تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

زارت العائلة المقدسة مصر منذ أكثر من ألفى عام، ومنذ الميلاد، وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي، حكم مصر «100» حاكم، ولم يتم تناول هذه الرحلة إلا منذ زيارة القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادى للمواقع المقدسة، وبعد نحو «16» قرنًا يؤخذ الأمر بجدية حاليًا.

ونحن نحتفل بعيد ودخول العائلة المقدسة إلي مصر نتذكر المنجزات التي تقدمها الدولة:

تطوير 25 موقعًا أثريًا
تستهدف الخطة التنفيذية للمشروع تطوير 25 موقعًا أثريًا تتضمن المناطق الأثرية التي سارت وعاشت فيها العائلة المقدسة بالمحافظات خلال رحلتها لمصر، وبحث وتذليل أى معوقات تقف أمام تنفيذ المشروع، بالإضافة إلى تقديم كل محافظة رؤيتها فيما يخص التطوير خلال الفترة المقبلة، واحتياجاتها لوضعها فى الخطة التنفيذية.
ويعتبر هذا المشروع المهم من أهم المشروعات القومية التي تحمل الخير لمصر، ويحظى باهتمام الدولة وكافة الجهات المعنية لتنشيط السياحة الدينية، ودعم الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل وتطوير البنية التحتية.

 الجدير بالذكر أنه سيتم إنشاء كيان مسئول عن الإشراف على تنفيذ كافة الأعمال المطلوبة لتطوير مسار العائلة المقدسة يضم ممثلين من وزارتي السياحة والآثار والكنيسة ومجلس النواب والإشراف على أعمال الصيانة الدورية لهذه المناطق.

المسار للعائلة المقدسة
من هنا، مرت ستنا مريم والسيد المسيح.. رحلة طويلة داخل مصر امتدت على طول 3500 كيلومتر، ذهابًا وعودة عبر 11 محافظة، من سيناء حتى أسيوط، ويشكل الطريق مسار العائلة المقدسة الذى يضم 25 نقطة مرت خلالها السيدة مريم العذراء والسيد المسيح قبل 2000 عام. يحتوي كل موقع حلت به العائلة على مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه والأيقونات الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، وفقًا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

رؤية متكاملة 

شهدت محافظة  المنيا 30 % من معالم الرحلة وتعد ثالث أكبر المحافظات في عدد المواقع الأثرية واستغرقت الرحلة حسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية «3 سنوات و6 شهور و10 أيام».
لكن الأماكن التى مرت بها العائلة تعانى من إهمال جسيم، وتحتاج إلى إصلاح عاجل، كما أن كل المحافظات التى توجد بها المزارات تعانى من قلة الفنادق الملائمة لأذواق السائحين المختلفين وقدراتهم المالية، كما أننا نحتاج إلى طرق ممهدة. ولفت ذلك نظر النائب مجدى ملك منذ 6 سنوات، فتقدم مبكرا بطلب إحاطة في مايو 2018، بشأن عدم اتخاذ خطوات جادة وعاجلة نحو تطوير الأماكن والمعالم الأثرية لرحلة العائلة المقدسة ببعض المحافظات خاصة المنيا وأسيوط، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية لعدم استغلال الدفعة القوية، والجهود التى بذلت لتفعيل الحج إلى هذه المناطق. وبناءً على هذا الطلب استدعت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب ممثلين لوزارات الثقافة والآثار والسياحة والتنمية المحلية والمالية، للوقوف على الخطوات التى اتخذتها الحكومة بشأن مسار رحلة العائلة المقدسة ببعض المحافظات، فضلًا عن رؤية الوزراء تجاه دعم قطاع السياحة والاقتصاد المصرى. 

وقال النائب أسامة هيكل، رئيس اللجنة حينذاك، في اجتماعها: «إن اللجنة لا تشعر بجدية الحكومة تجاه تسويق مسار العائلة المقدسة بالشكل المطلوب، ومن ثم توصى بتشكيل لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة لوضع خطة زمنية في هذا الصدد. 

