هل تعرفون مفهوم «الفيل الأبيض» فى الاقتصاد؟.. هذا المصطلح الذى يشير إلى شركة خاسرة لكن لا توجد قدرة على التخلص منها وفى ذات الوقت يمثل استمرار وجودها إشكالية كبيرة لمالكيها بسبب تكاليف تشغيلها الباهظة، فلا وجودها مربح ولا يمكن بيعها.

المصطلح مستمد من قصة ملوك تايلاند الذين كانوا مُعتادين على إهداء رجال الحاشية الملكية المكروهين فيلاً أبيض من أجل تدميرهم بسبب التكلفة العالية للعناية به، ويستخدم الغرب تعبيراً آخر يُعرف بـ«الفيل فى الغرفة» وهو تعبير مجازى يشير لموضوع أو قضية مثيرة للجدل تكون واضحة ويعرفها الجميع ولكن لا يذكرها أحدهم أو يريد مناقشتها.

ويأتى «الفيل الأبيض» و«الفيل فى الغرفة» كعنوان جامع فى إطار حديث اقتصادى دائر حول الدعم. يصور الحديث الدائر الدعم كما لو أنه يمثل العبء الأكبر على الميزانية ولا بد من التعامل معه فوراً.

فوفقاً لأرقام الموازنة، فإن فاتورة الدعم قد بلغت 332 مليار جنيه فى العام المالى 2017/2018، وهو ما يعادل 21 مليار دولار، فى حين تستهدف الحكومة صرف 636 مليار جنيه، أى ما يعادل 14 مليار دولار فقط، فى موازنة ٢٤-٢٥.

فى حين تضخم الدين العام -الفيل الأبيض الحقيقى- الذى بلغ 380.69 مليار جنيه عام 2017/2018 وهو ما مثَّل وقتها 25% من الموازنة، مقارنة بـ3.4 تريليون جنيه بنسبة 62% من موازنة العام المالى المقبل.

فقبل كل شىء هناك حاجة لفهم ما أوضحته آنفاً ومصارحة المواطن به قبل الحديث عن أى مخططات تخص هذا الملف الحساس للغاية، وحتى لا يُفهم حديثى بشكل مغاير فلطالما ناديت بتنظيم الدعم بشكل تدريجى وتحويله لدعم نقدى مشروط، لكن بالطبع لا بد أن يدار الأمر بأسس وخطوات مدروسة قد لا أراها الآن وسط فقه حل مشكلات الاقتصاد بشكل قطاعى.

لكن نفاجأ بحديث عن أزمة ما وتتركز تصريحات الحكومة حولها وتُصدر كما لو أنها المشكلة الأكبر، وبعد فترة يتضح الأمر بألا نشهد تطوراً فى الموقف، بل على العكس تزداد المشكلة الرئيسية فى التوغل للدرجة التى ترتب صعوبات أكبر فى حلها، ولنا فى أزمة الدولار والكهرباء عبرة، خاصة أنهما كانا عرَضاً للمرض الرئيسى.

لذا فقبل أى حديث عن الدعم والجدل بشأن التحول نحو الدعم النقدى، يجب فى البداية تبيان إلى أى مدى يمثل هذا الملف عبئاً على الموازنة وهل هو الملف الذى يستوجب كل هذا الاهتمام والتركيز أم أن هناك أولويات أخرى أجدر منه، مثل تفحل الدين العام وسبل استدامته أو تعاظم الإنفاق العام وانهيار وحدة الموازنة.

أما فيما يخص الدعم النقدى كبديل لنظام الدعم العينى المعمول به حالياً، ففى تقديرى تمثل الآلية النقدية فرصة أكبر للوصول الفعلى للمستحقين حال تطبيقها بشكل صحيح دون أى يمثل ذلك أى تأثير على الموازنة، خاصة أنها «تكلفة» سوف تُدفع نقداً أو فى شكل سلع، لا فرق إلا لو ارتبط التطبيق باستبعاد غير المستحقين رغم أن ذلك ممكن مع النظام الحالى.

وقد سبق أن أعددت بحثاً مطولاً حول نظام الدعم النقدى فى ٢٠١١، أكدت فيه ضرورة وجود بعض العوامل بشكل مسبق قبل تنفيذ عملية التحول أهمها الاستهداف، بمراجعة بيانات مستحقى الدعم واستبعاد غير المستحقين بما يسمح بمنع الهدر من ناحية وأيضاً تنظيم مراجعة قيمة الدعم المقدم خاصة فى ظل حالة التضخم التى يشهدها الجميع.

فالدعم النقدى وفقاً للعديد من الدراسات العلمية «نظام كفء»، لأنه لا توجد فيه مشاكل التوزيع والهدر التى يتسم بها الدعم العينى، كما أنه يمكن ربطه بمستهدفات التنمية فى حالة التحول للدعم المشروط مثل مشروطيات التعليم والرعاية الصحية، فنساعد بذلك مؤشرات التنمية المجتمعية على التطور ونستطيع قياس الأثر التنموى للإنفاق. ولنا فى تجارب «فومى زيرو» و«بولصا فاميليا» فى البرازيل أسوة حسنة فيما قدمته من تطور فى هذا الملف.

