوصًا في الشعارات الحكومية والتعليمية ’’حضارة تحكي حاضرنا وتبني مستقبلنا’’.
دلالة ذلك في السياق العربي والإسلاميارتباط اليمن بدولة سبأ لا يخصّه وحده، بل هو امتداد للهوية العربية والإسلامية الجامعة ، والقرآن الكريم كرّس سبأ كعبرة أن الشكر على النعم أساس لاستمرار الحضارات، وتاريخ اليمن يُدرّس في المناهج العربية كمصدر فخر وهوية ، والسفراء والمفكرون العرب يشيرون لليمن دومًا بأنه مهد العروبة ومنبع الأصالة، بدءًا من سبأ.
ارتباط القيم والقبيلة بالموروث اليمني منذ عهد سبأيشكل الموروث اليمني أحد أعمدة الهوية الحضارية في شبه الجزيرة العربية، وقد تأسس هذا الموروث منذ العهد السبئي ، الذي جمع بين الكيان السياسي المركزي والنسيج القبلي المتماسك، فخلق توازنًا دقيقًا بين الدولة والقبيلة، وبين السلطة والقيم المجتمعية.
في سبأ، لم تكن القبيلة مجرد تنظيم اجتماعي، بل كانت وحدة حضارية تشارك في البناء، والحكم، والدفاع، والاقتصاد. كان لكل قبيلة دورها ومكانتها، ضمن نظام دقيق يُعرف باسم “مكارب سبأ”، وهو شكل من أشكال التحالف السياسي بين الملك والقبائل، يعكس مبادئ الشورى، والولاء المتبادل، والمسؤولية الجماعية، وهي قيم راسخة في الثقافة اليمنية حتى اليوم.
القيم التي برزت في ذلك العصر، مثل الكرم، والوفاء، والشرف، وحماية المستجير، واحترام العهود، لم تكن مجرد أعراف، بل شكلت نظامًا أخلاقيًا واجتماعيًا حافظ على تماسك المجتمع في مواجهة التحديات الطبيعية والسياسية، وقد انعكس ذلك في قصة ملكة سبأ، التي احتكمت إلى العقل والحكمة في التعامل مع دعوة النبي سليمان عليه السلام، ما يدل على عمق القيم السياسية والإنسانية في ثقافة سبأ.
ومع دخول الإسلام، لم تتلاشَ هذه القيم، بل اندمجت مع روح الدين، فشكلت شخصية الإنسان اليمني المسلم، المعروف بـ”الإيمان والحكمة”، كما قال النبي صلوات الله عليه وآله: “أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوبًا وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية”.
وبقاء الارتباط بين القيم والقبيلة والموروث الحضاري قائمًا في اليمن من عهد سبأ إلى اليوم، يمثل عمقًا إنسانيًا يعكس عبقرية التكوين الاجتماعي اليمني، وقدرته على الجمع بين الولاء الديني والهوية القبلية في وحدة متماسكة نادرة في التاريخ العربي.
خاتمةإننا حين نتأمل في إرث دولة سبأ، لا نقف فقط أمام أطلال حضارة غابرة، بل أمام نموذج إنساني فريد، جمع بين الحكمة والسلطة، والقيم والدين، والقبيلة والدولة، في تناغم نادر سبق كثيرًا من المفاهيم المعاصرة في بناء المجتمعات.
لقد خلد القرآن الكريم هذه الحضارة ليس لمجرد تسجيل وقائع تاريخية، بل ليقدّمها للأمم عبر الأزمان كدليل على أن النهضة تبدأ من الإيمان، وتُبنى على العقل، وتستمر بالقيم. ومن سبأ إلى الإسلام، ثم إلى حاضر اليمن، امتد هذا الخط الحضاري متغلغلًا في الثقافة، واللغة، والبنية الاجتماعية، ليؤكد أن التاريخ العميق ليس فقط مصدر فخر، بل ركيزة لبناء الحاضر وصناعة المستقبل ، في زمن تتقلب فيه الهويات وتُمحى فيه المعالم، تظل سبأ رمزًا للعراقة والاستمرارية، وتبقى القيم التي أسستها من كرم، وشورى، وحكمة، عنوانًا ليمنٍ أصيل، وحضارة عربية لها جذور في الأرض وامتداد في السماء.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القرآن الکریم
إقرأ أيضاً:
بنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي: ريادة مصرفية تُعيد رسم الخريطة المالية في اليمن
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / هشام الحاج:
النشأة والتأسيس:
تأسّس بنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي عام 2023، بتراخيص رسمية من البنك المركزي اليمني (الترخيص رقم 842\CBY\2023)، ليُصبح أول بنك تمويل أصغر إسلامي يتخذ محافظة مأرب مقرًا رئيسيًا له.