في حين اختلف مع ذلك الخبير السياحى إلهامى الزيات، وقال في تصريحات صحفية، مايو 2018: «إن رحلات الحج إلى مسار العائلة المقدسة «فقط» لن يكون لها أى مردود اقتصادى على الدولة حاليًا، وأن صرف أية مبالغ مالية على تجهيز كامل نقاط المسار سياحيًا يعتبر نوعًا من «إهدار المال العام»، حسب تعبيره، خصوصًا أن برنامج رحلة مسار العائلة المقدسة داخل مصر لن يزوره أكثر من «100» سائح سنويًا..

وأوضح «الزيات» أن «السياح الدينيين أو الروحانيين باتت أعدادهم قليلة للغاية مقارنة بالسياح الذين يأتون من أجل السياحة الشاطئية أو الثقافية الأثرية. ووفق تقديرات خبراء تحتاج تلك الإصلاحات إلى عشرات المليارات، لذلك تقدمت من قبل باقتراح، أن تقوم مصر بعقد مؤتمر دولى لدعم إصلاح مسار العائلة المقدسة بالاشتراك مع الفاتيكان واليونسكو، وندعو إليه الدول التى تهتم سياحيًا بالمسار، وأعتقد أن مصر سبق لها الاستعانة بالمجتمع الدولى في إنقاذ معبد فيلا أثناء بناء السد العالى 1960. ونحتاج لعمل سريع». ومن ثم لا بد من إنشاء هيئة لتلك المهمة، وهناك ضرورة ليس لمكاتبنا السياحية التقليدية بل لقيام وزارة السياحة ووزارة الخارجية بعقد اتفاقات تعاون مع الدول الكبرى التى تهتم بتلك الرحلات، مثل إسبانيا وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة.
ورغم أن المنيا تحتل موقعا متميزا في رحلة العائلة المقدسة؛ وكثيرون يتحدثون عن رحلة العائلة المقدسة بحماس، ولكنهم ينسون أن المنيا ليست على خريطة السياحة العالمية منذ تسعينيات القرن الماضى، والمنيا على سبيل المثال، رغم أنها تأتى كثالث أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد المواقع الأثرية الموجودة بها بعد القاهرة الكبرى والأقصر التى تنتمى لكل العصور: الفرعونية، الرومانية، المسيحية، الإسلامية.. مثل بنى حسن وبها 39 مقبرة منحوتة بالصخر لأشراف وحكام «حبنو» بعصر الدولة الفرعونية الوسطى، أهمها مقبرة أمنمحات، ومقبرة حنوم حتب، ومقبرة باكت، ومقبرة خيتى التى رسمت على جدارها مناظر أول دورة رياضية في مصر، ومنطقة تونة الجبل التى بها آثار مقبرة بيتوزيريس كبير الكهنة من العصر اليونانى الرومانى مومياء إيزادوررا شهيدة الحب الطاهر، وسراديب الإله تحوت، ثم منطقة أسطبل عنتر وبها معبد منحوت في الصخر للإلهة باخت، بناه كل من حتشبسوت وتحتمس الثالث، من أجل عبادة الإلهة باخت «القطة»، ومنطقة تل العمارنة التى اختارها أخناتون وزوجته نفرتيتى لإقامة عاصمة مملكته، من أجل عبادة الإله الواحد آتون. ومن أبرز الآثار المسيحية دير السيّدة العذراء ويقع في الجهة الشماليّة الشرقيّة من المنيا على بعد خمسةٍ وعشرين كيلومترًا، وهو المكان الذى أقامت فيه العائلة المقدّسة أثناء مرورها في مصر، وجدت في هذا الدير كنيسة محفورة في الصخر، وهى التى أقامتها في القرن الربع للميلاد الإمبراطورة هيلانة، ووضعت فيها العديد من الأيقونات التى في معظمها تعود للعصر الأوّل للمسيحيّة، دير البرشا: وفيه كنيسة تعود للأنبا بيشوى، وتمّ بناؤها في القرن الرّابع للميلاد، دير أبوفانا: وفيه كنيسة يعود تاريخ بنائها إلى القرن السّادس للميلاد.
وبالرغم من تنوع الثروات الطبيعية والجغرافية والتاريخية، تحتل المنيا ذيل قائمة محافظات الجمهورية من حيث نسب التنمية البشرية.