لكن إشكاليته التى آمل الانتباه إليها حتى يحدث فارق، أنه لا يجوز تطبيقه إلا بآليات جيدة ودراسة وضع الاقتصاد الكلى، خاصة فى حالة وجود معدلات تضخم خارج السيطرة ترتب غلاء الأسعار بشكل مستمر للدرجة التى لا تجعل الدعم، سواء كان نقدياً أو عينياً، يفلح معه.

فالأمور يجب ألا تدار بهذه الطريقة التى صدرت ملف الدعم على المشهد خلال ٤٨ ساعة مع قرار بالتحول نحو نظام جديد للدعم بداية من العام المقبل دون أى دراسات مسبقة أو خطوات تدريجية لضمان فاعلية التطبيق ودراسة أبعاده.

نحتاج إلى الاعتراف أولاً بحقيقة الأزمة التى يعانيها الاقتصاد (الفيل الحقيقى)، والتركيز على المرض الرئيسى الذى يؤلمه، حتى ننخرط فى الأساسيات ولا نكون مثل عازفى الموسيقى فى فيلم تايتنك.. تغرق سفينتهم بينما هم منهمكون فى العزف!

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الاقتصاد اقتصاد مصر الموازنة المالية الدعم النقدى

إقرأ أيضاً:

الشركات الكورية الجنوبية استثمرت 1ر61 مليار دولار في الأبحاث والتطوير العام الماضي

سول, "د.ب.أ": أظهرت بيانات حكومية نمو استثمارات الشركات الكورية الجنوبية في مجال الأبحاث والتطوير العام الماضي إلى مستوى قياسي قدره 6ر83 تريليون وون (1ر61 مليار دولار) في إطار جهودها لتحسين قدراتها التنافسية نتيجة التنافس العالمي المتزايد في مجال التكنولوجيا.

وذكرت وزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية الجنوبية أن إنفاق الشركات على الأبحاث والتطوير في العام الماضي زاد بنسبة 3ر15% سنويا مقابل 5ر72 تريليون وون في العام السابق.

وأشارت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء إلى أن هذه الأرقام تمثل إجمالي استثمارات أكبر 1000 شركة كورية جنوبية في الأبحاث والتطوير.

ومن بين هذه الشركات رفعت 709 شركات إنفاقها في العام الماضي مقابل 291 شركة قلصت إنفاقها.

كانت عملاق الإلكترونيات سامسونج إلكترونيكس الأكثر إنفاقا على الأبحاث والتطوير خلال العام الماضي بإجمالي 2ر30 تريليون وون، تلتها إس.كيه هانيمكس لصناعة الرقائق الإلكترونية بقيمة 5ر4 تريليون وون، وشركة صناعة السيارات الكورية الجنوبية باستثمارات 3ر4 تريليون وون، وشركة صناعة الأجهزة المنزلية إل.جي إلكترونيكس 4ر3 تريليون وون.

وذكرت وزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية الجنوبية أن استثمارات الشركات الكورية في الأبحاث والتطوير مازالت قليلة مقارنة بالشركات المنافسة في العالم، مشيرة إلى أن 40 شركة كورية جنوبية فقط موجودة ضمن قائمة أكبر 2000 شركة في العالم من حيث الإنفاق على مشروعات الأبحاث والتطوير الكبيرة في .2023

ولدى الولايات المتحدة 681 شركة في هذه القائمة إلى جانب 524 شركة من الصين و185 شركة من اليابان و106 شركات من ألمانيا و55 شركة تايوانية.

وقال جي كيونج هي، المدير العام لسياسة تقارب التكنولوجيا الصناعية بالوزارة، في بيان صحفي: "تواصل الشركات زيادة استثماراتها في البحث والتطوير بنشاط رغم الصعوبات التي تواجهها في ظل تزايد المنافسة في مجال التكنولوجيا الصناعية، ونحن بحاجة إلى مواصلة هذا التوجه لمنافسة الدول المنافسة".

وأضاف: "ستعمل الحكومة على تقاسم مخاطر الاستثمار في التكنولوجيا مع الشركات، وتعزيز إجراءات دعمها، مثل تبسيط اللوائح، وإنشاء البنية التحتية لاختبار التقنيات الجديدة، وتقديم الدعم المالي" للشركات.

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حفتر وحسابات السودان الجديدة
  • إحالة ملف تستر على أملاك الإخوان المنحلة إلى النائب العام
  • البنك المركزي :أكثر من( 118) مليار دولار ديون العراق الخارجية والداخلية
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: حيا الله السلاح والكفاح، والنصر الذي لاح
  • وزيرة البيئة تترأس الجلسة الختامية لخطة عمل البحر الأبيض المتوسط والثلاثون لإتفاقية برشلونة
  • فى عيد ميلادها.. سيمون دخلت الفن من بوابة الغناء
  • محمد فؤاد يجدد شبابه بـ"هاوس صيفي".. ويستعد لاكتساح موسم 2025 بإحساسه المميز
  • خالد عامر يكتب: التآمر على مصر يستمر
  • محمد عبد الجواد يكتب : إيران وكرالجواسيس
  • الشركات الكورية الجنوبية استثمرت 1ر61 مليار دولار في الأبحاث والتطوير العام الماضي