يُنظَّم البنك وفقًا لأحكام القانون اليمني المتعلق بالبنوك الإسلامية والتمويل الأصغر (قانون رقم 15 لسنة 2009 والمعدل لاحقًا)، وقانون البنوك الإسلامية (1996 – معدل 2009) وغيرها من التشريعات النافذة.
الرؤية والأهداف:
الرؤية: أن يصبح من رواد العمل المصرفي الإسلامي في اليمن وأفضل خيار للعملاء بجميع شرائحهم.
الرسالة: تقديم خدمات مالية استثنائية عالية الجودة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مع التركيز على الشفافية والثقة والمصداقية.
الأهداف: تعزيز الشمول المالي، تقديم حلول مبتكرة، تحقيق عوائد مستدامة، بناء كادر مؤهل، والتعاون مع الجهات التنموية محليًا وإقليميًا.
التوسع والتطور:
في نوفمبر 2023، افتتح البنك مقره الرئيسي في مأرب، وفي مايو 2025 افتتح فرعًا جديدًا في عدن، ضمن خطة للتوسع في محافظات تعز وحضرموت.
يهدف البنك إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر حلول ومنتجات مالية مصممة لتلبية احتياجات جميع القطاعات.
الهيكل التنظيمي والحوكمة:
لدى البنك هيكل حوكمة يشمل مجلس إدارة ولجان متخصصة (التدقيق، المخاطر، الامتثال، الترشيحات والمكافآت)، وهيئة شرعية مستقلة، وإدارة تنفيذية، وإدارة مخاطر وتدقيق داخلي وخارجي.
تتألف الهيئة الشرعية من ثلاثة علماء يشرفون على العقود والمنتجات، ويقدّمون التدريب لضمان الالتزام بالتشريع الإسلامي.
الخدمات والمنتجات:
التمويل الأصغر وتمويل المشاريع:
تمويل شخصي وتمويل المشاريع الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة، بما يشمل رأس المال العامل والأصول مثل المعدات والمركبات والعقارات والبذور الزراعية، إضافةً إلى تمويل السيارات والأجهزة ومواد البناء، مع أقساط مرنة وضمانات متنوعة.
خدمة “ملكة سبأ” لتمويل سيدات الأعمال:
منتج مخصص لدعم المرأة اليمنية في مشاريعها، يشمل تمويل رأس المال العامل والأصول والمعدات والمركبات ومواد البناء والمستلزمات الزراعية، مع أقساط مرنة وضمانات ميسرة واستشارات مالية.
الشروط: يمنية الجنسية، عمر بين 18 و60 سنة، مشروع قائم أو مصدر دخل، وحساب بنكي فعال.
طرق التقديم: عبر الفروع، التطبيق البنكي، أو الموقع الإلكتروني.
الأنشطة المجتمعية والمبادرات:
في أسبوع المال العالمي 2024، نظم البنك جلسات توعية حول الادخار للشباب والأطفال في عدن، مع فتح حسابات ادخار تشجيعية للمشاركين.
الإنجازات والتقدير الخارجي:
في نوفمبر 2024، حصل البنك على جائزة التميز والإنجاز المصرفي من الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب في القاهرة، تقديرًا لدوره في تعزيز الشمول المالي.
الخاتمة:
يمثل بنك الشرق اليمني نموذجًا للمؤسسة المصرفية الحديثة التي تقدم خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، ملتزمة بالحوكمة والجودة، ومنفتحة على المجتمع، مع الالتزام بحماية بيانات العملاء وتطبيق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفق أفضل الممارسات العالمية..