على سبيل المثال لا يوجد في المنيا سوى فندق خمسة نجوم بدير العذراء وأربعة تتراوح بين ثلاثة نجوم ونجمتين، بل وسمالوط التى يوجد بها دير السيدة العذراء لا يوجد بها فندق واحد، ونفس الأمر بكل من ملوى وأبوقرقاص، باختصار المدن التى تعد المراكز الإدارية التسعة لا يوجد بها فنادق باستثناء مدينة المنيا التى تبلع فنادقها نحو عشرة تقريبا.

أسيوط 
 تضم المحافظة أهم المناطق التى توقفت بها العائلة المقدسة منها  القوصية- دير المحرق، وجلست فيها العائلة 190 يوما، وبها مثل المنيا كل العصور الأثرية، ولكنها منذ تسعينيات القرن الماضى ليست على الخريطة السياحية. وقبل أن نتوقف أمام أسيوط نذكر بأن هناك كثيرين يحاولون العمل من أجل رحلة العائلة المقدسة من منظور سياحى وبلا رؤية أو دراسات علمية؛ ورغم ان القدماء المصريين قد أقاموا مدينة أسيوط على نهر النيل وكان اسمها في ذلك الوقت سيوط، وهو مشتق من كلمة «سأوت»، وتعنى الحارس باللغة المصرية القديمة، وقد أضاف العرب إلى الاسم حرف الألف فأصبحت أسيوط.

تضم أسيوط، آثارا من مختلف العصور، سواء من العصر الفرعونى أو الرومانى والقبطى والإسلامى: ومنها حضارة دير تاسا، حضارة البدارى، وآثار مير- آثار قصير العمارنة- آثار جبل أسيوط الغربى- آثار دير ريفا- آثار شطب- لوحات حدود مدينة أخناتون- آثار كوم دارا بعرب العمايم- آثار الهمامية- آثار عزبة يوسف- آثار دير الجبراوى- آثار عرب العطيات- آثار المعابدة.

من العصر القبطى: دير المحرق بالقوصية- دير العذراء بجبل أسيوط الغربى- دير الأنبا صرابامون بديروط الشريف- دير الشهيد مارمينا «الشهير بالدير المعلق» بأبنوب- دير الأنبا تواضروس المشرقى بصنبو- دير السيدة العذراء بدير الجنادلة- دير الأنبا تادرس الشطبى بمنفلوط.

رغم ذلك لا يوجد في أسيوط أى فندق مؤهل سواء خمسة أو أربعة أو حتى ثلاثة نجوم، وجميع الطرق إلى الأماكن الأثرية تحتاج إلى تأهيل، وما يخص دير المحرق لا توجد بالقوصية فنادق مؤهلة لاستقبال السياح من مختلف الدول، مع احترامى للأماكن التى تستقبل الزوار المصريين مسلمين وأقباطا، والذين يصلون للملايين ولكنهم يقطنون أماكن ديرية لا تصلح لاستقبال غير المصريين، كما لا يوجد مرسى على النيل في أقرب مكان لدير المحرق على النيل، رغم أن القوصية مدينة «كوزموبوليتان» ولكن رؤوس أموالهم لم يتم جذبها للاستثمار في هذا المجال.

كل تلك التحديات ليست على الخريطة للمؤسسات العلمية ويتوقف العمل فقط على إمكانيات الدير للإعداد للمولد، ويتم التعامل معه أمنيا واقتصاديا، هكذا نحن أمام عقبات تواجه أهم مكانين توقفت بهما العائلة المقدسة «دير العذراء بجبل الطير بالمنيا ودير المحرق بأسيوط» وتتبلور في: أولا: عدم وجودهما على الخريطة السياحية منذ تسعينيات القرن الماضى. ثانيا: عدم تأهل البيئة المحيطة بالأماكن السياحية سواء طرق أو فنادق أو مرشدين سياحيين.. إلخ. ثالثا: عدم إدراك الرؤية التى تؤهل إدراك الفرق بين المولد والسياحة الخارجية. ناهيك عن أن الإمكانيات المتوفرة للمحافظتين على صعيد الإدارة المحلية والسياحة غير مؤهلة نتيجة عدم توفر الإمكانيات. ورغم صحة ما ذهب إليه الخبير السياحى الكبير إلهامى الزيات، فقد أكدنا بالأرقام والإحصائيات على أن السياحة الدينية المسيحية يتحرك لها سنويا 100 مليون سائح يتوزعون بين حوالي 20 دولة منها إسرائيل وفرنسا وإسبانيا ولبنان.. إلخ. 

مؤتمر دولي للمسار
خبراء السياحة لا يرون عمليا في تلك العملية الخاصة بمسار العائلة المقدسة ما يستحق الصرف المالى من الدولة، ووزارة السياحة ليس بمقدورها أن توفر المليارات الخاصة بتجهيز كامل نقاط المسار سياحيا، ومن ثم كنت قد اقترحت أن تدعو الحكومة والكنيسة المصرية والفاتيكان واليونسكو لمؤتمر دولى للمساعدة لإحياء المسار كما فعلت 1960 من أجل إنقاذ معبد فيلة، ليس في الأمر «تدويل» للمهمة بقدر ما أقصد الاستعانة بكل الخبرات العالمية من أجل الحفاظ على مسار روحانى يهم البشرية جميعها، نذكر أيضا أن هناك كثيرين يحاولون العمل من أجل رحلة العائلة المقدسة من منظور سياحى وبلا رؤية أو دراسات علمية عن كيفية إزالة المعوقات التى تعوق التقدم في هذا المسار، لأن هذا الضجيج بلا طحن، والبعض الآخر يتصور أن الأمر لايحتاج إلا إلى بعض الإعلانات أو الدعوات السياحية التى تشبه إلى حد ما الدعوة لموالد السيدة العذراء.

مطلوب إنشاء هيئة متخصصة لمسار العائلة المقدسة من خلالها تتم الدعوة لمؤتمر دولى برئاسة مصر ويضم الكنيسة المصرية والفاتيكان واليونسكو، وتتم دعوة الدول المنافسة لنا في ذلك مثل روسيا وفرنسا وإسبانيا والبرازيل.. إلخ، كما تجدر الإشارة إلى أن شركاتنا السياحية غير مؤهلة، وكلها ليس لها فروع عالمية ـ على سبيل المثال إسرائيل بها 34 شركة لها فروع في 74 دولة.

  ملامح السياحة الدينية المسيحية في العالم

 ترتبط ملامح السياحة الدينية المسيحية في العالم بالمسيح والعذراء وكنائسهما أو ما يمس الإيمان المسيحى من مزارات أو معجزات، لنبدأ بالأراضى المحتلة لأنها «مربط الفرس» من تلك المنطلقات، حيث توجد كنيسة المهد وكنيسة القيامة وغيرهما من الأماكن المقدسة المسيحية.. في 2008، وصل عدد السائحين في إسرائيل لأكثر من 3 ملايين سائح، ويأتى أكبر عدد من السياح من الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة، وألمانيا، ومنهم نحو نصف مليون من دول إسلامية، وفق ما نشرت صحيفة هاآرتس، وأغلبهم يأتون من دول غير عربية مثل تركيا وإندونسيا وماليزيا، وعدد أقل من الدول العربية نحو 100 ألف من المغرب وتونس والأردن ومصر والخليج، وأضافت الصحيفة أن أعداد السائحين من الدول الإسلامية زادت بنسبة 20 ٪ مؤخرا نتيجة فتاوى مجموعة من الفقهاء في دول الخليج منذ ثلاث سنوات، الخلاصة أن إسرائيل، الدولة العدوانية، تستطيع أن تجذب سنويا من ثلاثة إلى أربعة ملايين سائح دينى، نحو نصف مليون منهم من الدول العربية والإسلامية.. لماذا؟ الإجابة لأن إسرائيل تمتلك عددا بسيطا من الشركات السياحية لا يتجاوز الخمسين شركة، ولكن كلها تمتلك فروعا لها في أهم الدول الجاذبة للسياحة الدينية بما في ذلك مصر التى كانت عدوا أساسيا وهناك قرار مجمع مقدس من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولكنها استطاعت أن تجذب شركاء لها في مصر.

فرنسا: تمثل السياحة ثلث الدخل القومى، ووصل عدد السياح عام 2011 إلى 79،5 مليون سائح، منهم 10 ٪ سياحة دينية، أى نحو ثمانية ملايين، لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة، وأغلبهم من الأمريكتين.. ويزورون كاتدرائية نترودام في باريس، وعذراء لورد وغيرهما.

إيطاليا: يزور إيطاليا نحو 43.7 مليون سائح سنويا، السياحة هى واحدة من أسرع القطاعات نموا في إيطاليا وأكثرها ربحية مع عائدات تقدر بنحو 42.7 مليار دولار.. و20 ٪ من هؤلاء يزورون الأماكن المقدسة في إيطاليا والفاتيكان، أى نحو عشرة ملايين يزورونها لزيارة الأماكن المقدسة.

إسبانيا: احتلت إسبانيا المرتبة الثانية بعد فرنسا سياحيا ويزورها 60 مليون سائح سنويا منها 15 ٪ سياحة دينية نحو 8 ملايين، وتمتلك شركات السياحة الدينية في إسبانيا شركاء وفروعا في كل دول أمريكا اللاتينية.

أمريكا اللاتينية: عدد سكانها يفوق المليار مواطن 95٪ منهم مسيحيون كاثوليك، منهم 163 مليونا يزورون 18 دولة في العالم سياحيا، وللأسف مثلا لم يزرنا في مصر عام 2017 سوى 1327 سائحا!! ولا نملك لا شركاء ولا فروعا لشركاتنا السياحية في أى دولة منها.

أيضا إننا ننسى نحو 100 مليون مسيحى في روسيا، منهم مليونان سنويا يحجون إلى القدس، وإثيوبيا وغيرهما، وأخيرا أتمنى أن نجرى أبحاثا حقيقية وليس كلمات حماسية ووقفات، وكلاما «لا يودى ولا يجيب".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العائلة المقدسة مصر الرئيس عبدالفتاح السيسي القديسة هيلانة السيد المسيح سيناء كنائس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رحلة العائلة المقدسة مسار العائلة المقدسة العائلة المقدسة من السیاحة الدینیة دیر المحرق ملیون سائح من الدول لا یوجد من أجل فی هذا فی مصر

إقرأ أيضاً:

المتحولون لحجر.. لماذا يهتم الفلكيون بـ 19 عمودا صخريا في كينيا؟

في قلب الشمال الكيني، على الضفة الغربية القاحلة لبحيرة توركانا، يقف صف من الأعمدة الصخرية الصامتة كأنها حراس لزمن نسيه العالم. يسميها السكان المحليون "ناموراتونغا"، وتعني في لغتهم المحلية "الناس المتحوّلون إلى حجر"، ولذلك قصة.

الأسطورة التي يتناقلها التركانا، وهم من أقدم الشعوب التي سكنت شمال كينيا، تقول إن ما نراه اليوم من أعمدة حجرية في ناموراتونغا لم يكن حجارة في الأصل، بل بشر من لحم ودم.

في زمن بعيد، خرجت جماعة من الناس إلى السهل الواسع قرب ضفة بحيرة توركانا للاحتفال بموسم المطر. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والأرض تفوح منها رائحة الطين والمطر، والقبيلة ترقص حول النار على إيقاع الطبول والأنغام. في تلك الليلة، تقول الأسطورة، ظهرت روح غامضة، ربما قدمت من السماء أو كانت ظلا من أرواح الأسلاف، لتباركهم وتشاركهم الرقص.

لكن البشر، وقد أسكرهم الفرح والغرور، سخروا من الروح وضحكوا منها، وربما قلدوها في رقصها، فغضبت الروح من استهزائهم، ومدت يدها فوقهم ومستهم بلعنة أبدية، وفي لحظة خاطفة تجمد العازفون والراقصون في أماكنهم، وانطفأت النيران، وسكن صوت الطبول. عندما بزغ الفجر، كانت أجسادهم قد تحوّلت إلى أعمدة من حجر أسود، واقفة في صمت كامل، تنظر إلى الأفق الذي كانوا يرقصون نحوه.

ومنذ ذلك اليوم، تقول الأمهات لأطفالهن: "لا تضحك من الأرواح حين تمر في الريح، فهؤلاء الحجارة كانوا مثلنا، حتى نادوا السخرية، فاستجابت لهم اللعنة".

ويحكي الشيوخ أن كل حجر من الأعمدة الـ19 يحمل اسما، ويقال إن بعضها يميل قليلا لأن روح صاحبه لا تزال تحاول التحرر من الصمت. أما عندما تهب الرياح القوية ليلا، فيُسمع من بين الحجارة صوت يشبه الهمهمة أو الغناء البعيد، يعتقد البعض أنه أنين الراقصين الملعونين، يروون للأجيال القادمة قصة خطيئتهم القديمة.

إعلان

لكن خلف هذه الأسطورة، تكمن قصة أخرى، علمية هذه المرة، عن أول مرصد فلكي في أفريقيا جنوب الصحراء، وعن عقول بشرية حاولت منذ أكثر من ألفي عام أن تربط بين حركة السماء وإيقاع الحياة على الأرض.

نجوم كوكبة الجبار (الجزيرة)لغز الأعمدة الـ19

في عام 1978، وبينما كان عالم الأنثروبولوجيا مارك لينش يعمل على أطروحته للدكتوراه بجامعة ولاية ميشيغان، اكتشف موقعا مدهشا قرب قرية كالاكول، يتمثل في دائرة من 19 عمودا بازلتيا غرست في الأرض بزوايا دقيقة، وتحيط بها أحجار أصغر تشكل ما يشبه السياج الحجري. بدا المشهد كأن الطبيعة رتبت حجارتها بعناية هندسية، لكن الفحص القريب كشف أن الأمر من صنع الإنسان.

الصخور البازلتية جُلبت من مرتفعات لوسيدوك المجاورة، وأُقيمت الأعمدة لتقف في اتجاهات مختلفة، بعضها مائل قليلا، وكأنها تومئ إلى شيء في الأفق البعيد، بالقرب منها اكتشف قبر قديم تحيط به ألواح حجرية قائمة، وتشير التحاليل إلى أن كلا الموقعين يعودان إلى حوالي عام 300 قبل الميلاد، أي في وقت تزامن مع بدايات الرعي المنظم في شرق أفريقيا.

ما أثار لينش لم يكن شكل الأعمدة فحسب، بل اتجاهاتها، فحين قارنها بالنجوم التي اعتمد عليها شعب البورانا، وهم من المتحدثين باللغات الكوشية في إثيوبيا المجاورة، لاحظ تطابقا غريبا.

يستخدم البورانا تقويما قمريا من 12 شهرا (354 يومًا) يعتمد على مطالع 7 نجوم ومجموعات نجمية هي الثريا والدبران والمرزم، ونجوم حزام الجبار وسيف الجبار، والشعرى اليمانية ونجوم من كوكبة المثلث.

عند مقارنة اتجاهات الأعمدة الـ19 بخطوط شروق وغروب هذه النجوم في سماء عام 300 قبل الميلاد، وجد لينش أن التطابق مذهل إلى درجة يصعب أن يكون مصادفة، وهكذا وُلدت الفرضية: ناموراتونغا كانت تقويما حجريا سماويا، يرشد الرعاة والمزارعين إلى مواقيت المطر، ويحدد مواعيد الطقوس الموسمية التي تربط الأرض بالسماء.

كتابات على الصخور في هذا الموقع (الصحافة الكينية)صراع القياسات بين العلم والحجر

لكن كما هي الحال في كثير من الاكتشافات المثيرة، لم يسلَم الموقع من الجدل. ففي الثمانينيات، أعاد الباحث روبرت سوبر قياس الاتجاهات، ليكتشف أن الحجارة تحتوي على مغنيتيت يسبب انحرافا في البوصلة. واعتبر أن حسابات لينش قد تكون مضلِّلة.

غير أن فريقا آخر من مركز أبحاث ناسا آمِس بقيادة لورنس دويل وتوم ويلكوكس عاد إلى الموقع، وبدلا من استخدام قواعد الأعمدة، قاس اتجاهات قممها، وكانت النتيجة مثيرة من جديد، فبعد تصحيح الأخطاء المغناطيسية، أجرى الفريق اختبارات إحصائية أظهرت أن هناك احتمالًا ضئيلًا جدًا (أقل من 1%) أن تكون تلك المحاذاة مع النجوم قد حدثت مصادفة.

قال دويل في تقريره: "يبدو أن الأعمدة صُمّمت لمتابعة مواقع نجوم تقويم البورانا كما كانت في عام 300 قبل الميلاد"، ومع ذلك، ظل العلماء حذرين. فكما قال دويل لاحقا: "قد تكون ناموراتونغا مرصدا فلكيا قديما، لكن إثبات ذلك بشكل قاطع يحتاج إلى مزيد من الحفريات والأدلة".

يبدو أن الأعمدة صُمّمت لمتابعة مواقع نجوم تقويم البورانا (غيتي)صدى من الضفة الأخرى

على الجهة الشرقية من بحيرة توركانا، اكتُشف موقع آخر اسمه جاريغول، يحتوي على 28 عمودًا فوق منصة بيضاوية الشكل، مع أكوام من الحجارة وقطع من فخار النّدِريت المميز بثقافة الرعاة الأوائل.

إعلان

تشير الدلائل إلى أن جاريغول أقدم من ناموراتونغا بحوالي ألفي عام، أي نحو عام 2000 قبل الميلاد. لكن العديد من أعمدته مائلة أو منقلبة، مما يجعل تحديد أي اتجاه فلكي صعبا، ويُرجح أن الموقع كان في الأساس مقبرة طقسية أكثر من كونه مرصدا.

تفتح هذه الاكتشافات بابًا واسعًا لتساؤلات جديدة: هل كانت هناك حضارة رعاة فلكية امتدت حول بحيرة توركانا؟ وهل ورث أهل ناموراتونغا رموز السماء من أسلافٍ أقدم في جاريغول؟ أم أن التشابه بين المواقع مجرد مصادفة أخرى في المسار الطويل للإنسان مع النجوم؟

المشكلة الكبرى في دراسة مثل هذه المواقع هي تحديد عمر الحجارة بدقة، فالحجر لا يحتوي على مادة عضوية تصلح للكربون المشع.

لكن روبينز، أحد أبرز علماء الآثار العاملين في المنطقة، اقترح استخدام تقنية التحفيز الضوئي المحفوظ التي تحدد متى تعرّض الرمل أسفل الحجارة لآخر ضوء شمسي قبل دفنه.

فلو أمكن استخراج عينات من الرواسب تحت كل عمود، فسيعرف العلماء متى حُفرت الحفرة وغُرس الحجر، أي متى بدأ التقويم السماوي بالعمل.

ما وراء الزمن والحجر

قد تكون ناموراتونغا تقويما فلكيا، أو مقبرة طقسية، أو كلاهما معا. وربما كانت مكانا يحتفل فيه القدماء باتحاد الشمس والقمر والمطر والحياة، لكن الأكيد أنها كانت رمزا لهوية جماعية، وشاهدا على قدرة الإنسان الأفريقي القديم على المزج بين الطقوس والحساب الفلكي.

حتى اليوم، لا تزال الحجارة قائمة، يمر بينها الريح ويغني الرعاة أغنيتهم القديمة:

"من يدري كيف صُنعت الحجارة الراقصة؟
من يدري كيف تُوقد نار ناموراتونغا؟"

ربما لا أحد يدري حقا، لكن في تلك الحجارة التي تحدق في الأفق، يظل هناك وعد بأن الإنسان، في أي زمن أو مكان، كان دوما يرفع رأسه نحو السماء، باحثا عن معنى.

مقالات مشابهة

  • «سيدتى» مع وسيم السيسي فى نادى اليخت
  • محافظ دمياط يشيد بجهود الهيئة الاقليمية لتنشيط السياحة
  • «دام لمصر عزها».. بيومي فؤاد يحتفي بالرئيس السيسي بعد قمة شرم الشيخ للسلام
  • قيادي بمستقبل وطن: الرئيس السيسي أعاد لمصر ريادتها ودورها التاريخي
  • رئيس غرفة شركات السياحة: قمة السلام تمثل حدثاً طط يؤكد المكانة الدولية المرموقة لمصر
  • عمرو فتوح: اتفاق غزة من شرم الشيخ إنجاز دبلوماسي وتاريخي لمصر بقيادة الرئيس السيسي
  • شركات السياحة: قمة السلام تمثل حدثاً استثنائياً يؤكد المكانة الدولية المرموقة لمصر
  • غزة تصلي من جديد.. إقامة أول قداس في القطاع بعد عامين من الحرب
  • من يهتم؟.. ترامب داعيًا الرئيس الإسرائيلي للعفو عن نتنياهو
  • المتحولون لحجر.. لماذا يهتم الفلكيون بـ 19 عمودا صخريا في كينيا؟